قرر مجلس الوزراء العراقي أن يكون موعد الانتخابات في 15 من مايو/أيار، إلا أنه تم تقديم الموعد إلى 12 من مايو/أيار لاحتمالية مصادفة 15 من مايو/أيار لأول أيام شهر رمضان، وبعد خلافات في مجلس النواب العراقي بشأن تأجيل موعد الانتخابات قررت المحكمة الاتحادية العليا عدم جواز تغيير موعد الانتخابات وأن تُقر في موعدها المقرر يوم 12 من مايو/أيار، وصوت مجلس النواب العراقي على قانون الانتخابات وصادق على موعد الانتخابات وأصدر رئيس جمهورية العراق فؤاد معصوم مرسومًا جمهوريًا حدد فيه يوم 12 من مايو/آيار الموافق ليوم السبت موعدًا للانتخابات.
الانتخابات التشريعية العراقية لهذا العام ثاني انتخابات عراقية منذ الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011 ورابع انتخابات منذ عام 2003 لانتخاب 329 عضوًا في مجلس النواب العراقي الذي بدوره ينتخب رئيس الوزراء العراقي ورئيس الجمهورية.
ويُنتخب مجلس النواب العراقي من خلال شكل القائمة المفتوحة للتمثيل النسبي للقوائم الحزبية، وذلك باستخدام المحافظات كدوائر انتخابية، ويستخدم نظام طريقة سانت ليغو المعدل وفقًا للحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا في العراق بأن الطريقة السابقة تعتبر اضطهادًا ضد الأحزاب الأصغر حجمًا، وهناك آلية جديدة في انتخابات هذه السنة هي أن يكون التصويت إلكترونيًا من خلال استخدام أجهزة العد والفرز الإلكتروني، كما قرر المجلس ألا يكون للأحزاب التي تشارك بالانتخابات أجنحة مسلحة، ودعا إلى تكثيف أعداد المراقبيين المحليين والدوليين، الجدير بالذكر أن هذه الانتخابات تجري بعد أشهر قليلة من استفتاء انفصال كردستان العراق 2017.
انتخابات هذا العام مهمة جدًا على الصعيد الداخلي والخارج معًا، ففي الشأن الداخلي تكمن أهميتها بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، وأيضًا بسط الجيش العراقي والحكومة العراقية كامل سلطتها في مدن كانت تحت سيطرة البيشمركة الكردية، مع تطلع العراقيين إلى انتخاب حكومة تخطي خطوات ملموسة في القضاء على الفساد الإداري والمالي الذي ينخر بجسم المجتمع.
قراءتنا لتأثير الدول الإقليمية قبل مناقشة غاياتها من نتائج الانتخابات نرى أن تأثيرها يكمن في استعداد بعض الأطراف الحزبية قبول بعض الإملاءات من الأطراف الإقليمية وربما من أطراف دولية أخرى، وربما فإن العامل الثاني القوى وهم تلقي الدعم المادي في فتح أبواب تدخلات تلك الأطراف هي تمويلها لتلك الأطراف
أما الأهمية على الصعيد الخارجي فتكمن في التجاذبات السياسية الإقليمية والخلافات والنزاعات، إضافة إلى الحروب الداخلية لبعض الدول كسوريا واليمن وكذلك ليبيا، وهذه المناطق الواقعة تحت طائلة الحروب يتراوح بها الكثير من الصراعات الإقليمية وفرض السيطرة عليها، ولأن العراق دولة محورية مهمة فإن الاستقرار السياسي ومنهج الحكومة القادمة وسياستها ستؤثر بالتاكيد على مجمل شؤون الشرق الأوسط.
ولكن لا بد قبل البدء بالكتابة عن الدور الإقليمي في الانتخابات البرلمانية في العراق لا بد لنا من ذكر المنافذ التي من خلالها تستطيع الدول الإقليمية التدخل المباشر في الانتخابات وتوجيهها لصالحها، وتكمن تلك السبل في سيادة الأحزاب الدينية ذات التوجهات المذهبية ما عدا المجلس الإسلامي الأعلى الذي كان يضم في مجلسه التأسيسي بعض الشخصيات السياسية من مذاهب عدة وأثنية متعددة، يقابلها ضعف الأحزاب التي ترفع شعار المدنية وربما العلمانية والوطنية بسبب عدم وضوح الرؤية الإستراتيجية لها وضعف الكوادر المنظمة لها.
