فضول، فتجربة، فإدمان، ثلاث خطوات بسيطة تحكم على نسبة هائلة من الشباب التونسي بالاستسلام إلى مستعبد وقتهم ومالهم وهو ما يسمى بلعبة الرهان الرياضي “البلانات وين”، فرغم أنها لعبة مرفوضة قانونيًا إلا أن البلانات كما تعرف بلغة الشارع تظل الموقع الأكثر استقطابًا للحرفاء على حساب الألعاب الأخرى ولعل أشهرها البروموسبور، حيث أصبحنا في الآونة الأخيرة كثيرًا ما نسمع أخبارًا عن إلقاء القبض على مجموعة من الشباب بصدد تعاطي لعبة البلانات أو إيقاف صاحب محل للعب البلانات.
مستجداتٌ أصبحت تثير الاستغراب لدى التونسيين وتطرح جدلاً كبيرًا عن هذه الظاهرة التي تكتسب نسق تفاقم وانتشار كبيرين في كامل مناطق البلاد.
البلانات.. خندق للإدمان
كأن شبابنا في حاجة إلى مزيد من تهافت الآفات والمغريات عليه من كل صوب وحدب التي تذهب عقله وتتلف دوره في المجتمع، فبالإضافة إلى السلوكيات العديدة التي فتكت بجسده وفكره، نجد البلانات اليوم تستحوذ على وقته وماله أيضًا، وهي ظاهرة تدق ناقوس الخطر وترفع إشعار ضرورة التدخل لإنقاذهم من خندق إدمان هذا النوع من الألعاب.
لعبة ممنوعة قانونيًا ولا تخضع لإشراف الدولة أو الشركة التونسية للرياضة، بل تنتمي إلى السوق السوداء لمكانتها غير القانونية ولما تقوم به من تهريب للعملة؛ الأمر المضر باقتصاد البلاد
البلانات وين 365 أو البي_وين موقع ألعاب الرهان الإلكتروني على المسابقات الرياضية، ومن أكثر المواقع المعتمدة في الرهان الرياضي في تونس.
البلانات تشبه كثيرًا لعبة البرومسبور في عملية تطبيقها من متابعة للمسابقات وتكهن بالنتائج لتختم بالحصول على قيمة مالية في حالة الفوز بالرهان، وتعتمد العملات الأجنبية في معاملاتها، وباعتبارها أحد أنواع “القمار” فهي لعبة ممنوعة قانونيًا ولا تخضع لإشراف الدولة أو الشركة التونسية للرياضة، بل تنتمي إلى السوق السوداء لمكانتها غير القانونية ولما تقوم به من تهريب للعملة الأمر المضر باقتصاد البلاد، مع ذلك اكتسبت هذه الظاهرة إقبالاً كبيرًا من هواة الرهان على المسابقات الرياضية الوطنية والعالمية من جميع الفئات العمرية خاصة الشباب.
الرهان الرياضي.. خبزٌ يومي للشباب
وسط طابور طويل يقف “ياسين” شاب في السادسة والعشرين من عمره، يحمل في يده قصاصة اللعب، يتقدم إلى واجهة كشك صغير في زاوية شارع رئيسي، حين يأتي دوره، بيد مرتعشة يمد القصاصة نحو صاحب المحل الواقف من الجهة المقابلة دون أن ينطق بكلمة، دون الحاجة للكلام بينهما لأن هذا الموقف يتكرر لياسين والسيد صاحب المحل يوميًا وقد يصل إلى حدود المرتين أو الثلاث مرات في بعض الأحيان.
فرقعة الأصابع التي أخذ يكررها ياسين تعبر عن حالة التوتر التي تحاصره في تلك اللحظة، يبتسم الرجل بعد أن يقوم بعملية تشبه الحسابية على الآلة الإلكترونية أمامه، وحين يستكمل استخراج الوثيقة في شكل جديد يرجعها إلى صاحبها مصحوبة بمبلغ مالي تلمع له عينا الشاب ويفصح على إثرها عن ابتسامة جريئة تعلن انتصارًا كان له رقيب.
ياسين عينة لعدد كبير من الشباب التونسي الذين يعانون البطالة ممن دفعتهم الحاجة إلى خوض غمار “القمار الإلكتروني” لمجابهة الفقر ومصاعب الحياة والحصول على المال
تقريبًا هذا ما يفعله الشاب ياسين منذ مدة ستة أشهر على التوالي، تحول تعاطيه المتواصل للعبة البلانات وين إلى إدمان لم يستطع التخلي عنه، يقول ياسين “أنا حاصل على شهادة تخرج في الإعلامية ومنذ ثلاث سنوات وأنا على سدة البطالة شأني شأن آلاف التونسيين أصحاب الشهادات العليا، وها انا أجد في هذه اللعبة مصدرًا للمال ولو كان قليلاً مع انعدامه أحيانًا، فليس دائمًا ما يحالفني الحظ وأفوز بالرهان، لكن على الأقل أجد سبيلاً أستدر به المال لأنفق على نفسي، ورغم عدم اقتناعي بهذه الممارسة فإنني في حاجة لمتابعتها، أضف إلى ذلك أنني أصبحت مدمنًا عليها فعليًا وقد حاولت مسبقًا التخلي عنها لكنني لم أفلح فقد أصبحت هاجسًا لديّ خاصة أن الربح المتواصل يحفزني على مواصلة اللعب”.
