ترجمة وتحرير: نون بوست
أصبح نادي خان يونس، نادي كرة القدم الذي كان يجسد روح غزة الفريدة من نوعها، الآن ركامًا. فقد قُتل بعض من أبرز لاعبيه في الغارات الجوية الإسرائيلية، وتحول الملعب نفسه من بين آلاف المباني إلى ركام وخرسانة محطمة. كما غطت طبقة سامة من الرماد جزءًا كبيرًا من المدينة.
وعلى مدار عدة أشهر، تحدثت “آي نيوز” إلى المتواجدين داخل القطاع المحاصر؛ حيث تقدر الأمم المتحدة أنه قُتِل أكثر من 37,000 شخص وجرح 87,000 آخرين. ويروي اللاعبون قصصًا عن فقدان الأرواح والأطراف وسبل العيش.
إن طبيعة منطقة الحرب تجعل الإبلاغ الدقيق عن الخسائر البشرية أمرًا معقدًا، خاصة بالنسبة للمفقودين أو الذين يُفترض أنهم ماتوا تحت أنقاض المباني المدمرة. فالملايين بدون كهرباء؛ ما يعني أن أي شكل من أشكال التواصل مع العالم الخارجي هو مشقة في حد ذاته.
عندما بدأت “آي نيوز” هذا التحقيق لأول مرة، قدّر أحد المصادر في فلسطين أن عدد الشخصيات الرياضية التي قُتلت كان حوالي 182 شخصًا. ثم ارتفع هذا العدد بعد ذلك إلى 260، أكثر من نصفهم من لاعبي كرة القدم، ويُعتقد الآن أن العدد تجاوز 300، وهناك ما لا يقل عن عشرين منهم على الأقل من الأطفال.
لقد تعرض الفيفا واليويفا لتدقيق متزايد بسبب قرارهما بعدم فرض عقوبات على إسرائيل، بعد أن منعت روسيا من المشاركة في المنافسات الدولية بعد غزو أوكرانيا، ولو تأهلت روسيا لكان بإمكانها المشاركة في بطولة أوروبا الأخيرة.
“لقد تحطمت أحلامنا”
قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، يوم هجوم حماس – الذي تشير تقديرات الحكومة الإسرائيلية إلى أنه أسفر عن مقتل 1,195 شخصًا واحتجاز 251 رهينة – والهجوم الذي أعقبه، أثبت الدوري الممتاز في قطاع غزة والدوري الممتاز في الضفة الغربية (الذي يضم 12 ناديًا في كل منهما) نجاحًا غير متوقع.
فقد مُنع اللاعبون من السفر خارج قطاع غزة لحضور المباريات الدولية بسبب الحصار الجوي والبري والبحري المفروض منذ 18 سنة، لكن أجواء الدوري المعتادة استمرت وجذبت آلاف المشجعين.
أما ملاعبها التي كانت في يوم من الأيام واحات من الراحة في تضاريس بائسة في كثير من الأحيان، فقد أصبحت الآن مواقع كارثية، فقد قيل لـ “آي نيوز” أن ما لا يقل عن 55 منشأة رياضية، 45 منها منشآت لكرة القدم – و38 منها في القطاع وسبعة في الضفة الغربية المحتلة – قد دمرت بفعل القصف.
بينما تحدثت “آي نيوز” مع أبو بكر عابد، الصحفي المقيم في غزة، كانت الطائرات المسيرة ومروحيات الأباتشي تحلق فوق رأسه. وقال: “قد لا تسمع مني مرة أخرى؛ فأنا معرض للموت في أي وقت”.
وقال إن ملاعب كرة القدم التي كانت في وقت من الأوقات منتشرة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط كانت “المصدر الرئيسي للفرح بالنسبة لمعظم الفلسطينيين”، وأضاف: “لقد تعرضت للمحو الكامل”.
وفي دير البلح، في وسط قطاع غزة، يتم الآن استخدام ملعب نادي الصلاح في دير البلح لإيواء اللاجئين. ولم يتم تطوير ملعب الدرة إلا في سنة 2016؛ وباعتباره ملاذًا لأكثر من 15,000 شخص، معظمهم من شمال قطاع غزة، فإن بقاءه أمر حتمي.
