ترجمة وتحرير: نون بوست
ظلت العديد من الكراسي شاغرة في الساحة الواسعة المتواجدة أمام نصب الشهداء في بغداد. وقد قدم، يوم الاثنين السابع من أيار/مايو، الآلاف من مناصري ائتلاف الفتح في حافلات أقلَتهم من الأحياء الشعبية الشيعية في بغداد. وتمثل الهدف من وراء حضورهم في دعم مرشحيهم خلال آخر أكبر تجمع قبل الانتخابات التشريعية التي ستُقام يوم 12 أيار/مايو الجاري. ولكن، كان الشبان والشابات (اللاتي كن يرتدين عباءات سوداء) والحاملين لشعارات الائتلاف الانتخابية، منقسمين إلى مجموعات تجوب المكان جيئة وذهابا، دون الانتباه إلى الخطابات التي كانت تُلقى من المنبر.
كانت الخطابات مُوجهة “للواثقين، إلا أن اختيار المكان بدا متناقضا. فقد كان جميع الحضور من المؤيدين المخلصين لرؤساء الحشد الشعبي، الذي يتكون في أغلبه من الميليشيات الشيعية المقربة من إيران والتي شاركت في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية منذ سنة 2014. وفي الوقت الراهن، وعلى إثر الإعلان عن الانتصار على هذا التنظيم، يعتزم زعماء الحشد الشعبي تحويل نجاحاتهم العسكرية إلى مكسب سياسي. من ناحية أخرى، يعتبر أنصار ائتلاف رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي أن الحشد الشعبي يعد أبرز منافس لهم. وفي الحقية، برز الحشد الشعبي كقوة صاعدة لمعسكر شيعي يعيش انقساما شديدا لم يسبق له مثيل في تاريخه.
يتنافس 530 مرشحا من قادة الحشد الشعبي، بالإضافة إلى قادة الأحزاب الإسلامية، الذين تركوا مهامهم العسكرية رسميا للترشح
من على منبر الخطبة، أورد هادي العامري رئيس قائمة الفتح وزعيم منظمة “بدر” السياسية العسكرية الشيعية والموالية لإيران أنه “من دون دماء الشهداء، لم نكن لنكون متواجدين هنا”. وتطرق حديثه أساسا إلى مسائل السيادة والأمن والوحدة والمصالحة الوطنية والإصلاحات الاجتماعية ومحاربة الفساد.
بعد فوزه بمقعد في البرلمان لأكثر من مرة وتسميته كوزير خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2010 و2014، يعتزم العامري في الوقت الراهن توسيع نشاطه لنشاطه. ولكن الأمر الملفت للانتباه أنه، خلافا للعديد من المرشحين التشريعيين، لم يدع هذا السياسي إلى إقامة دولة علمانية. وفي الإطار ذاته، صرَح العامري رئيس قائمة الفتح قائلا: “نحن لا نُحارب من أجل الانتخابات، بل من أجل الله، الذي ندين له بولائنا”.
إشعاع شعبي
يتنافس 530 مرشحا من قادة الحشد الشعبي، بالإضافة إلى قادة الأحزاب الإسلامية، الذين تركوا مهامهم العسكرية رسميا للترشح، في جميع المحافظات العراقية باستثناء المحافظات الكردية الثلاثة. وتعليقا على ذلك، أفاد المتحدث باسم الائتلاف، محمود الربيعي أن “هؤلاء المرشحين يحظون بشعبية واسعة خاصة في الجنوب (الشيعي). كما أننا نأمل في تحقيق نتيجة جيدة في بغداد”.
علاوة على ذلك، يعتبر الربيعي تصويت مقاتلي قوات الحشد الشعبي، الذين بلغ عددهم 120 ألف شخص، وأقاربهم أمرا حتميا. ويُؤكد أحد المنتمين إلى هذا الحشد والمسمى بعلي عبد الحسين براء، الذي يبلغ من العمر 50 سنة والمصاب على مستوى الساق، أن “هذا التحالف هو الوحيد الذي سيهتم بنا، نحن جرحى الحرب”. وتجدر الإشارة إلى أن قادة الحشد الشعبي قد كثفوا من وعودهم المتعلقة بهذا الموضوع. بالإضافة إلى ذلك، صرَح قيس الخزعلي قائد “عصائب أهل الحق”، وهي ميليشيا شيعية منخرطة في النشاط السياسي، قائلا: “سنحمي الحشد الشعبي من كل التدخلات السياسية، وسيظل قوة مستقلة”.
يأمل قادة ائتلاف الفتح أيضا في الحصول على أصوات أخرى في المناطق السنية، على غرار محافظتي نينوى وصلاح الدين، وذلك من خلال ترشيح أفراد من القبائل السنية المنظمين للحشد الشعبي
يحظى الحشد الشعبي بإشعاع شعبي بين صفوف الشباب الشيعة الذين يشيدون بطولته. في هذا الصدد، صرح حسين علي، البالغ من العمر 21 سنة والمناصر الموالي لهمام حمودي (مرشحُ حزب المجلس الإسلامي الأعلى العراقي الشيعي) أن “أغلبية المقاتلين ضد تنظيم الدولة والمقاومة هم من المنتمين للحشد الشعبي”.
