على بعد 405 كيلومتر جنوب العاصمة تونس، على الساحل الجنوبي للبلاد، تقع مدينة قابس التي حباها الله جمالا طبيعيا قلّ نظيره في البلاد حيث جمعت بين سواحل بحرية ممتدة وواحات ساحلية وداخلية متنوعة وثرية وجبال وصحاري منسجمة مشكّلة لوحة فنية رائعة تأسر العين والعقل والقلب معا.
قابس .. تاريخ المدينة
عرفت مدينة قابس (التسمية العربيّة للمدينة) قديما باسم تاكابي حيث ذكرها أبوليوس في أعماله، كما عرفت باسم تاكابيس أو تاكاباس كما عرف خليجها باسم مينوريس سيرتيس أو سيرتيس الصغرى، واللفظة العربية مستمدّة من الصيغة المتداولة للكلمة في حالة المفعولية، وهي تاكابس، مع إسقاط أداة التعريف اللوبية البربرية (تا).
يختلف المؤرخون في تاريخ تأسيس المدينة ومؤسسها، حيث يرجع البعض فضل تأسيسها إلى الأمازيغ فيما يقول البعض الأخر أن تأسيسها تمّ على يد الفينيقيين، ويقول المؤرّخ محمد المرزوقي في كتابه قابس جنة الدنيا، “إن الفينيقيين هم الذين أسَّسوا (تكاب) القديمة. قد يكون هذا صحيحاً، ويحتمل أن يكون بناؤها سابقاً للفينيقيين، وأنَّ المؤسسين الأصليين هم البربر الذين عرفتهم قبل الفينيقيين، ولعلَّ في ابتداء اسمها بالتاء المفتوحة ما يرجح هذا الاحتمال؛ إذ المعروف أنَّ أسماء المدن البربرية تبدأ غالباً بالتاء مثل تطاوين.. تاوجت.. تامزرط.. تاهرت.. تافلات..“.
تتميّز المدينة، بمقومات وخصوصيات تبرزها عن باقي مناطق البلاد الأخرى
وتقول بعض كتب التاريخ أن المدينة كانت في البداية بمثابة موقع وكالة تجارية متخصّصة في المبادلات مع بلاد نوميديا وفي التجارة عبر الصحراء. وقد تحوّل هذا المصرف التجاري إلى ميناء قرطاجي ثمّ أصبح فيما بعد مستعمرة رومانية.
مثّل الميناء نقطة توسع المدينة
ووصفها المؤرّخ سترابن الذي عاش حوالي سنة 58قبل الميلاد، إلى حوالي سنة 25 بعد الميلاد بأنّ قابس “سوق عظيمة” يتبادل الناس فيها البضائع الواردة من المناطق الصحراوية والسلع الموجهة نحو نوميديا. وفي نهاية القرن العاشر ميلادي، يقول عنها المقدسي في كتاب “أحسن التقاسيم” إنّها مدينة “أصغر من طرابلس”، وإنّها “مبنيّة بالحجارة واللبن، كثيرة النخيل والعنب والتفاح”، وإنّ “أراضيها الخلفية آهلة بالبربر” وإنّ بسورها “ثلاثة أبواب”.
لوحة طبيعية
تتميّز المدينة، بمقومات وخصوصيات تميّزها عن باقي مناطق البلاد الأخرى ما يؤهّلها لاستقطاب أعداد كبيرة من السياح الداخليين والأجانب، ذلك أنها تمتلك شواطئ رملية خالية من الصخور على طول حوالي 40 كم يرتادها.
في هذه الشواطئ الرائعة حيث المياه الصافية لا تفوّت عليك فرصة القيام جولة بأحد القوارب، ولا يفوتك السباحة فيها لمشاهدة الحياة البحرية الغنية بالكائنات الحية الجميلة إلى جانب الجلوس على رمال الشاطئ وقراءة كتاب أو تناول الطعام.
إلى جانب هذه السواحل المائية وواحات النخيل والتضاريس الجبلية تتميّز المدينة أيضا بكهوفها المنتشرة في مختلف ربوعها
وتطل هذه الشواطئ على واحات كثيفة وخلابة يمكن اعتبارها فريدة من نوعها في العالم، وتعد واحات قابس ركنا أساسيا من أركان السياحة بالجهة وتمتد على مساحات واسعة من وادي قابس وغنوش وتبلبو والزارات والمطوية.
وتتميز المدينة بوجود واحة على ساحل البحر قريبة من الصحراء والجبال وهوما يعطي السياحة بالجهة بعدا آخر لسياحة تجمع بين السياحة الواحية والسياحة الجبلية والصحراوية لما تحتوي عليه مناطقها من جبال وتضاريس متنوعة يمكن اعتبارها من العوامل الاساسية في تنويع المنتوج السياحي في البلاد.
ويجد السائح في واحات قابس الجميلة، الهدوء وكل مقومات الراحة النفسية، فهي تتميز بمساحاتها الواسعة الممتلئة بالمزروعات المختلفة كالنخيل، الليمون، الزيتون، العنب، الطماطم وغيرها من المحاصيل، وفيها يمكنه التخييم ليلة للاستمتاع بلحظات مريحة بعيدة عن صخب المدينة.
تتمتع المدينة بسواحل تمتد على طول 40 كيلومتر
إلى جانب هذه السواحل المائية وواحات النخيل والتضاريس الجبلية تتميّز المدينة أيضا بكهوفها المنتشرة في مختلف ربوعها، كهوف ذات طابع معماري مميز بالمناطق الجبلية تروي أحقابا طويلة من تاريخ الانسان في الجهة، وتقف شاهدة على تمكنه من التأقلم المستمر والمتواصل مع العوامل الطبيعية.
مدينة الحنة
تعرف مدينة قابس أيضا، بالحنة القابسية التي تعتبر من أجود أنواع الحناء في العالم، فهي تتميز عن الحناء المصرية والليبية والمغربية والهندية لجودة ورقها وجمال خضابها، نظرًا لطبيعة المناخ الذي تتميز به المدينة.
ويرى بعض المؤرخين أن نبتة الحناء قد دخلت إلى مدينة قابس منذ العصور القديمة، حيث قدمت بها القوافل التجارية القادمة من الشرق عبر البحر وتعرض أوراق الحناء ضمن معروضاتهم التجارية، فيقتني منها تجار قابس كميات عبر المقايضة وتبادل السلع ويروجونها في المجتمع القابسي القديم، لتتزين بها المرأة في تلك العصور.
تمتاز المدينة بانتاج الحنة
ويكثر الآن الإقبال على “سوق جاره” القديم من الفتيات اللواتي يتحضرن للزواج وأهاليهن لاقتناء منتوج الحنّاء، الذي يتميّز برائحة مميزة، ويستخدم لزينة النساء، حيث تشترك جميع المكونات التونسية في استعمالها بالأعراس والمناسبات السعيدة.