حدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفه من انسحاب بلاده من الاتفاق الإيران النووي، لتتصاعد على إثره التوقعات بشأن تحول الحرب بالوكالة بين إيران و”إسرائيل” إلى حرب مباشرة، فإلى أين تتجه المنطقة بعد قرار ترامب؟ وكيف سينعكس هذا القرار على الصراع الذي اشتد بين طهران وتل أبيب؟ هل ستدخل المنطقة في صراع إيراني إسرائيلي مباشر على الأرض اللبنانية أم أن الطرفين سيكتفيان بالحد الذي وصلت إليه الأمور؟
ما قبل المواجهة المباشرة
شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا غير مسبوق بين “إسرائيل” وإيران، كانت ساحته الأراضي السورية، فلم تعد المواجهة تقتصر على الأدوات والحرب الخفية المعتمدة على الحلفاء والأذرع في المنطقة، وإنما بات الصراع مكشوفًا فيما بينهما، خاصة بعد قرار ترامب المتعلق بالاتفاق النووي مع طهران.
وبعد الضربات التي تلقتها إيران في مطار التيفور والقصف الذي طالها في اللواء 37 في حماة، يبدو أنها لم تمنع مرارة الخسارة الفادحة التي تعرضت لها، وإنما أصبحت تبحث عن طرق للانتقام من القصف الإسرائيلي، حيث أوردت وسائل إعلام إسرائيلية تحذيرات من أجهزة المخابرات كشفت فيها مخططات إيرانية لهجوم صاروخي من داخل سوريا ضد قوات عسكرية إسرائيلية.
منذ التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران لم تُخف “إسرائيل” رفضها له، وعملت بكل الطرق لإفشال هذا القرار الذي تراه يشكل خطرًا على أمنها
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدوره زاد من هذه الاحتمالات، وتحدث عن نشر إيران أسلحة خطيرة جدًا داخل سوريا في إطار حملة لتهديد “إسرائيل”، في خطوة قرأها البعض على عزم إيران لرد ماء وجهها من بعد الهجمات الإسرائيلية التي لم تقابلها حتى الآن بدون أي رد ما يجعل المنطقة مفتوحة أمام كل الاحتمالات خاصة بعد قرار ترامب المتعلق بالاتفاق النووي مع طهران.
لعل ذلك ما أدى بحسب المتابعين لهذه الأزمة المتصاعدة بين الجانبين التي كانت أحد تداعيات القرار الأمريكي المتعلق بالاتفاق النووي، فمنذ التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران لم تُخف “إسرائيل” رفضها له، وعملت بكل الطرق لإفشال هذا القرار الذي تراه يشكل خطرًا على أمنها.
ويؤكد ذلك نتنياهو مرة أخرى بعد قرار ترامب، إذ قال: “عارضت الاتفاق منذ البداية، ليس لأن هذا الاتفاق لا يمنع إيران من السير في اتجاه القنبلة النووية فحسب، بل لأنه يفسح لها المجال نحو ترسانة كاملة من القنابل النووية خلال بضعة أعوام”، وأضاف “الاتفاق لم يؤد إلى تراجع خطر الحرب بل جعله قريبًا، الاتفاق لم يحد من السلوك العدواني لإيران بل زاده بشكل كبير في المنطقة برمتها”.
تقف “إسرائيل” في صدارة المشهد المباشر لمواجهة إيران
نُذُر حرب
بالنظر إلى الإعلان الإسرائيلي المرحب بقرار ترامب نجد أنه جاء مبكرًا، حتى قبل مراجعة الموقف الأمريكي من الاتفاق في 12 من مايو المقبل، ما يشير إلى مدى التنسيق والتناغم في العلاقة بين نتنياهو وترامب، وبالتالي احتمالية دعمه في أي خطوة يقوم بها.
ويؤكد كذلك أن سوريا على ما يبدو ستبقى ميدانًا للمواجهة غير المباشرة بين “إسرائيل” وإيران، فالوجود الإيراني في سوريا يتدعم يومًا بعد يوم وقد تتحول سوريا إلى لبنان ثانٍ، وترى أجهزة الأمن الإسرائيلية ترى في ذلك كل المخاطر.
ويرى محللون أن “إسرائيل” إذا أردات أن تختار الخطر الحقيقي فعليها بلبنان حيث حزب الله، فإيران لديها قوة في لبنان متمثلة في البنية التحتية والصاروخية، في حين الأخطار في سوريا مشغولة في الحرب الأهلية.
