“أوقفوا تسليح السعودية” مطلب ترفعه كثير من المنظمات الحقوقية والإنسانية والهيئات الدولية وطائفة من الرأي العام الغربي ونواب البرلمان للضغط على دول غربية في مقدمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا لوقف تصدير الأسلحة لدول التحالف العربي الذي تقوده السعودية، لكن المبررات التي تسوقها تلك الدول تكشف التعهدات المتناقضة وانعدام الرقابة على مبيعات الأسلحة.
كثير من الضغوط قليل من النتائج
منذ بدء التحالف العربي في شن غاراته على اليمن، تواجه مبيعات أسلحة دول الغرب للسعودية التي تُتهم بارتكاب جرائم حرب في اليمن، انتقادات متزايدة من منظمات غير حكومية ومن الرأي العام ونواب البرلمان، لوقف عمليات القصف التي تستهدف المدنيين في اليمن، ورفع كل العراقيل أمام إيصال المساعدة الإنسانية والسلع التجارية إلى اليمن.
وفي بريطانيا يخوض ناشطون معارضون لتصدير السلاح البريطاني إلى السعودية في منظمة “الحملة ضد تجارة السلاح” معركة قانونية، بعدما سمح لهم القضاء البريطاني يوم الجمعة الماضي باستئناف قرار سابق بشأن قانونية بيع الأسلحة البريطانية للسعودية، بعد جولات عديدة بين الحكومة البريطانية ومنظمات حقوقية.
رغم أن ألمانيا اتخذت إجراءات للحد من استخدام معداتها في اليمن، زادت منظمات حقوقية أوروبية ضغوطها على شركة راينميتال الألمانية للمعدات الدفاعية، لإيقاف فرعيها بإيطاليا وجنوب إفريقيا صادراتهما من الأسلحة التي يستخدمها التحالف العربي
وكانت المحكمة العليا قد رفضت طلب الحملة العام الماضي بإجراء مراجعة لقانون بريطانيا أسلحة للسعودية، وقضت في يوليو الماضي بأن بيع أسلحة بريطانية للسعودية تستخدمها في حربها في اليمن لا ينتهك قوانين حقوق الإنسان، مما سمح لبريطانيا بمواصلة بيع الأسلحة لها بلغت قيمتها أكثر من 6 مليارات دولار منذ اندلاع الحرب في اليمن.
وفي محاولة أخرى للضغط على الحكومة الفرنسية، أحالت منظمتا “دروا سوليداريتيه” (Droit Solidarite) القانونية و”آسر” (ASER) المتخصصة في قضايا التسلح، منذ أيام قليلة، القضية إلى مجلس الدولة الفرنسي – أعلى هيئة قضائية – بعد انتظارهما ردًا حكوميًا منذ شهرين على مطالبهما بوقف بيع أسلحة تستخدم في الحرب اليمنية.
ووسط تأكيدات المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية باستخدام الأسلحة الفرنسية حاليًّا في الحرب باليمن، يُنتظر من مجلس الدولة أن يقيم شرعية إصدار الحكومة تراخيص تصدير الأسلحة للسعودية والإمارات، أسوة بدول مثل ألمانيا التي اتخذت خطوة مماثلة ضد التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في حربه المستمرة باليمن منذ عام 2015.
ورغم أن ألمانيا اتخذت إجراءات للحد من استخدام معداتها في اليمن، زادت منظمات حقوقية أوروبية ضغوطها على شركة راينميتال الألمانية للمعدات الدفاعية، لإيقاف فرعيها بإيطاليا وجنوب إفريقيا صادراتهما من الأسلحة التي يستخدمها التحالف العربي، إذ تتحمل راينميتال عبر صادرات أسلحة فرعيها مسؤولية جنائية مباشرة وغير مباشرة عن قتل المدنيين اليمنيين بالغارات الجوية للتحالف.
تواجه دول الغرب ضغوطًا لوقف بيع الأسلحة لدول التحالف العربي الذي تقوده السعودية
التناقض سيد الموقف
على عكس المعارك الحقوقية التي تجرى في الدول الأوروبية الثلاثة، أوقف مجلس الأمن الاتحادي الألماني تصدير الأسلحة للدول المشاركة في حرب اليمن، فيما أوقفت النرويج صفقات تصدير السلاح للإمارات للسبب ذاته، وتلوح في الأفق إجراءات مماثلة من دول أوروبية أخرى بسبب ضغوط شعبية وبرلمانية.
لكن رغم محاولات باريس، ثالث مُصدِّر للأسلحة في العالم، الظهور في ثوب الساعي لتخفيف التوتر على الأرض اليمنية، وتعبيرها المستمر عن استيائها من “الأضرار الجانبية” في صفوف المدنيين اليمنيين، تبقى من بين المصادر الرئيسية للمعدات العسكرية للسعودية والإمارات، ووفق منظمات حقوقية دولية، تزود فرنسا الرياض وأبو ظبي بالذخيرة الخاصة بالدبابات والمدافع وبالطائرات المقاتلة من نوع رافال.
