في تمام الساعة السابعة بتوقيت بيروت (الخامسة بتوقيت غرينتش) من صباح غد الأحد، السادس من مايو/آيار، يتوجه اللبنانيون صوب صناديق الاقتراع لانتخاب 128 نائبًا من بين 976 مرشحًا في انتخابات تشريعية هي الأولى من نوعها منذ 2009.
ساعات قليلة تفصل اللبنانيين عن استحقاق دستوري طال انتظاره في أعقاب الفشل في سن قانون انتخابي جديد تجرى انتخابات جديدة من خلاله، ما دفع إلى التمديد لمجلس النواب الأخير المنتخب 3 مرات متتالية، كانت المرة الأولى في عام 2013 والثانية في عام 2015 والثالثة في عام 2017.
تكهنات عدة وسيناريوهات متباينة وآمال يعقدها الكثيرون على نتائج هذه الانتخابات التي ينظر إليها البعض على أنها القشة التي ستنقذ لبنان من الوقوع في براثن الفوضى والتفتت بعدما وصل الاحتقان السياسي بين القوى الداخلية إلى أقصى درجاته، فيما يقلل آخرون من قدرتها على إحداث أي حراك مؤثر في مياه السياسة اللبنانية الراكدة.
قانون مثير للجدل
الملفت للنظر أن رجم قانون الانتخاب النيابي الجديد الذي أُقر بعد مداولات استمرت قرابة الـ9 سنوات، بات السمة المشتركة لجميع القوى دون استثناء، خاصة بعد ما صار جليًا أنه يخدم فئة محددة من المتمتعين بالنفوذ المالي والسياسي وهو ما يضع المساواة وروح الديمقراطية المزعومة على المحك.
ومن هنا باتت المهمة الأصعب على جدول أعمال المجلس القادم تتمثل في البحث عن قانون جديد قادر على تأمين العدالة والمساواة بين جميع اللبنانيين ويملك مقومات تأمين الاستقرار السياسي والثبات القانوني، إذ لم يعد مسموحًا أن يُقرّ قانون لكل انتخابات، كما أنه ليس من المنطقي أن يلتزم الجميع بقانون غير مرضي عنه بهذه الصورة.
“نون بوست” في تقرير سابق له تطرق إلى أنه رغم التفاؤل الحذر حيال القانون الجديد وما يمكن أن يلعبه من دور في تحريك المياه الراكدة في المشهد السياسي الانتخابي فضلاً عن دفنه للقانون الأكثري السابق، فإنه لاقى اعتراضات كبيرة من قوى المجتمع المدني والأحزاب الوطنية غير الطائفية والأحزاب الصغرى، تمحورت في 5 قنابل موقوتة.
القنبلة الأولى تمثلت في تعزيز الخطاب الطائفي عبر تقسيم الدوائر والمقاعد بالشكل الذي ورد في القانون بما يحد من التنوع في الدوائر الانتخابية، بينما تذهب القنبلة الثانية إلى تفعيل الرشوة الانتخابية الشرعية، إذ تتيح التعديلات الجديدة لأصحاب الأموال شراء الأصوات التي تضمن نجاحهم بصورة كاملة.
علاوة على ذلك تجاهل حق المغتربين في أن يكون لهم مقاعد خاصة بهم كحصة برلمانية، إضافة إلى بعض التعديلات التي تضعف عملية المشاركة في الانتخابات، منها على سبيل المثال اشتراط تصويت الناخب في مقر سكنه المدون في هويته وليس مقر إقامته أو وظيفته، هذا بخلاف إغفال كوتة المرأة وتخفيض سن الاقتراع.
يتوجه اللبنانيون صوب صناديق الاقتراع لانتخاب 128 نائبًا من بين 976 مرشحًا في انتخابات هي الأولى من نوعها منذ 2009
قلق من تأثير المال السياسي على عدالة الانتخابات والمساواة بين المرشحين
معركة غير متكافئة
من الواضح مبكرًا وفق الشواهد الأخيرة منذ إعلان أسماء المشاركين في الماراثون الانتخابي وما سبقه بشأن تعديلات القانون الجديد أن المعركة غير متكافئة وتفتقد للعدالة والمساواة.
