بعد مرور ما يزيد على سبع سنوات على الاحتجاجات التي شهدتها مملكة البحرين بالتزامن مع ثورات الربيع العربي، تطرق الأزمة الاقتصادية والمالية مجددًا أبواب المنامة التي تقرن نفسها ومواقفها السياسية منذ زمن بالتبعية إلى جارتيها الرياض وأبوظبي؛ ليبقى السؤال الأهم: إلى أين يتجه اقتصاد الدولة الخليجية التي تكافح نحو بناء توافق سياسي على حساب اقتصادها؟
اقتصاد البحرين.. الطريق الأقرب إلى الإفلاس
يسير اقتصاد البحرين – الضلع الثالث في مثلث حصار قطر – نحو حتفه مسرعًا هذه الأيام، الأمر الذي دعا صندوق النقد الدولي البحرين إلى تسريع إصلاحات بميزانيتها الحكومية، للوصول إلى مستوى عجز يجعل الأوضاع المالية العامة للبلاد مستدامة في الأجل المتوسط.
جاء ذلك على لسان المسؤول بصندوق النقد الدولي جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لدى صندوق النقد، الذي حذر من “تهاوي اقتصاد البحرين ما لم تسرِّع وتيرة الإصلاح بشكل جدَّي”، على خلفية قفز عوائد السندات الدولية البحرينية خلال بيع ديون في نهاية مارس الماضي؛ بسبب مخاوف المستثمرين بشأن الأوضاع المالية العامة للبلاد.
أزعور أشار في مقابلة نشرتها وكالة “رويترز” الأربعاء الماضي إلى أن المنامة بحاجة إلى تسريع التعديل المالي بهدف خفض العجز لديهم بوتيرة أسرع، ومعالجة مستوى الدين الذي يرتفع عن دول أخرى؛ لأنها في الحقيقة ليس لديها المستوى ذاته من الاحتياطيات التي لدى دول أخرى”.
ومع تقلص الخيارات أمام الحكومة البحرينية في دعم اقتصادها “عالي المخاطر”، وتحذيرات دولية من تراجع اقتصاد الرياض وأبو ظبي خلال الأشهر المقبلة، أكدت المالية البحرينية، في وقت سابق من العام الحاليّ، أنه ليس لديها خطط جديدة لخفض الدعم الذي تقدمه للإبقاء على أسعار بيع الوقود والغذاء والخدمات منخفضة.
ربما يرجع ذلك إلى أن الخطط الإصلاحية التي أعلنتها الحكومة خلال السنوات الماضية لم تشفع لانتشال اقتصاد البحرين من الغرق، إذ يعيش اقتصادها حاليًا تحت وقع العديد من الضغوطات الداخلية والخارجية، قد تعصف بتطلعات البحرينيين في عيش رغد يضاهي مستويات المعيشة في باقي دول الخليج.
قد تلجأ المنامة إلى الحصول على دعم مالي إضافي من الكويت والسعودية والإمارات، وفرض ضريبة القيمة المضافة في 2019
وتُصنف وكالات التصنيف الائتماني الرئيسة البحرين عند مستوى “عالي المخاطر”، حيث تفتقر المملكة إلى الاحتياطات المالية والنفطية التي لدى جيرانها من دول الخليج الأكثر ثراءً، فقد تضررت على نحو أشد من تلك الدول بفعل انخفاض عوائد صادراتها إثر تراجع أسعار النفط منذ 2014.
وبحسب مسؤولين في البحرين، قد تلجأ المنامة إلى الحصول على دعم مالي إضافي من الكويت والسعودية والإمارات، وفرض ضريبة القيمة المضافة في 2019؛ لتعزيز الأوضاع المالية العامة على الأرجح، حيث عزمت على تطبيقها في يناير من العام الحاليّ، بالتزامن مع فرضها في السعودية والإمارات، لكن الخطة واجهت مقاومة داخل قبة البرلمان.
ويرى المسؤول بصندوق النقد الدولي أنه من المهم أن تتخلص البحرين من نظام الدعم بشكل تدريجي؛ للسماح بتحديد أسعار المرافق عبر معادلة جديدة، بالإضافة إلى الحاجة إلى إصلاحات هيكلية أسرع للاقتصاد لدعم النمو، الذي يتوقع صندوق النقد أن يظل مستقرًا دون تغيير إلى حد كبير عند نحو 3% في العامين القادمين.
