سرعان ما تراجع دونالد ترامب عن موقفه بشأن الدفاع عن نفسه ضد اتهامات الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز. وقد اعترف ترامب، مؤخرا، أنه قد اشترى صمتها إزاء علاقته المزعومة بها سنة 2006، مقابل 130 ألف دولار قبل وقت قصير من الانتخابات الرئاسية التي جرت في سنة 2016. تحولت هذه العلاقة المزعومة إلى فضيحة سياسية إعلامية، قبل أن تحال على أنظار القضاء. ويبدو أن دونالد ترامب قد وجد نفسه في ورطة في خضم هذه القضية التي أطلق عليها المراقبون اسم “ستورمغايت”، أي قضية ستورمي دانيالز، نجمة الأفلام الإباحية التي زعمت بأنها أقامت علاقة جنسية مع رئيس الولايات المتحدة الحالي سنة 2006.
رفعت ستورمي دانيالز، واسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد، دعوى قضائية في لوس أنجلوس بهدف إبطال مفعول سرية الاتفاق (أو اتفاق عدم الإفشاء)، الذي يلزمها بعدم الحديث عن هذا الموضوع مع الصحافة، الذي وقعته خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2016 مع المحامي الخاص بدونالد ترامب. وقد وصل الطرفين إلى اتفاق يقتضي بتحويل مبلغ قدره 130 ألف دولار إلى الممثلة، تحديدا قبيل أيام من انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية.
ما الذي يمكن أن يكون قد حصل بين دونالد ترامب وستورمي دانيالز؟
بدأت القصة خلال شهر تموز/ يوليو سنة 2006 في إحدى بطولات الغولف الفاخرة على ضفاف بحيرة تاهو، التي تفصل بين حدود كل من ولاية كاليفورنيا ونيفادا. وخلال تلك الفترة، كان برنامج تلفزيون الواقع، “المتربص”، لرجل الأعمال ترامب قد لاقى نجاحا كبيرا على الرغم من أنه لم يمض على انطلاقه سوى سنتين. خلال شهر كانون الثاني/يناير سنة 2005، تزوج ترامب من ميلانيا، من ثم رزقا ببارون خلال شهر أذار / مارس سنة 2006. بعد ذلك، التقى ترامب على سهل بحيرة تاهو بستورمي دانيالز، التي كانت تبلغ وقتها من العمر 27 سنة، والتي ذاع صيتها في عالم سينما الأفلام الإباحية.
أكدت دانيالز أنها قد تعرضت إلى تهديدات بأنه سيقع تصفيتها جسديا، وذلك عندما كانت بصحبة ابنتها البكر في موقف سيارات في لاس فيغاس، قبل أن يعترض شخص غريب طريقهما ويقول لها: “أتركي ترامب وشأنه، وانسي نهائيا هذه القصة”
صرحت الممثلة أنها في البداية، وخلال أول محادثة جرت بينهما، رفضت طلب ترامب وضربته أسفل ظهره بمجلة تحمل صورتها على الغلاف. وفي النهاية، وافقت على التجول معه في سيارة ملعب الغولف كما قضت السهرة معه، التي تخللها إقامة علاقة جنسية. وحافظ كلاهما على التواصل فيما بينهما خلال سنة 2006 “وجزء هام” من سنة 2007. وزعمت دانيالز أنها حافظت على علاقتها بترامب لأنه وعدها بالظهور في أحد برامجه، إلا أنه لم يف بوعده. بعد ذلك، انقطعت الاتصالات بين الطرفين.
سلسلة التهديدات
ظل الوضع على حاله إلى سنة 2011، قبل أن تجري ستيفاني كليفورد حوارا مع مجلة “إن تاتش” تلقت مقابله 15 ألف دولار. وقد كشفت نجمة الأفلام الإباحية خلال هذا الحوار عن علاقتها بدونالد ترامب، إلا أن محتوى الحوار لم يتم نشره. وأكدت دانيالز أنها قد تعرضت إلى تهديدات بأنه سيقع تصفيتها جسديا، وذلك عندما كانت بصحبة ابنتها البكر في موقف سيارات في لاس فيغاس، قبل أن يعترض شخص غريب طريقهما ويقول لها: “أتركي ترامب وشأنه، وانسي نهائيا هذه القصة”.
بعد ذلك، هددها هذا الغريب قائلا: “ما أجمل هذه الفتاة الصغيرة، سيكون من المؤسف أن يصيب والدتها مكروها ما”. وذكرت ستورمي دانيالز أنها لم تتصل بالشرطة بعد هذه الحادثة لأنها كانت “خائفة”، ولأنها عجزت عن تحديد هوية الشخص الغريب. لكن حسب المحامي المترافع عنها، مايكل أفنياتي، ليس هناك أدنى شك أن “هذا التهديد” مصدره حاشية ترامب.
