ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد مرور 72 ساعة على إغلاق مراكز الاقتراع، أعلن وزير الداخلية اللبناني، نهاد المشنوق، يوم الأربعاء عن النتائج المتوقعة للانتخابات البرلمانية. ووفقا لمراقبي الانتخابات، يعود التأخير في الإعلان عن النتائج إلى الصعوبات التقنية التي واجهها المسؤولون خلال عملية فرز الأصوات، خاصة وأن هذه الانتخابات، التي تعد الأولى منذ حوالي عقد من الزمن، تعتمد على قانون انتخابي جديد ومعقد، يقوم على أساس التناسب.
من جانب آخر، لن يحمل التوزيع النهائي للمقاعد البرلمانية أي مفاجآت، ومن المحتمل أن يتوافق مع النتائج الأولية المبكرة التي أعلنت عنها مختلف الأحزاب السياسية. وفي هذا السياق، صرح المتحدث باسم البرلمان اللبناني، نبيه بري، لوكالة الأنباء الفرنسية قائلا: “في واقع الأمر، تدعم نتائج الانتخابات المعادلة اللبنانية، التي يطلق عليها اسم المعادلة الذهبية، والتي تحقق موازنة بين الجيش والشعب والمقاومة”.
في الأثناء، تمكن الائتلاف الذي يقوده حزب الله الشيعي من تعزيز مكانته في لبنان، إذ أنه كسب أربعة مقاعد إضافية. وتمكن هذا الائتلاف من التمركز في منصب القوة المهيمنة في البرلمان، إذ أنه حصد حوالي 30 مقعدا (من بينها 13 مقعد لصالح حزب الله) من جملة 128 مقعدا برلمانيا. وبفضل النظام الانتخابي الجديد، حقق حزب التيار الوطني الحر، بقيادة الرئيس ميشال عون، وحزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، وهما الحزبين المسيحيين الرئيسيين المتنافسين، نتائج لها وزنها في هذه الانتخابات.
على الرغم من المشاركة التاريخية للنساء في الانتخابات البرلمانية، بحوالي 86 مرشحة من ضمن 595 متنافس، تمكنت ستة من بينهن فقط من تجاوز عقبة النظام الذكوري وكسب مكانة في البرلمان
على وجه الخصوص، تمكن الحزب الأول من الفوز بخمسة مقاعد إضافية، ليصل رصيده من المقاعد البرلمانية إلى 25 مقعدا، أما الحزب الثاني فقد ضاعف عدد نوابه بالبرلمان ليصل إلى حوالي 14 مقعدا تقريبا. في المقابل، كان حزب تيار المستقبل، الذي يعد أكبر كتلة سنية في البلاد والذي يقوده رئيس الوزراء الحالي، سعد الحريري؛ الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات. وخسر هذا الحزب حوالي 12 مقعدا من جملة المقاعد الثلاثة والثلاثين التي فاز بها في سنة 2009. تبعا لذلك، لم يعد هذا الحزب القوة ذات الأغلبية في البرلمان، حيث أعطى مكانه لمنافسيه في التحالف الشيعي: حزب الله، وحركة أمل برئاسة نبيه بري.
في هذا الصدد، صرح عضو مجلس إدارة اللائحة المستقلة “كلنا وطني”، وديع الأسمر، في محادثة هاتفية من بيروت، أن “النتيجة الهزيلة التي حققها حزب الحريري قد كشفت عن حقيقة الانقسامات التي يعيشها الجانب السني”. وأضاف قائلا: “يكفي أن نرى ما إذا سيتم تشكيل حكومة وحدة أو ذات أغلبية معارضة”. وبناء على ذلك، دعا أبرز الزعماء السياسيين الرئيسيين في البلاد إلى تشكيل فوري للحكومة الجديدة، التي ستكون مطالبة إما بتأييد رئيس الوزراء الحالي أو ترشيح بديل له.
تجدر الإشارة هنا إلى أن نظام الاقتراع التفضيلي الذي تم إضافته بموجب القانون الانتخابي الجديد، كان بالنسبة للمرشحين المستقلين الذين يمثلون المجتمع المدني، بمثابة “حصان طروادة” في هذا النظام القائم على المحاصصة الطائفية. ويعد المجتمع المدني، الذي تحدى القوى الطائفية التقليدية لأول مرة في لبنان، الكتلة التي تحطمت خلال الانتخابات بحصولها على مقعد وحيد، كان من نصيب الصحفية بولا يعقوبيان.
من جهة أخرى، على الرغم من المشاركة التاريخية للنساء في الانتخابات البرلمانية، بحوالي 86 مرشحة من ضمن 595 متنافس، تمكنت ستة من بينهن فقط من تجاوز عقبة النظام الذكوري وكسب مكانة في البرلمان. وفي هذا الصدد، صرحت الشريك المؤسس لمنظمة “نساء رائدات”، جويل أبو فرحات رزق الله، قائلة: “سنواصل ممارسة الضغوطات من أجل إنشاء نظام الحصص بين الجنسين في بلد تهيمن عليه المحاصصة الطائفية. وبالتالي، سيتم تمكين النساء من الارتقاء في ظل المنافسة غير المتكافئة”. ووفقا للمدير التنفيذي للجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات، عمر كبّول، فقد تم تسجيل ما يقارب أربعة آلاف شكوى ضد نتائج الانتخابات.
