من قال إن تنظيم داعش ليس عنصرًا مشاركًا وفاعلاً بالانتخابات العراقية؟ ومن قال إنها لا تؤمن بالآليات السياسية الحديثة التي يلعب بها السياسيون؟ واقع الحال الذي نراه أن تنظيم داعش يعتبر واحدًا من اللاعبين الأساسيين في العملية السياسية التي تجرى بالعراق، ومنذ بدأ الاحتلال عام 2003 وإلى حد الآن، بدأت بثوبها الذي كانت ترتديه والمسمى بتنظيم القاعدة، وصولًا إلى ارتدائها ثوبها الجديد قبل ما يقارب الثماني سنوات حينما أعلن اندماج “الدولة الإسلامية في العراق” وفرع القاعدة في سوريا “جبهة النصرة” لتشكيل “الدولة الإسلامية في العراق والشام” الذي يعرف اختصارًا بتنظيم “داعش”.
ليعود هذه الأيام تنظيم داعش للقيام بدوره السياسي في الانتخابات النيابية العراقية التي ستجري بعد بضعة أيام، من خلال التهديدات الذي أعلنها التنظيم للحكومة العراقية وللمرشحين والمصوتين، على لسان متحدثها الرسمي أبو الحسن المهاجر الذي بثته ما يسمى بمؤسسة “الفرقان” التابعة للتنظيم، مطالبًا عناصره باستهداف الانتخابات البرلمانية المقبلة والدعوة إلى استهداف جميع رجال الدين السنَّة والشيعة الذين دعوا للمشاركة في الانتخابات.
مما يجعل اليقين من المشاركة الفاعلة لهذا التنظيم الإرهابي في الانتخابات النيابية العراقية حقيقة واقعة تدعهما الشواهد، إعلانه استهدافه بعمليات إرهابية طالت مرشحين ومصوتين من المكون العربي السني فقط، حيث ذكرت وسائل الإعلام الاجتماعية المؤيدة لتنظيم داعش، أن التنظيم كان وراء ثلاث هجمات منفصلة في محافظات الأنبار وكركوك وديالى في الأيام العشر الأخيرة، استهدف بها مرشحين تابعين لأحزاب سنية، واستهدف مناطق سنيَّة بالتحديد، لتخويف الناخب السني من الذهاب لمراكز الاقتراع خشية على سلامته.
والهجوم الذي شنه التنظيم على عدد من منازل المواطنين بمنطقة قضاء الطارمية (شمال بغداد) الذي أدى لمقتل وإصابة العشرات، رغم إحاطة تلك المنطقة بقوات كبيرة من الجيش والشرطة، لهي دليل على التسهيلات المقدمة من أتباع النظام الإيراني لهذا التنظيم.
لقد كان للحركة التي عملها تنظيم داعش عام 2014 واستيلائه على معظم المناطق السنيَّة، أكبر الفائدة للنفوذ الإيراني، لأنه وفر الذريعة والحجج الكافية، لتأسيس أكبر مليشيا عرفتها المنطقة التي تدعى تنظيم الحشد الشعبي
كان تنظيم القاعدة (وهو الأب الشرعي لتنظيم داعش)، العامل الأساسي الذي أفشل مشروع مقاومة الاحتلال الأمريكي، تلاها مساهمته الفاعلة في تمكين المشروع الإيراني في العراق من خلال محاربة كل سني ينخرط بالعمل السياسي أو ينخرط بأجهزة الأمن العراقية التي تأسست بعد الاحتلال، مما جعل تلك الأجهزة الأمنية تتشكل بشكل شبه كامل من المليشيات القادمة من إيران، بالإضافة إلى المتطوعين من مكون عراقي وحيد هو المكون العربي الشيعي.
ثم قاموا بتصفية الكثير من الرموز السياسية السنية المشاركة بالعملية السياسية، لكي يستتب الأمر للسياسيين الشيعية الموالين للنظام الإيراني، لم يكتف التنظيم بذلك، بل هدد كل سنَّي منتسب للشرطة أو الجيش وفرض استقالته من تلك الأجهزة، وزادوا على ذلك، بمطالبتهم بدفع غرامة مالية تصل إلى 1300 دولار كتكفير عن ذنبه ذلك.
استهدفت إيران كل من عارض وجودها بالعراق، من خلال استخدام القاعدة ومن بعدها داعش، بالقتل والترهيب والتفجيرات، كان آخرها استهداف المرشحين للانتخابات النيابية من السنَّة، بالإضافة الى جعل مناطق السنَّة ساحة حرب لمنع أهلها من المشاركة بالعملية الانتخابية.