الاتفاق المالي
جدّت أحداث الفصل الثالث من هذه القصة في 28 من تشرين الأول/أكتوبر سنة 2016، أي قبل عشرة أيام فقط من انطلاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي شهدت منافسة بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون. وخلال تلك الفترة، وقعت ستورمي دانيالز اتفاقا ينص على التزامها الصمت مع محامي دونالد ترامب، مايكل كوهين، يقضي عدم إفصاح دانيالز عن أي معلومات بشأن علاقتها القديمة بالمرشح للرئاسة الأمريكية. وفي الوقت ذاته، تم تحويل مبلغ قدره 130 ألف دولار لفائدة الممثلة حسب ما جاء في الاتفاق الموقع باسم بيجي بيترسون.
طرحت حيثيات القضية على العلن في 12 كانون الثاني/يناير من حلال صحيفة “وول ستريت جورنال”، التي كشفت عن توقيع اتفاق بقيمة 130 ألف دولار لشراء صمت ممثلة الأفلام الإباحية. ومباشرة، رد البيت الأبيض الفعل في اليوم ذاته عبر بيان يكذب إقامة دونالد ترامب لعلاقة جنسية مع ستورمي دانيالز
بغض النظر عن الجانب الأخلاقي لهذه القضية، طرحت مجموعة مراقبة الممارسات الانتخابية، كومون كوز، تساؤلا حول حقيقة انتهاك عملية تحويل هذا المبلغ للقانون الخاص بتمويل الانتخابات، الأمر الذي أجبرها على رفع شكوى في الصدد. ووفقا لهذه المجموعة، ينبغي بالفعل إدراج هذا القدر من المال ضمن المبالغ التي أنفقها المرشح الجمهوري على حملته الانتخابية، “باعتبار أن هذا المبلغ قد استخدم في التأثير على سير الاستطلاع”.
مايكل كوهين، محامي ترامب في قضية ستورمي دانيالز
كيف غير ترامب أسلوب دفاعه عن نفسه؟
طرحت حيثيات القضية على العلن في 12 كانون الثاني/يناير من حلال صحيفة “وول ستريت جورنال”، التي كشفت عن توقيع اتفاق بقيمة 130 ألف دولار لشراء صمت ممثلة الأفلام الإباحية. ومباشرة، رد البيت الأبيض الفعل في اليوم ذاته عبر بيان يكذب إقامة دونالد ترامب لعلاقة جنسية مع ستورمي دانيالز. وقد كان هذا البيان بمثابة نقطة انطلاق لسلسلة من التقلبات والتغييرات في موقف الرئيس في إطار محاولة الدفاع عن نفسه.
يوم 14 شباط/فبراير، أكد المحامي مايكل كوهين أن هذا الإيداع المالي قد وقع بالفعل دون أن يتحدث عن السبب. كما أفاد أنه قد دفع هذا المبلغ من ماله الخاص ولم يتلق تعويضا من دونالد ترامب. وفي الأثناء، اكتست هذه التسريبات أهمية أكبر مع عرض اللقاء الصحفي لستورمي دانيالز سنة 2011، الأمر الذي دفع مجموعة كومون كوز لتقديم شكواها.
يوم 7 آذار/مارس، اتخذت القضية منعطفا قضائيا بعد أن قدمت الممثلة شكوى أولى. وقد كان الهدف من وراء ذلك بالنسبة لها يتمثل في إبطال شرط السرية لأن دونالد ترامب لم يوقع عليه. وقد جاءت هذه الشكوى في إطار رد من قبل الممثلة على البيان الذي أصدره مايكل كوهين، الذي كشف فيه عن “توفر شرط السرية دون موافقة” الشخص المعني. وبالنسبة لدانيالز، لم تعد مهتمة البتة بنص الاتفاق، في حين أنه وحسب محاميها، فهي على استعداد لإعادة الأموال.
تم عرض أول حوار صحفي لستورمي دانيالز، منذ بداية القضية، يوم 25 آذار / مارس على قناة “سي بي إس”. وقد أقرت الممثلة ما أدلى به محاميها، بما في ذلك العلاقة الجنسية التي جمعتها بترامب سنة 2006، كما تحدثت عن التهديدات التي وصلتها سنة 2011. من جانبها، أكدت قناة “سي بي إس” أن مايكل كوهين قد هدد، خلال تلك الفترة، مجلة “إن تاتش”، بأنه سيقع تتبعها قانونيا في حال نشرت المجلة الحوار على صفحتها. ومرة أخرى، كذب البيت الأبيض ” بقوة” هذه التصريحات.
بدوره، أدلى الرئيس الأمريكي لأول مرة بتصريح عن هذا الموضوع. وفي 5 من نيسان/أبريل، ومن على متن طائرة سلاح الجو واحد، اعترف ترامب بتجاهل دانيالز للاتفاقية وموافقتها على تلقي مبلغ 130 ألف دولار. في المقابل، كذبت الممثلة ادعاءات ترامب وطلبت أن يدلي بشهادته تحت القسم، إلا أن القاضي الفيدرالي في لوس أنجليس رفض طلب ستورمي دانيالز.
“تم اللجوء لهذه الصفقة لوضع حد للاتهامات الزائفة التي أدلت بها ممثلة الأفلام الإباحية حول العلاقة الغرامية معه على الرغم من أنها وقعت في وقت سابق على اتفاق مفصل تقر فيه بأنها لم تجمعها علاقة به”.