وربما يكون نظام طريقة سانت ليغو المعدل يحوي ثغرات تساعد على اختراق وتأثير أطراف خارجية في شأن الانتخابات، خصوصًا في وصول ممثلين من أحزاب صغيرة للبرلمان الذي سيكون بالتأكيد مؤثرًا بصورة مباشرة على سلاسة اتخاذ القرارات داخل المجلس، ورغم هذه الميزة فإن الكتل والأحزاب الصغيرة ستضطر إلى الدخول في تحالفات بقوائم الكتل الكبيرة.
عند قراءتنا لتأثير الدول الإقليمية قبل مناقشة غاياتها من نتائج الانتخابات نرى أن تأثيرها يكمن في استعداد بعض الأطراف الحزبية قبول بعض الإملاءات من الأطراف الإقليمية وربما من أطراف دولية أخرى، وربما فإن العامل الثاني القوى وهم تلقي الدعم المادي في فتح أبواب تدخلات تلك الأطراف هي تمويلها لتلك الأطراف، ولكن يبقى العامل الأول في استعداد بعض الأطراف تمثيل وتمرير أجندات إقليمية ودولية في المشهد العراقي.
أمريكا التي تجيد وتحبذ سياسة التعامل متعدد الأطراف مع الجهات العراقية حتى تكون في السليم في حال ظهور نتائج غير متوقعة ولم تكن في الحسبان
وعند العودة لتأثير وغايات الأطراف الدولية والإقليمية في الانتخابات العراقية يتطلب لنا قراءة تأثير كل دولة وذلك لتعارض مصالح كل دولة ضد الدول الأخرى.
بدأ بأمريكا التي تجيد وتحبذ سياسة التعامل متعدد الأطراف مع الجهات العراقية حتى تكون في السليم في حال ظهور نتائج غير متوقعة ولم تكن في الحسبان، فعلى سبيل المثال كان الزعيم العلماني الشيعي إياد علاوي من أهم رجالات الصقور الأمريكيين في البيت الأبيض، وكان من الممكن جدًا أن يلعب دورًا مهمًا جدًا في في وضع القاطرة العراقية في سكة المدنية الحديثة التي ينتظرها العراقيين منذ عام 2003 وحتى هذه اللحظة، ولكن تخلت عنه لصالح مرشح إيران المالكي في اللحظة الأخيرة وبقيود إملاءات على المرشح الإيراني.
إن أكبر رغبات أمريكا تكمن في استمرار المحافظة على مصالحها التي تعتبرها الرقم واحد بين المصالح الأخرى، بحيث تلعب به دور السيد الذي يغرف من الميدان العراقي دون تقديم أي عطاءات، وفي حال تعرض تلك الثوابت إلى الخطر تستعد لفتح قنوات الاتصال على نطاق أوسع مع الجهات التي تستعد لفرض الإملاءات الأمريكية.
وإيران التي تلعب دور المهيمن على أكثر من نصف التكتلات السياسية والأحزاب فترى أن دورها في العراق دور إستراتيجي لتنفيذ أجنداتها المذهبية، باعتبار أن الساحة العراقية المكان الملائم والوحيد لإيصال تلك الغايات إلى بقية الدول العربية للخاصية القومية.
لإيران غايتان مهمتان في العراق، تكمن ثانيهما في منع ظهور دولة مدنية في العراق، وتكافح من أجل ذلك بقوة خوفًا على شعبها من الإصابة بعدوى المدنية والديمقراطية المزعزعة والمزعومة التي جاءت بها أمريكا إلى العراق عام 2003، وأرى أنها محقة في ذلك لأن الوعود الأمريكية غير المخططات الأمريكية، ومن السهل جدًا عليها تنفيذ مخططات تدعو إلى التجزئة داخل الدولة الواحدة لتنمية أطر استفادتها من تلك المخططات.
لذا تكمن الغاية الإيرانية الأساسية في تطوير قابلياتها الاستيعابية لمختلف الجماعات والأحزاب الدينية ذات الطابع المذهبي من تقوية وجودها في هيكل السياسة العراقية، ولا تتوانى في دعم أي جهة ترفع شعار الدين مهما كان مذهبها في سبيل استغلالها خدمة لمصالحها الوطنية والقومية وسيطرتها وتوسعاتها في الدول العربية والإقليمية، وهذه هي الغاية المهمة الأولى لإيران في التدخل في العراق، لكن بطبيعة الحال تسعى أن تكون الدولة العراقية وسلطاتها التنفيذية في العراق – وإن كانت عبر تلك الأحزاب والتكتلات – قوية، بحيث تمنع أي تصدع أو ظهور حركات انفصالية كما حدث في الاستفتاء الذي دعا إليه البرزاني لاستقلال إقليم شمال العراق.