بلغة الأرقام.. ديون وعجز في الموازنة وتصنيف ائتماني منخفض
في خِضم التراجع السريع الذي يشهده الاقتصاد البحريني، تشير الأرقام والتقارير الاقتصادية الصادرة مؤخرًا إلى وقوف الاقتصاد البحريني على حافة الانهيار، إذ تتوافق هذه التقارير مع توقعات صندوق النقد الدولي الذي توقّع تراجع معدلات نمو الاقتصاد البحريني إلى 1.6% مع نهاية عام 2018.
وبناءً على النتائج السلبية لمؤشرات الاقتصاد، خفضت وكالة “موديز”، في يوليو الماضي، التصنيف الائتماني للبحرين من “Ba2” إلى “B1“، وأبقت على النظرة المستقبلية عند السلبية، وخفضت وكالة التصنيف الائتماني العالمية “فيتش” توقعاتها المستقبلية للاقتصاد البحريني الشهر الماضي من مستقرة إلى سلبية، كما حصلت على تصنيف BBB بحسب “ستاندرز آند بورز”.
تبلغ نسبة البطالة بين فئة الشباب في البحرين 20%، وفق ما أعلن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين مؤخرًا
وتشير هذه التصنيفات إلى أزمة فعلية في السياسة النقدية والمالية في البحرين، إذ شهدت الديون العامة للمنامة قفزات متتالية؛ فخلال 10 سنوات نما الدين العام للبحرين بنسبة 1381%، حيث قفز من نحو 1.6 مليار دولار إلى نحو 23.7 مليار دولار في الأشهر الأولى من العام الحاليّ، وذلك وفقًا للبيانات الصادرة عن مصرف البحرين المركزي.
وإضافة إلى الديون العامة المتصاعدة، فإن احتياطات البنك المركزي البحريني من النقد الأجنبي انخفضت منذ عام 2014 بنحو 75%، لتبلغ في أغسطس الماضي 522 مليون دينار (نحو 1.39 مليار دولار)، كما تبلغ نسبة البطالة بين فئة الشباب في البحرين 20%، وفق ما أعلن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين مؤخرًا.
وفي ظل ارتفاع الدين العام إلى أعلى مستوى له في تاريخ المملكة، توقع المحللون في تقرير لبنك أوف أمريكا، ثاني أكبر البنوك التجارية في الولايات المتحدة، أن تكون البحرين نسخة مماثلة من اليونان، فقد أدى ما لحق بها من إضرابات اقتصادية في نهاية الأمر إلى الوقوف على حافة الإفلاس.
ومع تراجع أسعار النفط أقرّ مجلس الوزراء البحريني، الشهر الماضي، مشروع قانون الميزانية العامة للعامين الحالي والمقبل، بعجز يبلغ 6.625 مليارات دولار، وسط توقعات لوكالة “موديز” بتواصل تسجيل عجز بالموازنة على مدى الأعوام المقبلة، في ظل غياب أي إجراءات إضافية نشطة.
انصياع البحرين لدول الحصار نابع من ضغوط اقتصادية كبيرة تتعرض لها المملكة
التبعية السياسية لدول الحصار.. لم تعد البحرين مملكة آل خليفة!
لا يتأتى عجز الميزانية العامة الأعلى بين دول مجلس التعاون الخليجي من هبوط إيرادات النفط والغاز الطبيعي فحسب – رغم أنها أكثر عرضة من جيرانها الخليجيين لأزمة انخفاض أسعار النفط – بل كذلك من عدم الاستقرار السياسي بالمنطقة، وتصاعد الإنفاق العسكري والأمني.
وعلى صعيد التوتر السياسي الذي يعصف بمنطقة الخليج، تسعى البحرين التي تتخوف من موجة التقلبات السياسية التي تجتاح المنطقة لنوع من الاستقرار بما لا يؤثر على وجودها، وهو ما ترجمته بتصعيدها حملة الملاحقات ضد المعارضة في البلاد.
غامرت البحرين ودخلت طريقًا شائكًا في تحالفها مع أبو ظبي والرياض، وفتحت جبهات متعددة داخلية وخارجية أثرت سلبًا على سجلها الحقوقي ونموها الاقتصادي
ولعل افتقار المنامة إلى الاحتياطات المالية والنفطية التي لدى جيرانها من دول الخليج الأكثر ثراءً، ما دفع المنامة إلى جانب أبو ظبي والرياض إلى فرض حصار بري وجوي وبحري على قطر، منذ يونيو الماضي، طلبًا للمساعدة المالية من جارتيها (السعودية والإمارات)، وهو ما أثر على اقتصادات الدول الثلاثة جميعًا جرَّاء قطع خيوط تجارة قضت عقودًا من الازدهار.
