عندما أعلن الدستور العثماني في تموز 1908 وأقيمت المهرجانات احتفالاً بهذه المناسبة خيّل للشاب الأستاذ في مدرسة الحقوق جميل صدقي الزهاوي أن الفرصة مواتية ليطلق أفكاره التحررية؛ فنشر في جريدة المؤيد المصرية وتحت اسم مستعار مقالته الشهيرة عن ضرورة تحرير المرأة من عبوديتها، داعيًا المحاكم الشرعية إلى منحها حقوقها أسوة بالرجل مستشهدًا بالآية القرآنية الكريمة {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ}.
وما إن وصلت هذه الجريدة إلى بغداد واطلع عليها الأهالي حتى ماجت الأرض بأهلها، ولم نعرف من وشى باسم الكاتب الحقيقي، ليتعرض إلى ما تعرض إليه من اعتداء وهجوم عنيف من خصومه؛ ما دفع بناظم باشا والي بغداد أيامئذ إلى فصله من وظيفته تحت ضغط الجماعات المتشددة على الرغم من تراجع الزهاوي وإنكاره لتلك المقالة بعد إهدار دمه .
واستمر الصراع بين المحافظين على التقاليد والداعين إلى التجديد وإعطاء المرأة حقوقها وامتيازاتها أسوة بالمرأة المصرية والتركية منذ تلك الفترة وحتى بعد الاحتلال البريطاني للعراق، وكان صراعًا حقيقيًا يأخذ الطابع العنيف أحيانًا بين الفصيلين وربما يرافقه سيل من الشتائم والنعوت.
في 23 من نوفمبر 1924 وبينما هذه المعارك قائمة في الأندية والمحافل، وأخبارها وأحاديثها تدور في المقاهي والمجالس، إذ بنادٍ جديد يفتتح باسم “نادي النهضة النسائية” تألفت هيئته الإدارية من أسماء الزهاوي شقيقة الشاعر جميل صدقي الزهاوي الذي استمر على مناصرته لأخذ المرأة كامل حقوقها ونعيمة السعيد وماري عبد المسيح وفخرية العسكري زوجة الوزير جعفر العسكري، فسارعت جريدة العراق إلى الترحيب به معتبرة افتتاح النادي انتصارًا لحرية المرأة.
رافق افتتاح النادي النسائي أولى المطالبات الموجهة إلى الجهات الرسمية؛ فعند افتتاح المجلس التأسيسي عام 1924 كتبت السيدة بولينا حسون وهي ابنة أحد رجال الصحافة والفكر مقالاً في مجلة ليلى (أول مجلة نسائية في العراق صدرت عام 1923) وطالبت أن يقوم المجلس بواجباته تجاه المرأة والدفاع عن حقوقها واستمرت هذه الرائدة بنشر مقالاتها في الصحف العراقية وخطاباتها في المنتديات والتجمعات الأدبية.
شهد عام 1958 إعلان رئيس الوزراء في تلك الفترة نوري السعيد مبادئ جديدة يقتضيها تطور العراق السياسي والاجتماعي في خلال السنين الأخيرة ومن ذلك منح المرأة العراقية الحقوق السياسية
وشهد العراق بعد دخوله عصبة الأمم عام 1932 تغييرًا كبيرًا في جميع نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية؛ مما أثر بصورة مباشرة على واقع المرأة العراقية بشكل إيجابي ومباشر، وتمثل هذا التغيير بزيادة إقبال البنات على التعليم بسبب تشجيع الحكومة وزيادة مخصصات وزارة المعارف لزيادة عدد المدارس.
لكن الحدث الأبرز والأهم الذي قطف المتحررون فيه ثمار كفاحهم هو انعقاد مؤتمر المرأة العربية الثالث في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1932 وهو أول مؤتمر للمرأة في تاريخ العراق؛ ما عزز اتصال حركة المرأة العراقية بمثيلاتها في الدول الأخرى، وكان انعقاد مثل هذا المؤتمر سببًا كافيًا لإثارة الرأي العام المتابع، فامتلأت صحف بغداد بمقالات مؤيدة ومهنئة ومستبشرة بهذا التطور الإيجابي الذي سيحفز المرأة على التقدم بخطوات أكثر جرأة نحو مطالباتها الإنسانية، تقابلها عناوين ومقالات أخرى تعنف وتهدد وتحمّل الدولة مسؤولية هذه الانحدار والسقوط الأخلاقي! لسماحها بقيام مثل هذه “الفضائح”، بل أفتى بعض كتابها من أن ما يجرى هو إحدى علامات قيام الساعة!