فبالنظر إلى الموارد الموضوعة بتصرف 16 وزيرًا مرشحًا في الحكومة الراهنة، وأحزابهم وتياراتهم، وما يمكن أن يوظفوه من موارد الدولة لصالح حملاتهم الانتخابية مستغلين نفوذهم السياسي، يتضح أن فكرة المساواة ليست سوى شعارات مرفوعة بعيدة عن الواقع تمامًا.
وبخلاف ذوي السلطة والنفوذ السياسي، فإن تعديلات القانون الجديد قدمت المقاعد البرلمانية على طبق من ذهب لأصحاب المال، إذ فتحت الباب لشراء الصوت الانتخابي الذي ربما يصل قيمته إلى أضعاف ما كان في السابق، وهو ما لا يقدر عليه المرشحون العاديون من غير أباطرة المال.
فإذا كان إجمالي الإنفاق الممكن في الانتخابات الحاليّة يصل إلى 700 مليون دولار بحسب القانون الجديد، فإن تلال الأموال النقدية الموجودة في المكاتب الانتخابية التي تستعمل لشراء الأصوات، بعيدًا عن القدرات الرقابية لهيئة الإشراف على الانتخابات، تؤكد أن الرقم الفعلي للإنفاق الانتخابي لن يقل عن مليار دولار، ما يعني أن من معه المال يستطيع الحسم مبكرًا من الجولة الأولى، وهو ما يشكك في عدالة الماراثون الانتخابي برمته.
نتائج الانتخابات القادمة لن تشهد تغييرًا كبيرًا عن سابقتها رغم تغير النظام الانتخابي، وأن توزيع 128 مقعدًا سيكون متقاربًا بصورة كبيرة مع خريطة المجلس في دورته الأخيرة
خريطة التحالفات
السمة الأبرز لخريطة المواجهة السياسية في الانتخابات اللبنانية التنافس المحموم بين تيار المستقبل وحزب الله، وهو التنافس الذي وصل في بعض مراحله إلى حد الصراع العنيف، وهو ما يجسده الخطاب السياسي للمستقبل الذي يحذر من حصول الحزب الممول إيرانيًا وحلفائه (حركة أمل) على نسبة ليست بالقليلة من المقاعد.
حزب الله بجانب حركة أمل يخوضان الانتخابات جنبًا إلى جنب في الدوائر الانتخابية المشتركة، في محاولة لغلق الأبواب كافة أمام المنافسين خاصة في المناطق الجنوبية، غير أنهما يخوضان معارك شرسة للمرة الأولى، في بعض الدوائر التي كانت في السابق تحت إمرتهما، كما في بعلبك – الهرمل.
وفي الجانب الآخر يخوض تيار المستقبل الانتخابات في محاولة للبقاء على هيمنته على المجلس بما يسمح له بتشكيل الحكومة مستقبلًا، ورغم أن هذه الانتخابات ستبقي على زعامة سعد الحريري للطائفة السنية، فإنها في الوقت ذاته ستنهي مرحلة احتكاره لتمثيل الطائفة، خاصة في ظل وجود منافسين أقوياء له من المرجح أن يفوزوا بمقاعد، أبرزهم نجيب ميقاتي وعبد الرحيم مراد وأسامة سعد وجهاد الصمد وأشرف ريفي وفيصل كرامي.
تحدٍ آخر ربما تواجهه القوى السياسية اللبنانية كافة، بما فيها المستقبل وحزب الله وأمل والتيار الوطني الحر، تتمثل في توزيع الأصوات التفضيلية في اللوائح التي يشاركون فيها بأكثر من مرشح، وتلك معركة كاشفة لحجم كل حزب أو فصيل على أرض الواقع بصورة كبيرة بعيدًا عن الشعارات المرفوعة هنا وهناك.