ويقول عابد: “إن ما بداخله يدمي القلب حقًا. ترى كبار السن يسعلون ويعطسون. والنساء ينتحبون على جثث أطفالهم عندما يحدث هجوم قريب، والأطفال يبكون من الجوع والألم والخوف والهلع”.
وأضاف: “اعتادت الملاعب أن تمتلئ بالبهجة والضحك والهتافات. أما الآن فقد تغير الملعب. الآن امتلأ الملعب بالموت، إن الموت في كل مكان”، وتابع: “إنه أمر مفجع، لا يمكن تصوره ولا يوصف”.
وشهدت أكاديمية الأبطال في الشيخ عجلين خرابًا غير عادي، فبعد أن كانت ملعبًا صغيرًا، تحولت إلى أحد أعرق الأندية الرياضية في غزة، حيث تضم 2,500 رياضي.
ومع وجود سبعة فروع مختلفة لثماني رياضات – حتى أنه استقطب شراكات مع برشلونة وريال مدريد – كان معدل نجاح نظام الشباب مرتفعًا جدًّا لدرجة أن 30 من لاعبيه انتقلوا للعب مع فلسطين على مستوى الفئات العمرية، ونجح آخرون في الانتقال إلى دول عربية مجاورة وبعضهم إلى أوروبا.
والآن، يقول مؤسس الأكاديمية رجب السراج لـ”آي نيوز”: “لقد تم تدمير هذا النظام بالكامل، مما أدى إلى توقف 180 موظفًا دون أي دخل خلال الأشهر التسعة الماضية. لقد فقدت العائلات واللاعبون أقرب مكان لهم للتنفيس عن ضغوطهم والبيئة الحاضنة التي ساعدتهم على تحقيق أحلامهم في أن يصبحوا أبطالًا”.
وتابع: “لقد تحطمت أحلامنا وطموحاتنا وتحطم كل ما نملكه. ومع ذلك، سنبقى صامدين في أحلامنا ونعيد بناء ما تم تدميره بعد انتهاء هذه الحرب وتدمير كل شيء على أرض غزة”.
داخل ملاعب غزة التي تحولت إلى مخيمات للاجئين
إن أكبر الخسائر هي الخسائر البشرية، حيث فُقدت عشرات الآلاف من الأرواح على خلفية مشهد مدمر.
ومثل آلاف المباني الأخرى، تحولت الملاعب إلى أنقاض، أو استولت عليها القوات الإسرائيلية، أو في حالة الملاعب التي لا تزال قائمة، تم إعادة تصميمها وتحويلها إلى مخيمات مؤقتة للاجئين. كما أقيمت مساجد ومطابخ مؤقتة.
وتشير التقديرات إلى أنه لو انتهت الحرب الآن، فإن الأمر سيستغرق خمس سنوات لإعادة بناء العديد من الأراضي إلى حالتها السابقة.
وتظل تلك الملاعب التي بقيت سليمة جزئيًا على الأقل بمثابة شريان حياة؛ حيث قال السراج من أكاديمية الأبطال: “نظرًا للضرر الكبير الذي لحق بالمنازل والبنية التحتية، ستستمر هذه الملاعب والساحات في العمل كملاجئ لعدم توفر أماكن أخرى للسكن”.
وأضاف: “نظرًا لأن أكثر من 70 بالمئة من سكان غزة هم من الأطفال والشباب، فإن هذه الملاعب هي أيضًا وسيلة للتخفيف من معاناة السكان خلال مراحل التعافي من الإبادة الجماعية والحرب”.
ولم يسبق أن شهد قطاع غزة هذا الحجم من الدمار من قبل، على الرغم من أن استهداف الملاعب ليس بالأمر الجديد. فقد تضررت المنشآت الرياضية بشكل كبير في الهجمات الإسرائيلية على غزة في سنة 2008، ومرة أخرى في سنتي 2012 و2014. وقد ادعت إسرائيل في السابق أن ملاعب كرة القدم كانت تستخدمها حماس، ولكن لم يتم تأكيد ذلك من قبل أي من الوكالات المستقلة.
