لا يغيب السؤال حول الوضع الراهن لجماعة الإخوان المسلمين ومستقبلها في الأردن، عن ساحات الجدل والسجال السياسي حتى يقفز إلى السطح من جديد، ولقد عاود هذا السؤال ظهوره بقوة عقب خسارة الجماعة للقيادة التنفيذية في نقابة المهندسين، المتمثلة بمنصب النقيب.
فالتساؤلات تتقافز وتتكاثر أمام هذا الواقع الجديد، الذي تميز بخسارة الإخوان وتراجعهم في كثير من مواقع العمل العام، سواء بالجامعات أو النقابات أو البلديات أو حتى مجلس النواب دورة بعد دورة.
فما هي الأسباب في هذه الخسارة وهذا التقهقر على المستوى الشعبي، هل أفل نجم الإخوان عن الساحة الشعبية أو يكاد، هل الجماعة في حالة من الانحسار المؤقت أم مصيرها الاختفاء والاندثار، هل بات الواقع الإسلامي السياسي بحاجة إلى مكون أو مولود جديد، يعمل على تجديد الخطاب السياسي والدعوي، ويخرج من تحت عباءته من يجدد الفكر ويحدث البرامج؟.
لم يأخذ الملك عبد الله بالنسبة للجماعة بمقاربة الإدماج التي اتبعتها تونس والمغرب في تعاملهما مع الإسلاميين، وإن كان لم يأخذ أيضا بالمقاربة الإقصائية التي انتهجتها مصر والإمارات والسعودية
بعودة إلى الماضي، يرى الناظر أن الجماعة في عهد أول ثلاثة ملوك تعاقبوا على عرش المملكة، حصدت مكاسب عميقة وعززت نفوذها وقواعدها الشعبية، وأرست بنية تحتية تنظيمية صلبة وعريضة ومتجذرة، تمثلت في شبكة المدارس والمعاهد والجامعات وشبكات اجتماعية وصحية، حتى انتشرت وقادت العمل العام وسيطرت عليه في كثير من المواقع مثل النقابات المهنية والجامعات والبلديات ومجلس النواب.
لكن “العروة الوثقى” التي ربطت الجماعة بالنظام السياسي في عهد الملوك الثلاثة، وهم الملك المؤسس عبد الله الأول بن الحسين الذي احتضن الجماعة وافتتح مقرها الأول، ومن بعده الملك طلال بن الحسين الذي واصل شهر العسل مع الجماعة، إلى الملك حسين بن طلال الذي لم يخل عهده من تحالف وود تجاه الجماعة، تخلخلت وتصدعت وتراجعت في عهد الملك عبد الله الثاني.
رغم ذلك، لم يأخذ الملك عبد الله بالنسبة للجماعة بمقاربة الإدماج التي اتبعتها تونس والمغرب في تعاملهما مع الإسلاميين، وإن كان لم يأخذ أيضا بالمقاربة الإقصائية التي انتهجتها مصر والإمارات والسعودية، فالمقاربة الأردنية جاءت في منزلة وسط بين المنزلتين، تمثلت بممارسة أقصى الضغوط على الجماعة مع إبقاء الباب مواربا أمام مستويات معينة من المشاركة، بانتظار أن يعاد النظر جذريا في أسس العلاقة وقواعد اللعبة السياسية في البلاد.
هل أفل نجم “الإخوان” عن الساحة الشعبية أو يكاد؟
للإجابة عن التساؤلات حول وضع الجماعة الراهن ومستقبلها السياسي والدعوي، في ظل تدني شعبيتها وضعف إنجازاتها وتراجع انتصاراتها، رأى الباحث في شؤون الفرق والحركات الإسلامية أسامة شحادة، أن “القول بانحسار الإخوان واندثارهم على المستوى التنظيمي، أمر مجافي للحقيقة والصواب وبعيد كل البعد عن الواقع والمنطق”.
شحادة: تعاني “الإخوان” من ضعف بوضع البرامج وغياب الرؤية الصحيحة في طرح الحلول للمشاكل الاقتصادية والمجتمعية، إضافة إلى عدم تطوير خطابها السياسي والدعوي
وقال شحادة الذي يعتبر من رموز الحركة السلفية في الأردن لـ”أردن الإخبارية” إن “جماعة الإخوان مرت على مدى تاريخها بمحن وصدمات، ودخلت في أزمات كبيرة وشديدة، لكن كل ذلك لم يتمكن من القضاء عليها أو دحرها، لأن الجماعة تتميز بتنظيم صلب وقوي من الصعب تفكيكه”.
واعتبر الكاتب أن “ما يساعد الإخوان على البقاء والاستمرارية، نظافة يدهم وذممهم وخلو تاريخهم من الفساد وقربهم من الناس”، مؤكدا على “فرصهم الكبيرة في الفوز بأي انتخابات إذا كانت شفافة ونزيهة وتخلو من التدخلات الرسمية”.
