تشهد العلاقات الجزائرية الصينية في الفترة الأخيرة تطورًا ملحوظًا نتيجة ارتفاع المعاملات التجارية بين البلدين، ما مكّن الصين أن تكون أول شريك اقتصادي وتجاري للجزائر، تطور هذه العلاقات بين الطرفين أقلق الاتحاد الأوروبي الذي اتهم الجزائريين بعدم احترام اتفاقياتها التجارية مع دول الاتحاد خاصة بعد وقف نظام عبد العزيز بوتفليقة استيراد منتجات عديدة من الفضاء الأوروبي.
علاقات قديمة
أول أمس الإثنين، وصف السفير الصيني لدى الجزائر يانغ غيانغ يو، العلاقات الثنائية والشراكة بين بلاده والجزائر، بعلاقات “الاعتزاز والثقة والعزم”، مشيرًا إلى أن الجزائر “أول بلد عربي يقيم علاقات ثنائية وشراكة إستراتيجية مع الصين من هذا المستوى”.
ووقعت كل من الصين والجزائر في يونيو 2014 على مخطط يمتد لخمس سنوات للتعاون الإستراتيجي الشامل بينهما يندرج ضمن تطبيق اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة التي أعلنتها البلدان في مايو 2014، ويهدف المخطط لإعطاء دفع أكبر للعلاقات الاقتصادية الجزائرية الصينية، لا سيما الاستثمارات المباشرة للصين في كل القطاعات الأولوية للمخطط الخماسي للجزائر 2015-2019.
حصدت الشركات الصينية في الأعوام الأخيرة كل صفقات المشاريع الكبرى في مجالات البناء والأشغال العامة بالجزائر
وامتد التعاون بين البلدين ليشمل كل المجالات تقريبًا منذ إنشاء البلدين عام 1982 اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني، ويحتفل البلدان هذه الأيام بالذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما التي انطلقت سنة 1958.
أول مستثمر أجنبي في الجزائر
تصنف الصين كأول مستثمر أجنبي في الجزائر متجاوزة العديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا، وتستحوذ الشركات الصينية العاملة في الجزائر على استثمارات فاقت 20 مليار دولار تشمل البنية التحتية والمنشآت الكبيرة.
وحصدت الشركات الصينية في الأعوام الأخيرة كل صفقات المشاريع الكبرى في مجالات البناء والأشغال العامة بالجزائر، مستفيدة من نمو الإيرادات الجزائرية بفضل ارتفاع أسعار النفط في تلك الفترة، كما تأمل عدة مؤسسات صينية ناشطة في صناعة السيارات وتكنولوجيات الإعلام والاتصال في الاستثمار بالجزائر.
وتشكل الشركة الوطنية الصينية للأشغال والبناء “سي إس سي أو سي” أهم قوة ضاربة لبكين في الجزائر، حيث تنجز العديد من المشاريع على رأسها ميناء الجزائر الجديد الذي تقوم الصين بتمويله وفقًا لاتفاق إقراض طويل الأجل بنحو 3 مليارات دولار، إلى جانب مشاريع إنجاز البنى التحتية منها توسعة مطار الجزائر الدولي.
يعتبر ميناء شرشال أحد أبرز المشاريع الصينية في الجزائر
وساهمت الاستثمارات والنشاطات الصينية في الجزائر، وفقًا لتقارير عديدة، في خلق أكثر من 50 ألف موطن شغل منذ سنة 2000، مع تحقيق تدفقات مالية كبرى، وتسجل هذه التدفقات ارتفاعًا متواصلاً، خاصة مع اهتمام الشركات الصينية بجعل الجزائر إحدى نقاط ارتكاز لتوسعها في إفريقيا الذي يعرف نموًا كبيرًا.