ورغم نقص الموارد الاقتصادية، وافتقارها إلى الاحتياطيات المالية والنفطية التي لدى جيرانها من دول الخليج الأكثر ثراء، غامرت البحرين ودخلت طريقًا شائكًا في تحالفها مع أبوظبي والرياض، وفتحت جبهات متعددة، داخلية وخارجية أثرت سلبًا على سجلها الحقوقي ونموها الاقتصادي.
ويفسر العديد من المحللين السياسيين الانصياع البحريني للسعودية والإمارات في الأزمة ضد قطر بأنه نابع من ضغوط اقتصادية كبيرة تتعرض لها المملكة، وأنه لا مخرج لهذا الاقتصاد إلا بالحصول على بعض المساعدات السعودية والإماراتية خاصة؛ لسد عجز الموازنة وسداد الديون الخارجية.
ساهمت الرياض في قمع الاحتجاجات التي اندلعت في البحرين عام 2011
التبعية للرياض.. حين يدير السعوديون الأمور في البحرين
تحوّلت المملكة الصغيرة إلى منطقة خاضعة للنفوذ السعودي المطلق؛ بالشؤون الداخلية والخارجية وحتى الاقتصادية والعسكرية، فهي لم تخرج مطلقًا عن فلك السعودية، وليس أدلّ على ذلك من الأزمة الخليجية التي كانت بضغط مباشر من حكام الرياض وليس موقفًا مستقلًا.
ودفع الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البحرين خبراء اقتصاديين وسياسيين إلى التبعية البحرينية للسعودية والإمارات، يرجع إلى اعتبار أن خروج البحرين من الأزمة الاقتصادية لا يتحقق إلا باللجوء إلى السعودية أولًا، خاصة بعد ازدياد اعتماد المنامة بشكل كبير على البضائع والخدمات والسياح السعوديين، بعد إنشاء جسر الملك فهد عام 1986، الذي يربط البحرين مع السعودية.
لكن تلك التبعيّة الخالصة للسعودية لم تحقّق للاقتصاد البحريني أي فائدة، ولم يكن توجُّه البحرين لتلك التبعيّة خطّة جيدة لإنقاذ اقتصادها المتهالك؛ فبعد 10 أعوام مضت على إطلاق المنامة رؤيتها التنموية لعام 2030، لا يزال اقتصادها يترنّح، ونسبة نموه هي الأدنى بين بقية دول الخليج.
ورغم تراجع جميع مؤشرات البحرين في السنوات الأخيرة للمنطقة الحمراء، دون وجود أي توقعات بتحسّنه في الفترة المقبلة، لا تزال البحرين تبحث إمكانية الحصول على دعم مالي إضافي من الكويت والسعودية والإمارات، ما قد يعزز إحكام السيطرة على القرار السياسي البحريني، بحسب مصرفيين ومسؤولين في الخليج،
“البحرين لم تعد مملكة آل خليفة، لقد أصبحت تابعة للسعودية. مقاطعة كونفيدراليّة من المملكة العربيّة السعوديّة” يقول الصحفي البريطاني، روبرت فيسك
ولم يكن توجه البحرين للتبعيّة المفروضة عليها خطّة بديلة لإنقاذ اقتصادها المتهالك، إذ تضطر البحرين لذلك بسبب الهيمنة السعودية السياسية والاقتصادية على البحرين منذ عام 1963؛ حينما اكتُشف حقل “أبو سعفة” النفطي على الحدود البحرية المشتركة بين البلدين، وقرّرت الرياض آنذاك السيطرة على الحقل ومنح جزء من أرباحه السنوية للبحرين، رغم أن القسم الأكبر من الحقل يقع في الجزء البحريني من المنطقة الحدودية.
وتعزّزت هيمنة الرياض على أركان الدولة الخليجية بعد مساهمتها القوية في قمع احتجاجات اندلعت في التسعينيات وفي 2011 ضدّ نظام حكم عيسى آل خليفة؛ على خلفيّة الأوضاع السياسية والاقتصادية المتدهورة التي عانى منها الشعب البحريني آنذاك‘ إذ سارعت لحماية محميّتها بإرسال قوات “درع الجزيرة” لمحاربة الثوار ومنع سقوط عرش آل خليفة.
ووقتها قال الصحفي البريطاني، روبرت فيسك، في مقال له بصحيفة “الإندبندنت” البريطانية، إن “البحرين لم تعد مملكة آل خليفة، لقد أصبحت تابعة للسعودية. مقاطعة كونفيدراليّة من المملكة العربيّة السعوديّة”، وربما لا يختلف الوضع كثيرًا الآن.