جيل ضائع
إن الشعور بالخسارة في خان يونس، إحدى أكثر مدن غزة كثافة سكانية في غزة، لا يقاس.
فقد قُتل محمد بركات، أحد أبرز المهاجمين في تاريخ خان يونس وأول لاعب في الدوري الممتاز في قطاع غزة والذي يتجاوز عدد أهدافه المئة (برصيد 114 هدفًا)، في غارة جوية في آذار/ مارس. وكان آخر هدف سجله من ركلة جزاء في فوز فريقه 3-1 في أيلول/ سبتمبر، أثناء لعبه مع ناديه الجديد أهلي غزة.
وفي الآونة الأخيرة؛ قُتل شادي أبو الأعرج، حارس مرمى شباب خان يونس، في غارات جوية على المواصي، التي تم تصنيفها مؤخرًا كمنطقة إنسانية.
أما أحمد أبو العطا، لاعب خط الوسط والبالغ من العمر 34 سنة والبطل السابق للدوري الممتاز في نادي أهلي غزة، فقد لقي حتفه في شهر حزيران/ يونيو مع زوجته وعائلته في غارة إسرائيلية على منزله، وذلك بعد فترة وجيزة من مقتل زميله أنس عقيلان الذي لقي نفس المصير.
ويقول مؤيد أبو عفش، وهو مدرب في غزة لـ”آي نيوز”: “هناك العشرات من القصص الحزينة والمؤسفة التي يمكن أن تُروى”.
وأضاف: “فقدنا العديد من الرياضيين والأصدقاء في الحرب. ولم يكن لهم ذنب سوى أنهم كانوا من سكان قطاع غزة”.
وتابع أبو عفش: “في النادي الذي كنت أدربه قبل الحرب، قُتل تامر الترامسي عندما كان يحاول الحصول على مساعدة لعائلته. وفقد محمد العجيلي عائلته وقدميه بعد استهداف منزلهم، واعتقل الجيش الإسرائيلي كرم شبير بعد اقتحام خان يونس. وكل من ذكرتهم ليس لديهم أي [انخراط في] أنشطة سياسية”.
وقال: “أطفالنا بحاجة ماسة إلى من يخلصهم من ويلات الحرب الظالمة التي لا تفرق بين كبير وصغير وتحصد الأرواح دون استثناء. ونأمل أن تتوقف هذه الحرب الرهيبة قبل أن نكون نحن القصة التالية”.
كان هاني المصدر لاعبًا مشهورًا سابقًا، وكان وقت وفاته في كانون الثاني/ يناير، عندما تعرضت قريته للقصف، مساعدًا لمدرب المنتخب الأولمبي الفلسطيني. ويقول السراج، وهو صديق للمصدر، لـ “آي نيوز”: “لقد كان لفقدان الأفراد الأساسيين خلال هذه الإبادة الجماعية آثار شخصية ومعنوية واجتماعية ورياضية عميقة”.
وأضاف: “لقد خلق فقدان هؤلاء الأفراد فجوة كبيرة وحاجة ماسة إلى خبراء مثل هاني وزملاء آخرين من زملائه الذين استشهدوا. لا يمكن لأحد أن يملأ مكانهم. أتمنى لهم ولنا الرحمة، وأتمنى أن نجد القوة اللازمة لتحمل فقدان زملاء أعزاء”.
تابع يقول: “لقد فقدنا العديد من الزملاء، وأصيب العديد من الزملاء الآخرين. ولا نعلم ما يخبئه لنا المستقبل القريب أو البعيد، لكننا نعلم أننا سنعيد بناء كل شيء من جديد، وستكون غزة أجمل. ومع ذلك، فإن فرحتنا ستظل ناقصة دائمًا دون أولئك الذين استشهدوا”.
ويتذكر أبو عفش “الصدمة الكبيرة” التي شعر بها عندما علم بما حدث لهاني المصدر.