وتميل الصين منذ فترة طويلة إلى الاستثمار في الجزائر، وفقًا لعدد من الخبراء، بسبب مخزون الجزائر من النفط، إذ كان للشركات الصينية نصيب كبير من إجمالي 500 مليار دولار من الاستثمارات العمومية في الجزائر منذ وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم، إلى جانب ذلك تسعى الصين للفوز بالنصيب الأوفر من السوق الجزائرية الذي يضم 38 مليون نسمة.
الشريك التجاري الأول
فضلاً عن كونها أول مستثمر أجنبي في البلاد، تعتبر الصين أيضًا الشريك التجاري الأول للجزائر، كما تعد الجزائر الشريك التجاري الأول للصين في المنطقة وأكبر سوق للتصدير في المغرب العربي، حيث تهيمن المبادلات التجارية بين البلدين على أكثر من 40% من معاملات الصين في الحوض المغاربي التي تقارب 21 مليار دولار.
وصدرت الصين للجزائر سنة 2017، ما قيمته 8.31 مليار دولار أمريكي من السلع، أي 18.1% من إجمالي واردات الجزائر التي بلغت 45.95 مليار دولار، وجاءت فرنسا في المركز الثاني بواقع 3.75 مليارات دولار ثم ألمانيا بـ3.21 مليار دولار وإسبانيا بـ3.13 مليار دولار.
يمثّل وقف استيراد السلع من بلدان أوروبا مشكلة كبيرة للاتحاد الأوروبي
وكانت الصين قد صنفت كأول مصدر إلى الجزائر للمرة الثانية على التوالي بواقع 8.2 مليار دولار أمريكي في 2014 متقدمة على فرنسا التي كانت تستحوذ على المركز الأول لعشرات السنين، وهو تحول تاريخي لوضع التبادلات التجارية بين الجزائر والصين، وصنفت الصين لأول مرة في المركز الأول في عام 2013 بعلاقات تجارية خارج قطاع المحروقات فاقت 8 مليارات دولار.
ويشمل التعاون بين البلدين مجالات الطاقة والزراعة والبناء والبحث العلمي والثقافة والإنتاج الحيواني ومحاربة التصحر والري وتعبئة الموارد المائية والصناعة والتعاون العسكري والمجال النووي والصحة والبرلمان، وأخيرًا التعاون الفضائي الذي تم عام 2013.
مخاوف أوروبية
تطوّر العلاقات الاقتصادية الصينية الجزائرية، لم يرق للدول الأوروبية، حيث عبّر الاتحاد الأوروبي في أبريل/نيسان الماضي، عن انزعاجه من التفضيل الجزائري للصين على حساب الاتحاد، حيث اشتكى التكتل الأوروبي من منح الجزائر امتيازات للصين غير مبررة.
واعتبرت المحافظة الأوروبية للتجارة سيسيليا مالمستروم، حينها، أن “الجزائر لا تحترم اتفاقياتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي، وهي بذلك تشجع المصالح الصينية”، فقالت: “قرارات الجزائر تساعد الصين، ولا بد من إيجاد حلول أو نلجأ إلى تفعيل البنود المتعلقة بحل النزاعات”.
الاتحاد الأوروبي يخشى هيمنة الصين على السوق الجزائرية
ويقول الأوروبيون إن الجزائر تعمدت فرض نظام “رخص الاستيراد” سنة 2016، وهي عبارة عن رخص إدارية اعتمدتها الجزائر لكبح فاتورة الواردات التي تعدت 64 مليار دولار سنة 2014، حتى تقيّد الواردات الأوروبية لفائدة الواردات الصينية، يشار إلى أن حظر الاستيراد الذي أقرته الحكومة يشمل منتجات من الصناعة الغذائية وسلع زراعية ومواد نصف مصنعة، وأخرى مصنعة كالسيارات التي أوقفت الحكومة استيرادها نهائيًا.
ويمثّل وقف استيراد السلع من بلدان أوروبا مشكلة كبيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي بدأ يبدي مخاوف متزايدة من اكتساح المنتجات الصينية للسوق الجزائرية، ويعتبر ذلك تفضيلاً للصين من جانب الحكومة الجزائرية على حساب أوروبا.