على وقع التوتر بين الحكومة الشرعية اليمنية والقوات الإماراتية في جزيرة سقطرى الإستراتيجية، تتسارع وتيرة الأحداث هناك في مشهد قد يغير مسار التحالفات اليمنية الداخلية والإقليمية ويعمق الأزمة بين الحكومة والتحالف العربي الذي يقول إنه يخوض حربًا لإعادة الشرعية لها.
ومنذ أن وصلت طائرات عسكرية إماراتية بشكل فجائي إلى مطار سقطرى، تزامنًا مع زيارة كان رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر يقوم بها على رأس وفد مكون من عشرة وزراء، وطردت القوات الإماراتية القوة اليمنية المتمركزة في المطار، وانتقلت بعدها للسيطرة على ميناء سقطرى ورفعت العلم الإماراتي على بوابته، الأمر الذي كان استفزازًا لليمنيين نتيجة لتلك الخطوات وما رافقها من ممارسات؛ اعتبرتها مختلف الأطياف السياسية في اليمن “إهانة للشرعية”.
الإنزال العسكري الذي نفذته الإمارات في جزيرة سقطرى مثل استفزازًا لليمن حكومة وشعبًا، ويعد خروجًا عن أهداف التحالف العربي وعن اللياقة والبروتوكولات الدبلوماسية والعلاقات المتعارف عليها وعن الشراكة مع الحكومة اليمنية في مواجهة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران.
وهذه ليست المرة الأولى التي تخرج فيه الإمارات عن أهداف التحالف العربي، فهي تُتهم بتقويض نفوذ الحكومة اليمنية، وتشكل وتدعم المليشيات الأمنية والعسكرية خارج إطار الحكومة الشرعية، كما هو الحال في عدن وتعز وحضرموت.
تدرس الحكومة اليمنية إرسال رسالة إلى الأمم المتحدة تطالب بطرد الإمارات من التحالف العربي الذي تقوده السعودية الذي تدخل عام 2015 لدعم الشرعية بعد سيطرة الحوثيين على مقاليد السلطة في صنعاء
وكانت الحكومة اليمنية قد أصدرت بيانًا في الـ6 من مايو، بشأن التطورات في جزيرة سقطرى، وقالت إن الإجراء العسكري الإماراتي في الجزيرة غير مبرر، وأوضحت الحكومة في بيانها المنشور في صفحة رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، أن ما حدث يعد انعكاسًا لحالة الخلاف بين الشرعية والإمارات، وخللاً في العلاقة بينهما، وتصحيحه مسؤولية الجميع.
وأشارت إلى أن جوهر خلافها مع الإمارات يدور حول السيادة الوطنية ومن يحق له ممارستها، وقال البيان إن ثلاث طائرات عسكرية إماراتية تحمل عربات مدرعة ودبابات وأكثر من خمسين جنديًا وصلت إلى سقطرى، مضيفًا أن القوة الإماراتية سيطرت على منافذ مطار وميناء سقطرى وأبلغت الموظفين بانتهاء مهمتهم.
وتدرس الحكومة اليمنية إرسال رسالة إلى الأمم المتحدة تطالب بطرد الإمارات من التحالف العربي الذي تقوده السعودية الذي تدخل عام 2015 لدعم الشرعية بعد سيطرة الحوثيين على مقاليد السلطة في صنعاء.
وتعالت في الفترة الأخيرة مثل هذه المطالب إلا أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لم يرحب بهذا القرار خشية أن يثير هذا الأمر غضب المملكة العربية السعودية.
تشهد مدينة عدن تحديدًا، فضلاً عن الجنوب اليمني، نوعًا من الهيمنة الإماراتية على مفاصل الدولة
الموقف الشعبي اليمني
ارتفعت خلال الفترة القليلة الماضية الأصوات اليمنية في وجه التحالف العربي لعاصفة الحزم التي تقوده المملكة العربية السعودية، وخصوصًا الوجود الإماراتي على أراضيهم، وأخذت عبارات “يسقط الاحتلال الإماراتي” تنتشر على جدران المؤسسات الحكومية وبعض الشوارع العامة في بعض المناطق اليمنية التي تم استعادتها من المليشيات الحوثية، إضافة إلى نشطاء التواصل الاجتماعي الذي وصل بهم الحال لمقارنة الإمارات العربية المتحدة بـ”إسرائيل” نتيجة لممارساتها العنصرية ضد اليمنيين، وفق حديثهم.
