يعتبر كل من محرم إينجه المرشح للرئاسة عن حزب الشعب الجمهوري، وميرال أكشينار المرشحة عن “حزب الجيد” الذي تأسس العام الماضي، أقوى منافسي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية الشهر القادم، وذلك بالإضافة إلى 4 مرشحين آخرين مثل تمل قره مولاه أوغلو عن حزب السعادة وصلاح الدين ديمرقاطش عن حزب الشعب الديمقراطي الكردي وفجدت أوز عن حزب العدالة ودوغو بارينجاك عن حزب الوطن.
هذه القوة التي أصابت إينجه وأكشنار جذبت الاهتمام الشعبي والمنابر الإعلامية، فالماضي السياسي لهما وخطاباتهما التي تتحدى سياسات الحزب الحاكم الحاليّ استطاعت أن تحجز لهما مساحة لا بأس بها في السباق السياسي التركي، كما يقول بعض المحللون.
أكشنار “أنثى الذئب”: سنتخلص من الديون ونعيد السوريين إلى أراضيهم
في هذه الأثناء، يتسابق المرشحون بإعلان وعودهم التي يرددوها في خطابات حملاتهم الانتخابية، وفي إطار كشف البرنامج الاقتصادي، أعلنت أكشنار التغيرات الجذرية التي تهدف إلى إجرائها إذا فازت في الانتخابات التي ستجري يوم 24 من يونيو/حزيران، وذلك خلال مؤتمر صحفي في أنقرة، فقالت: “في الأيام المئة الأولى من فترة الرئاسة، سننشئ “صندوق التضامن التركي” بتكلفة 8 مليارات الذي من شأنه إعادة جدولة الديون الشخصية لـ5 ملايين مواطن تركي، حيث تقدر ديونهم بما يقرب من ملياري دولار، وهدف هذا المشروع محو ديون المواطن الصادرة عن القروض وبطاقات الائتمان، وخاصة للأشخاص العاطلين عن العمل والمتقاعدين”.
أكشينار: “نحن ندرك تمامًا أن أي تحسين يعتمد على الاقتراض لن يقدم أي فائدة، لذلك أعدكم، في صباح يونيو 25، سأخلصكم من أعباء الديون، فهي ليست مصيركم، سنتخلص منها وننقذكم منها”
وتضيف أكشنار: :سيستأصل الحزب ما لا يقل عن 80% من ديون الطلاب والمواطنين ذوي الدخل المنخفض، بحيث يكونوا قادرين على سداد الديون المتبقية على أقساط مؤجلة تمتد إلى 10 سنوات دون فائدة، كما سيتم التخلص من ديون الشهداء ومحاربي الحرب القدامى، فالوطن يدين لهم بالكثير وهذا أقل ما يمكن أن نفعله”، على حد قولها.
تعد أكشنار الشعب التركي بأنه “سيتم سداد هذه الديون من خلال إدارة الأجزاء الصغيرة من الأموال التي يتم هدرها في الدولة وتستهلك من أنصار الحزب الحاكم”، فهذه الخطوة بحسب أكشنار، عبارة عن “تغيير الأولويات دون إضافة المزيد من الضغط إلى الميزانية بليرة واحدة”، وتضيف أكشينار: “نحن ندرك تمامًا أن أي تحسين يعتمد على الاقتراض لن يقدم أي فائدة، لذلك أعدكم، في صباح يونيو 25، سأخلصكم من أعباء الديون، فهي ليست مصيركم، سنتخلص منها وننقذكم منها”.
أما فيما يخص أكثر القضايا حساسية في الشأن التركي، وهي الأزمة السورية وما تبعها من لجوء الملايين من السوريين إلى الأراضي التركية، تعهدت أكشنار خلال خطابها في مدينة مرسين الجنوبية بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، قائلةً: “يوجد في مرسين نحو 200 ألف لاجئ سوري، فارتفعت البطالة وتدنى مستوى المعيشة، وهذه نتيجة للسياسات الخاطئة التي اتبعها أردوغان تجاه أخوتنا السوريين، لذلك أعدكم من هنا، أنه في العام القادم، سنتناول إفطارنا في رمضان مع اللاجئين السوريين في أرضهم سوريا”.
هذه الاعتقادات جعلت بعض الشخصيات المعارضة تستغل هذا الموقف الشعبي الرافض للوجود السوري في الأراضي التركية في سبيل الفوز بأصواتهم
لطالما نظر إلى اللاجئين السوريين في تركيا كورقة انتخابية قوية ورابحة، فمع تزايد أعداد السوريين في البلاد انقسم المجتمع التركي بين مساند ومعارض لموقف الحكومة التركية – حزب العدالة والتنمية – في استقبال السوريين وإدماجهم في المجتمع وتقديم التسهيلات لهم، بسبب اعتقاد البعض منهم بأن الخدمات التي تقدم لهم هي سبب وضعهم الاقتصادي المتدني أو توتر الأوضاع الأمنية في البلاد.
هذه الاعتقادات جعلت بعض الشخصيات المعارضة تستغل هذا الموقف الشعبي الرافض للوجود السوري في الأراضي التركية في سبيل الفوز بأصواتهم، مثل قليجدار أوغلو الذي اشتهر بموقفه ضد السوريين بحجة أن “الحكومة التركية تنفق الأموال عليهم بدلًا من استخدامها في مصلحة ورفاهية الشعب التركي”، وعلى هذا الأساس خلفت الأزمة السورية صراعات داخلية حادة بين الأحزاب واستطاعت أن تتلاعب بمشاعر المنتخبين.
