نميل في معظم الأحيان للتفكير بأنّ أجسادنا هي نتاج الطبيعة والخلق ببساطة، دون أيّ تعقيدات أخرى، فننسى أنّها أيضًا قد تكون في أحيان كثيرة، بصورةٍ أو بأخرى، نتيجة المجتمع والثقافة أو النفسية الفردية، وإلا فلماذا نسعى دومًا لأنْ تبدو أشكالنا وأجسادنا مقبولةً من قبل مَن حولنا، فنتجنب اكتساب الوزن على سبيل المثال، ليس لرغبتنا بأنْ نبدو نحيفين أو صحيّين، وإنما أيضًا حتى لا نكون شاذّين عن المجتمع الذي ننتمي إليه وأفكاره حيال الشكل والوزن.
لكنّ الأهم من نظرة المجتمع ورأيه، هو أنّنا نحاول، من خلال أجسادنا، التعبيرَ عن الكثير من الجوانب الأساسية لذواتنا، وإيصال بعض من الحقائق عن أنفسنا وهوّيتنا الفردية للآخرين. فمن الصعب دائمًا أنْ ننقل هويّاتنا وتعريفاتنا الذاتية إلى مَن حولنا. نحن بحاجة إلى طرقٍ أخرى تدعمنا أكثر من الكلمات والجمل والتعبيرات، ولذلك نلجأ للعديد من التفاصيل الأخرى الداعمة؛ كالملابس والأحذية وقصة الشَعر ولونه، وثقب الجسم بالمجوهرات وأدوات الزينة “الأقراط”، أو حتى عن طريق الوشوم.
نحاول، من خلال أجسادنا، التعبيرَ عن الكثير من الجوانب الأساسية لذواتنا، وإيصال بعض من الحقائق عن أنفسنا وهوّيتنا الفردية للآخرين
ومن خلال كلّ تلك التغييرات، نحاول فقط أنْ نجعلَ أنفسنا أكثر وضوحًا وأسهل قراءةً في عالم نشعر فيه، ولو قليلًا، بالوحدة وعدم القدرة على التعبير عن الذات والنفس والشخصية. كما نحاول أن نخلق وسيلة إلهاء وآلية دفاعٍ أو مواجهة نستخدمها ضدّ لحظات انكسارنا أو حزننا أو حتى في المراحل التي نستشعر فيها الركود والملل في حياتنا.
وقد لعب “الشَعر” منذ قديم التاريخ دورًا كبيرًا في تشكيل هوية الفرد وصورته، نظرًا لكونه الجزء من الجسد الذي يحيط بالوجه وبالتالي فيعتبر العنصر الأكثر أهمية في تشكيل الانبطاعات الأولية، التي تتشكّل بدورها وفقًا للثقافة والمجتمع والتفاعلات الحاصلة خلالها.
فالشّعر له لغة ومعنى محددين في مختلف الثقافات والأديان والعهود، يختلفان باختلافها، فأحبّ العرب على سبيل المثال الشعر الأسود الفاحم الناعم الطويل، وعلى نقيضه يرى شعب “الماساي” الإفريقي أنّ المرأة تبدو أجمل في حال كانت حليقة الرأس أو كلما امتلكت شعرًا أقصر. في حين تعتقد قبيلة نافاجو الأمريكية الأصلية أنّ الشعر هو الجزء من الجسم الأقرب للأفكار والشخصية، أما الشعر الطويل بالنسبة لهم فيمثّل الذاكرة.
قد يكون ميلك لأيّ تغيير في شعرك، سواء من ناحية الشكل أو اللون، هو إشارة واضحة لرغبتك في إظهار قدرتك على التحكّم والسيطرة
ولأنه مرئي جدًا، فإنّ الشعر يصبح أيضًا جزءًا من هوية الشخص، فهو يساعد على التعريف بالشخصية التي تهدف إلى خلقها وإقناع الآخرين بها، فربّما من خلال شعرك تريد أنْ تخبرهم أنّك هادئ أو متمرّدٌ أو تمرّ بلحظات عصيبة أو تسعى للتغير. كما يمكن أن يؤثر الشعر أيضًا على الطريقة التي تعرّف بها نفسك لنفسك، بكونه امتدادًا لهويتك الذاتية.