أما الإنجاز الأكبر لتنظيم داعش، فهو جعل مناطق العرب السنَّة محرمة على أهلها بسبب التدمير الواسع النطاق لمدنهم، وكذلك الاستيلاء عليها من المليشيات الإيرانية التي تمنع وبالقوة عودة أهاليها إليها مرة ثانية، الأمر الذي جعل معظم العرب السنَّة يعيشون في مخيمات النزوح، أو لاجئين في دول الجوار.
لقد استطاع تنظيم داعش تعميق حالة الرعب بأوساط السنَّة من المشاركة السياسية، وبنفس الوقت كان تنظيم داعش وأعماله الإرهابية عامل توحيد بالنسبة للمكون الشيعي
لقد كان للحركة التي عملها تنظيم داعش عام 2014 واستيلائه على معظم المناطق السنيَّة، أكبر الفائدة للنفوذ الإيراني، لأنه وفر الذريعة والحجج الكافية، لتأسيس أكبر مليشيا عرفتها المنطقة التي تدعى بتنظيم الحشد الشعبي، تم تشكيلها من العشرات من المليشيات الشيعية ذات الولاء الإيراني، وتم توفير الغطاء الشرعي لها، من خلال الاعتراف بها من البرلمان العراقي، بأن تلك المليشيات تابعة للدولة، وتم تخصيص تمويل لها من الدولة بشكل رسمي.
إن تلك الأعمال الوحشية التي مارستها القاعدة ومن بعدها “داعش” كان لها الأثر الأكبر في عزوف السنَّة عن المشاركة السياسية الفاعلة، وقد خدم هذا التنظيم الأجندة الإيرانية أيَّما خدمة، ومكَّنت لموالي إيران من السياسيين الشيعة بالتحكم بكل مفاصل البلد على حساب باقي المكونات العراقية الأخرى.
قبل ثمانية شهور أعلن العبادي القضاء على تنظيم داعش في العراق نهائيًا، لكنه لم يلبث أن استدرك لاحقًا، واكتشف أنه ارتكب خطأً فادحًا حين أعلن ذلك، ذلك لأنه يحتاجهم في الانتخابات القادمة لتحشيد الشيعة من حوله، وبنفس الوقت تنفير السنَّة من تلك الانتخابات.
فما كان من رموز المكون السياسي الشيعي إلا أن بدأوا في إعلان وجود بقايا لهذا التنظيم، وأن تنظيم آخر قد ولد من رحم داعش اسمه تنظيم الرايات البيض، ولا نعلم إلى متى يستمر ظهور تلك التنظيمات ذات الألوان المختلفة، فمن الأسود إلى الأبيض، وربما تنتهي كل ألوان الطيف الشمسي، ولا تنتهي مسميات التنظيمات الإرهابية التي تخدم السياسية الإيرانية بالمنطقة.
لقد كانت فكرة تأسيس منظمات إرهابية بالأوساط السنيًّة، تدَّعي أنها تقاتل من أجل نصرة الدين وحماية أهل السنَّة، أكبر فكرة تدميرية أسسها ورعاها أعداء هذه الأمة
لقد استطاع تنظيم داعش تعميق حالة الرعب بأوساط السنَّة من المشاركة السياسية، وبنفس الوقت كان تنظيم داعش وأعماله الإرهابية عامل توحيد بالنسبة للمكون الشيعي، ويتعمد السياسيون الشيعة الترويج أن هذا التنظيم قادم لذبحكم وإزالة الشيعة من الحكم في العراق، فيتسبب ذلك وفق نظرية القطيع، أن يجعل الشيعة يتوحدون خلف سياسييهم، وينتخبون نفس الوجوه المتأكدين من فسادها، وأنها لم تقدم لهم شيئًا، فقط خوفًا من أن تتقدم عليهم داعش لتزيح الشيعة من حكم العراق، أو أن تقتل وتذبح أبناءهم أو تمنعهم من ممارسة شعائرهم الطائفية، ولم يتردد الساسة الشيعية للإيعاز لهذا التنظيم الإرهابي وتقديم التسهيلات له لضرب بعض الأهداف الشيعية، ليضفي على دعواتهم الطائفية المصداقية الكافية ليتم تصديق ادعاءاتهم وسط أبناء المذهب الشيعي.
لقد كانت فكرة تأسيس منظمات إرهابية بالأوساط السنيًّة، تدَّعي أنها تقاتل من أجل نصرة الدين وحماية أهل السنَّة، أكبر فكرة تدميرية أسسها ورعاها أعداء هذه الأمة، ومن خلالها استطاعت أن تشتت شمل العرب والمسلمين، وبالذات السنَّة، واستطاعت إلحاق تهمة الإرهاب بالسنَّة ذات الغالبية في المنطقة، حتى أصبحنا نعيش مفارقة تاريخية لم نشهد لها من قبل مثيلاً، هي أن يتم اضطهاد الأغلبية على أيدي الأقلية الموجودة فيما بينها.