منذ خوض أول انتخابات تشريعية ورئاسية فلسطينية عام 1996 أتعبت المنظمات الدولية التي تقدم مساعداتها للمنظمات غير الحكومية NGOS في فلسطين وهي تدير برامج مكثفة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وتعزيز ثقافة الحوار، حيث بلغ ما هو موجه لهذه المشاريع ما لا يقل عن 12% من حجم المساعدات الدولية المباشرة وغير المباشرة المقدمة للفلسطينيين.
السلوك الذي اتخذته هذه المؤسسات نتج عنه انتخابات فلسطينية رئاسية وتشريعية وبلدية مرة واحدة فقط عامي 2005 و2006 على التوالي، شارك فيها من هم فوق 18 عامًا أي أن من عمرهم 30 عامًا الآن لم يشاركوا في أي عملية انتخابية ديمقراطية نهائيًا، إضافة إلى أن الحوار وصل إلى طريق مسدود تمامًا والكل متعصب لوجهة نظره أو لما يضطر أن يدافع عنه حفاظًا على مصدر دخله.
مخاوف رحيل كبار العمر وتعطش الشباب للسلطة
فشلت كل برامج التنشئة السياسية إذ لم توصل في نهاية المطاف لمشاركة سياسية للشباب، وتعثرت خطوات الشباب الفلسطيني للانتقال نحو الفعل لا دراسة السلوك السياسي نظريًا وسط نظام سياسي معقد، كل ما فيه فاقد الشرعية وفق قانون كل إطار، بدايةً من المجلس الوطني وانتهاءً بالمجلس التشريعي، طبيعة سياسية متشابكة صنعت جدارًا صلبًا من الاكتئاب السياسي بين الشباب والمؤسسات الرسمية الفلسطينية.
وعلى مدار سنوات الانقسام تاه الشباب الفلسطيني بين الرحيل أو البقاء للبحث في صحراء الوطن عن أدنى حقوقه بالعيش الكريم، فنحن أمام كارثة فوضى سياسية قادمة إن لم يُدمج الشباب في مؤسسات صناعة القرار في أسرع وقت.
أكثر الانتقادات التي أثارت ضجة على اجتماع المجلس الوطني الأخير في رام الله هي أعمار المشاركين التي تراوحت بين الـ70 والـ80 في أغلبها، منهم من اُختير لقيادة مجالس تنفيذية، لكن خلف هذا الانتقاد الشبابي تخوف كبير من وصول الشباب للسلطة بهذه الطريقة فيكشف جشعًا أسوأ مما هو عليه في ظل عدم تنشئة صحيحة أفقدت الشباب الثقة في القيادة، ما يدفعهم للتصرف للبحث عن مصالحهم الخاصة في هذا الوطن الذي يتقاطع كثيرًا مع مطبات الغربة في البحث عن الذات وفق ما قيمه المغتربون من الشباب.
يتابع الشباب الفلسطيني بلوعة صدر ما يحصل من انتخابات برلمانية في العراق وتونس وتركيا ولبنان، وقد عانت جميع هذه البلدان من اضطرابات سياسية وحروب طائفية وصعوبات ما زالت مستمرة للاستقرار وإدارة أزماتها
أتفهم أن تكون الثورة بلا قيادات ناتجة عن المحروقين في الدرك الأسفل من الفقر، ولا أتفهم أن تكون مؤسسات صناع القرار الفلسطيني خالية من الشباب، كذلك تعطل انتخابات مجالس طلبة الجامعات في غزة أو الضفة جراء أيديولوجيا المانحين أو المتحكمين في الجامعات يزيد عمق الفجوة بين المحطة الأولى للتنشئة السياسية المجتمعية والمشاركة السياسية الحقيقية في مؤسسات السلطة.
أي حراك شبابي ضاغط في غزة ضد الأوضاع المعيشية أو الحقوق السياسية أو أي مطلب قانوي يفهم في سياق محاولة الانقلاب على حماس، وأي حراك شبابي ضاغط في غزة على البطالة أو الحقوق السياسية أو المديونية الفردية يفهم أنه انقلاب على فتح ومؤسسات السلطة، فبقي الدور الفاعل للشباب في كلتا البقعتين الجغرافيتين محصور ببعد الصراع السياسي.