أصبح اليمنيون يعتبرون ممارسة الإمارات في المناطق التي تسيطر عليها احتلالاً
وتشهد مدينة عدن تحديدًا، فضلاً عن الجنوب اليمني، نوعًا من الهيمنة الإماراتية على مفاصل الدولة، وذلك بعد أن فرضت نفسها واحدة من أبرز دول التحالف العربي في اليمن، وطرفًا فاعلاً على الأرض لنفوذها السياسي والعسكري لا سيما في الجنوب، بحسب ما تنشره مواقع إعلامية يمنية.
وهو ما يدفع اليمنيين للتساؤل باستمرار – وكذا غيرهم من المتابعين للمشهد السياسي والميداني اليمني – عن الأهداف التي تسعى إليها أبو ظبي من مشاركتها في التحالف العربي في حربه على الحوثيين، ولا سيما أن الواقع – بحسب مغردين – يشير إلى انشغالها بزعزعة المناطق التي تسيطر عليها، وتعمل على تشكيل مليشيات الموالية للهيمنة على المناطق التي يتم طرد الحوثيين منها أكثر من انشغالها بالحرب على الحوثيين.
وصل الحال ببعض النشطاء السياسيين في اليمن لمطالبة الحكومة اليمنية أو السياسيين اليمنيين بوقف الحرب حاليًا مع الحوثيين، ومقارعة ما أسموه “الاحتلال الإماراتي” لليمن، لكونه الأخطر على البلد الواقع جنوب غرب الجزيرة العربية العربية، معتبرين أن الخلاف مع الحوثيين خلاف يمني لشقيقه قد ينتهي بحوار سياسي.
الإمارات لم تفعل في الأعوام الماضية سوى اقتطاع هذه الجزيرة من وسطها اليمني وإلحاقها بها مباشرة عبر بناء قاعدة عسكرية كبيرة وإنشاء شبكات اتصال حديثة وتسهيل حصول أبناء سقطرى على تصاريح عمل في الإمارات وكذلك توفير الرعاية الطبية المجانية لهم في الإمارات
ورغم علمهم أن ذلك الحوار مع الحوثيين لن يكون له جدوى، بل إن الحوثية لديهم منهج وهدف معين من أجل الوصول إليه، وهو استكمال الهلال الشيعي الذي رسمه زعماء الشيعة للسيطرة على المنطقة العربية وأهم منافذ التحكم في الملاحة الدولية، إلا أن هذا يشير إلى الحنق الكبير الذي يعانيه اليمنيون نتيجة للتصرفات الإماراتية بحق اليمن ومقدراته، بل وتسعى لاحتلال أراضيه بدل أن تساعده على تحريرها من الموالين لإيران.
رغم أن تصرفات الإمارات العربية المتحدة في اليمن صبيانية ولن تؤثر على مستقبل البلاد السياسي أو الجغرافي، وسينتهي أثر ذلك حالما تنتهي الحرب مهما استولت الإمارات العربية المتحدة على مناطق وجزر يمنية، حتى وإن احتلت نصف اليمن أو جله، فإن وجود حكومة شرعية متوافق عليها شعبيًا في اليمن مستقبلًا، كفيلًا بإنهاء الوجود الإماراتي بل وسيتم إجبارها على الاعتذار.
ستنسحب الإمارات عاجلًا أو آجلًا من اليمن إذا انتهت الحرب، ولن يكون لبقائها أي مبرر، وستكون الخاسر الأكبر في هذا التحالف والحرب.
