يسعى زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس راشد الغنوشي هذه الأيام إلى محاولات للوساطة بين المغرب والجزائر، لإحداث تقارب بينهما وذلك في محاولة منه للمساعدة في إيجاد حلول للأزمة التي تفاقمت مؤخرًا بين البلدين، نتيجة اتهامات مغربية للجزائر بمساعدة جبهة البوليساريو الانفصالية.
الدخول في خط الوساطة
دخول راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية على خط الوساطة بين الطرفين جاء نتيجة ما يحظى به من تقدير واحترام كبير لدى السلطات الحاكمة سواء في الجزائر أم المملكة المغربية، وبحكم المكانة التي أصبح يحتلها إقليميًا.
وقالت تقارير إعلامية إن راشد الغنوشي أجرى مكالمة هاتفية قبل أيام مع رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني والوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى، من أجل اقتراح وساطة تونسية للحد من التدهور المستمر للعلاقات المغربية الجزائرية.
ما فتئ اسم زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، يحقق صعودًا متواصلاً، لدوره الكبير في الحياة السياسية الداخلية لبلاده
وتأتي محاولة الغنوشي للتخفيف من حدة التوتر بين البلدين الجارين الذي تفاقمت بسبب دعم إيران لجبهة البوليساريو الانفصالية، ويمتلك الغنوشي كاريزما قوية، الأمر الذي يؤهله للعب دور مهم في إقناع الطرفين والتأثير على مواقفهما وتليينها وأيضًا دفعهما إلى تقديم تنازلات والدخول في حوار مباشر بينهما لمصلحة البلدين والمنطقة.
وسبق أن أسهم راشد الغنوشي في تقريب وجهات النظر والتوسط في عديد من الخلافات، فقد توسط بين حسن الترابي والرئيس السوداني عمر البشير عندما اختلفا وزج بالترابي في السجن، توسط أيضًا في الخلاف الذي نشب بين نظام القذافي والإخوان المسلمين، والتقى مرات عدة، مع سيف الإسلام القذافي في لندن.
وتوسط أيضًا بين السلطات الجزائرية والجبهة الإسلامية للإنقاذ وبين الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والكويت عام 1990 على خلفية أزمة غزو العراق للكويت، وكانت له أيضًا محاولة وساطة بين حركتي “حماس” و”فتح”، كما توسط بين الأطراف الليبية المتنازعة.
يسعى الغنوشي لاستغلال علاقته مع بوتفليقة لإنجاح الوساطة
ما فتئ اسم زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، يحقق صعودًا متواصلاً، لدوره الكبير في الحياة السياسية الداخلية لبلاده ومشاركته وحزبه القوية في صنع القرار السياسي وفي الحكم، فحركة النهضة تعتبر الحزب الأول في البرلمان التونسي وزعيمها يمثل صمام أمان للتوافق الوطني، الأمر الذي يفسر تنامي شعبيته والتعاطف الذي يحظى به.
فرص ضئيلة للنجاح
مساعي الغنوشي الشخصية للوساطة بين المغرب والجزائر صعبة النجاح حسب عديد من الخبراء، فكل طرف متمسك بموقفه، وفي هذا الشأن ذكر موقع “ميدل إيست آي” البريطانى، مساء أمس الأربعاء أن الوزير الأول الجزائري أخبر الغنوشي بأنه “لا يرى حاجة إلى أي وساطة في ظل الاتهامات المغربية المتكررة التي تستهدف الجزائر”، بتعبيره، وكانت الجزائر قد رفضت سابقًا وساطات خارجية في أزمتها مع المغرب، مؤكدة أن القضية لا تستدعي تدخل طرف ثالث.
وفي 2015 رفض عبد القادر مساهل وزير الشؤون المغاربية آنذاك (وزير الخارجية الحاليّ) أي وساطة دولية في الأزمة مع المغرب بعد دعوة عبد الإله بنكيران رئيس حكومة الرباط لتدخل طرف ثالث من أجل حل سوء التفاهم بين الجانبين، وصرح مساهل أنه “لا وجود لأزمة بين البلدين تستدعي وساطة من أي جهة”، وأضاف أن “ملف الصحراء الغربية يعالج في إطار الأمم المتحدة، ونتمنى أن يجد حلاً له في أقرب الآجال”.
توتر العلاقات المغربية الجزائرية جاءت عقب إعلان المغرب بداية شهر مايو/أيار الحاليّ قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران
ويحسب للغنوشي تأثيره الكبيرة في عدد من دول المنطقة، من ذلك الجزائر بحكم علاقته المتينة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة وزياراته المتكررة له التي بلغت 7 مرات، وعدد من اللاعبين المهمين في الساحة السياسية الجزائرية، وفي ليبيا أيضًا، فالغنوشي معروف بدوره الكبير وعلاقاته مع الفاعلين السياسيين في ليبيا، وفي المغرب، حيث يتمتع بحظوة كبيرة لدى حزب العدالة والتنمية الحاكم.
علاقة إيران بالبوليساريو تفاقم التوتر بين الجزائر والمغرب
توتر العلاقات المغربية الجزائرية جاءت عقب إعلان المغرب بداية شهر مايو/أيار الحاليّ قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، متهمًا إياها وحليفها حزب الله اللبناني بدعم جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية عن طريق سفارة طهران بالجزائر.
مباشرة إثر ذلك، استدعت الجزائر السفير المغربي للاحتجاج على اتهامها بأنها أدت دورًا في دعم إيران لجبهة البوليساريو عن طريق سفارة طهران لديها، وقالت وزارة الخارجية الجزائرية إن الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية استقبل سفير المملكة المغربية وأعرب له عن رفض السلطات الجزائرية تصريحات وصفتها بأنها اقحمت الجزائر في الموضوع ولا أساس لها.
وردًا على ذلك الاستدعاء، عبر المغرب عن أسفه لما وصفه بـ”موقف العداء الثابت الذي تتخذه الجارة الجزائر”، وأشارت الخارجية المغربية في بيان إلى أنه رغم الموقف الجزائري فإن المملكة تظل متمسكة بالحفاظ على الروابط القوية مع الشعب الجزائري.
تتهم المغرب الجزائر بمساعدة البوليساريو
بالتوازي مع ذلك، كشفت وكالة الأنباء التركية “الأناضول“، إمكانية تخفيض الجزائر تمثيلها الدبلوماسي مع المغرب ردًا على ما تعتبره “حملة” مغربية تستهدفها منذ عدة أسابيع، وفق مصدر دبلوماسي مطلع، وقال المصدر، للأناضول، طالبًا عدم الكشف عن هويته، إن وزارة الخارجية الجزائرية رفعت عدة توصيات لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة تتعلق بالأزمة مع الجارة المغرب، ومن بين التوصيات تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع المغرب عبر طرد عدد من الدبلوماسيين المغاربة العاملين في الجزائر وغلق فروع قنصلية.
ومن بين التوصيات كذلك قيام وزير الخارجية عبد القادر مساهل بجولة عربية وغربية لتكذيب تصريحات الرباط بشأن وجود خبراء من حزب الله اللبناني في مخيمات اللاجئين الصحراويين في تيندوف الجزائرية، كما تتضمن التوصيات وفقًا للأناضول وقف التنسيق الأمني مع المغرب في إطار منظمات أمنية دولية أهمها مجموعة 5+5 التي تضم دولاً أوروبية ومغاربية من غرب المتوسط.