تتواصل في المغرب، منذ قرابة الشهر، حملة المقاطعة الواسعة التي بدأت أول الأمر في مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان “خليه_يريب” (دعه يفسد) وما لبثت أن وصلت أرض الواقع. حملة يهدف أصحابها إلى محاربة الغلاء وارتفاع أسعار المنتجات التي انتشرت بشكل كبير، وذلك في محاولة منهم لدفع عدد من الشركات المنتجة لها إلى خفض أسعارها.
واتخذت هذه الحملة في الفترة الأخير نسقاً أخراً، فمع اشتدادها ومزيد انتشارها أصبح الحديث عن امكانية إطاحتها بحكومة سعد الدين العثماني التي لم يمرّ على تقلدها مقاليد الحكم سوى عام.
ثقافة جديدة
تتعبر حملة المقاطعة لحدود الساعة، حسب المحلل السياسي المغربي رشيد لزرق عن “ثقافة جديدة، يعرفها المجتمع المغربي، والتي تعرف نجاحا وسط المستهلكين المغاربة، وإن كان من الصعوبة الجزم في مآلاتها، ضمت حراك مجتمعي برز فيه تضاربًا في تصنيفها، هل هي احتجاج اقتصادي أم اجتماعي أم سياسي، على اعتبار أنها صراع داخل الأغلبية الحكومية.”
وخلال هذه الحملة تم استهداف ثلاث شركات بعينها هي “حليب سونطرال” التابعة لشركة “دانون سونطرال”، وهي جزء من المجموعة الفرنسية “جيرفي دانون”، ويعدّ حليب هذه الشركة من الأكثر انتشارًا في المغرب، حيث تتجاوز حصتها في السوق المحلية 60%.
فضلاً عن شركة “إفريقيا غاز”، وهي جزء من المجموعة المغربية “أكوا” الناشطة في عدة مجالات منها الغاز والوقود والزيوت والعقار التي تقترب حصتها في السوق من 50%، ويترأس المجموعة الملياردير المغربي عزيز أخنوش وهو وزير الفلاحة والصيد البحري في الحكومة المغربية، (يشغل المنصب منذ عام 2007)، وهو كذلك رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار.
توجه العثماني إلى السكوت طوال هذه الحملة، فسره البعض بكونه دعمًا ضمنيًا للمقاطعة
أما ثالث هذه الشركات، فهي شركة مياه “سيدي علي”، باعتبارها واحدة من أهم شركات صناعة المياه المعدنية في المغرب التي تتوفر منتجاتها بأسعار مبالغ فيها، وتكون مرتفعة أكثر في المحطات الطرقية، وتعود هذه الماركة إلى شركة “أولماس للمياه المعدنية” التي تترأسها مريم بنصالح، وهي رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب.
وبرّر المقاطعون اختيار الماركات الثلاثة بالقول إنه خيار بديل للمقاطعة الشاملة، بحيث يتوقعون أن تقدم الشركات التي تضرّرت بخفض أسعار منتجاتها، ممّا يجعل بقية المنافسين يقومون كذلك بخفض الأسعار، ويطالب المقاطعون بأن تتماشى أسعار المنتجات اليومية مع القدرة الشرائية للمواطن المغربي.
صمت العثماني
توجه رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني إلى السكوت طوال هذه الحملة، فسره البعض بكونه دعما ضمنيا للمقاطعة من أجل إضعاف شريكه الرئيس في التحالف الحكومي التجمع الوطني للأحرار.
فيما فسره البعض الآخر بكون سعد الدين العثماني يعاني من الوصاية السياسية من قبل جناح داخل حزبه الذي يجعل هامش تحركه مرهونًا به، خاصة الجناح المزايد والذي درج على تسميته إعلاميًا بجناح بنكيران.
تحولات كبرى يعرفها المجتمع المغربي
هذا الأمر، يجعل العثماني وفقًا لبعض المغربيين، أمينًا عامًا لنصف حزب وليس لحزب داخل العدالة والتنمية، وهناك من ذهب للقول أن تكتيك الحزب الأول تحول من للعبة تبادل الادوار إلى لعبة تبادل الأجنحة.
ارتدادات على الحكومة
هذا التوجه من شأنه أن يخلف ارتدادات كبيرة وفقا للمحل المغربي رشيد لزرق، فعلى مستوى موجة المقاطعة، يمكن أن تتجه إلى رفع سقف المطلب الشعبي، في اتجاه التصعيد عبر الدعوة إلى إقالة حكومة العثماني، العاجزة عن حل إشكالية الأسعار.
أما على المستوى الحكومي، فيقول لزرق، “يمكن أن تعمق هذه الحملة التناقضات الحاصلة في حكومة العثماني، ما يمكن أن يؤدي إلى سقوط الحكومة من تلقاء ذاتها، عبر خروج التجمع الوطني للأحرار، الذي يمكن أن تتضامن معه أحزاب أخرى من داخل الأغلبية الحكومية بفعل الضربات تحت الحزام الموجه من جناح بنكيران، والتي تعد ضربا لميثاق الأغلبية الحكومية، وفقا للزرق”.
