مهما حاولت أن أصف لكم جمال بحيرة هواسا التي تمتد على مساحة كبيرة غرب المدينة وجنوبها فلن أتمكن من ذلك، لا تسألوني عن الخضرة والمياه التي تحيط بك من كل جانب، ولا عن طيور (المارابو ستورك) العملاقة التي تحوم حول الساحل الشرقي للبحيرة وتتجول وسط الناس، ولا عن الأجواء المعتدلة والغيوم التي تظلل المكان وترسل رذاذًا يداعب وجوه الصيادين والزوار.
مقاهٍ شعبية وخضرة وجمال
المشهد الآخر الذي يضفي على المكان بهجة ونضارة، المقاهي الشعبية التي تنتشر على طول الممشى ورائحة البخور المعتق تعطر المكان وتغازل السياح وتغريهم لتناول فنجان القهوة التي يطلق عليها بالأمهرية اسم “البُنّة”، وبالطبع تشكل القهوة أحد أهم مظاهر الحياة في إثيوبيا ككل، حتى في الفنادق الفخمة ذات الـ5 نجوم تجد صانعة القهوة مرتدية الزي الشعبي وتقدم المشروب الأول في أرض الحبشة بابتسامة مريحة للضيوف.
عند تجوالك في البحيرة لا بد أن تشعر بما شعرنا به من بهجة وسرور كحال الذين صادفناهم من الزوار الإثيوبيين القادمين من العاصمة أديس أبابا والمدن القريبة مثل شاشمني وأداما، إلى جانب العشرات من الأوربيين وبعض السودانيين.
التطور الذي شهدته المدن الإثيوبية في عهد رئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين لم يقتصر على الاستثمار والسياحة فقط، بل واكبه نهضة شاملة في العديد من القطاعات أهمها قطاع الشباب والرياضة
كيف لا نشعر بالبهجة ونحن في قلب الطبيعة الخلابة التي تحيط ببحيرة هواسا الخضراء الممتدة على ضفاف البحيرة وعلى جانبها طريق مرصوف بالأحجار المدورة وأشجار خضراء متدلية الأغصان كأنها تعانق بعضها البعض، الأزهار تشكل هي الأخرى لوحة بديعة بألوانها البرتقالية والحمراء والبنفسجية، تفوح منها رائحة زكية تختلط بالنسيم العليل وبقايا الرذاذ التي لا يزال متواصلًا منذ الصباح الباكر.
ولممشى البحيرة النظيف العريض قصة يحكيها الشاب إيايو قبري موضحًا “هذا المكان كان قبل العام 2000 مكبًا تُرمى فيه الأوساخ والفضلات”، “فقمنا نحن ـ والحديث لقبري ـ مجموعة من الشباب بتنظيف هذا المكان وإصلاحه كما ترون، وأصبح نظيفًا وجميلًا، ثم قسمنا أنفسنا إلى مجموعات من الشباب وتدارسنا تقسيم المنطقة إلى محال تجارية، فحبَّذ الكل تلك الفكرة وعرضنا الموضوع بعد ذلك على الجهات المعنية للموافقة عليه، فلم يخيبوا ظننا ورحبوا بنا مقدمين الدعم والمساعدة لإنجاح مساعينا في خلق فرص العمل لأصحاب المحلات والمتاجر الصغيرة بالإضافة إلى المقاهي والمطاعم المنتشرة حول المكان”، مضيفًا أن عدد “التعاونيات” التي تعمل على طول ضفاف البحيرة يصل إلى 11 مجموعة.
قضينا يومنا كله مستمتعين بالخضرة والجمال، ثم أشار إلينا مرافقنا بضرورة القيام بجولة على متن الزورق السريع لمشاهدة أكبر حيّز ممكن من نطاق بحيرة هواسا وأجزاء من منتجع “هايلي” الشهير، كانت تلك تجربة فريدة من نوعها خصوصًا أن سائقي “اللنشات” الصغيرة يتقيدون تمامًا بتعليمات الشرطة المحلية ولا يتخطون النطاق المسموح لهم حرصًا على السلامة العامة.
