ترجمة: حفصة جودة
دخلت دولة الاحتلال الإسرائيلي مرحلة جديدة في الصراع مع الفلسطينيين أصحاب الحق والأرض تجاوزت هذه المرة الخلافات السياسية القائمة كافة، ووصلت لباب القومية والعنصرية التي باتت تستهدف وجودهم وحياتهم على أرضهم المحتلة.
“إسرائيل” التي تستغل الظروف المحلية والعربية والدولية جيدًا لخدمة مخططاتها العنصرية والتهودية وتسير على قاعدة “قانون القوة والعربدة”، تُسابق الزمن لتنفيذها على أرض الواقع ودائمًا ما كان الفلسطينيون الضحية والذين يدفعون الثمن غاليًا أمام عالم يلعب دور المشاهد.
“قانون القومية” الذي يعتبر “إسرائيل” الوطن القومي لليهود والقدس عاصمة “إسرائيل”، كان آخر القوانين العنصرية التي أقرها الكنيست الإسرائيلي لينتهك فيها مبادئ القانون الدولي، ويفتح بابًا جديدًا من الصراع مع الفلسطينيين سيصعب إغلاقه.
تفاصيل القانون العنصري
صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى على قانون “القومية” أو ما بات يعرف بقانون أساس “إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي”، حيث صوت لجانب القانون 64 نائبًا مقابل معارضة 50.
وتشدد بنود القانون على أن الرموز اليهودية والصهيونية هي الأساس في النشيد الوطني وعلم الدولة، مع منح الأفضلية للطابع اليهودي على النظام الديمقراطي، على أن يضمن التشريع لكل مواطن ودون تمييز الحفاظ على ثقافته وتراثه، وتكون الدولة صاحبة الحق في إقامة بلدات خاصة بالمجموعات الدينية وأبناء القومية الواحدة.
يتضمن مشروع القانون بندًا يسمح بإقامة بلدات لليهود فقط، ومنع غير اليهود من السكن فيها، كما يعطي القانون الجديد مكانة عليا للغة العبرية، بداعي أنها “لغة الدولة”
وبموجب صيغة مشروع القانون الجديدة، سيتم جعل المحكمة العليا تفضل الطابع اليهودي للدولة على القيم الديمقراطية عندما يحصل تناقض بينهما، بيد أن كلمة ديمقراطية لا تظهر حاليًّا في مشروع القانون الذي سيدخل عليها تعديلات قبل التصويت عليها بالقراءة الثانية.
ويتضمن مشروع القانون بندًا يسمح بإقامة بلدات لليهود فقط، ومنع غير اليهود من السكن فيها، كما يعطي القانون الجديد مكانة عليا للغة العبرية، بداعي أنها “لغة الدولة”، أما اللغة العربية فسيكون لها “مكانة خاصة” وتوفر للمتحدثين بها المثالية لخدمات الدولة.
ويمثل “قانون القومية” خطرًا كبيرًا على وجود فلسطيني الداخل الذين فُرض عليهم حمل الجنسية الإسرائيلية، ويحولهم إلى مجرد سكان “عالة” على الدولة “إسرائيل” دون أي حقوق واضحة أو امتيازات كأي مواطن آخر.
هذا وبيَّن رئيس الشاباك الأسبق مقدم القانون آفي ديختر، أن هدف القانون حماية مكانة “إسرائيل” كوطن للشعب اليهودي بشكل يكون مثبتًا في القانون الأساسي، مما يصنف “إسرائيل” كدولة يهودية ديمقراطية.
وقال: “من لا ينتمي للأمة اليهودية لا يمكن أن يعرف دولة “إسرائيل” كدولة قومية، لن يتمكن الفلسطينيون من تعريف “إسرائيل” كدولة قومية”، مضيفًا أن قانون الجنسية شهادة التأمين التي نتركها للجيل القادم.
وتطرق ديختر إلى مساس القانون بمكانة اللغة العربية قائلاً: “وضع اللغة العربية لا يتأذى فيما يتعلق بالوضع الحاليّ، والجميع يفهم أن هذا هو الفأس الذي يحاولون استخدامه بشكل غير عادل”.
قال الوزير ياريف ليفين: “قانون القومية يعبر بطريقة راقية عن رؤية هرتسل بأن دولة “إسرائيل” هي أولاً وقبل كل شيء الدولة القومية للشعب اليهودي”
وأضاف ديختر “عشرات الدول على علمها رموز وصلبان ويعتاش بداخلها أقليات، لكن لا يوجد أي مطالبة في أي بلد لإزالة الصليب أو إضافة رمز آخر إليه”.
من جانبه، قال الوزير ياريف ليفين: “قانون القومية يعبر بطريقة راقية عن رؤية هرتسل بأن دولة “إسرائيل” هي أولاً وقبل كل شيء الدولة القومية للشعب اليهودي”.
ويعيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 نحو 1.5 مليون فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية، يطلق عليهم “عرب 48″، وهم الذين بقوا في قراهم وبلداتهم بعد حرب 1948، التي تمكنت على إثرها الجماعات الصهيونية بمساعدة الانتداب البريطاني من احتلال أجزاء من فلسطين، وتلا ذلك اعتراف الأمم المتحدة بقيام دولة “إسرائيل” على هذه الأراضي المحتلة التي شرد معظم سكانها الفلسطينيين الأصليين.
وتمارس “إسرائيل” ضد هؤلاء شتى أشكال التمييز العنصري من تهجير واضطهاد وإهمال وملاحقة وحرمان من أبسط الحقوق الأساسية، بهدف التنغيص عليهم ودفعهم إلى الهجرة من أرضهم.
عنصرية “إسرائيل”
جمال زحالقة رئيس الكتلة البرلمانية للقائمة المشتركة في “الكنيست” وصف مشروع “قانون القومية” بأنه أخطر القوانين العنصرية التي طرحت في الكنيست منذ عشرات السنين، حيث ينص القانون على أنه فوق كل القوانين وهي تخضع له ولمضمونه بالكامل.
وقال زحالقة: “القانون المقترح جاء لتعزيز نظام الدولة اليهودية ولجعل مبدأ الدولة اليهودية فوق أي اعتبار قانوني آخر مما يمنح شرعية قضائية للتمييز العنصري القائم ويفتح الباب أمام المزيد”.
وأكد أن اعتبار الدولة ملكًا للشعب اليهودي وله وحده واعتبار ذلك المبدأ الناظم لبنية النظام والدولة والحكم، يؤسس قانونيًا لحرمان اللاجئين من العودة ولنوعين من المواطنة، واحدة لليهود مبينة على امتيازات وأخرى للعرب وأساسها حقوق منقوصة، وهذا هو نظام أبرتهايد عنصري.
وقال زحالقة: “لن نخضع لهذه العنصرية ولن نتكيّف مع نظامها، وإذا كان النظام القائم عاجزًا عن توفير مواطنة متساوية للجميع فيجب تفكيكه من أساسه وإقامة نظام دولة لكل المواطنين”، مضيفًا ” لسنا أمام عنصرية فقط بل تحديدًا عنصرية استعمارية، والقانون المقترح يؤكد ذلك من خلال بند يتيح إقامة مستوطنات لمجموعات من دين واحد أو قومية واحدة، والهدف واضح وهو فصل عنصري بالقانون”.
بدوره، قال النائب يوسف جبارين: “مشروع القانون يكشف “إسرائيل” كدولة عنصرية ودولة أبرتهايد”، مشيرًا إلى تحذيرات النائب توفيق طوبي في الثمانينيات عندما قال في الكنيست إن تعريف “إسرائيل” كدولة الشعب اليهودي يعني ترسيخ مكانة المواطنين العرب كمواطنين من درجة ثانية، وإنهم مواطنون بلا دولة، ويعيشون في وطنهم بفضل “كرم الدولة الإسرائيلية” وليس كأصحاب حق.
في تعقيبها على القانون “الإسرائيلي” الجديد قالت منظمة العفو الدولية: “قانون القومية يصادر مفهوم الدولة التي في صلبها ملك لجميع مواطنيها، ويحول الدولة إلى بيت قومي للشعب اليهودي فقط”
وأشار إلى البند الذي يقر أن الحق بتحقيق تقرير المصير القومي في دولة “إسرائيل” هو حق حصري للشعب اليهودي، مؤكدًا أن القانون لا يعترف بأي حق لأي مجموعة “غير يهودية” في تقرير المصير، ولا يعترف بأن هذه البلاد موطن شعب آخر، هو الشعب الفلسطيني، ويتحوّل العرب الفلسطينيون في ظل هذا التعريف المقترح إلى مواطني دولة تعلن عبر قاعدتها الدستورية المركزية أنها ليست وطنهم القومي وتحوّلهم بذلك إلى غرباء في وطنهم.
وفي تعقيبها على القانون الإسرائيلي الجديد قالت منظمة العفو الدولية: “قانون القومية يصادر مفهوم الدولة التي في صلبها ملك لجميع مواطنيها، ويحول الدولة إلى بيت قومي للشعب اليهودي فقط”.
وأضافت المنظمة الدولية “ليس جديدًا على “إسرائيل” سياسة الفصل العنصري ضد المواطنين غير اليهود بشكل عام والفلسطينيين مواطني “إسرائيل” بشكل خاص، الجديد في هذه الحالة هو تقنين وتشريع سياسة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين في “إسرائيل” لتصل إلى التجمعات السكانية واللغة وهوية والمواطنة