وتحسبًا للمواجهة المباشرة على أرض غير معهودة، استدعى جيش الاحتلال الإسرائيلى جنود الاحتياط في الجولان ضمن الاستعدادت القصوى، وتفعيل المنظومات الدفاعية، كما أعلن فتح الملاجئ في المستوطنات والقرى العربية في الجولان السوري المحتل بادعاء رصد تحركات لقوات إيرانية في الجانب السوري من هضبة الجولان ومدينة صفد.
تقف “إسرائيل” في صدارة المشهد المباشر لمواجهة إيران؛ وهو ما يمكن البناء عليه بأن الإدارة الأمريكية تتبني الموقف الإسرائيلي مع بعض التحفظات على الأسلوب والنهج
وذكرت القناة العاشرة الإسرائيلية أن الأوامر صدرت في أعقاب رصد هذه التحركات وورود معلومات استخبارية عن نية إيران إطلاق صواريخ على الجولان السوري المحتل، دون تحديد موعد لذلك، وذكرت كذلك أن الجيش رفع حالة التأهب وتعليمات الأمن وحماية المواطنين، ونشر منظومات حماية متطورة على الحدود مع سوريا، من بينها منظومة القبة الحديدة.
وتأكيدًا على أن التهديد أصبح قريبًا ومباشرًا، حذرت السفارة الأمريكية في “إسرائيل”، في وقت سابق من مساء أمس الثلاثاء، رعاياها من الوجود في الجولان السوري المحتل أو السفر إلى المناطق القريبة منه، على الضوء التوتر التي تشهده الحدود الإسرائيلية السورية.
يشير ذلك إلى توجه إسرائيلي ضاغط إلى توسيع دائرة التعامل مع إيران، ونقله من مجرد خلاف ثنائي وصراع على المواجهة والحسم، إلى خلاف جماعي شامل يضم إلى جانب “إسرائيل” الدول الكبرى الأخرى، مما يضيِّق الخناق على إيران ولا يضعها في مواجهة دولة واحدة هي “إسرائيل” فقط.
وهنا تقف “إسرائيل” في صدارة المشهد المباشر لمواجهة إيران؛ وهو ما يمكن البناء عليه بأن الإدارة الأمريكية تتبني الموقف الإسرائيلي مع بعض التحفظات على الأسلوب والنهج، وأن الأمر لن يتوقف عند المراجعة الكاملة للاتفاق في مايو الحاليّ فقط، بل سيرتبط بالخطوة الأمريكية التالية التي تتعلق بتطوير بنود الاتفاق أو إضافة نصوص أخرى أو صياغة نص جديد أو ملحق إستراتيجي مكمل.
الحرب الكاملة بين إيران و”إسرائيل” أصبحت أكثر ترجيحًا في سوريا
قرار ترامب واستعجال الصدام المباشر
وعلى ضوء الانتشار الإيراني بالقرب من “إسرائيل” وإنشاء طهران العديد من المعسكرات والنقاط العسكرية على طول الحدود معها من الجانب السوري، يكتنف المشهد المزيد من الضبابية، ويجعل احتمال التصعيد العسكري هو الأقرب إلى الحدوث بحسب مراقبين، خاصة بعد التهديدات الإسرائيلية بربط مصير الأسد بالسلوك الإيراني على أراضيه.
وبعد الترقب العالمي لقرار ترامب بشأن الاتفاق النووي الإيراني، يرى مراقبون أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق قد يعجل بمواجهة شاملة بين تل أبيب وطهران على الساحة السورية، حيث تأتي سوريا في صدارة الدول المرشحة لأن تشهد تداعيات قرار الانسحاب من الاتفاق، وذلك بعد تحولها خلال الفترة الأخيرة لساحة معركة غير مباشرة بين “إسرائيل” وإيران.
في إطار احتمالات المواجهة المرتقبة، أكدت صحيفة ليبراسيون الفرنسية أن نوعية خطابات “إسرائيل” تكشف استعدادها للدخول في حرب مع إيران في القريب العاجل
وترى صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن قرار ترامب وَضَع “إسرائيل” في خطر آنٍ ومباشر، لأن حربًا كاملة مع إيران في سوريا أصبحت أكثر ترجيحًا، وقالت إن نتنياهو لم ينتبه إلى أن هذا الاتفاق الذي يعتبره طريق طهران لصنع قنبلة نووية هو الذي كان يمنع حربًا كاملة بين “إسرائيل” وإيران في سوريا حتى الآن.
وفى إطار احتمالات المواجهة المرتقبة، أكدت صحيفة ليبراسيون الفرنسية أن نوعية خطابات “إسرائيل” التي ترى أن الانسحاب من الاتفاق النووي يصب في مصلحتها، تكشف استعدادها للدخول في حرب مع إيران في القريب العاجل وعلى الأرض السورية، خاصة أن إيران توعدت بالرد على الضربات الأخيرة في الوقت المناسب.