ويؤكد لزرق أن هذا الاحتمال الأخير، قريب من التحقق وتنفجر الحكومة من الداخل، خاصة في ظل تلميح وزير الاقتصاد و المالية ، بكون الحملة مدبرة من قبل شبيبة حزب العدالة والتنمية المقربة من الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران.
يعرف المغرب ما يمكن أن يسمى إعادة تشكل المشهد السياسي
ويوضح المحلل المغربي في حديث لنون، أن بقاء الحكومة الحالية مرهون بالسلم الاجتماعي. مؤكدا أن هناك عوامل داخلية وأخرى خارجية، تهدد هذا السلم المدني بفعل اندلاع موجة غلاء غير مسبوقة، والتي من شأنها أن تفاقم، الحركات الاجتماعية.
وأضاف لزرق أن “عدم قدرة العثماني على احتواء الضربات وتحمل المسؤولية السياسية بفعل التطاحنات الداخلية التي يعرفها حزب العدالة والتنمية، وضربات جناح بنكيران المتكررة للحلفاء الحكومين، من شأنها أن تؤجج عدم الثقة، وتضرب التضامن الحكومي عبر اشتداد الصراع.
فضلاً عن هذه العوامل الداخلية، يؤكد لزرق “وجود عوامل خارجية من شأنها أن تؤثر في الحكومة، خاصة في ظل التقلبات التي يعرفها الشرق الأوسط، التي يمكن أن تؤدي إلى صعود أسعار البترول، ما قد يساهم في تأجيج الغضب الشعبي ويطالب بإقالتها.”
وتشكلت حكومة سعد الدين العثماني في الخامس من ابريل/نيسان 2017، بعد شهور من المفاوضات العسيرة التي قادها رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران منذ تكليفه بتشكيل حكومته الثانية إثر فوز حزبه بالمرتبة الأولى في اقتراع 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016، وكانت نتيجتها الفشل، حيث أعفاه الملك وكلف العثماني يوم 17 مارس/آذار 2017 بتشكيل حكومة ظهرت بعد نحو عشرين يوما فقط.
ويشارك في هذه الحكومة من ستة أحزاب هي: العدالة والتنمية، والتجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والاتحاد الدستوري، وحزب التقدم والاشتراكية.
تنافس كبير
هذه الحملة الشعبية يمكن تنزيلها حسب لزرق في إطار السياق العام السياسي والاقتصادي الذي يعرفه المغرب؛ خاصة في ظرف ينتظر فيه إحداث تغيير في النموذج التنموي حيث تبني الحكومة نموذج تنموي يحدد السياسات الاستراتيجية الاقتصادية للحكومة، مما يجعل التنافس الانتخابي لرئاسة ”الباطرونا” ( منظمة رجال الأعمال)، له رهان كبير.
ويقول لزرق إن هذا التنافس ليس تنافسًا ايديولوجيًا لأن منطق رجال المال والأعمال هو منطق ربحي صرف، الباعث أو الدافع لهؤلاء هو التخوف من توجيه القوانين الاستثمارية والاستثمارات الحكومية المباشرة نَحو القطاعات التي يمثلونها، ومنه تظل مسؤولية الحكومة هي إقامة توازن بين رجال المال وليس توظيف السياسة بهذه الطرق لأهداف ذاتية.
اتهامات لبنكيران باستهداف عزيز أخنوش
يؤكد لزرق وجود “تخوف من لدن نخبة من رجال المال والأعمال من عدم الاستفادة من المشاريع التنموية التي ستقدم عليها الحكومة في إطار تنزيل النموذج التنموي، على اعتبار أن تواجد المقربين من التجمع الوطني للأحرار في الحكومة، يثير تخوفات منافسين آخرين في توجيه المشاريع التنموية لخدمة المجال الذي يشتغلون به، في إطار الصراع الطاحن بين الجناح السياسي الذي يمثله القيادي بالتجمع الوطني للأحرار، صلاح الدين مزوار، وبين رجال أعمال نافذين يبحثون عن خطف رئاسة اتحاد مقاولات المغرب.”
يعرف المغرب ما يمكن أن يسمى إعادة تشكل المشهد السياسي، حيث يسير في اتجاه طي صفحة القيادات الشعبوية، و يصب في اتجاه تأهيل نخب قيادية جديدة ذات مصداقية لإعادة الاعتبار والثقة ليس فقط للفعل السياسي بل للسياسات العمومية وتدخل الدولة وتدبير الشأن العام، كإجابة استباقية على التطور الممكن الذي تلوح به مؤشرات المقاطعة والمتمثل في مقاطعة الانتخابات.