لا تنقطع المفاجآت في قضية اغتيال المهندس التونسي القيادي في حماس محمد الزواري الواقعة في أواخر 2016، التي تشي تفاصيلها كافة بدقة واحترافية عالية، تجعل مؤشر الاتهام واضحًا نحو الموساد.
آخر هذه المفاجآت ما ذكرته الجريدة البوسنية Slobodna Bosna في عددها الصادر الأحد الـ6 من مايو/من أيار أن المواطن البوسني المقبوض عليه لدى السلطات الكرواتية للاشتباه بقتله المهندس التونسي الزواري هو عَلِم تشامجيتش الملقب بـ”تشاماتس”، وكان محاربًا ذا كفاءة عالية في حصار سراييفو (1992-1995)، ووفقًا للمصدر الذي اعتمدت عليه الصحيفة، فقد أرسلت الشرطة الكرواتية معلومات عن هوية علِم إلى السلطات البوسنية.
وذكرت الصحيفة أن علم تشامجيتش مولود في صربيا عام 1972 ولكنه يحمل الجنسية البوسنية، وهو معروف في دوائر وسائل الإعلام بسبب إسهاماته الحربية، إذ كان ذا مهارات متنوعة منها التسلل خلف صفوف العدو وإلحاق أضرار فادحة به، والتحق في خريف 1992 بصفوف الشرطة الخاصة البوسنية، يصفه أحد زملائه الجنود وفضل عدم ذكر اسمه بـ”المغرم بتشاك لورنس ورامبو وفالتر وأبطال أفلام آخرين”، ونتيجة لذلك الشغف بالأفلام صُور فيلم وثائقي عنه يروي مسيرته الحربية بعنوان “تشاماتس” كان مشاركًا فيه، وبقي الفيلم معروضًا على اليوتيوب إلى أن أزيل في فترة لاحقة.
وعمل بعد نهاية الحرب في البوسنة كجندي محترف، ويزعم معارفه أنه في تلك الفترة بدأ التعاون مع الشركة الأمريكية (Military Professional Resources Inc MPRI) التي كانت مسؤولة عن تدريب جيش اتحاد البوسنة والهرسك آنذاك، ثم زعم أنه يمثل شركة إسرائيلية تتعامل في بيع معدات التنصت والاتصالات، وغادر البوسنة والهرسك بعد ذلك، ووفقًا لشهادات من أشخاص التقوا به في سراييفو، تحدث عن العمل في العراق للوكالات الغربية التي تقوم بمهمات التدريب في الجيش المحلي.
كانت السلطات الكرواتية قد أعلنت في الـ13 من مارس هذا العام إلقائها القبض على أحد المتهمين الرئيسيين بالتورط في اغتيال المهندس الزواري بموجب مذكرة قبض صادرة عن الإنتربول، في أثناء توجهه للسفر إلى فيينا
المشتبه به الثاني في تنفيذ عملية الاغتيال هو الفير تشاراتس الموجود في البوسنة وليس هناك أي معلومات متوافرة عنه، وحتى الآن لم تصرح السلطات البوسنية بأي شيء لتجلية الحقيقة عن موضوع كلا المشتبه بهما.
وكانت السلطات الكرواتية قد أعلنت في الـ13 من مارس هذا العام إلقائها القبض على أحد المتهمين الرئيسيين بالتورط في اغتيال المهندس الزواري بموجب مذكرة قبض صادرة عن الإنتربول، في أثناء توجهه للسفر إلى فيينا، وكانت الإجراءات ماضية في تسليمه لتونس لولا تدخل السلطات البوسنية لمنع تسليمه بحكم أن قوانينها لا تسمح بمحاكمة مواطنيها في دولة أخرى، ومن المنتظر أن تبت محكمة Velika Gorica في كرواتيا اليوم في قرار تسليمه إلى تونس، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الكرواتية Hina. مصادر بوسنية ذكرت أنه ستطالب البوسنة السلطات الكرواتية بتسليم المتهم لها، لتحاكمه على أرضها بشأن التهم الموجهة إليه.
تغيير في طريقة تنفيذ عمليات الموساد
وقبل ذلك كانت حركة المقاومة الإسلامية حماس قد ذكرت أن الذين اغتالوا الزواري في تونس يحملون جوازات سفر بوسنية، وبحسب ما قاله محمد نزال الناطق باسم الجناح السياسي لحماس، فإن الزواري كان تحت المتابعة الدائمة اليومية لمدة أربعة أشهر قبل مقتله، واتهمت حماس جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجي “الموساد” بالوقوف وراء العملية، مؤكدة أن الزواري عضو في ذراعها العسكرية “كتائب عز الدين القسام” وأحد المسؤولين عن تطوير برنامجها للطائرات المسيرة عن بعد.
وحينها، أكد القيادي في حماس محمد نزال في مؤتمر صحفي ببيروت أن الموساد نفذ عملية الاغتيال بالتعاون مع جهات أخرى لم يحددها، مشيرًا إلى أن الزواري قتل بثماني رصاصات.