فعلى عكس ميزات وسمات وجهك وجسدك الأخرى التي تحمل طابع مرور الزمن وتتغيّر بتغيّره، فإنّ شعرك يمكن أنْ يبقى لعقودٍ طويلة دون أيّ تغيير، أو بتغيير صغير نسبيًا، في حال لم تبذل أنتَ الجهد لذلك طبعًا، وباستثناء مرحلة المشيب حين يتغيّر لونه للأبيض والرمادي على كلّ حال.
وبالتالي، فقد يكون ميلك لأيّ تغيير في شعرك، سواء من ناحية الشكل أو اللون، هو إشارة واضحة لرغبتك في إظهار قدرتك على التحكّم والسيطرة، نظرًا لأنك عاجزٌ عن التحكم في بقية جسدك من جهة، أو من جهةٍ أخرى نظرًا لكونك عاجز عن التحكم عن بعض جوانب حياتك المتعددة، فتجد في شعرك بديلًا قد يعطيك شعورًا خفيًّا بالسيطرة وإحداث التغيير.
هنا قد نفهم لماذا يقوم العديد، خاصةً النساء، بقصّ شعرهنّ أو تغيير لونه في حال مررنَ بمرحلةٍ حرجة في حياتهنّ، كأنْ يكنّ على مفترق طرق، أو على وشك بداية مرحلة جديدة والتخلص من أخرى قديمة، وكأنّ الشعر المقصوص هو الرسالة المرئية والواضحة لذاتها وللآخرين على تخلّصها من تلك المرحلة بتفاصيلها، أو حتى كرغبة في التخلص والتجاوز والنسيان.
بكلماتٍ أخرى، يمكن وصف الشعر إذن بكونه مرآة تعكس العواطف والمشاعر والرغبات والمزاجات، بدءًا بالملل ومرورًا بالكتئاب وانتهاءً بالانتشاء والسعادة. فالرغبة في تغييره هي علامة على الحاجة إلى الاستقلال أو نسيان حدثٍ ما تسبب في حزننا أو معاناتنا، أو حتى الرغبة في إنهاء فصل في حياتنا.
تنظر المرأة للشعر المقصوص كأنه الرسالة المرئية والواضحة لذاتها وللآخرين على تخلّصها من مرحلةٍ ما بتفاصيلها، أو حتى كرغبتها في التخلص منها وتجاوزها ونسيانها.
وقد عرضت السينما والمسلسلات التلفزيونية هذا الجانب بشكلٍ جيّد، فتجد في كثيرٍ من الأحيان العديد من الشخصيات اللتي تضع شعرها تحت المقصّ كدليلٍ على دخولها في تجربةٍ جديدة وانتهائها من غيرها، أو كعلامة لمرحلةٍ حرجة تفيض بالعواطف المعقّدة.
عدا عن أنه يهب شعورًا بالثقة وتقدير الذات مثله مثل المظهر الخارجيّ للفرد، أو قد يكون وسيلة لتنمية تلك الثقة من خلال جذب انتباه الآخرين وتقديرهم، فنحن حين نسأل أصدقاءنا أو عائلتنا أو الشخص الذي نحبه عن رأيه في شعرنا أو تسريحته الجديدة، نكون بذلك نبحث عن بعض الانتباه، أو نلتمس اهتمامه وتقديره.
فلا تسخر أو تستعجب ممن يقضي وقته مطوّلًا في محاولة الاهتمام بشعره، أو ممن يدفع مبالغ معينة في سبيل الحصول على صورةٍ ما، فما هذا بالنهاية إلا وسيلة لنجعل أنفسنا أكثر وضوحًا ونتحدّث عن ذواتنا بدون جهدِ الكلمات وحسابها، ووسيلة للتجديد والتجاوز والبدء.