“بمواصلتها بيع أسلحة للسعودية، يمكن أن تصبح فرنسا شريكة في انتهاكات خطيرة للقانون الدولي” – مديرة الفرع الفرنسي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” بينيديكت جينرود
وكانت فرنسا قد صادقت في العام 2014 على معاهدة الاتجار بالأسلحة، إلا أنها سرعان ما عاودت نشاطها، فالسعودية والإمارات ظلتا من بين أكبر مشتريي الأسلحة الفرنسية، إذ أبرمت كبرى شركات الأسلحة في فرنسا عقودًا كبيرة في البلدين، بينما لا تخضع إجراءات ترخيص صادرات الأسلحة في فرنسا للفحص أو لضوابط برلمانية.
وفي هذا الشأن، تقول مديرة الفرع الفرنسي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” بينيديكت جينرود: “الرياض تقود تحالفًا قتل وجرح آلاف المدنيين، وعدد من هذه الهجمات قد تكون جرائم حرب”، وتضيف “بمواصلتها بيع أسلحة للسعودية، يمكن أن تصبح فرنسا شريكة في انتهاكات خطيرة للقانون الدولي وتوجه رسالة مفادها الإفلات من العقاب إلى القيادة السعودية”.
لكن كثرة الأدلة على دور الأسلحة الفرنسية في الانتهاكات التي يرتكبها التحالف العربي في اليمن، تدافع الحكومة الفرنسية عن إجراءاتها الخاصة بصادرات الأسلحة للسعودية وتقول إنها تمتلك “نظامًا متينًا وشفافًا لمراقبة تصدير المعدات الحربية” وتتخذ قرارات التصدير “في إطار احترام صارم لالتزامات فرنسا الدولية”.
لعل تلك التناقضات ما دفعت منظمات غير حكومية للعمل الإنساني والدفاع عن حقوق الإنسان لممارسة ضغوط قوية على ماكرون وصلت إلى حد تقديم طلب رسمي بفتح تحقيق برلماني بشأن مدى قانونية مبيعات الأسلحة الفرنسية للتحالف، بينما طالب بعض النواب الفرنسيين بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية بشأن بيع الأسلحة لأطراف الحرب في اليمن.
التناقض في المواقف الأوروبية أتاح للسعودية هامشًا من المناورة
حين تفقد الدول الأوروبية مصداقيتها
الأمر لا يختلف عن بريطانيا في ردها على منظمة “الحملة ضد تجارة السلاح” التي تؤكد أنها تعتمد في معركتها القضائية على وثائق وقرائن وتقارير جدية، وتبرر الحكومة البريطانية بأنها تدير نظام مراقبة على السلاح من بين الأكثر قوة في العالم، وتقوم بمراجعة دقيقة لسياساتها الدفاعية لتتناسب مع المعايير الصارمة في الاتحاد الأوروبي والعالم.
رغم إيقاف الحكومة الألمانية تصدير السلاح للسعودية بسبب القوانين الصارمة المتعلقة بهذا الأمر، فإن عمليات تصدير السلاح في فرنسا لا تخضع لنفس الضوابط المعتمدة لدى بعض حلفائها، إذ تقرها لجنة يشرف عليها رئيس الوزراء وتشمل وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد، بينما تبدو تلك الضوابط أقل كثيرًا في واشنطن خصوصًا.
ولعل هذا التناقض في المواقف الأوروبية واختلاف القوانين الحاكمة لصفقات بيع السلاح بين الدول أتاح للأمير محمد بن سلمان هامشًا من المناورة، حيث تذكر منظمة العفو الدولية أنّ هذه الحجج التي يقدمها المسؤولون يصعب أنّ تكون مقنعة، لأن النظام غير شفاف، فالأمر بحسب المنظمة يتعلق بمعرفة ما إذا كانت دول الغرب تحترم إلتزاماتها الدولية في هذا المجال.
باختلاف الضوابط التي تحكم تصدير الأسلحة في كل دولة، يصبح التحكم في سوق السلاح العالمي أمرًا صعبًا
ومع اختلاف الضوابط التي تحكم تصدير الأسلحة في كل دولة، يصبح التحكم في سوق السلاح العالمي أمرًا صعبًا، وهنا يمكن للمشتري الذي لم يتمكن من شراء سلاح من دولة ما بسبب قوانينها أن يتوجه لدولة أخرى لديها قوانين أكثر مرونة لبيع السلاح، وهذا ما يفعله ابن سلمان، رغم إدراج التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن على لائحة سوداء سنوية للدول والكيانات التي ترتكب جرائم بحق أطفال.
يؤكد ذلك ما قاله وزير الخارجية البريطاني البريطاني بوريس جونسون مدافعًا عن قرار بريطانيا بالاستمرار في تصدير الأسلحة إلى السعودية، وأكد أن تعليق بيع السلاح ينهي الوجود البريطاني بالمنطقة، مؤكدًا أن الرياض بإمكانها الاستعاضة عن لندن بعواصم أخرى للحصول على احتياجاتها من السلاح، وهذه الدول ستكون سعيدة بهذا التعاون.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور ماكس موتشيللر كبير الباحثين في معهد بون الدولي لدعم السلام “BICC” إن أغلب قوانين الدول الأوروبية والقوانين الأمريكية تتحدث في الظاهر عن ضرورة احترام حقوق الإنسان ودعم السلام والاستقرار الدوليين إلا أن صادرات السلاح الأوروبية والأمريكية لدول في مناطق شديدة التوتر استمرت دون أن يظهر أي نوع من الاحترام لهذه القوانين.