من جهتهم، يأمل قادة ائتلاف الفتح أيضا في الحصول على أصوات أخرى في المناطق السنية، على غرار محافظتي نينوى وصلاح الدين، وذلك من خلال ترشيح أفراد من القبائل السنية المنظمين للحشد الشعبي. وفي السياق نفسه، يُؤكد محمود الربيعي على أنه “سنّة كنا أم شيعة، فقد اختلطت دماؤنا من أجل تحرير المدن العراقية، الأمر الذي يُقدره السنّة. لذلك، سنعمل على مناصرتهم”.
بطموح كبير، يُضيف الربيعي أن “هدفنا يتمثل في تحصيل سبعين مقعد في البرلمان، حيث أنه باستطاعتنا فعل ذلك. فعلى الرغم من أن بعض الأطراف انتظرت توجيه آية الله علي السيستاني، أعلى سلطة شيعية في البلاد، في خطابه الذي ألقاه في اليوم الرابع من شهر أيار/مايو، تهما لائتلاف الفتح، إلا أن ذلك لم يحدث”.
وبعيدا عن التناحر الانتخابي، دعا السيستاني، الرجل الوقور والقومي، إلى إقالة الفاسدين من هذا الحدث العظيم. ووفقا للمراقبين، كانت إدانته للتدخل الأجنبي ولكل الأطراف التي تستخدم اسمه لأغراض سياسية موجهة بشكل واضح إلى قادة ائتلاف الفتح، المقربين من علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني. ومن جانبه، ينفي محمود الربيعي ذلك قائلا: “نحن عراقيون ولسنا إيرانيون. إننا من أنصار السيستاني علما وأن عشرة بالمائة فقط منا الذين يعدون من أتباع آية الله خامنئي، يحترمون السياسات العراقية”.
“ضرر كبير”
شن حيدر العبادي أشد الهجمات ضراوة ضد ائتلاف الفتح. ولمواجهة الشائعات، التي تداولت أن سبب وفاة المدير المالي للحشد الشعبي قاسم ضيف الزبيدي في 29 نيسان/أبريل يعود إلى تسوية حسابات داخلية، أكد رئيس الحكومة أن هذا المسؤول كان قد قدم له معلومات عن قضايا فساد داخل هذه الفصائل، قبل أيام معدودة من موته. ويشدد كريم النوري، مرشح عن منظمة بدر على أن هذا التصريح يندرج ضمن “الدعاية الانتخابية، ذلك أن منافسينا يعتبروننا خطرين. ولقد طالتنا العديد من الهجمات، إلا أننا اخترنا عدم الرد”.
على الرغم من اتصال زعيم بدر المكثف بالأمريكيين ودول الخليج، إلا أن هؤلاء يعارضون ترأسه للبلاد
في المقابل، لم يكن هذا النفي كافيا لإقناع عدد هام من العراقيين، الذين يشعرون بالقلق من النفوذ الواسع للحشد الشعبي، بعدم صحة الأقاويل التي تشاع عنهم. وفي الموضوع ذاته، يصف أبو عباس (الذي اختار لنفسه اسما مستعارا)، وهو خباز شيعي من حي المنصورة المختلط في بغداد، منظمة بدر والمليشيات “بالعصابات الإجرامية، فهم يدعون أنهم إسلاميين في حين تتأتى مداخيلهم من مصادر غير قانونية، على غرار المخدرات والخطف والبغايا”.
كما أورد علي، وهو طالب طب في العشرين من عمره أنه سيغادر “العراق في حال فاز هادي العامري في الانتخابات. لقد ألحق ضررا كبيرا بالعراق، ثم ما هي الإضافة التي سيقدمها إذا أصبح رئيساً للوزراء؟”. علاوة على ذلك، قال علي بصوت منخفض: “لا داعي للحديث عنهم، إذ سيعرضنا ذلك للخطر… يمكنهم حتى قتلنا”.
من الممكن أن تحول هذه السمعة السيئة التي عُرف بها ائتلاف الفتح دون تجنيده لأشخاص من غير المنتمين لمقاتليه. وقد أفاد الباحث العراقي، الفرنسي هشام داوود، أن “هذه الفصائل بعيدة كل البعد عن الظفر بنتيجة جيدة وعن تولي الحكم؛ فهم منقسمون، كما أن قادتهم قاموا بتسريح البعض منهم. في الحقيقة، لن تؤثر نتيجة التصويت الذي سينالونه على الواقع”.
وأضاف داوود قائلا: “من جانب آخر، نظرا لواقعيتهم، يعلم الإيرانيون أن فرص هادي العامري محدودة”. وعلى الرغم من اتصال زعيم بدر المكثف بالأمريكيين ودول الخليج، إلا أن هؤلاء يعارضون ترأسه للبلاد، خاصة وأن قادة المليشيات قد ضاعفوا من تهديداتهم المطالبة بمغادرة القوات الأجنبية من العراق.
الصحيفة: لوموند