وعانى فريق خدمات رفح، بطل الدوري الممتاز في غزة، من خسائر. وتعد رفح موقع إحدى أسوأ الفظائع المسجلة في الصراع، عندما قُتل حوالي 45 شخصًا في قصف لمخيم للاجئين في أيار/ مايو. وخلال غارة على منطقة كير في وسط رفح، أصيب قائد فريق شباب رفح محمد الرخاوي بجروح خطيرة أيضًا.
إن العديد من لاعبي كرة القدم محاصرون في غزة وهم يائسون من أن تساعدهم الفيفا على المغادرة.
ويصر عابد على أن “هذا يكشف عن نفاق الفيفا ومعاييرها المزدوجة. لقد حظروا روسيا بعد ثلاثة أيام من غزو أوكرانيا، وفي الوقت نفسه، قال رئيس الفيفا جياني إنفانتينو في المؤتمر الصحفي الأخير عندما سُئل عن فلسطين: “أنا حزين لما حدث”.
وأضاف: “أن مستوى وحجم الدمار لا يصدق حقًا. أتساءل فقط، إذا حدث هذا في منشأة رياضية أوكرانية، فماذا سيفعل الفيفا؟ ولم تفعل الفيفا أي شيء، بل إنها تغض الطرف عما يحدث بالفعل على الأرض في غزة”. لقد تواصلت مع الفيفا للحصول على تعليق.
وكتب الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم إلى الفيفا للمطالبة باتخاذ إجراء بعد أن استولت القوات الإسرائيلية على ملعب اليرموك وحولته إلى معسكر اعتقال، والذي يقول أحد الشهود إنه “تحول إلى سجن للفلسطينيين، حيث يتم تعذيبهم وتجريدهم من ملابسهم”. ولا يوجد سجل عام لإسرائيل تستجيب لهذه المطالبات.
لقد اعترفت الفيفا رسميًا بفلسطين، حيث تم منحها العضوية في أيار/ مايو 1995 بعد عقود من الالتماسات. وعندما تحدث سيب بلاتر، رئيس الفيفا السابق الذي زار فلسطين في عدد من المناسبات، عن “قلقه الشديد” إزاء التقارير التي تفيد بأن اللاعبين محتجزون بشكل غير قانوني في غزة، كان لذلك تأثير.
وبالنسبة للاعبين الفلسطينيين الذين غادروا ويلعبون في أماكن أخرى حول العالم، فإنه تربطهم علاقات وثيقة مع مصر وقطر. إنهم بعيدون عن الحدث جسديًا فقط، فقد فقد بعضهم والديهم، وأسرهم محاصرة، ولقد سمعت عن لاعب ركع على ركبتيه أثناء المباراة، باكيًا على وضع عائلته في الوطن.
ويبكي الرياضيون الشباب على الطموحات الضائعة والمهن المحطمة. لا يزال المنتخب الوطني للسيدات في مهده؛ ولم يتجاوز عمره عشر سنوات. ولم يلعب الفلسطينيون على أرضهم منذ سنة 2019 – حيث إن قاعدتهم، ملعب فلسطين في مدينة غزة، غير صالح للعمل الآن بعد استهدافه بالقنابل ولم يتمكنوا من لعب تصفيات كأس العالم 2026 في رام الله بالضفة الغربية كما كان مخططًا.
وقال أحد لاعبي كرة القدم الذين اضطروا إلى إيقاف مسيرتهم المهنية لموقع “آي نيوز”: “ما زلت لاعب كرة قدم وطبيبًا في نفس الوقت، لكن الحرب على غزة قالت كلمتها”. ويصف شاهد آخر لاعبًا “فقد ساقه، وفقد شغفه وحلمه”.
لم يفقد أهل غزة شغفهم
إنهم يأملون أن يعودوا يومًا ما إلى الملاعب، وعلى وجه الخصوص، وأن يتمكن أطفال غزة مرة أخرى من لعب الكرة والاستمتاع بالحريات التي حرموا منها خلال تسعة أشهر من الحرب. لقد كان العديد من الذين تحدثت إليهم يعرفون أطفالًا صغارًا يتلقون العلاج من الصدمة بعد فقدان أمهاتهم.