ياسين عينة لعدد كبير من الشباب التونسي الذين يعانون البطالة ممن دفعتهم الحاجة إلى خوض غمار “القمار الإلكتروني” لمجابهة الفقر ومصاعب الحياة والحصول على المال.
شباب يحمّل إدمانه على هذه اللعبة إلى مسؤولية الدولة التي لم توفر فرص العمل وزادت من أزمتهم باستنزاف الحلم الضئيل في التشغيل وبغلاء الأسعار، “فقد أصبح الأمر لا يطاق” هكذا عبر محمد – صاحب محل إنترنت بأحد شوارع العاصمة يتم إجراءات لعب ورق البلانات وين خلسة -واصفًا الأوضاع التي دفعت بالشباب التونسي للهروب إلى تعاطي هذه اللعبة إلى حد الإدمان.
نلعب لنمرح أم نلعب لنكسب؟
ليست الحاجة والبطالة فقط الدواعي التي تدفع الشباب لتعاطي لعبة القمار الإلكتروني الممنوع التي لا تخضع إلى النظم القانونية المتفق عليها في مجال الرهان، إنما الحلم بالثراء السريع كذلك الحصول على الربح السهل دون تطلب جهد كبير هو ما يجعل كثيرًا من الشباب يُقبل بصورة كبيرة على هذا الرهان الرياضي الجديد.
فمثلما نجد “البطال” والطالب والتلميذ كذلك نجد الموظفين وأصحاب الدخل الأدنى والعالي في سباق وراء تجارة الوهم وضربة الحظ ، يتسابقون نحو الثراء السريع في المقاهي وأمام أكشاك نقاط البيع أو وراء حواسيبهم وهواتفهم، يأخذهم إدمانهم إلى تعمير القصاصات مرتين أو أكثر في كل يوم بقيمة أكثر من عشرة دينارات.
وبالإضافة إلى عامل التطور التكنولوجي والتقني الذي ساهم في انتشار هذه اللعبة، فإن البلانات على عكس البروموسبور التي يكون فيها الرهان على موعد مع مباريات آخر الأسبوع، فإنها تتميز عن بقية الألعاب بكونها تفتح اللعب والمقامرة يوميًا على رياضات العالم الجماعية والفردية والافتراضية في أي دولة في العالم، وتوفر نتائج ربح يمكن أن تكون بشكل يومي كما توفر إستراتيجية الربح المتكرر للعب، امتيازات تشجع الشباب على الإقبال عليها وتستقطب المتراهنين لتعاطيها حد الإدمان.
الشره على البي_وين في التفسير البسيكولوجي
يفسر علم النفس هذه الظاهرة المتفشية في المجتمع بسيطرة الطمع على اللاعبين في الحصول على المال السهل مع غياب موارد الرزق أو شحها في الواقع المعيشي الراهن، خصوصًا أمام المتخرجين العاطلين عن العمل والطلبة وأصحاب الدخل المحدود.
الحاجة إلى المال وضرورة تلبية الرغبات المعيشية التي يفرضها نمط الحياة اليوم من حيث الطعام واللباس والترفيه؛ يضع المواطن في حاجة دائمة الى زيادة المداخيل المادية لتحقيق موازنة مع المصاريف، وحتمية إيجاد حلول بديلة تضطر البعض إلى سلك طرق ملتوية، فمثلما سقط البعض في خندق التدين يجد البعض الآخر الحل في الإقبال على ألعاب الرهان.
بتوفر حاسوب وإنترنت وقليل من الحظ تصنع فئة من الشباب التونسي قوتها اليومي
من الممكن أن يكون عامل الفراغ أيضًا سببًا في توجه الشباب نحو هذا النوع من الألعاب واندماجهم في هذا العالم الخفي، فغياب الدور العائلي مثلاً يساهم في تفاقم هذه الظاهرة في صفوف الشباب الذي يحتاج التوعية والإرشاد وكذلك النشاطات التثقيفية والتوعوية والمساحات التي تعطي قيمة للشباب وتفسح لهم مجالاً للتعبير والإبداع وتمنحهم رادعًا ذاتيًا نفسيًا يحميهم الآفات التي تهددهم.
بتوفر حاسوب وإنترنت وقليل من الحظ تصنع فئة من الشباب التونسي قوتها اليومي، وعلى جملة من الحسابات والمعادلات وبعض التكهنات يستفيق الشاب التونسي ليواصل تكرار اليوم الذي يعيشه منذ إقباله على لعب البلانات ليتحول إلى أسير الكمبيوتر ولوحة المباريات والأهداف ورهين المهدئات من القهوة والسجائر وعبد للحظ، والبطالة والحاجة للمال ووهم الثراء السريع أهم الأسباب التي تدفع الشباب إلى تعاطي لعبة البلانات وين غير القانونية حد الإدمان ركضًا وراء سعادة موعودة كاذبة، وفي الحقيقة هي وضعية تتطلب التدخل العاجل لإنقاذ الشباب من مأزق الإدمان.