وجهة عالمية للرياضة وخدمات صحية لا بأس بها
التطور الذي شهدته المدن الإثيوبية في عهد رئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين لم يقتصر على الاستثمار والسياحة فقط، بل واكبه نهضة شاملة في العديد من القطاعات أهمها قطاع الشباب والرياضة.
فقد اهتمت الحكومة الإثيوبية بتشييد منشآت رياضية واستادات عملاقة في العاصمة، عدد منها في العاصمة أديس أبابا وعدد آخر في معظم المدن الكبرى كبحر دار وهواسا ومقلي وغيرهم، ولعلكم تذكرون أن استاد زهرة الجنوب استضاف في مطلع مارس/ آذار الماضي مباراة جمعت بين ولايتا ديتشا الإثيوبي والزمالك المصري انتهت بفوز الأول على الثاني بهدفين مقابل هدف ضمن بطولة الكونفدرالية الإفريقية.
وإلى جانب استادات كرة القدم تحتضن هواسا باستمرار بطولات أخرى في سباق الضاحية وألعاب القوى فضلًا عن الكرة الطائرة وبطولات أخرى محلية ودولية.
وبالنسبة للخدمات الصحية فإن زهرة الجنوب تعد من المدن الإثيوبية التي تتوفر بها منشآت صحية لا بأس بها مقارنة مع مدن إثيوبيا، فقد ساعد وجود كلية الطب التابعة لجامعة هواسا في ترقية الخدمات الطبية وتدريب الخريجين والطلاب من أبناء المنطقة.
ومن أهم المؤسسات التي تقدم خدمات علاجية لسكان المدينة وريفها مستشفى جامعة هواسا التخصصي الشامل ومستشفى الآتيون فضلًا عن عيادات “هايك بولي”، كما تزخر المدينة بالعديد من المراكز الطبية والمستشفيات الخاصة التي تعمل على مدار الساعة.
لماذا نرشح هوَّاسا لتكون وجهتكم القادمة؟
1/ مع دخول فصل الصيف الحار يفضل كثير من الناس قضاء إجازاتهم في المناطق التي تتمتع بمناخ معتدل مائل للبرودة، ومن واقع تجربتي في زهرة الجنوب أرشحها لكم بكل ثقة إذ لا تزيد درجات الحرارة فيها في شهور الصيف على 24 درجة مئوية كحد أقصى، وتهطل الأمطار بمعدل 3 مرات يوميًا في الفترة من يونيو/حزيران وحتى أكتوبر/تشرين الأول.
2/ تشتهر هواسا بمنتجعاتها الخلابة ذات الـ5 نجوم، ومن أبرزها منتجعا “هايلي” و”ليوي” اللذان يطلان على البحيرة مباشرة، وتحف المدينة وضواحيها الأشجار العتيقة المخضرة إلى جانب سلسلة من الجبال والمرتفعات.
3/ لا تكتف بمشاهدة البحيرة من الشاطئ فقط، عِش أفضل التجارب وقم بتجربة فريدة عبر استقلال أحد “اللنشات” السريعة التي تقوم بجولات مستمرة حول البحيرة بتكلفة معقولة لا تتجاوز 250 بِر (الدولار الأميركي = 27.8 بِر إثيوبي)، وإذا رغبت في جولة أوسع يمكنك أن تطلب ذلك من سائق اللنش بتكلفة إضافية.
3/ تذوَّق الأطعمة الشعبية وخاصة أسماك البحيرة الشهية، ننصحك تحديدًا بأكلة اسمها (آسا لب) وهي عبارة عن وجبة أسماك مطهوة بالتوابل المحلية، أشهر مطاعم السمك تجدها على شاطئ البحيرة حيث تختار القطع التي تريد تناولها وتُطهى أمامك مباشرة لتقدم لك طازجة.