لقد استخدم أبو عفاش شارات التدريب الخاصة به ليمنح الأطفال فرصة للهروب. وهو من سكان مدينة غزة، وقد نزح من مسقط رأسه إلى خان يونس في بداية الحرب، قبل أن يضطر إلى المغادرة مرة أخرى إلى منطقة المواصي إلى الغرب من المدينة.
لقد كان يدرب الأطفال على الشواطئ، وينظم مباريات للهواة من أجل تشتيت الانتباه لفترة وجيزة.
وقال أبو عفش: “لم يتمكن الأطفال في غزة منذ ثمانية أشهر من ممارسة هوايتهم المفضلة بسبب الحرب. لقد توقف النشاط الرياضي تمامًا في غزة – وكان لهذا آثار سلبية شديدة على الأطفال من منظور نفسي واجتماعي وجسدي وتعليمي”.
وتابع قائلا: “أنا أحمل رسالة إنسانية، حتى في أصعب الظروف. لقد بدأت أحاول توفير الحد الأدنى من بيئة التدريب الضرورية للأطفال وهذا هو هدفي. نحن في وضع استثنائي”.
وتقدر منظمة أنقذوا الأطفال أن 80 بالمئة من الأطفال الفلسطينيين يعانون من الاكتئاب.
وأضاف أبو عفش: “من غير الممكن التفكير في إنشاء فريق كرة قدم حقيقي في بيئة غير مستقرة بسبب الحرب ونقص الموارد المالية، لكن هدفي هو خلق بيئة رياضية تنافسية حيث يمكن للأطفال ممارسة هوايتهم المفضلة، وتخفيف الضغط النفسي، والخروج من الخوف الذي يعيشون فيه منذ أشهر”.
قد تبدو كرة القدم غير مهمة في ظل الظروف، لكن حب اللعبة في غزة يظل مصدر راحة. ففي الأول من حزيران/ يونيو، تم بث المباراة التي فازت فيها ريال مدريد على بوروسيا دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا على ملعب ويمبلي في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك “حفلات المشاهدة” الأكثر غرابة تحت الخيام البيضاء على أجهزة التلفزيون التي تعمل بالمولدات في قطاع غزة.
وقال عابد: “الناس في غزة لم يفقدوا شغفهم باللعبة. ما الذي يدفع أحدًا إلى الذهاب إلى خيمة، وإحضار شاشة تلفزيون، وشحن البطارية من الصباح، والانتظار لساعات لشحنها لأننا لا نملك كهرباء؟ هذا يعني أننا نحب اللعبة”.
وأوضح قائلا: “ومع ذلك، وعلى الرغم من كل شيء، في بطولة أوروبا 2024 نحاول مشاهدة النتائج، وأبرز الأحداث. نحاول أن نفعل كل شيء لمتابعة المباراة ولكننا شعب منبوذ ومهمش”.
تركز جميع الموارد بطبيعة الحال على الضروريات؛ حيث يقول أبو عفش إن “الأولويات الحالية هي الأمن الغذائي”. وأثناء تدريب الأطفال، يعترف أبو عفش بوجود “خوف وقلق من حدوث حالة طوارئ في أي لحظة. كما أنه لا يستطيع العثور على رعاة، وقال إنه “لا يملكون أدوات أو ملابس رياضية أو أحذية”.
وأضاف: “لا يوجد حتى ملعب كرة قدم حقيقي. بل وجدت مساحة على أرض رملية واشتريت كرة قدم وأحذية رياضية وأقماع من حسابي البنكي الخاص حتى أتمكن من تدريبهم بالحد الأدنى من الوسائل”.