في العراق وتونس ولبنان وتركيا يتقدم الشباب… ماذا عن فلسطين؟
يتابع الشباب الفلسطيني بلوعة صدر ما يحصل من انتخابات برلمانية في العراق وتونس وتركيا ولبنان، وقد عانت جميع هذه البلدان من اضطرابات سياسية وحروب طائفية وصعوبات ما زالت مستمرة للاستقرار وإدارة أزماتها، تونس التي تعاني من صراع حاد مع مشروطية المساعدات الدولية والإصلاحات الهيكلية من البنك الدولي، وقانون المصالحة الاقتصادية والإدارية الداخلي.
والعراق الذي يقف بين مرحلتي إعادة الإعمار وإعادة تشكل الجغرافيا والديمغرافيا السياسية بعد الحرب، ولبنان الذي يصارع لتفعيل المشترك بين الطوائف المشاركة في الانتخابات، إضافة لتركيا التي تشهد مرحلة انتقالية بين محاولة انقلاب سابقة على أردوغان وانتخابات مبكرة تشهد تنافسًا على منصب الرئاسة وأعضاء البرلمان.
كل تلك الدول التي تقف على نتائج ديمقراطية جديدة يشارك فيها الشباب بشكل واضح، وتتنافس الأحزاب السياسية على تقديم الشباب للبرلمان، لتقليل حدة الإيديولوجيا والخلاف التاريخي بين الكبار في العمر في مؤسسات صناعة القرار كإستراتيجية جديدة للتغير نحو النهضة والاستقرار وما زالت فلسطين معلًّقة.
قبل البدء ببرنامج كان لزامًا فحص الموارد المتاحة داخليًا في فلسطين التي تفتقر أصلًا للموارد الطبيعية، وكذلك الحرية الاقتصادية المسموح العمل بها وأقصد هنا سياسات الاستيراد والتصدير
في حال تم عقد انتخابات برلمانية فلسطينية جديدة للخروج من المأزق السياسي والتنافس الحاد بين الفصائل الفلسطينية الذي نتج عبر تراكمات تاريخية من الخلافات الشخصية وبعدها الخلافات في وجهات النظر للمسؤولين الحاليين يستلزم مشاركة فورية لإنقاذ النظام السياسي، هنا تساؤل مشروع: هل ينجح الشباب في تكوين قوائم منافسة مستقلة؟ وهل تسمح الأحزاب بتصدر الشباب للمشهد السياسي؟
الدعايا الانتخابية للشباب الفلسطيني
المأزق الأخير في توجه الشباب الفلسطيني نحو المشاركة السياسية في شكل الدعايا الانتخابية التي سيقدمونها لاستقطاب الناخبين (المقاومة، المفاوضات، التنمية الاقتصادية، الشعارات الدينية، المشاريع الاقتصادية….)، أليست كلها شعارات قديمة ربحت على ظهرها أحزاب لم تحقق مما قالته شيئًا نتيجة اختلاف وجهات النظر تمامًا بين مشروع للمقاومة والتحرير أولًا قبل بناء الدولة بكل تكاليفه وتضحياته، ومشروع للمفاوضات والحراك السلمي ليمرر مأسسة السلطة وإلحاقها في المنظمات الدولية.. فأي برنامج سياسي سيحمله الشباب؟
قبل البدء ببرنامج كان لزامًا فحص الموارد المتاحة داخليًا في فلسطين التي تفتقر أصلًا للموارد الطبيعية، وكذلك الحرية الاقتصادية المسموح العمل بها وأقصد هنا سياسات الاستيراد والتصدير، وضرورة الاستثمار في المجال التكنولوجي كمدخل مهم، لكن كل ذلك يبقى حبيس اتفاقيات سابقة بين السلطة والاحتلال من ناحية، أي حبيس السطوة السياسية للاحتلال الإسرائيلي، ولعل شعار الوحدة الفلسطينية، أي إعادة إحياء أي إطار سياسي جامع لأطياف الشعب كافة هو الخطوة الأولى نحو تحقيق أي شكل من الحرية الاقتصادية أو السيادة الجزئية المتراكمة، غير ذلك لن يكون أي معنى لأي برنامج انتخابي لأنه سيفشل وفق التجارب السابقة، وحتى يسمح للشباب بتحقيق هذا البرنامج عليهم تفعيل اللوبيات الضاغطة على المستوى السياسي بدل التفرغ للنقد الساخر والمهاجمة اليومية للقرارات السياسية.