4/ تعرَّف معالم المدينة وأشهرها ساحة “ميسكل” قرب المدخل، تضم عددًا من المحلات التجارية والبنايات الكبرى، إلى جانب مقر فرع شركة الخطوط الجوية الإثيوبية وبعض المطاعم الفاخرة، وكذلك ننصح بزيارة جامعة هواسا ومجمعها الضخم الذي يضم كليات العلوم الطبية والمجمع الآخر لكليات الاقتصاد والإدارة، جدير بالذكر أن بوابة المبنى الرئيس للجامعة تحمل شعار إقليم “أمم وشعوب الجنوب” بكل تنوعه وامتزاجه في لوحة فنية رائعة تعكس التسامح والألفة.
توصف هواسا عند بعض الإثيوبيين بأنها المدينة التي لا تنام
5/ لعشاق الأماكن التاريخية، في زهرة الجنوب توجد كنيسة القديس جبرائيل التي تعد المعلم الأبرز لهواسا، وفيها كذلك مسجد ألكسو الذي بُني قبل 500 عام ومحكمة “راجا” القضائية التقليدية لشعب “سلطي” التي تم ربطها بالنظام القضائي الحديث، إلى جانب عشرات المواقع الأثرية والتاريخية الأخرى.
6/ ما يميز هواسا أنها مدينة هادئة مقارنة مع صخب العاصمة أديس أبابا وتتميز في الوقت نفسه بالأمان فيمكنك التجوال فيها حتى ساعة متأخرة من الليل دون أن تواجه مشاكل.
7/ إذا كنت مهتمًا بالصناعة والاستثمار، نوصيك بزيارة المجمعات الصناعية الحديثة، ففي زهرة الجنوب الإثيوبي يوجد أكبر مجمع متخصص في صناعة المنسوجات وهو من أكبر المجمعات الصناعية في القارة الإفريقية كلها بتكلفة تزيد عن250 مليون دولار أمريكي، كما تضم المدينة أيضاً مجمعي “بولي لمى” و”المنطقة الشرقية” لصناعة الملابس والمستلزمات الشخصية وهما استثمار صيني بتكلفة قدرها 248 مليون دولار.
8/ إذا رأيت أن تخرج من عاصمة إقليم الجنوب قليلاً فإننا ننصحك بزيارة قرية “كونسو” التي تعد واحدة من الوجهات السياحية المفضلة لزوار إثيوبيا، وسُجلت ضمن أهم المعالم السياحية الطبيعية على مستوى العالم، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
9/ توصف هواسا عند بعض الإثيوبيين بأنها المدينة التي لا تنام، ولذلك إذا كنت من محبي السهر فإنك ستجد مبتغاك من الملاهي الليلية والمحلات التي تقدم فيها العروض التراثية الراقصة أشهرها التي توجد بالقرب من كاتدرائية القديس جبرائيل والشارع الرئيس المؤدي إلى البحيرة.
10/ العنوان الأبرز الذي يميز زهرة الجنوب هو الخضرة والجمال وبساطة الناس وطيبتهم، التعايش والمحبة بين كل الطوائف والقوميات مهما كانت معتقداتهم الدينية والثقافية، تحس ذلك وتشعر به في تجوالك على شواطئ البحيرة أو إذا جلست ترتشف فنجان القهوة الإثيوبية المعتقة في أي مقهى شعبي من مقاهي المدينة.
انتهت رحلتنا إلى هواسا عاصمة الجنوب الإثيوبي بعد أن قضينا فيها أسبوعًا كاملًا لم نحس بمضيه لازدحام البرامج واستمتاعنا بطقسها المعتدل الخلاب، في طريق العودة إلى أديس أبابا بالسيارة مررنا بالمشاهد التي قصصناها عليكم في الجزء الأول من الرحلة، ولكن كان لنا موعد مع ألبوم الفنانة الإثيوبية Abby Lakew الذي صدر حديثًا في تلك الأيام خصوصًا أغنيتها Yene Habesha التي تعني “أنا حبشية” وتمجد فيها صفات المرأة الإثيوبية؛ شجاعتها وإخلاصها لزوجها وتحملها لصعوبات الحياة، نشير إلى أنها حققت مستوى عالٍ من المشاهدات على اليوتيوب بلغ أكثر من 27 مليون مشاهدة.