كانت مثل هذه المباريات للهواة ذات يوم من سمات شهر رمضان المبارك، حيث كانت تقام البطولات كتقليد سنوي. أما الملاعب التي كانت تقام فيها البطولات بصفة أكثر رسمية ــ في خان يونس، واستاد فلسطين، واليرموك، وبيت لاهيا، وبيت حانون، ورفح ــ فقد اختفت جميعها. وكذلك الحال بالنسبة لملاعب التدريب، ونحو 100 ملعب عشبي مملوك للقطاع الخاص. وفي آذار/ مارس؛ دخلت قوات من قوات الدفاع الإسرائيلية إلى استاد فيصل الحسيني الدولي، الذي استضاف مباريات المنتخب الوطني الفلسطيني، وأطلقت الغاز المسيل للدموع.
الحياة في سجن مفتوح
هذا المشهد ليس سوى صورة واحدة للحياة في ما وصفه الأكاديمي الأمريكي نعوم تشومسكي ذات يوم بـ “سجن مفتوح” في غزة، وهي العبارة التي استخدمها بانتظام عدد من الشخصيات السياسية البارزة منذ ذلك الحين. ووفقًا لبرنامج الغذاء العالمي، فقد وصل الجوع إلى “مستويات كارثية”، ويموت الأطفال من أمراض مرتبطة بالجوع، ويزداد خطر المجاعة. وقد بدأ الحصار الحالي لمدينة غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر، حتى إن المستشفيات لم تعد قادرة على الوصول إلى الكهرباء أو الغذاء أو الإمدادات الطبية.
وقال عابد “نحن نحلم بكوب من الماء النظيف، فنحن نشرب مياه ملوثة. ونحن نتضور جوعا. إذا كنت إنسانًا، إذا كان لديك وعي، يجب عليك أن تدعم الفلسطينيين. نحن كفلسطينيين، حلمنا هو الحياة”.
وأضاف “نحن نعيش في ظل التضخم. نحن نشتري كيلو من اللحم بـ 90 دولارًا (حوالي 70 جنيها إسترلينيا). نحن نشتري كيلو من السكر بـ 40 دولارا (31 جنيها إسترلينيا). نحن نشتري الخضار، وكيلو من الطماطم بـ 5 دولارات (4 جنيهات إسترلينية). نحن محرومون من كل شيء. إذا كان لديك المال، فإن البضائع غير موجودة، والخضروات غير موجودة، والفواكه غير موجودة. هذه هي حقيقة وجود الحياة في قطاع غزة”.
تنتشر الرسائل من مجتمع كرة القدم في جميع أنحاء العالم لتوفير العزاء، فلقد رفع نادي سلتيك الأخضر الأعلام الفلسطينية، وظل نادي بالستينو التشيلي ــ الذي أسسه المهاجرون في سنة 1920 ــ أحد أعمدة الدعم.
وهناك حب للدوريات الأوروبية، فيعتبر عدي الدباغ، أول فلسطيني يصل إلى بلجيكا مع نادي رويال شارلروا، بطلًا. ولكن هناك أيضا إعجاب بالدوري السعودي للمحترفين.
ومن بعيد، كان التركيز منصبًّا فقط على الدوري كوسيلة لتلميع صورته الرياضية، ومع ذلك فقد جلب جيلًا من النجوم إلى الشرق الأوسط. وفي اليوم الذي غادرت فيه القوات الإسرائيلية خان يونس، كان من بين هؤلاء الفلسطينيين الذين عادوا إلى منازلهم المدمرة للتحقق من أي ممتلكات أخيرة صبي في السادسة تقريبا، كان ينظر إلى الأنقاض تحت بنايته السكنية وهو يمسك بكرة قدم مرتديًا قميصا أزرق وأصفر: ألوان نادي النصر، “رونالدو 7” على ظهر قميصه.
ويصر الفلسطينيون على أنه ينبغي أن تكون هناك المزيد من القصص مثل قصة الدباغ: الموهبة موجودة، ولكن من المستحيل تقريبا تصدير لاعبيهم إلى جميع أنحاء العالم.
إنها حقيقة أخرى من حقائق الحياة تحت الحصار، في وضع يصبح أكثر يأسًا كل يوم.
المصدر: آي نيوز