انتخابات تونس لم تفرز فوز حركة النهضة الإسلامية بأغلبية مقاعد المجالس المحلية فقط، بل أفرزت أيضًا تقهقر العديد من الأحزاب التي تصدر قياديها البرامج التليفزيونية والإذاعية لأشهر قبل الانتخابات، وكانت تروج لنفسها أنها البديل الذي سيحكم تونس في الفترة المقبلة.
أحزاب تلقت المال الكثير والدعم الوفير من دول أجنبية عديدة على رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تكن كل العداء لتونس وثورتها التي كانت مهد ثورات الربيع العربي، دعم سعى من خلاله آل زايد إلى إفشال انتخابات تونس ووقف قطار الديمقراطية في البلاد، غير أنها فشلت هذه المرة أيضًا.
“مشروع تونس”
أمس الإثنين، أعلن محسن مرزوق الأمين العام لحركة مشروع تونس حصول قائمات حزبه على 9% من مقاعد المجالس المحلية التي شارك فيها وتبلغ 69 بلدية من جملة 350 دائرة بلدية أقيمت فيها انتخابات الـ6 من مايو/أيار الحاليّ، فيما بلغت نسبت مقاعد الحزب من جملة المقاعد 1.4% فقط.
نتيجة هزيلة تثبت فشل الحزب في التسويق لبرنامجه الانتخابي بين عموم التونسيين، رغم أنه جند المئات من الشباب طيلة فترة الحملة الانتخابية وقبلها للترويج له في مختلف مناطق البلاد ومنصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) فضلاً عن حضور قياداته المتكرر في المحطات الإعلامية السمعية والبصرية والمكتوبة والإلكترونية أيضًا.
حليف “مشروع تونس” في “الائتلاف المدني” حزب آفاق تونس الذي يقوده ياسين إبراهيم، هو الآخر لم ينجح إلا في بعض البلديات
ويعتبر محسن مرزوق، أحد أهم أذرع الإمارات السياسية في تونس، الذي انشق عن حركة “نداء تونس” بعد أن رفض قياديو الحزب الرضوخ للضغوط الإماراتية غداة نتيجة انتخابات أكتوبر وديسمبر 2014، وتقول وثائق مسربة تم كشفها في وقت سابق إن مرزوق التقى مع ضباط في جهاز أمن الدولة الإماراتي في أكثر من مكان من ذلك تونس، وتلقى تمويلاً من أبو ظبي.
وعقب انشقاقه من “نداء تونس” أسس محسن مرزوق حرب “مشروع تونس”، ومع تأسيس هذا الحزب، دخل مرزوق في تحالف مع أحزاب أخرى تحت راية “جبهة الإنقاذ” في مسعى منه لجمع أكبر عدد من أعداء الثورة والوصول للحكم في الانتخابات القادمة، إلا أن هذه الجبهة السياسية المعارضة تهاوت، ما حتم عليه تأسيس جبهة برلمانية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بهدف العمل على إقصاء حركة النهضة من المشهد السياسي، إلا أنها فشلت أيضا.
“أفاق تونس”
حليف “مشروع تونس” في “الائتلاف المدني” حزب آفاق تونس الذي يقوده ياسين إبراهيم، هو الآخر لم ينجح إلا في بعض البلديات حيث لم يكسب سوى عدد قليل من المقاعد لا تتجاوز العشرات من جملة 7212 مقعدًا في 350 دائرة بلدية، محققًا نسبة 1.06%.
ولم يكن التونسيون يعلمون عن إبراهيم شيئًا قبل سنة 2011 عندما عُين وزير للنقل والتجهيز في حكومة محمد الغنوشي عقب الإطاحة ببن علي، ومنذ ذلك الوقت بقي اسم ياسين إبراهيم في أذهان التونسيين ليس لكفاءته بل نتيجة ما رافقه من شبهات فساد هو وحزبه الوليد “آفاق تونس”.
التقى ياسين إبراهيم بمحمد دحلان مرات عديدة
وفي الفترة الأخيرة برز اسم إبراهيم الذي كان ضمن حكومة الوحدة الوطنية في تونس قبل أن ينسحب منها، كحليف للإمارات خاصة بعد لقائه في ديسمبر/كانون الأول الماضي، القيادي المفصول من حركة فتح الفلسطينية محمد دحلان الذي يقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة والمقرب من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان.
وعقب ذلك اللقاء، دخل ياسين إبراهيم، في حرب مسعورة مفاجئة ضد حكومة يوسف الشاهد وحركة النهضة، مشككًا بشعار الفصل بين الجانبين السياسي والدعوي الذي اعتمدته الحركة في مؤتمرها الأخير، ودعا إبراهيم في أكثر من مرة إلى هزيمة حركة النهضة في الانتخابات، معتبرًا أن “جلب النهضة للمدنية” يمر عبر هزيمتها في الانتخابات وجعلها ضمن الأقلية المعارضة، وبالتالي وضعها في اختبار عن مدى ابتعادها عن نهج العنف، وأضاف “ينبغي على النهضة أن تبرهن على نبذها للعنف من خلال وجودها في المعارضة لمدة خمس سنوات وحينها يمكن القول إن الحركة تحولت فعليًا إلى حزب سياسي”.