يتعين على جميع الأحزاب العمل على تشكيل تحالفات جديدة وتشكيل حكومة جديدة إلى غاية 20 أيار/ مايو الحالي
الحزب المسيحي بقيادة الرئيس ميشال عون: عنصر أساسي لتشكيل الحكومة الجديدة
تميزت الانتخابات الأخيرة بنسبة مشاركة منخفضة بلغت حوالي 49.2 بالمائة (أقل بخمس نقاط من سنة 2009)، إذ جاءت مسبوقة بتحالفات انتخابية غير معهودة أدت إلى تجزئة الأطياف السياسية. والجدير بالذكر أنه في سنة 2009، تم تقسيم السلطة التنفيذية اللبنانية بين كتلتين متعارضتين، مثلتها كل من الكتلة السنية بقيادة سعد الحريري والكتلة الشيعية بقيادة حزب الله. في الأثناء، ضلت الأحزاب المسيحية مقسمة إلى شقين. من جانب آخر، هناك بعض التحالفات التي كانت قائمة وعفا عنها الزمن اليوم، بعد أن نجا لبنان من عقد هيمنت عليه الصدمات وعدوى الحرب السورية.
في هذا السياق، يتعين على جميع الأحزاب العمل على تشكيل تحالفات جديدة وتشكيل حكومة جديدة إلى غاية 20 أيار/ مايو الحالي. وسيكون الحزب المسيحي للجنرال ميشال عون، الذي يضم 25 نائبا والذي يعد حتى الآن حليفا لحزب الله، إلى جانب الزعيم الدرزي البراغماتي وليد جنبلاط، الذي حصل على تسعة مقاعد، المسؤولين الأساسيين عن تحديد أي طرف سيمثل الأغلبية البرلمانية.
إلى جانب ذلك، لطالما كان الرئيس ميشال عون حليفا قويا للسياسة الداخلية والإقليمية لحزب الله خلال العقدين الماضيين، بعد أن دفن أحقاد الحرب التي كان يكنّها لسلالة الأسد. ومع ذلك، حافظ التيار الوطني الحر على استراتيجية مزدوجة مع زوج ابنة عون ووزير الخارجية، جبران باسيل، من خلال عقد تحالفات مع الحريري في العديد من الدوائر الانتخابية الخمسة عشر.
في هذا السياق، أفاد وديع الأسمر أن “كل شيء يشير إلى العودة إلى الوفاق الذي سبِق اغتيال رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، خلال سنة 2005، الذي يقضي بتقاسم السلطات، مع تولي الحريري مسؤولية الاقتصاد، وتكفل “حزب الله وأسلحته” بمهام سياسة الدفاع الوطني”.
تتعهد الانتخابات اللبنانية بإعادة رسم “الوضع الراهن” الإقليمي الجديد، عن طريق الانتصار السياسي الجديد لحزب الله وإيران
عموما، يخضع تشكيل الحكومة الجديدة للقيود الطائفية التي تقسم البرلمان بين مسيحيين ومسلمين، على الرغم من أن آخر تعداد رسمي للسكان في البلاد قد تم عقده في سنة 1932. وتحدث هذه الانقسامات في بلد يفرض، بموجب القانون، وجود رئيس مسيحي ماروني، ورئيس وزراء مسلم سني، فضلا عن رئيس برلمان مسلم شيعي. بالإضافة إلى ذلك، أثارت العقبات السياسية الرئيسية في البلاد نقاشات ساخنة خلال الحملة الانتخابية. وشملت أساسا وضعية 1.5 مليون لاجئ سوري، إلى جانب سياسة التفكك الإقليمي، فضلا عن ارتفاع نسبة الضرائب أو أسلحة حزب الله.
في ظل هذا الوضع، تتعهد الانتخابات اللبنانية بإعادة رسم “الوضع الراهن” الإقليمي الجديد، عن طريق الانتصار السياسي الجديد لحزب الله وإيران، الذي يمكن إضافته إلى الانتصار العسكري الذي حققه في سوريا. إضافة إلى ذلك، سيثير النفوذ الشيعي المتزايد في المنطقة انزعاج كلا من عدو إيران، المملكة العربية السعودية، التي لا تمر بأحسن لحظاتها مع حليفها الحريري، وإسرائيل. ولا يفوتنا التذكير بالهجوم الصاروخي الثاني الذي شنته إسرائيل ضد قوات الحرس الثوري الإيراني المنتشرة في سوريا، الذي تسبب في مقتل حوالي ثمانية أشخاص، حسب أرقام المرصد السوري.
المصدر: البايس