لكن شحادة أشار إلى أن ما أثر على شعبية الجماعة وحضورها إلى هذا الحد، حتى وصل إلى عناصرها التنظيمية، هو “ضعفها في وضع البرامج وغياب الرؤية الصحيحة لديها في طرح الحلول للمشاكل الاقتصادية والمجتمعية، إضافة إلى عدم تطوير خطابها السياسي والدعوي، الأمر الذي انعكس عليها من خلال الانشقاقات الثلاثة، وعبرت عنها جمعية جماعة المراقب الأسبق المحامي عبد المجيد الذنيبات، وحزب الشراكة والإنقاذ بقيادة المراقب الأسبق سالم الفلاحات، ومبادرة زمزم”.
الحمد: “الأحكام العشوائية التي تفيد بانحسار أو اختفاء الإخوان، ما هي إلا مبالغات وانطباعات عاطفية أو تجييش وأحكام مغرضة”
وحول إمكانية تسلم قيادة العمل الإسلامي السياسي من جماعة الإخوان، من قبل مكون أو مولود جديد، استبعد شحادة نجاح هذا الأمر، “لأن كل من تصدى للعمل الإسلامي السياسي في الآونة الأخيرة خرج من عباءة الإخوان وهو ليس ببعيد عن إطار تفكيرهم وأسلوبهم، لذلك من الصعب أن يأتي بجديد أو أمر مغاير”.
“الإخوان المسلمون متجهون إلى الانحسار وربما الاختفاء”، هذا ما قدره الباحث إبراهيم غرايبة في كتابه الذي صدر مؤخرا بعنوان “ من الدعوة إلى السياسة، الإخوان المسلمون في الأردن: تاريخهم وأفكارهم”.
مبالغات وفشل مؤقت؟
نقلنا هذا التقدير إلى مدير مركز دراسات الشرق الأوسط جواد الحمد، الذي رفض هذا الطرح والاستشراف، مشددا على أن “الإسلام السياسي المعتدل المتمثل بجماعة الإخوان المسلمين، في صعود وتقدم” على حد تعبيره.
وقال الحمد لـ”أردن الإخبارية” إن “الإخوان رقم مهم وصعب لا ينكن تجاوزه في المنطقة وعلى الساحة السياسية، علاوة على أنه يحظى باهتمام ومتابعة على مستوى مراكز الدراسات والأبحاث الدولية والإقليمية”. واعتبر أن “الحديث حول تراجع انحسار الإخوان أو اختفائهم، ما هي إلا أماني ورغبات تطرحها جهات إما أنها تتميز بالخصومة أو العداوة للجماعة، وهي بعيدة كل البعد عن الدراسات العلمية المعتبرة”.
العمل الإسلامي: “هناك دراسة داخلية نفذتها الجماعة مؤخرا حول الأوضاع الداخلية، رصدت الأخطاء والسلبيات التي طالت الجماعة في الفترة الأخيرة
ولفت إلى أن “الأحكام العشوائية التي تفيد بانحسار أو اختفاء الإخوان، ما هي إلا مبالغات وانطباعات عاطفية أو تجييش وأحكام مغرضة، وللأسف فقد تأثر بها عناصر من الإخوان وأنصارهم وصدقوها فباتوا يرددوها ويتناقلوها كأنها واقع وحقيقة”.
لكن الحمد استدرك بقوله إن “جماعة الإخوان وغيرها من الجماعات والأحزاب، ما هي إلا منظمات وتجمعات بشرية تعمل وتنتج فتنجح أو تفشل وتتقدم أو تتراجع، وهذا أمر يأتي في السياق الطبيعي في الأداء والجهد والإنجاز”.
إقرار بتأثر البنيان والشعبية.. واتصالات مع الدولة
“اللهم اضرب الإخوان بالإخوان”، شعار يرى البعض أن النظام اعتمده لإضعاف وإفشال جماعة الإخوان الأم، وقطب المعارضة الأبرز لكي لا يكون له الوزن الأكبر والأهم، وقد نجح في ذلك عبر دعمه ورعايته لعمليات الانشقاقات التي جرت داخل الجماعة الأم.
أقر بذلك نائب الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي المهندس نعيم خصاونة، الذي أكد على أن “الهزات التي ضربت جسم الجماعة ونتجت عنها حركات الانشقاقات، أثرت سلبا على سير وصلابة ومتانة الجماعة، فضلا عن تأثيراتها على موقع وحضور وشعبية الجماعة لدى قواعدها وأنصارها”.
وبصراحته المعهودة، لم ينكر الخصاونة “اهتزاز مكانة الجماعة جراء عوامل داخلية وخارجية”، لكنه عاد وشدد على أن “الجماعة بدأت تتحسن وتتقدم وتتعافى، لاستعادة وحدتها خاصة في العامين الأخيرين”.
الخصاونة يكشف: “اتصالات سياسية على مستوى رفيع أجريت خلال الأشهر الماضية، بين أركان الدولة وقيادات من الحركة الإسلامية”
وأوضح أن “هناك دراسة داخلية نفذتها الجماعة مؤخرا حول الأوضاع الداخلية، رصدت الأخطاء والسلبيات التي طالت الجماعة في الفترة الأخيرة، فعالجتها وعملت على تصحيحها والقضاء عليها، للوصول إلى الأفضل”، معتبرا أن “هذه الدراسة هي من باب المراجعات الفكرية التي يحرص على تنفيذها الإخوان عبر تاريخهم الدعوي والسياسي، من أجل تدارك الخطأ والسلبيات”.
