ترجمة وتحرير: نون بوست
اقترب الكيتامين، الذي أطلق عليه الباحثون “أهم اكتشاف خلال النصف القرن الماضي”، من أن يصبح أول دواء فعال للاكتئاب، في سابقة من نوعها منذ 35 سنة. وقد عرضت شركة جونسون آند جونسون، وهي إحدى شركات الأدوية التي تصنع الأدوية المضادة للاكتئاب سريعة المفعول، يوم السبت، بعض الأبحاث الجديدة الواعدة، التي يمكن أن تعزز مكانة هذا الدواء على اعتباره علاجا محتملا لهذه الحالة.
في الحقيقة، أعلنت هذه الأبحاث انطلاقة مثيرة لمكون كان يعرف لدى العموم باستخداماته إما على اعتباره مخدرا أثناء العمليات الجراحية أو أثناء الحفلات. وقد رحب الأطباء عموما، وأطباء الأمراض النفسية خاصة بهذا الدواء، مؤكدين أنهم قد سئموا من إعطاء المرضى الأدوية نفسها، ذات المفعول المتوسط، على امتداد العقود الأربعة الماضية.
تجدر الإشارة إلى أنه لم تكن شركة جونسون آند جونسون الوحيدة التي استخدمت الكيتامين من أجل صنع دواء جديد، حيث قامت شركة ألرغان بتجارب سريرية من خلال استخدام عقار يعمل على المستقبِلات ذاتها مثل الكيتامين. كما تقوم شركة تصنيع الأدوية فيستاجان، التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرا لها، بأبحاث حول دواء مشابهٍ مستوحى من عقار الكيتامين.
يعد النموذج الذي صنعته شركة جونسون آند جونسون من الكيتامين عبارة عن رذاذ للأنف مصنوع من مركب يطلق عليه اسم إسكيتامين، المادة الكيميائية الطبق الأصل للكيتامين. وخلال تجربته السريرية الأخيرة، أراد شريك المؤسسة المتخصص في مجال علم الأعصاب، جونسون ريسيرتش، أن يثبت أن بخاخ الأنف آمن، وذا مفعول طويل الأمد، ويتفوق على كل من المهدئات، ومضادات الاكتئاب التقليدية.
أثبتت نتائج الدراسة الأولية أن تأثير الدواء الذي استخدموه يمكن يتلاشى في غضون أربعة أسابيع، في حين فندت الدراسة الموسعة هذه النتائج وأكدت أن فاعليته قد تستمر لوقت أطول
لإثبات نجاعة العقار، أخضع الباحثون 236 من المرضى البالغين الذين يعانون من الاكتئاب المقاوم للعلاج، الذي يعد من أصعب الأمراض المقاومة للعلاج، للاختبار من خلال جعلهم يتناولون مضادات الاكتئاب التقليدية لمدة أربعة أسابيع إلى جانب استخدام بخاخ الأنف. في الأثناء، حصل نصفهم فقط على بخاخ يحتوي على الدواء المصنع من قبل شركة جونسون آند جونسون، والنصف الآخر حظوا بخاخ يشتمل على مهدئ فقط.
كانت نتائج تلك التجربة واعدة، حيث شهدت الحالة الصحية للأشخاص الذين حصلوا على بخاخ الكيتامين تحسنا بشكل ملحوظ، خلافا لأولئك الذين تناولوا المهدئات على مدار 28 يومًا. والأهم من ذلك، تربع هذا الدواء على القمة حتى عند مقارنته بالعقاقير المضادة للاكتئاب التقليدية، وذلك في سابقة من نوعها.
تأتي هذه النتائج بعد شهر تقريباً من نشر شركة جونسون آند جونسون لنتائج أبحاثها ضمن نسخة أولية من هذه الدراسة التي أشارت إلى أنه على مدار يوم واحد، كان البخاخ الذي يحتوي على الكيتامين صحبة الدواء المضاد للاكتئاب التقليدي تأثير أفضل من المهدئات مع العلاج التقليدي المضاد للاكتئاب. في الأثناء، أثبتت نتائج الدراسة الأولية أن تأثير الدواء الذي استخدموه يمكن يتلاشى في غضون أربعة أسابيع، في حين فندت الدراسة الموسعة هذه النتائج وأكدت أن فاعليته قد تستمر لوقت أطول.
الدراسات الحديثة حول الكيتامين
يعد الاكتئاب أحد الأسباب الرئيسية وراء الوفيات في العالم. وقد لا يكون تأثير العلاجات الحالية للاكتئاب، التي تستغرق حوالي خمسة أسابيع ليبدأ سريان مفعولها، فعالا بالنسبة لنحو 80 بالمائة من الأشخاص الذين يتناولونها. تعمل معظم مضادات الاكتئاب الموجودة، على غرار أبيليفاي وزولوفت، على سد الأماكن التي يحصل من خلالها دماغنا على السيروتونين، الذي يعد بمثابة عنصر كيميائي يلعب دورًا رئيسيًا في تحديد المزاج. نتيجة لذلك، يصبح من السهل على السيروتونين أن يتنقل بشكل حر ويخفف من أعراض الاكتئاب.