الدور السعودي في العراق معاكس تمامًا للدور الإيراني لأنها تسعى بكل تأكيد لتحجيم دور السلطة العراقية، كما تسعى إلى ظهور معارضة قوية في كل الأحيان وليست هناك أي إشكالية في نوع وخلفية ومذهبية وأثنية تلك المعارضة
الدور السعودي في العراق معاكس تمامًا للدور الإيراني لأنها تسعى بكل تأكيد لتحجيم دور السلطة العراقي، كما تسعى إلى ظهور معارضة قوية في كل الأحيان، وليست هناك أي إشكالية في نوع وخلفية ومذهبية وإثنية تلك المعارضة، ويكمن الاهتمام السعودي بالتخوف من التيار الديني الشيعي المهيمن على السلطة الذي تعتبره مدعومًا من إيران، ويأتي الدور السعودي الموسع في علاقاته مع كل الأطراف الأخرى خصوصًا في الآونة الأخيرة لقطع الطريق أمام تركيا التي يهمها جدًا أن تكون الدولة العراقية بسلطتها التنفيذية والتشريعية قوية بما يخلق أرضية قوية لإقامة تعاون إستراتيجي خدمة لمصالحها، إضافة إلى أن تركيا حساسة جدًا من ظهور بوادر انفصالية وربما دعوات لها ولهذا يهمها جدًا أن تكون الدولة العراقية موحدة.
السعودية ليست بحاجة إلى تنوع في علاقاتها الاقتصادية مع العراق، وتدرك أنها لن تستفيد أيضًا من الساحة العراقية حاضرًا وفي المستقبل المنظور سواء من ناحية الدخول في الأسواق العراقية أم دخول الاستثمارات العراقية فيها، وعليه فإنها تسعى لغاية واحدة هي منع ظهور دولة قوية ربما تكون خطرًا على مصالحها وتطلعاتها.
بقراءة للموقف التركي من تطلعاتها المستقبلية ومن خلال نتائج الانتخابات التشريعية في العراق هي منع ظهور أي حركات أو دعوات انفصالية تنمو وتتربى في الغرف المظلمة جراء تقلص هيمنة الدولة وسلطتها في الأرض العراقية بشكل تام
والدور التركي يشبه إلى حد كبير الدور الإيراني في وجود آلية تعامل حقيقية مع الجانب العراقي عمليًا، لكن دون أيدلوجية فكرية كالتي تصدرها إيران وتتعامل بموجبها، الأتراك صرحوا بأكثر من مناسبة وعلى لسان المسؤولين في الدولة أن تركيا تقف على مسافة واحدة من جميع العراقيين.
وبقراءة للموقف التركي من تطلعاتها المستقبلية ومن خلال نتائج الانتخابات التشريعية في العراق هي منع ظهور أي حركات أو دعوات انفصالية تنمو وتتربى في الغرف المظلمة جراء تقلص هيمنة الدولة وسلطتها في الأرض العراقية بشكل تام هذا من ناحية، ومن ناحية فإن تركيا خصوصًا بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى دولة براغماتية تسعى إلى تنمية قدراتها الاقتصادية وتنوعها وتوسعتها خدمة لاقتصادها ومواطنيها، لكن بشرط أن تكون هناك منفعة متبادلة للأطراف الأخرى التي تتعامل معها وليست بفرض مصلحتها الوطنية على الباقين بل بصيغة التعاون والتنمية المشتركة مع الجميع.
وباختصار فإن كل الأطراف الإقليمية إضافة إلى أمريكا تسعى إلى رعاية مصالحها ولكن قسمًا من هذه الأطراف يفرض مصلحته ولا يبالي بمصلحة الشعب العراقي، والبعض يقيم المصلحة العراقية كركن مهم لتنظيم مصلحته، والبعض الآخر يرى أن مصلحة بلده تكمن في تنمية وتطوير مصلحة العراق واستقلاله واستقراره الأمني.