إلى ذلك، تحاول أكشنار مخاطبة الشباب التركي بأسلوب أكثر ودية وجزم في آن واحد، فأكدت قدرتها على توفير فرص عمل لهم وتطوير جودة التعليم في المدارس العامة والخاصة على حد سواء.
العام الماضي، لحظة إعلان أكشنار تأسيس حزبها، رصدت عدة أهداف، كان منها زيادة النمو الاقتصادي التركي إلى 6% سنويًا ودفعها لتصبح واحدة من أكبر عشرة اقتصادات في العالم خلال خمس سنوات، كما أوضحت أنها ستزيد متوسط الدخل إلى 14 ألف و500 دولار للشخص الواحد، وستخفض البطالة إلى أقل من 8%، وستضمن محو الأمية بنسبة 100% بين النساء دون سن الأربعين. وذلك عدا عن سياستها في “حماية البيئة وجعل الحريات الإعلامية تتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي”، وهي القضايا التي يتهم فيها خصوم أردوغان اياه بالإهمال، على حد وصفهم.
محرم إينجه: حلول “جريئة” للقضية الكردية وإنهاء لسياسة “حكم الرجل الواحد”
محرم إينجه، المرشح الرئاسي للحزب المعارض حزب الشعب الجمهوري، تعهد بأنه سيتخذ “خطوات جريئة وشجاعة لإيجاد حل للقضية الكردية في تركيا إذا انتخب رئيسًا في 24 من يونيو/حزيران”، وخلال مقابلة له مع البي بي سي قال اينجه: “استمرت هذه الصراعات لمدة 40 عامًا، فكيف سنحلها؟ وأنا أقول سنحلها أولًا بالإخلاص، وثانيًا في البرلمان، وثالثًا بعدم الكذب، وأخيرًا باتخاذ خطوات شجاعة”، مشددًا على أهمية المصالحة والحوار، مؤكدًا أنه “لا يفعل ذلك من أجل حصد الأصوات أو لإرضاء الأتراك على حساب الأكراد أو العكس، وإنما سيعمل بحسب المبادئ والقوانين الدولية، وسيأخذ بعين الاعتبار الضمير في هذه المسألة”، بحسب تعبيره.
وخلال تجمع حضره آلاف الأشخاص في أنقرة، أكد إينجه أنه “سيناضل من أجل الديمقراطية وسيكون رئيسًا محايدًا”، مضيفًا: “سأكون رئيس كل شخص، لـ80 مليون مواطن تركي، سواء لأعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم، أم حزب الحركة القومية، أم حزب الشعوب الديمقراطي، لليساريين واليمنيين والعلويين والسنة والأتراك والأكراد”.
هل ينجح كل من إينجه وأكشنار في جذب أصوات تركية من خلال هذه التصريحات وهذه المواقف، وهل تكون هذه البرامج كافية لشد انتباه المواطن التركي خلال الانتخابات القادمة؟
وأشار اينجه إلى أن حملته الانتخابية ستركز على مسألتين، مكافحة الإرهاب والفساد، فقال: “سنلاحق أولئك الذين سرقوا هذه الأمة، ودعموا الإرهاب”، وهذه التعهدات تبعها اتهامات من اينجه لأردوغان حول سياسة “حكم الرجل الواحد” ، وعلى هذا الأساس، يعتقد إينجه أن هذه الانتخابات عبارة عن الاختيار بين أولئك الذين يفضلون الديمقراطية ومن يؤيدون “نظام الرجل الواحد” وموت الديمقراطية، على حد وصفه.
لم يكتف إينجه بهذه التصريحات، بل انتقد حكومة أردوغان واتهمها بـ”ارتكاب انقلاب مدني” من خلال “حملة قمع واسعة النطاق عقب محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الحكومة، وما نتج عنها من اعتقال أكثر من 50 ألف شخص وإقالة نحو 110 آلاف شخص آخرين بسبب مزاعم صلتهم بفتح الله غولن، وغيرهم من الصحفيين والنشطاء والأصوات المعارضة لتوجهاته السياسية”، على حد زعمه.
وبشأن الإصلاحات الاقتصادية، أوضح إينجه أنه سيتخذ الخطوات اللازمة للخروج من “المنظومة الاقتصادية التي تزيد الثري ثراءً والفقير فقرًا”، والمرهونة بشكل وطيد بالأجانب، ويمكن التخلص من هذا القلق بإقامة دولة تقوم على القانون والنظام الديمقراطي العلماني، لأن السبب الرئيسي لظهور المشاكل نقص الخبرات الإدارية والاقتصادية، كما يقول.
إلى ذلك، يحاول إينجه التأكيد على رغبته وبكل صراحة في ما أسماه “تغيير النظام الفاسد الذي يعمل على إسعاد أقلية على حساب الأغلبية“، وبالنسبة للطلاب، فلقد ذكر إينجه بأنه سيقدم منحتين كل عام، الأولى باسم “منحة الشباب” وبتاريخ 19 من مايو، والثانية “منحة الجمهورية” في 29 من أكتوبر، وتقدر بنحو 500 ليرة تركية، وأضاف أن هذه الأموال سيكون مصدرها القصر الرئاسي الذي سيفتحه لعامة الشعب ومن ثم يغلقه ويستخدم أرباحه في هذه المنح الدراسية التي ستقدم كل ستة شهور.
فهل ينجح كل من إينجه وأكشنار في جذب أصوات تركية من خلال هذه التصريحات وهذه المواقف، وهل تكون هذه البرامج كافية لشد انتباه المواطن التركي خلال الانتخابات القادمة، أم أنها مجرد وعود في الهواء لدغدغة عواطف الشعب التركي، كما يقول أنصار “العدالة والتنمية” الحاكم.