وفي المجمل فإن هناك 3 ملاحظات على خريطة التحالفات السياسية في الانتخابات اللبنانية أولها: البراجماتية في التحالف، بما يعني تراجع البُعد الأيدلوجي في بناء مثل هذه التحالفات، حيث تحالفت بعض القوى السياسية في دوائر انتخابية معينة والتنافس في أخرى، فالهدف الأساسي لكل القوى حصد أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية، مثل “التيار الوطني الحر” المتحالف مع “حركة أمل” في دائرة بعبدا، فيما يتنافسان في دائرة صيدا – جزين.
أما السمة الثانية فتتمثل في تفكيك الطوائف، إذ ساهمت النسبية في تأجيج التنافس داخل الطائفة الواحدة، حيث أصبح بمقدور كل شخص الترشح بشكل مستقل بعيدًا عن لائحة طائفته، وذلك بالانضمام إلى لوائح المجتمع المدني (المستقلين)، ثم السمة الأبرز وهي تصاعد الاستقطاب، لا سيما بين حزب الله وتيار المستقبل، وهو الاستقطاب الذي دفع كل من الحريري ونصر الله إلى المشاركة الميدانية في غالبية الأنشطة الدعائية والقيام بجولات متعددة من أجل حشد أكبر قدر من المؤيدين.
تحديات صعبة أمام تيار المستقبل
من الواضح مبكرًا وفق الشواهد الأخيرة منذ إعلان أسماء المشاركين في الماراثون الانتخابي وما سبقه بشأن تعديلات القانون الجديد أن المعركة غير متكافئة وتفتقد للعدالة والمساواة
لا أغلبية واضحة
المؤشرات السابقة تذهب – وفق عدد من المراقبين – إلى أن نتائج الانتخابات القادمة لن تشهد تغييرًا كبيرًا عن سابقتها رغم تغير النظام الانتخابي، وأن توزيع 128 مقعدًا سيكون متقاربًا بصورة كبيرة مع خريطة المجلس في دورته الأخيرة.
مركز المستقبل اللبناني للدراسات والأبحاث المتقدمة في دراسة له أشار إلى احتمالية تصدر “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر”، حيث يتوقع حصولهما على ما يزيد على 20 مقعدًا فأكثر لكل منهما، كذلك حصول كل من كتلة “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، على عدد متوسط من المقاعد، وكذلك “حزب الله” و”حركة أمل”، فقد يتراوح عدد مقاعدهم ما بين 10 إلى 15 مقعدًا لكل منهم.
أما “حزب الكتائب” و”كتلة تيار المردة” و”الحزب القومي السوري” و”كتلة حزب الطاشناق”، بالإضافة إلى المستقلين فلم يتجاوزوا 5 مقاعد أو أقل لكل منهم، ومن هنا فلن تكون هناك أغلبية واضحة لفريق معين، وهو ما قد يؤدي إلى اللجوء لتشكيل حكومة ائتلافية شبيهة بالحكومة الحاليّة، مع احتمال ضم “حزب الكتائب اللبنانية” إليها.
بعيدًا عما تفرزه انتخابات الـ6 من مايو/آيار من نتائج، غير أنها تمثل خطوة مهمة نحو دخول بيروت عصر النسبية متخلصة في ذلك من القانون القديم الذي كان بمثابة حائط صد أمام العملية الديمقراطية التي ينشدها ملايين اللبنانيين، إلا أن مصير دولة بحجم لبنان لا تقرره انتخابات تجري وفق قانون رجمه الجميع، ولا حملات دعائية سيطر المال السياسي عليها، وهو ما يضع مستقبل هذا البلد تحديًا أمام البرلمان القادم في محاولة لوضع ثوابت وأسس جديدة قادرة على تحقيق آمال الشعب اللبناني.