وقال نزال إن 12 شخصًا مقسمون على ثلاث مجموعات ساهموا في تنفيذ العملية، وأشرف عليها ضابط بالموساد يدعى يوهان، مشيرًا إلى أن المجموعة الأولى تولت التحضير اللوجستي والثانية جمع المعلومات والثالثة للتنفيذ، وأضاف أن منفذي الاغتيال المباشر كانا يحملان جواز سفر بوسني.
شملت قائمة المشتبه بهم أشخاصًا من تونس مثل الصحفية مها بن حمودة وسالم السعداوي وسامي المليان قاموا بأعمال المراقبة وإعداد التجهيزات اللوجستية، تحت مظلة العمل لإنتاج فيلم وثائقي وأعمال أخرى
وبمتابعة 16 شخصًا تم تحديد أدوارهم في العملية، لاحظت تحقيقات حماس اعتماد الموساد على تقنية “التجنيد المُغفل”، ويعني عدم معرفة بعض المشاركين في التخطيط للعملية بأنهم يعملون لصالح جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، بعد تقديم عملاء الموساد لأنفسهم على أنهم رجال أعمال ومُستثمرون، الأمر الذي من شأنه تسليط الضوء على التغيير في إستراتيجيات الموساد من حيث اعتماده على قتلة مأجورين بدلًا من أعضاء فرقته الخاصة بالاغتيالات “كيدون” واستغلاله لأشخاص من سكان بلد الاغتيال لضمان سلاسة التنفيذ وعدم جذب الانتباه ربما.
فقد شملت قائمة المشتبه بهم أشخاصًا من تونس مثل الصحفية مها بن حمودة وسالم السعداوي وسامي المليان قاموا بأعمال المراقبة وإعداد التجهيزات اللوجستية، تحت مظلة العمل لإنتاج فيلم وثائقي وأعمال أخرى.
وهنا في حالة ثبوت التهمة على البوسنيين الاثنين، نحن نتكلم عن شخصين مسلمين جاء أحدهما من خلفية عسكرية مرتبطة بحرب البوسنة، واستفاد منهما الموساد كوكلاء لتنفيذ القتل الذي يتم بطريقة تبعده عن الشبهة وتجنب دولة الاحتلال المشاكل الدبلوماسية مع الدول.
هل جوازات السفر البوسنية حقيقية أم مزورة ؟
الجدير بالذكر أن هناك اختلافًا بين الأسماء التي أوردتها وسائل الإعلام التونسية للمشتبه بهما، والأسماء التي ذكرتها وسائل الإعلام البوسنية، مما يطرح سؤالًا عن حقيقة الجوازات البوسنية التي كانت لدى القاتلين.
أوضح المعلق العسكري لقناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، ألون بن دافيد، في تحقيق مطول نشرته “معاريف” أن منفذي الاغتيال استخدموا جوازات سفر لم يتم استخدامها من قبل في تنفيذ عمليات أخرى، ما يقلص فرص ربطهم بعمليات أخرى نفذها الموساد
في هذا السياق حذر خبير أمني لم تذكر اسمه وسائل الإعلام الكرواتية من احتمالية أن تكون الجوازات أصلًا مزورة بقوله: “هذه التصفية تمت بحرفية دون ترك أي أثر، وهؤلاء القتلة المحترفين يكونوا عادة حاملين لعشر هويات مزيفة، ومن السهل جدا لـ”إسرائيل” أن تأتي بهوية بديلة متعمدة لإخفاء القاتل الحقيقي”.
ومن جانب آخر أوضح المعلق العسكري لقناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، ألون بن دافيد، في تحقيق مطول نشرته “معاريف”، وترجمه أن منفذي الاغتيال قد استخدموا جوازات سفر لم يتم استخدامها من قبل في تنفيذ عمليات أخرى، ما يقلص فرص ربطهم بعمليات أخرى نفذها الموساد. واعتبر بن دافيد أن اغتيال الزواري، يدلل على أن “إسرائيل” بإمكانها فعل ما يحلو لها في المنطقة.
بين جريمتي اغتيال الزواري والبطش نقاط تشابه
ولا تغيب وقائع عملية اغتيال المهندس فادي البطش التي جرت مؤخرًا عن دائرة التشابه في بعض المقتضيات، مثل سرعة ودقة التنفيذ واستعانة قاتلي البطش بجوازات سفر من صربيا والجبل الأسود وهما بلدان مجاوران للبوسنة، الأمر الذي من شأنه أن يطرح أسئلة جدية عن نفوذ واختراق الموساد لمنطقة البلقان التي تشمل الدول الثلاثة، واستغلاله للضعف والفوضى السياسية والاقتصادية فيها، وكذلك دور العملاء المحليين في تهيئة وتسهيل تنفيذ اغتيالات تحمل في طياتها وتفاصيلها بصمة لا تخفى للموساد.