“الحزب الدستوري الحر”
الحزب الدستوري الحر الذي ترأسه عبير موسى، تلقى هو الآخر هزيمة نكراء خلال هذه الانتخابات حيث لم تحظ قائماته المترشحة التي بلغت 31 قائمة إلا ببعض المقاعد التي لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
ويعتبر حزب عبير موسى التي كانت تشغل منصب أمينة عامة مساعدة لحزب التجمع المنحل، امتدادًا للتجمع الدستوري المنحل (حزب بن علي)، وقد قالت في مرات سابقة: “الربيع العربي انتهى والعمل الآن هو إنقاذ تونس من منظومة الخراب التي جاءت بها الثورة الوهمية التي أنجزت في الغرف المغلقة لدوائر المخابرات الأجنبية لإسقاط البلاد وتحويلها الى دولة فاشلة”، ودعت الرؤساء الثلاث إلى تحمل المسؤولية التاريخية واتخاذ الإجراءات الضرورية لإنقاذ تونس من وضعها المتردي.
يسعى صانع القرار الإماراتي بمساعدة حلفائه في مهد الربيع العربي إلى ضرب حركة النهضة التي تعتبر أكبر قوة سياسية في تونس
وأصبحت عبير موسى، مؤخرًا، تلقى حظوة كبرى لدى العديد من الصحف والمواقع الإماراتية، حظوة تتنامى كلما طرحت عبير موسى اسم النهضة واتحاد علماء المسلمين في ميزان التهم، ويتم الاحتفاء بها بقدر إشباعها للتهمة الموجهة للاثنين، ثم بقدر تعمير تلك التهم وانتشارها وإثارتها للجدل.
فشل الإطاحة بالنهضة
فشل هذه الأحزاب يؤكد فشل مشروع الإمارات في الإطاحة بحركة النهضة التونسية، وسبق أن وضعت الإمارات خطة لمنع فوز النهضة في الانتخابات تتكون من تسع نقاط بحسب ما جاء في بعض الوثائق المسربة، ومن أبرز ملامح هذه الإستراتيجية استقطاب عدد مهم من أعضاء البرلمان لعرقلة نشاطه إضافة إلى إثارة بعض المشاكل داخل الكتلة النيابية لحركة النهضة حتى تفقد تركيزها وإشرافها على المجالس الجهوية التنظيمية للانتخابات، بحسب ما جاء في الوثيقة.
وتمكنت حركة النهضة من الفوز بأغلبية مقاعد المجالس المحلية، وفقًا للنتائج الأولية للانتخابات، حيث بلغت نسبة المقاعد 28.64 %، مقابل 20.85 % لحركة نداء تونس و4.19 % لحزب التيار الديمقراطي الذي يقوده الوزير الأسبق في حكومة الترويكا محمد عبو.
ويسعى صانع القرار الإماراتي بمساعدة حلفائه في مهد الربيع العربي إلى ضرب حركة النهضة التي تعتبر أكبر قوة سياسية في تونس، لإرباك الوضع في البلاد ودفعه إلى عدم الاستقرار والفوضى، حتى تفشل تجربة الانتقال الديمقراطي التي تعرفها البلاد منذ يناير 2011.
فشل متواصل
فشل التدخل الإماراتي في تونس لم يكن في هذه الانتخابات المحلية فقط، فقد سبق أن فشلت هذه الدولة في أغلب مساعيها لضرب التجربة الديمقراطية في تونس، التي بدأت مباشرة إثر سقوط نظام بن علي في الـ14 من يناير 2011.
تدخل الإمارات في تونس اتخذ أوجه عدة، فمن رعاية رموز النظام السابق إلى خلق وجوه جديدة مرورًا بتمويل احتجاجات تهدف إلى بث الفوضى والعنف وصولًا إلى الإشراف على تحالفات سياسية بهدف تغيير المشهد السياسي وإرباك الانتقال الديمقراطي في البلاد، غير أنها فشلت في معظم ذلك.
تراجع التأثير الإماراتي في تونس
فشلت الإمارات في البداية في تكرار السيناريو المصري في البلاد، وإخراج المسار التونسي عن المدنية بتهميش دور المجلس الوطني التأسيسي وإقصاء حركة النهضة الإسلامية من المشهد السياسي التونسي، نتيجة فشل مراهنتها على الباجي قائد السبسي وحزبه الذي اختار التوافق مع حركة النهضة عوض إقصائها وزج قياداتها في السجون كما تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة وتنفق الأموال في سبيل تحقيقه غير مبالية بحلم الشعوب وإرادتها.
لم يتوقف الفشل هنا، بل وصل إلى محسن مرزوق والجبهات السياسية والبرلمانية التي جمعت في البداية أعداء الثورة رغبة منهم في الوصول إلى الحكم لكن طريقهم لم يكن سهلاً، فمنطق الزعامات غلب وحب القيادة عجل انقسامهم.
لا يهم دولة الإمارات العربية المتحدة ممن تتقرب، المهم أن تنجح في إفشال ثورة تونس ومنع وصولها إليهم مهما كلفها ذلك، وارتبط اسم دولة الإمارات بالثورة المضادة وأجندتها التخريبية ومعاداتها للتجربة الديمقراطية التونسية وسعيها إلى إفشال الانتقال الديمقراطي الذي تشهده البلاد منذ سقوط نظام بن علي في يناير 2011، إذ تكن الإمارات حسب التونسيين لمهد الربيع العربي كل البغض والعداء.