في 26 من نيسان/أبريل، صرح دونالد ترامب على قناة فوكس نيوز أنه قد وكل محاميه حتى يمثله في هذه “القضية المجنونة لستورمي دانيالز” دون أن يوضح جيدا ماذا يقصد بكلامه. من جهته، لا يزال مايكل كوهين تحت أنظار العدالة منذ أن تم تفتيش مكتبه ومنزله بقرار قضائي يوم 10 نيسان/ أبريل مع مصادرة “العديد من الأجهزة والوثائق الإلكترونية” دون تحديد محتواها. كما استند المحامي على التعديل الخامس للدستور الأميركي الذي يمنحه الحق في رفض الإدلاء بشهادة تجنبا لتوريط نفسه.
في 2 أيار/مايو، اعترف أحد أعضاء هيئة الدفاع عن ترامب، والمتمثل في شخص الرئيس السابق لبلدية نيويورك، أن الرئيس الأمريكي قد دفع لمايكل كوهين مبلغا قدره 130 ألف دولار قام بإيداعه بنفسه. وقد أكد، المسؤول ذاته أن هذا المبلغ “ليس من المال المخصص للحملة الانتخابية”. وفي اليوم الموالي، جدّ تغيير مفاجئ على موقف الرئيس الأمريكي، الأمر الذي تجلى عبر سلسلة من التغريدات على موقع تويتر. فبالنسبة له، “تم اللجوء لهذه الصفقة لوضع حد للاتهامات الزائفة التي أدلت بها ممثلة الأفلام الإباحية حول العلاقة الغرامية معه على الرغم من أنها وقعت في وقت سابق على اتفاق مفصل تقر فيه بأنها لم تجمعها علاقة به”.
ما الذي يمكن أن يحدث الآن؟
من المنتظر أن تتواصل حلقات مسلسل هذه القضية إلى غاية 27 من تموز/يوليو، تاريخ جلسة الاستماع في محكمة لوس أنجلوس. وقد وافق القاضي جيمس أوتيرو خلال الأسبوع الماضي على تأجيل جلسة استماع شهادة محامي ترامب، مايكل كوهين، مدة 90 يوما. لكن، من جهته، عبر محامي ستورمي دانيالز، مايكل أفنياتي، عن نيته في تقديم طلب طعن في هذا القرار.
في كل الأحوال، يخدم هذا التغيير الذي طرأ على أسلوب دفاع دونالد ترامب عن نفسه مصلحة المدعية، التي تستطيع على الأقل أن تدعي بأن الرئيس قد كذب عندما أكد عدم اطلاعه على الاتفاق. كما لمحت الممثلة إلى أنه في حال تم إبطال مفعول هذا الاتفاق من قبل العدالة، يمكنها عندئذ “نشر جميع الرسائل والصور أو مقاطع الفيديو المتعلقة بالرئيس، التي يمكن أن تكون بحوزتها دون خوف من أن تتعرض لأعمال انتقامية أو عواقب قضائية”.
لا يبدو أن دانيالز العشيقة الوحيدة التي تهدد دونالد ترامب، فقد تراجعت كارين مكدوجال، وهي إحدى الممثلات اللاتي ظهرن في مجلة بلاي بوي سابقا، عن التزامها الصمت بخصوص علاقتها بترامب
رفعت ستورمي دانيالز دعوى ثانية الأسبوع الماضي في محكمة نيويورك الفيدرالية، ولكن هذه المرة بتهمة التشهير. وقد استندت في ذلك على تغريدات لدونالد ترامب اعتبر فيها الدعاوى التي رفعتها دانيالز قضائيا مجرد “احتيال”.
وذكرت الممثلة أنه بالنظر إلى العدد الهام من متابعي ترامب البالغ 50 مليون شخص على حسابه على تويتر، فإن الأضرار التي لحقتها جراء التشهير تقدر “بأكثر من 75 ألف دولار”. أخيراً، يعتبر مايكل كوهين في حد ذاته محط تحقيق جنائي في مانهاتن، فقد ذكر اسمه ضمن تحقيقات المحقق الخاص، روبرت مولر، حول احتمال تخابر الدائرة المقربة من دونالد ترامب مع روسيا سنة 2016. وفي هذا السياق، تم تفتيش مكاتبه الخاصة، دون أن يعرف إلى الآن ما إذا كان من الممكن استغلال الوثائق المصادرة من هذه المكاتب في قضية ستورمي دانيالز.
لا يبدو أن دانيالز العشيقة الوحيدة التي تهدد دونالد ترامب، فقد تراجعت كارين مكدوجال، وهي إحدى الممثلات اللاتي ظهرن في مجلة بلاي بوي سابقا، عن التزامها الصمت بخصوص علاقتها بترامب. وقررت المجموعة الإعلامية “آي إم آي” أن تنفرد بنشر حوار معها يمكن أن تكشف عبره علنا عن العلاقة التي كانت تربطها بدونالد ترامب، والتي من المتوقع أنها قد امتدت لعشرة أشهر بين سنتي 2006 و2007.
المصدر: جورنال دو ديمانش الفرنسية