يتسم الكيتامين بمجموعة من الآثار الجانبية غير السارة، ويبدو أن أكثرها إثارة للقلق هو ميله إلى إنتاج ما يعرف بالتجارب الانفصالية أو الخروج من الجسد
في المقابل، لا يعمل الكيتامين بالطريقة ذاتها، حيث يستفيد من آلية مختلفة في الدماغ ويؤثر على المفاتيح الرئيسية التي تسمى مستقبلات ن-مثيل-د-أسبارتات. وعلى غرار مستقبلات السيروتونين، تضطلع مستقبلات ن-مثيل-د-أسبارتات بدور مهم في مزاجنا وتساعد على السيطرة على انفعالاتنا. من جانب آخر، تعمل مستقبلات ن-مثيل-د-أسبارتات أيضاً على الحفاظ على نقاط التشابك العصبي في دماغنا، تلك الفروع الدقيقة التي تعد أشبه بالنظام الرئاسي لأفكارنا، مرنة وقابلة للتكيف.
بسبب تأثير الاكتئاب على مستقبلات ن-مثيل-د-أسبارتات، تتشوه نقاط التشابك العصبي، وفي بعض الحالات، تصل إلى مرحلة الموت. ولذلك، يعتقد العلماء أن مضادات الاكتئاب الموجودة تعزز عمل التشابك العصبي بطريقة غير مباشرة بمرور الوقت عن طريق السيروتونين. وعلى النقيض من ذلك، يعمد الكيتامين إلى التأثير مباشرة على المصدر، حيث يوقف عمل مستقبلات ن-مثيل-د-أسبارتات. وبالتالي يخفف من أعراض الاكتئاب خلال ساعات.
خلال سنة 2012، نُشرت دراسة في مجلة ساينس قامت بتحليل قدرة الكيتامين السريعة على الحد من أعراض الاكتئاب لدى الأشخاص الذين لم يستجيبوا للأدوية الأخرى. وضمن الدراسة ذاتها، وصف المؤلفون الكيتامين بأنه “أهم اكتشاف في نصف القرن الماضي”. وبعد خمس سنوات، خلص الباحثون في دراسة نشرتها “أميركان جورنال أوف سيكاتري” إلى أن تأثير العقار المضاد للاكتئاب تواصل لمدة شهر على الأقل.
في المقابل، مثل أي عقار آخر، يتسم الكيتامين بمجموعة من الآثار الجانبية غير السارة، ويبدو أن أكثرها إثارة للقلق هو ميله إلى إنتاج ما يعرف بالتجارب الانفصالية أو الخروج من الجسد. ونتيجة لذلك، يخشى الخبراء أن تؤدي هذه التأثيرات إلى جعل المرضى يتفاعلون سلبًا مع التجربة ولا يرغبون في تكرارها، أو أن يعمدوا إلى استخدام الدواء بشكل متكرر، مما قد يتسبب في إصابتهم باضطراب تعاطي المخدرات. في أحدث دراسة أجرتها شركة جونسون آند جونسون، تطرق المرضى إلى الحديث عن آثار جانبية أخرى لهذا الدواء، التي شملت الدوار، والصداع، وعدم وضوح الرؤية، والغثيان.
واصل شركة جونسون أند جونسون إجراء المزيد من الأبحاث حول تركيبة بخاخ الأنف الذي يحتوي الكيتامين، الذي ستخضع بعض مكوناته لتجارب طويلة.
أهم سؤال لم يتم الإجابة عنه: التأثيرات الطويلة المدى؟
إلى جانب الآثار الجانبية المباشرة، يحذر بعض الباحثين من الكيتامين لسبب آخر. فمن دون إجراء العديد من الدراسات طويلة المدى على الكيتامين على اعتباره دواء لعلاج الاكتئاب، من الصعب معرفة ما قد تبدو عليه تأثيرات الدواء على مدار عدة أشهر أو سنوات. فمن المحتمل أن تزول آثاره المفيدة أو أن تظهر آثار جانبية سلبية أخرى له.
في هذا السياق، تقوم شركة ألرغان وفيستا جان، حاليًا، بإجراء دراسات طويلة المدى حول الأدوية الجديدة، التي تعمل وفقا للآلية ذاتها مثل الكيتامين ولكن يبدو أنها تتسم بآثار جانبية أقل بكثير. ومن المتوقع أن تظهر نتائج هذه التجارب خلال السنتين المقبلتين.
من جانب آخر، تواصل شركة جونسون أند جونسون إجراء المزيد من الأبحاث حول تركيبة بخاخ الأنف الذي يحتوي الكيتامين، الذي ستخضع بعض مكوناته لتجارب طويلة. وفي هذا الإطار، أوضح ممثلو الشركة لموقع “بيزنس إنسايدر” أنه بالإضافة إلى الأبحاث التي قدموها حتى اللحظة الراهنة، فإن لديهم أيضًا خططًا لتجربة تركيبة بخاخ الأنف على المراهقين الذين يعانون من الاكتئاب الشديد المعرضين لخطر الانتحار الوشيك. ومن المتوقع أن تقدم الشركة طلبًا لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية في وقت لاحق من السنة الحالية للحصول على الموافقة على تعاطيه.
المصدر: بيزنس إنسايدر