فبعد أن فقد الحوثيون سيطرتهم في غالبية الجبهات، ويعانون من نقص في الأفراد بسبب رفض بعض القبائل رفد الجبهات بالمقاتلين بعد مقتل صالح، وانهيار تأثيرهم المجتمعي، فإن الموقف الحاليّ للإمارات والشرعية بدأ الحوثيون في استغلاله لدغدغة مشاعر اليمنيين والقبائل وإيهامهم أن التحالف العربي هو تحالف هدفه السيطرة على اليمن وسرقة مقدراته، وهذا ما قد يعزز أدبياتهم التي يروجونها في الأوساط الشعبية والقبلية، مما يجعل بعض القبائل تميل إلى الحوثية، وتساهم في حشد المقاتلين لهم.
https://twitter.com/Yamene11/status/978412076740894721
كان نتيجة هذا، الانهيار السريع للقوات التي تقاتل مع التحالف العربي “السودانية والقوات الجنوبية التي تدعمها الإمارات” في حيس، أمام الحوثيين الذين بدورهم استعادوا أجزاءً واسعة منها، وهذا النهج ما تعمل عليه إيران مع العرب، حينما تستغل الأخطاء التي يقع بها وتحوله لصالحها.
الإمارات أكثر الدول المستفيدة من هذه الحرب، من خلال إحكام سيطرتها على موانئ عدن والجزر اليمنية، إضافة إلى أنها عملت على نقل أغلى الطيور وأندرها من جزيرة سقطرى إلى الإمارات، وهذا ما يثبته الإعلام الإماراتي نفسه، وكشفت صحيفة الاتحاد الإماراتية، أن أبو ظبي باتت تملك 30 ألف زوج من طائر “الغاق السقطري” النادر، موزعة على عدد من جزر إمارة البلاد.
ونقلت الصحيفة الإماراتية عن الدكتور سالم جاويد مدير إدارة التنوع البيولوجي البري بالإنابة في هيئة البيئة بأبو ظبي، قوله إن حالة طيور الغاق السقطري في أبو ظبي مستقرة، وأكد وجود 30 ألف زوج متكاثر من أنواع الطيور السقطري، تتوزع على جزر عدة في إمارة أبو ظبي، أهمها قصر لوه وأم قصر ودينا والياسات والجزر الغربية.
حملت حكومة المليشيا غير المعترف بها “كل من تواطؤا واستدعوا التحالف وسهلوا دخولهم اليمن، مسؤولية ما تشهده المحافظات الجنوبية”
وكانت تقارير إعلامية سابقة تحدثت عن نقل الإمارات كميات هائلة من الطيور والأشجار والكائنات البحرية من سقطرى، منذ وجودها غير الشرعي في الجزيرة.
موقف الحوثيين
الخلاف الحاليّ بين الإمارات والشرعية، استغله الحوثيون كما توقعنا في مواضيع سابقة، وبدأوا في دغدغة مشاعر اليمنيين والقبائل وإيهامهم أن التحالف العربي هدفه السيطرة على اليمن وسرقة مقدراته بالتعاون مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا الذي يروج الحوثيون للشعب أن منتسبي الحكومة “مجرد شخصيات مرتزقة”.
ولكي تكرس ذلك وتثبت حقيقة أدبياتها التي تغسل بها عقول اليمنيين، فقد اتهمت سلطات الحكم الواقع الحوثية في صنعاء، التابعة لمليشيا الحوثي، حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بتمكين السعودية والإمارات من التدخل في الأراضي اليمنية عقب أزمة نشأت بين قوات التحالف العربي والقوات اليمنية الموجودة في أرخبيل سقطرى جنوب البلاد.
ووفقًا لوكالة الأنباء اليمنية “سبأ” التي يديرها الحوثيون، فإن حكومة المليشيا شددت على أن أي تصرف بالأراضي اليمنية، سواء من قبل أشخاص أم دولة أجنبية، هو عمل مدان من الشعب اليمني في جنوب وشمال وشرق وغرب الوطن، وسيواجه بكل قوة من اليمنيين كافة، وحتمًا سيخضع الأشخاص أو الاحتلال للملاحقة القانونية عاجلاً أو آجلاً”.
وحملت حكومة المليشيا غير المعترف بها كل من تواطؤا واستدعوا التحالف وسهلوا دخولهم اليمن، مسؤولية ما تشهده المحافظات الجنوبية، ومن بينها محافظة أرخبيل سقطرى، من انتهاك لسيادة اليمن والتصرف بأراضيه مما أسمته “الاحتلال الأعرابي السعودي الإماراتي”.