وبخصوص وجودهم وحضورهم في مواقع العمل العام، وحول صحة القول بأن شعبية الإخوان في تراجع وانحسار وتدني، أبدى القيادي الإسلامي رفضه واستغرابه من هذا “الطرح غير المنطقي”، داعيا إلى “النظر للصورة والحال بموضوعية ومنطقية أكثر”.
ورأى أنه “من الظلم وفداحة الخطأ في التحليل والتفكير، اعتبار أن خسارة مقعد نيابي أو نقابي أو طلابي، هو انحسار أو اختفاء للجماعة الأكبر والأبرز صاحبة التاريخ والإنجاز والعمل”، مشددا في الوقت ذاته على “أننا باقون ومتجذرون”، لكنه لم يقلل من الخسارة باعتبارها “كبوة أو تراجع أو تأخر عن المقاعد الأولى في العمل العام”.
الحطّاب: “المشكلة ليست في الوجوه والأسماء، إنما في التفكير والمفردات والسلوك، الذي ينبغي أن يتغير ويندمج ويشارك الأدوات المجتمع”
وفي معرض العلاقة والتطور مع النظام، كشف الخصاونة عن “وجود اتصالات سياسية على مستوى رفيع أجريت خلال الأشهر الماضية، بين أركان الدولة وقيادات من الحركة الإسلامية”، مؤكدا على أن “الشد والجذب بين الطرفين توقف على الأقل”، نافيا في الوقت نفسه “عقد أي لقاء بين الملك عبد الله الثاني وقيادة الجماعة”، مشيرا إلى أن “الضغوطات الرسمية لم تتوقف بحق الجماعة إلى الآن”، معربا عن “أمله في التوقف وإعادة العلاقة كما كانت لما فيه مصلحة الوطن والمواطن”.
خلل في الخطاب وأزمة في التجديد؟
وبخصوص الخطاب الإعلامي والسياسي الراهن للجماعة، رأى المحلل السياسي سلطان الحطاب، “ضرورة توجه الخطاب الإخواني إلى معالجة مواطن الخلل والقصور والكشف عن المعوقات الذاتية، التي ساهمت فيما آلت إليه أوضاع الجماعة مؤخرا من الانقسام والتشظي، وتراجع حضورها وتأثيرها في المجتمع الأردني”.
وقال الحطاب لـ”أردن الإخبارية” إن “ما ظهر مؤخرا من موقف للجماعة من نتائج نقابة المهندسين، يدلل على أن خطاب الإخوان يرفض الأخر ولا يقبل الخسارة، وقد تميز بحشرجة ولكلكة ولم يقف عند المحرمات تجاه العمل الديمقراطي، الأمر الذي ساعد على الأزمة الداخلية الإخوانية”. وأضاف الكاتب أن “الخطاب الذي صدر عن رموز وقيادات تجاه نتائج نقابة المهندسين، أكد على أن خطاب الإخوان لم يتغير ولم يتطور، فقد سقط في الامتحان الديمقراطي”.
وحذر الحطاب من “منهج رفض قبول النقد والنصيحة لدى الإخوان، والإحساس بقداسة الجماعة تماما كقداسة الإسلام نفسه”، داعيا إلى مناقشة “أسباب التراجع وأصله وعدم الاكتفاء بدراسة المظاهر والنتائج فقط”.
تتعرض المنابر الإعلامية الأساسية المحسوبة على جماعة الإخوان لأزمة مالية خانقة، قد تودي بإغلاقها في وقت قريب
وحول إن كان تغيير الوجوه والشخصيات، قد يعيد للخطاب الإخواني ألقه وحيويته، اعتبر الحطاب أن “المشكلة ليست في الوجوه والأسماء، إنما في التفكير والمفردات والسلوك، الذي ينبغي أن يتغير ويندمج ويشارك الأدوات المجتمعية، في العمل الوطني البعيد عن الأجندة الخارجية”.
إلى ذلك، تتعرض المنابر الإعلامية الأساسية المحسوبة على جماعة الإخوان لأزمة مالية خانقة، قد تودي بإغلاقها في وقت قريب، وحول هذه الأزمة وإن كانت أحد أسباب تراجع الجماعة، رأى الحطاب أن “هذا أمر طبيعي خاصة بعد إغلاق منافذ الدعم التي كانت تزودهم بالأموال سواء في منطقة الخليج أو أوروبا أو أمريكا”.
واعتبر الحطاب أن “قلة الدعم وضعفه الذي أصاب منابر الجماعة الإعلامية، نتج عن موقف الإخوان من الربيع العربي، الذي كشف عن نوايا غير معلنة أغضبت الأنظمة ودعتها إلى الحذر والتشدد تجاه الجماعة، وبالتالي تجفيف المصادر المالية التي تمد الجماعة بالحياة”.