وشهد عام 1958وفي شهر مارس/آذار تحديدًا إعلان رئيس الوزراء في تلك الفترة نوري السعيد مبادئ جديدة يقتضيها تطور العراق السياسي والاجتماعي في خلال السنين الأخيرة ومن ذلك منح المرأة العراقية الحقوق السياسية وفقًا لأسس ومؤهلات معينة تلائم حالة البلاد الاجتماعية والثقافية والنص على تلك المبادئ في تعديل الدستور العراقي لاحقًا.
وبعد ثورة الرابع عشر من تموز حدث انقلاب حقيقي في وضع المرأة ولقد تم تعيين الدكتورة نزيهة الدليمي أول وزيرة عراقية بعد ثورة 14 تموز 1958 وهي أول وزيرة عراقية، حيث ثبتت المساواة بين المرأة والرجل، كما تم تعيين أول قاضية عراقية هي السيدة زكية إسماعيل، وبهذا تكون المرأة العراقية قد دخلت المعترك السياسي والوظيفي الخاص.
وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق وعند اختيار أعضاء مجلس الحكم الانتقالي تم اختيار ثلاث نساء كعضوات من أصل 25 عضوًا، وفي العام 2004 عندما شكلت الوزارة كان للنساء 4 حقائب وزارية من أصل 31 وزارة وقد نصت المادة ج من قانون إدارة الدولة للفترة الانتقالية “يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقل عن الربع من أعضاء الجمعية”.
كلمة كوتا(quota) مصطلح لاتيني الأصل يقصد به نصيب أو حصة
ثم جاءت المادة 3 رقم 96 الصادر من حكومة الائتلاف “قانون الانتخاب” يجب أن يكون اسم امرأة واحدة على الأقل ضمن أسماء ثلاث مرشحين في القائمة ونتيجة لتطبيق هذا النظام كان عدد النساء 87 امرأةً من أصل 275، وشغلت النساء 6 حقائب وزارية من أصل 36 وزارة شكلت نسبة 11% من التمثيل السياسي ثم تحقيق نسبة 25% واليوم ينص الدستور على نسبة الـ25% تمثيل للنساء حسبما نصت عليه المادة 49 الفقرة رابعًا (وبما سميَت بالكوتا النسائية)، حيث تم اُنتخبت 74 امرأة بنسبة 25.8% لكن التمثيل النسوي في الحكومة التنفيذية كان محدودًا بأربع وزارات ثم تراجع العدد بعد انسحاب وزيرة الدولة لشؤون المرأة.
والكوتا النسائية استمدت قوتها ومشروعيتها منذ انعقاد مؤتمر المرأة العالمي الرابع في بيجينغ عام 1995، الذي أقر وجوب اعتماد مبدأ الكوتا كتمييز إيجابي يساهم في تفعيل مشاركة المرأة في الحياة العامة، وصولاً إلى تحقيق نسبة لا تقل عن 30% في حدود السنة 2005.
وكلمة كوتا (quota) مصطلح لاتيني الأصل يقصد به نصيب أو حصة، ارتبط هذا المصطلح تاريخيًا بما يسمى “التمييز الإيجابي” الذي أطلق لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية على سياسة تعويض الجماعات المحرومة (الأقلية السوداء) في ستينيات القرن الماضي، فتم تطبيق نظام حصص نسبية “كوتا”، ألزمت بموجبه المؤسسات التعليمية بتخصيص نسبة معينة من الطلاب المقبولين فيها للأقليات الإثنية (السوداء)، كما انتشر في بلدان أخرى كانت تشعر فيها الأقليات بأنها محرومة.
وقبل الانتخابات الحاليّة استطاعت إحدى النساء تشكيل ائتلاف سمي بالإرادة ضم رجال من مختلف الاتجاهات وتزعمته الدكتورة حنان الفتلاوي.