وعن احتمالات التصعيد يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران حمزة صفوي، في حوار مع صحيفة “لابوا” الفرنسية، أن الانسحاب من الاتفاق النووي سوف يدفع بإيران إلى مزيد من التطرف في مواقفها، وأن التيار المتطرف داخل النظام الإيراني سيدفع باتجاه تسريع الحصول على التكنولوجيا النووية والصواريخ البالستية، وصرح أحد قادة الحرس بأن “إسرائيل” ستواجه ضربة مباغتة غير متوقعة، وهو ما يسرع من رد الفعل الإسرائيلي.
المصالح الإستراتيجية الإيرانية المتحققة في سوريا قد تمنع من تصعيد العمليات العسكرية مع أمريكا أو “إسرائيل”
خيارات المواجهة
تباينت التحليلات الإسرائيلية بشأن طبيعة الرد الإيراني على القرار الأمريكي الذي تزامن مع شن “إسرائيل” ـ كما ذكرت عدة مصادر من بينها روسيا ـ عمليات قصف استهدفت مواقع عسكرية إيرانية في سوريا، لكن لم تعترف “إسرائيل” بمسؤوليتها عنه، واتهمتها سوريا بذلك.
وعن إمكانية رد إيران على تلك الهجمات، كتب يؤاف ليمور في تحليل بصحيفة “يسرائيل هيوم”، أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، وانتهاء الانتخابات البرلمانية في لبنان، فتح الباب على مصراعيه للمواجهة، وقد تلجأ إيران إلى المليشيا التابعة لها في سوريا للقيام بهذا الرد، وذلك لتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع “إسرائيل”.
في المقابل هناك جناح آخر يستبعد المواجهة المباشرة بين الجانبين، إذ يرى يهودا بلونغا المختص في دراسات الشرق الأوسط، أنه لن تقع مواجهة شاملة في المنطقة لعدة أسباب، من أبرزها أن روسيا غير معنية بإيران أصلاً، فمثلاً لم ترد موسكو على أي من الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا، لكن الكرملين غضب عندما استهدفت “إسرائيل” أهدافًا تابعة للنظام السوري، وانتقدت موسكو “إسرائيل” بشدة وبشكل علني.
المصالح الإستراتيجية الإيرانية المتحققة في سوريا سوف تمنع الإيرانيين من تصعيد العمليات العسكرية مع أمريكا أو “إسرائيل”
ورغم التحذير الإيراني الواضح بأن “أمريكا ستندم ندمًا لم يحصل له مثيل في تاريخها”، يفسر البعض ذلك بأن المصالح الإستراتيجية الإيرانية المتحققة في سوريا سوف تمنع الإيرانيين من تصعيد العمليات العسكرية مع أمريكا أو “إسرائيل”، إضافة إلى أن إيران تدرك حجم القدرات العسكرية الإسرائيلية الكبيرة بالمقارنة مع قدراتها الدفاعية، وعليه فإن طهران لن تجازف بالدخول في مواجهة جادة مع واشنطن أو تل أبيب في الوقت الحاضر، ففي كل مرة تتراجع إيران وهي تعلن أن الضربات الإسرائيلية لن تمر دون رد، لكن يطول انتظار هذا الرد.
من ناحيته، يرى رونين بيرغمان في تحليل في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن إيران على المدى القصير ستجد نفسها في وضع صعب دوليًا، في ظل القرار الأمريكي، وستضطر إلى العمل بطرق دبلوماسية دفاعية، فهي ـ بحسب بيرغمان ـ وعلى عكس ما يظن البعض، حساسة تجاه الموقف الدولي منها، وهذا سيمنعها من إشعال حرب في الشرق الأوسط للانتقام لقتلى الهجمات التي تقول طهران إن “إسرائيل” نفذتها على قواعدها في سوريا.
وبالنسبة لـ”إسرائيل”، ترى صحيفة واشنطن بوست أنه ليس واضحًا كيف تستفيد “إسرائيل” من ذلك، فهي لو كانت تسعى لحل عسكري ستجد نفسها معزولة على المستوى الدولي وسيتم تحميلها المسؤولية وإلقاء اللوم على اندلاع الأعمال العدائية التي تقوم بها، إذ لا يوجد مجال للمناورة أكثر مما كان عليه من قبل، ويرجع ذلك إلى أن الصراع مع إيران بسبب نشر قواتها في سوريا قد يؤدي الآن إلى نشوب صراع أوسع بكثير.