“مملكة مالي” أو “مملكة المايذنج” أو “الدولة الإمبراطورية”، أسماء ثلاث لإحدى أكبر الحضارات التي عرفتها إفريقيا، مملكة كان لها الفضل الكبير في انتشار الإسلام غرب القارة السمراء، خاصة في عهد الإمبراطور منسا موسى أشهر حكامها وأغناهم على الإطلاق.
البدايات
امتد حكم إمبراطورية مالي لأكثر من ثلاثة قرون ونصف، كانت البداية سنة 1230 ميلاديًا حين انفصلت عن “الصوصو” الوثنيين، مستغلة الصراع الذي نشب بين المرابطين ومملكة الصوصو، حينها كون رجل يدعى سوندياتا كيتا وهو ملك “كانجابا” الذي عرف تاريخيًا بـ”الملك الأسد”، اتحادًا للقبائل في الوادي الخصيب بأعالي نهر النيجر وجعل جيرانه تحت سيطرته، مؤسسًا إمبراطورية مالي وكانت أكبر من مملكة غانا.
سرعان ما استطاعت مملكة مالي بزعامة سوندياتا كيتا أن تضم الكثير من مناطق كانت تحت سيطرة قبائل خاضعة لمملكة غانا
أسس هذه السلطنة شعب زنجي أصيل هو شعب “الماندنجوه” أو “الماندنجو”، ومعناها “المتكلمون” بلغة الماندي، ويطلق على هؤلاء شعب “الفولاني”، ويلقبهم المؤرخون العرب بلقب “مليل” أو “ملل”، وتأسست هذه المملكة بين بلاد “برنو” شرقًا والمحيط الأطلسى غربًا وجبال البربر شمالاً و”فوتاجالون” جنوبًا.
عند تأسيس الإمبراطورية، اختار سوندياتا كيتا عاصمة جديدة لها هي نيامي، وهي مدينة تقع غرب نهر النيجر، وليست بعيدة عن حدود غينيا الحديثة، ومع تطور الإمبراطورية وتوسعها تحولت العاصمة إلى مدينة تمبكتو التي سميت بـ”عاصمة الذهب”، حيث كان لا يوجد بها فقير وشيدت فيها المباني الضخمة والقصور.
أصبحت تمبكتو المركز الرئيسي للتعليم والثقافة في قارة إفريقيا، فكان الطلاب يأتون إلى جامعة سانكوري المعروفة بـ”جامع تمبكتو الكبير” من جميع أنحاء القارة السمراء للدراسة، وهي عبارة عن جامع كبير يوجد في حي سانكوري بمدينة تمبكتو، تعاقب على إمامته أهل آقيت، ومن هذه الأسرة العلامة أحمد بابا التمبكتي.
من دويلة صغيرة إلى إمبراطورية عظيمة
في البداية، كانت مملكة مالي مجرد دويلة صغيرة، إلا أنها سرعان ما استطاعت بزعامة سوندياتا كيتا أن تضم الكثير من مناطق كانت تحت سيطرة قبائل خاضعة لمملكة غانا، وخلال فترة وجيزة استطاع سوندياتا أن يجعل من مملكته الصغيرة إمبراطورية عظيمة بعد أن استولى على أراضي مملكة غانا الغابرة كافة، ليصبح متحكمًا في مناطق شاسعة وشعوبها تدين له بالولاء.
امتدت الإمبراطورية، في أوجها في عهد الملك مانسا موسي وحفيده من بعده سليمان، من ساحل المحيط الأطلسي بالغرب إلى ما وراء تخوم منحنى نهر النيجر بالشرق، ومن حقول الذهب في غينيا بالجنوب إلى محط القوافل التجارية عبر الصحراء بالشمال، وهو ما يعرف الآن بغرب إفريقيا، وكان “الماندنجوه” أول من حظي بها، بحيث كانت تضم عددًا وافرًا من الأقاليم الإفريقية الحديثة.
الشهرة التي اكتسبها مانسا موسى تعود لرحلة الحج الشهيرة التي قام بها
تقول كتب التاريخ إن حركة التوسع استمرت في عهد خلفاء سوندياتا كيتا، حتى وصلت الإمبراطورية لأقصي قوتها في عهد مانسا موسى الذي استولت قواته على مدينة ولاته وتمبكت وجاو في النيجر الأوسط، وفي عهده بلغت مملكة مالي ذروة مجدها وقوتها واتساعها، حيث كانت تقدر مساحتها في عهده بمساحة كل دول غرب أوروبا مجتمعة، فقد امتدت من بلاد التكرور غربًا عند شاطئ المحيط الأطلسي إلى منطقة “دندي” ومناجم النحاس في “تكدة” شرقي النيجر، ومن مناجم الملح في “تغازة” شمالاً إلى “فوتاجالون” ومناجم الذهب في “نقارة” جنوبًا، كما شملت الحدود الجنوبية منطقة الغابات الاستوائية.
مانسا موسى.. أشهر ملوك مالي
عرفت إمبراطورية مالي تعاقب العديد من الملوك على حكمها الذين كانوا يلقبون بلقب “مانسا”، ومعناها السلطان أو السيد بلغة الماندي، ولعل مانسا موسى صاحب موكب الحج المشهور الذي أذهل الناس في مصر والحجاز وانتعشت التجارة والعلوم في عهده، أحد أبرز هؤلاء، فوصلت الدولة في عهده إلى القمة في الاتساع والقوة.
تولى مانسا موسى الحكم بعد أخيه منسا أبو بكر الذي قرر اكتشاف المحيط ولم يعد، ولعل الشهرة التي اكتسبها مانسا موسى تعود لرحلة الحج الشهيرة التي قام بها وعرفت بـ”حجة الذهب”، فبعد أن قام بعدة إصلاحات داخليه قرر هو الآخر أن يذهب في رحلة إلى البلاد المقدسة لأداء فريضة الحج، وقد ذكر العلامة التونسي ابن خلدون، أن مانسا موسى حمل معه من بلاده للإنفاق على الرحلة مئة جمل من التبر أي من الذهب، وفي كل جمل ثلاثة قناطير بما يقدر بخمسين ألف رطل من الذهب.
رافق موسى خلال هذه الرحلة آلاف من الرجال والحاشية والخدم، حيث قطع الصحراء عن طريق ولاته وواحة توات ومن ثم اتجه إلى مصر، وقد كان ينشر الذهب حيثما حل وانطلقت يده بالعطاء خصوصًا في الأماكن المقدسة حيث كان يوزع الهدايا دون توقف.
بعد الحج، عاد مانسا موسى إلى العاصمة تمبكتو حاملاً معه علماء من المدينة المنورة ودمشق وبغداد والقاهرة والأندلس، وأسس جامعات ضخمة، وتعد مكتبة تمبكتو من أهم الصروح التي أقامها موسى، وبفضل منسا موسى نال اسم مالي شهرة عارمة من الأندلس حتى خراسان.