لم تكن تلك السيدة التي أسست الحركة ومعها بعض النساء وليست كلهن موفقات لما أبدين بعض الأمور التي نالت من موقعهن وكذلك مكانتهن، فقد تنافسن كثيرًا مع الرجال في توجيه التهم وكذلك الدعوات غير المبررة لهن للوزراء لغرض الاستجواب وبقصد الإسقاط السياسي وربما أمور أخرى ليست واضحة تمامًا، اتهمت فيها أطراف عدة بتلقي الرشاوى من كيانات أخرى بقصد النيل من الوزراء، كما اشتهرت البعض منهن بالاصطفاف الطائفي البغيض في قرارات المجلس الذي انعكس بدوره على الشارع العراقي الذي لفظ تلك التخرصات والأفعال التي تزيد من الشحن الطائفي.
المرأة جزء من المجتمع فلا يمكن دراسته بمعزل ونظرًا للأوضاع الاستثنائية التي مر بها العراق
ولكن بمبادرات جماعية وبهدف إضفاء الطابع الإنساني التألفي والتسامحي، فقد اجتمعت مجموعة من برلمانيات نينوى من أجل رسم ملامح السلم المجتمعي لمرحلة ما بعد داعش، هذه المبادرة التي من شأنها أن تضع خريطة طريق ترسم ملامح السلم المجتمعي في نينوى من خلال مجموعة الإجراءات التي ستساهم في كشف الحقيقة والملاحقات القضائية وجبر الضرر وغيرها من الآليات التي ستساهم في إعادة الاستقرار إلى المنطقة.
وبهذا تكون النائبات قد ساهمن بشكل جدي في عملية إحلال المحبة والسلام وتطوير التعليم ومعالجة العراقيل كافة التي تواجه العملية التربوية إضافة إلى خلق بيئة سلمية تسامحية في المجتمع وهي أقصى ما ترغب به الأمهات من مشاهدة أبنائهن يعيشون في بيئة متصالحة مع نفسها.
الخلاصة أن المرأة جزء من المجتمع فلا يمكن دراسته بمعزل ونظرًا للأوضاع الاستثنائية التي مر بها العراق فقد واجه المجتمع العراقي أعظم التحديات وما رافقه من الحروب الثلاث والحصار الاقتصادي فإن هذا كله له تأثير من خلال ما خلفته الحروب من تدهور اقتصادي وتخلف فهذا يؤثر على مشاركة المجتمع وكذلك الواقع الاجتماعي العراقي العشائري والقبلي ولذا فإن ما قبل 2003 لا نجد مشاركة فاعلة للمرأة العراقية بسبب الظروف ومساهمتها تكاد تكون معدومة في فترة الثمانينات.
أما بعد 2003 فنجد أن المرأة نجحت في المشاركة في عملية صنع القرار السياسي ولأول مرة في تاريخ العراق السياسي تنافس الكتل السياسية لدخول المرأة في العملية السياسية وما دفعها لاحتلال مواقع قيادية في المؤسسات، ويمكن القول إن المرأة العراقية وضعت كرقم مهم في المحاولة منذ أن سن مجلس الحكم قوانين انتخابات الجمعية العمومية وحدد 25% من مقاعد الجمعية للنساء، ومستقبل المشاركة السياسية بشكل عام ومشاركة المرأة بشكل خاص لا يمكن أن ينظر إليه بشكل متجزأ عن واقع النظام العام في العراق والحالة المستقبلية فيه.
لكن الملفت للنظر أن الأحزاب السياسية تستخدم المرأة كأداة للدعاية ودعاة الديمقراطية ما زالوا محملين بتركة ثقيلة من نظام الحزب الواحد الشمولي، ولكون العمل في المعترك السياسي حديث عهد بالنسبة لها فإننا نتطلع إلى مشاركة جدية تنافسس بها الرجل وربما تنزع رداء الكوتا الذي يعتبر رداءً تصدق به الرجل لها لإجبارها على المشاركة، وذلك بعد زيادة وعيها وريادتها للتكتلات السياسية خصوصًا بعد تراجع ثقافة المجتمع التقليدي والعشائري وسمو ثقافة التمدن والتطور مع فروقات بين تنشئة المرأة داخل المجتمعات الريفية والحضرية والأسرية.