مع ازدياد اهتمام العالم بالعيش بصحة جيدة لأطول فترة ممكنة وتركيزهم على شكل الجسم الخارجي، تعددت الحميات الصحية وأساليبها، وكان من أشهرها حمية “ديتوكس” التي يزعم مروجوها أنها قادرة على تنظيف الجسم من السموم وفقدان الوزن، وغيرها من الأنظمة التي حاولت أن تكون وسيلة كل من يهدف إلى تحسين صحته ومظهره.
عادةً ما تمر هذه الأنظمة الغذائية برحلة طويلة من الأبحاث والتجارب حتى تؤكد فعاليتها وفائدتها المتوقعة، وذلك مثل عملية “الالتهام الذاتي للخلايا” التي اكتشفت لأول مرة في فترة الستينيات واستمرت المحاولات العلمية عليها حتى أثبتت أهميتها في التسعينيات، وعلى إثرها حصل العالم الياباني يوشنوري أوسومي على جائزة نوبل للطب لعام 2016، بعد اكتشافاته الرائدة في هذا الحقل.
عملية الالتهام الذاتي وأهميتها
هي آلية تدمير طبيعية تفكك فيها الخلايا في الجسم المكونات الخلوية غير الضرورية أو المعطوبة داخل الخلية وتسمح بإعادة تدوير مكونات الخلية بصورة منظمة، وهي عملية أساسية في تجدد الخلايا، إذ تعمل الخلايا على تحليل البروتين وتدمير عضيات فيها من خلال حبسها في جيوب مزدوجة الغشاء قبل أن تحولها إلى جسيمات محللة تهضمها في عملية تنظيف مستمرة، أطلق عليها هذا الاسم العالم البلجيكي كريستيان دو يوف.
بمعنى آخر، داخل هذه العملية تعمل الخلايا المعمرة أو الفائضة على قتل نفسها لتترك المجال لغيرها من الخلايا الجديدة قوية المناعة والأداء بالعمل على طرد أو مقاومة مسببات الأمراض، وهي نوع من أنواع التوازن الخلوي في الجسم.
هناك 3 أنواع من هذه العملية: الأولى الالتهام الذاتي الكلي، والثانية الالتهام الذاتي الجزئي، والأخيرة الأوصياء وتعني الالتهام الذاتي الذي يحدث عن طريق مجموعة من البروتينات الوسيطة، ورغم اختلاف أنواعها فإنها جميعها تقوم بنفس المهمة وهي صيانة الخلايا والتخلص من أي أضرار عن طريق إزالة البروتينات والعضيات العاجزة عن استئناف وظيفتها.
هذه الآلية نشأت كرد فعل للتعامل مع حالات المجاعة ونقص العناصر الغذائية فتلتهم الخلية بعض أجزائها الخاصة لتوفير مصدر طاقة بديل من أجل الاستمرار بالحياة
ومن المرجح أن تكون هذه الآلية نشأت كرد فعل للتعامل مع حالات المجاعة ونقص العناصر الغذائية، فتلتهم الخلية بعض أجزائها الخاصة لتوفير مصدر طاقة بديل من أجل الاستمرار بالحياة، إضافة إلى تعزيز قدرة الجسم على تحمل الظروف الداخلية مثل تراكم العضيات التالفة، وهي سموم لا بد للجسم التخلص منها حتى لا يصاب بمرض ما، مثل تدمير الجزئيات المسرطنة أولًا بأول.
من هذه النقطة يتضح دور هذه العملية في فهم الاضطرابات الصحية المرتبطة بمرض باركنسون والنوع الثاني من السكري والسرطان وأمراض أخرى تصيب المسنين والجهاز العصبي، إضافة إلى فهم عمليات فسيولوجية عديدة مثل التكيف مع الجوع والاستجابة للعدوى.
فشل هذه العملية مرتبط بشكل كبير بأمراض الشيخوخة والخرف، وحاليًّا تجرى أبحاث من شأنها تطوير عقاقير طبية تستهدف آليات الالتهام الذاتي لتنظيم عملياتها وتجنب حدوث أي أخطاء فيها لتقليل فرص الإصابة بالأمراض المتوقعة
حيث أن فشل هذه العملية مرتبط بشكل كبير بأمراض الشيخوخة والخرف، وحاليًّا تجرى أبحاث من شأنها تطوير عقاقير طبية تستهدف آليات الالتهام الذاتي لتنظيم عملياتها وتجنب حدوث أي أخطاء فيها لتقليل فرص الإصابة بالأمراض المتوقعة، فقد حدد مسبقًا العالم أوسومي الجينات المسؤولة عن تنظيم هذه العملية، وأوضح أن تعرضها لأي خلل قد يؤدي إلى الإصابة بالأمراض.
ما الذي يحفز هذه العملية؟
يقول الخبراء إن البلعمة الذاتية استجابة للإجهاد الجسدي والضغط، ويمكن الاستفادة من هذه الآلية عن طريق عدة محاولات منها:
– ممارسة التمارين الرياضية
إن الآلام التي يشعر بها الجسم بعد جلسات منتظمة من الرياضة تسبب تمزقات مجهرية في العضلات، فتدفع الجسم إلى علاج نفسه من خلال آلية الالتهام التي تصفي الجسم من الأجزاء المهترئة وتحفز هرمون النمو الذي يخبر الجسم ببدء إنتاج خلايا ذات بنية جديدة، ما يجعل الخلايا الجديدة تبني عضلات أكثر قوة ومقاومة لأي ضرر أو ألم تعرضت له سابقًا.
– الصوم
من الوسائل التي تمنح الأشخاص فرصة تنظيف أجسادهم من البروتينات القديمة والخلايا غير المرغوبة، ورغم أن تفويت وجبات الطعام لساعات طويلة يعد أمرًا مرهقًا للجسم، لكن الأبحاث العلمية أثبتت فوائده، خاصة بسبب علاقته بأمراض القلب والسكري والزهايمر، وقدرته على تحسين الجانب الإدراكي في الدماغ وتعزيز المرونة العصبية التي تساعد الدماغ على التعلم بسهولة أكبر.
بصفة عامة يزيد من عملية الالتهام الذاتي وينظف الخلايا من المكونات المعيبة والمهددة لصحة الجسم ووظائفه المسؤولة عن الشيخوخة، فبحسب إحدى الدراسات فإن تقييد الوجبات الغذائية يساهم في زيادة العمر الافتراضي بنسبة 30%، وأحيانًا يصل إلى 50%.
– الحد من الكربوهيدرات
وهو أمر أكثر بساطة من الصوم للبعض، ويعتمد على اجتناب الكربوهيدرات وهذا يعني عدم احتواء المأكولات على السكر أو أي شيء مصنوع من الدقيق مثل الخبز والمعكرونة والحلويات وحبوب الإفطار أو الخضار النشوية مثل البطاطا، إضافة إلى الابتعاد عن العصائر الطبيعية والصواد، وبالمقابل الاعتماد على اللحم والبيض واللبن والخضروات مثل البروكلي أو الخضار الورقية، وهذا النظام يمنح صحة ووزن أقل وآثار شيخوخة أقل.
قد يتكاسل الكثيرون عن هذه الطرق التي تحافظ على عمل هذا النظام، لذلك ذكرت تقارير أن شركة جديدة في الولايات المتحدة يطلق عليها اسم “كاسما ثيرابيوتكس” حصلت على 58.5 مليون دولار لتطوير أدوية جديدة لتحفيز الالتهام الذاتي، لكن العلماء بحاجة إلى مزيد من الوقت للتأكد من فعالية هذه الأدوية.