عبرت القوى والأحزاب السياسية المساندة للشرعية عن استنكارها لتلك الخطوات التي أقدمت عليها القيادة الإماراتية في سقطرى
وأشارت حكومة صنعاء إلى أن “ما تشهده محافظة أرخبيل سقطرى دليل صارخ على ما آلت إليه الأمور في ظل تكريس المحتلين لوجودهم وصولاً إلى حد ادعائهم دون خجل بتبعية الجزيرة لدويلة الإمارات”، على حد تعبيرها.
الأحزاب اليمنية
وبدورها عبرت القوى والأحزاب السياسية المساندة للشرعية عن استنكارها لتلك الخطوات التي أقدمت عليها القيادة الإماراتية في سقطرى، معلنة دعمها لكل الخطوات التي اتخذتها الحكومة الشرعية برئاسة الدكتور أحمد عبيد بن دغر في هذا السياق.
وأكدت الأحزاب والقوى السياسية اليمنية المساندة للشرعية في بيان لها خصصته للحديث عن أحداث سقطري، أن الخطوات الأحادية المنفردة التي أقدمت عليها دولة الإمارات العربية المتحدة هو خارج سياق الأعراف والقوانين الدولية وخلافًا لأهداف التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، معتبرة أن ذلك محاولة من الإمارات للزجّ بالجزيرة الآمنة والمستقرة في أتون حسابات غير ذات صلة بمواجهة الانقلاب واستعادة الشرعية، ومن شأنه المساس بالسيادة الوطنية للجمهورية اليمنية.
وقال البيان “لقد أدت هذه الخطوات الإماراتية إلى عسكرة الجزيرة وأقلقت السكينة العامة وأثارت موجة احتجاجات واسعة في صفوف السكان”.
وطالبت الأحزاب والقوى السياسية المساندة للشرعية بتكثيف الاتصالات مع قيادات المملكة العربية السعودية بصفتها من تقود التحالف العربي، من أجل الضغط على دولة الإمارات العربية المتحدة لسحب قواتها من سقطرى فورًا ودون شروط، والعمل على إزالة التوتر الناجم عن السياسات الإماراتية في المناطق المحررة.
تعتبر سقطرى الحلقة الأخيرة من حلقات مسلسل بناء الإمبراطورية الإماراتية بعد مغامرات مشابهة في المنطقة وخاصة جيبوتي وإريتريا وأرض الصومال
يرفض اليمنيون بمختلف أطيافهم الاجتماعية والسياسية أن تذهب قطعة أرض واحدة إلى دولة حتى إن كانت تعيش وضعًا مأساويًا كما تعيش حاليًا، الأمر الذي تستغله الإمارات العربية المتحدة لتكريس الإهانة لليمنيين الدائمة بعد أن منعت اليمنيون نهائيًا من دخول أراضيها مستثنية من يحملون الجوازات الدبلوماسية فقط، لكنها تعمل على بناء إمبراطورية لها على حساب اليمن.
فالوجود الإماراتي في الجزيرة لا يرجع للأسبوع الماضي فقط وإنما يعود لبداية تدخل التحالف العربي في اليمن ضد المليشيا الحوثية منذ ثلاث سنوات.
وتعتبر سقطرى الحلقة الأخيرة من حلقات مسلسل بناء الإمبراطورية الإماراتية بعد مغامرات مشابهة في المنطقة وخاصة جيبوتي وإريتريا وأرض الصومال وجزيرة بريم اليمنية في مدخل مضيق باب المندب.
الإمارات لم تفعل في الأعوام الماضية سوى اقتطاع هذه الجزيرة من وسطها اليمني وإلحاقها بها مباشرة عبر بناء قاعدة عسكرية كبيرة وإنشاء شبكات اتصال حديثة وتسهيل حصول أبناء سقطرى على تصاريح عمل في الإمارات وكذلك توفير الرعاية الطبية المجانية لهم في الإمارات.
اليمنيون يحتاجون لتخليص اليمن من مليشيا تفرض عليهم دين غير الدين الإسلامي السوي، ليعيشوا بسلام بعيدًا عن التعصبات السياسية في الإقليم، وإن استمرت الإمارات على هذا النهج فحتمًا ستكون هي والشرعية والتحالف أكبر الخاسرين في هذه الحرب التي لا يبدو أن فيها سلامًا يلوح في الأفق القريب، نتيجة لعدم النية الحقيقة لإنهاء المعركة عسكريًا أو سياسيًا.