لليوم الثالث على التوالي، تتواصل أشغال المؤتمر السابع لأكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، حركة “مجتمع السلم”، الذي من المنتظر أن يقر اليوم اللوائح السياسية إلى جانب حسم الخط السياسي للحركة وتوجهاتها في المرحلة السياسية المقبلة، وسط صراع حاد في الكواليس بين تيارين رئيسيين داخل الحركة.
مقري يصر على نهج المعارضة
تتصدر أشغال مؤتمر “إخوان الجزائر” وسائل الإعلام الجزائرية، نظرًا لما سيفرزه، فهو سيحدد إما مواصلة انتهاج نهج المعارضة أو الرجوع إلى الحكومة التي خرج منها سنة 2012، ويقود تيار المعارضة في الحزب الرئيس الحاليّ للحركة عبد الرزاق مقري الذي امتنع مايو/أيار 2017 عن قبول المشاركة في حكومة عبد المجيد تبون الحاليّة، وأكد أن الاصطفاف في خط المعارضة أحسن من الارتماء في قطب الموالاة.
وتلقت حركة مجتمع السلم الجزائرية الحائزة على المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بحصولها على 33 مقعدًا من أصل 462 عدد إجمالي مقاعد البرلمان، بعد كل من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، دعوة للمشاركة في الحكومة في مايو/أيار الماضي، إلا أنها رفضت ذلك.
ويتمسك عبد الرزاق مقري الذي تسلم المشعل قبل نحو خمس سنوات، بخط البقاء خارج الحكومة ومعارضة سياسات السلطة، في مقابل عرض مسار للتوافق السياسي بين السلطة والمعارضة، عبر إقرار مرحلة انتقالية تكون فيها الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع العام 2019 بداية لها.
مقري: العودة للحكومة يجب أن تكون في صورة الحركة المنتصرة
ويبرر هذا التيار موقفه بالخسائر السياسية والمالية الفادحة التي لحقت بالبلاد في العقد الأخير، جراء السياسات الخاطئة للحكومة والرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتنامي شبكات الفساد المتصلة بمنظومة الحكم وهيمنة “الكارتل” المالي والإخفاق الاقتصادي الذي انتهت إليه البلاد.
وتستند هذه القراءة على معطيات مفادها أن الحركة لم تحقق الأهداف المرجوة من خلال مشاركتها السابقة في الحكومة التي كانت شكلية، بالنظر لطبيعة الحقائب الوزارية التي تقلدتها، حيث لم تتقلد ولا حقيبة سيادية واحدة، وهو ما خلف غضبًا كبيرًا لدى إطارات الحركة.
وفي أثناء خطابه في افتتاح المؤتمر، أكد مقري أن العودة للحكومة يجب أن تكون في صورة الحركة المنتصرة وفقط، وقال: “إني أعدكم أن تحققوا نتيجة انتخابية تجعلكم في الصدارة في الانتخابات التشريعية في 2022، تعودون من خلالها إلى الحكومة معززين مكرمين تتوفر لكم فيها الشروط لتكونوا في الحكم في إطار الشراكة مثلما كنتم تدعون إليه، وليس في الحكومة فقط للمشهدية والتزيين”.
سلطاني وخيار المشاركة
في مقابل ذلك، يميل الرئيس الأسبق لحمس أبو جرة سلطاني إلى عودة الحركة لحضن السلطة والمشاركة في الحكومة، عكس مقري الرافض لذلك، ويدافع الرئيس الأسبق لحركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني الذي قاد الحزب بين 2003 و2012، بقوة عن خيار المشاركة في الحكومة، من منطلق أنه يعبر عن الخط السياسي الذي وضعه رئيس الحركة الراحل محفوظ نحناح.
وكانت حركة مجتمع السلم قد أنهت في يونيو 2012 مشاركتها في الحكومة، بعد 17 سنة من مشاركتها في الحكومات منذ عام 1995، وفكت ارتباطها السياسي مع التحالف الرئاسي الذي كان يجمعها بحزبي السلطة: جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، احتجاجًا على ما اعتبرته تزويرًا للانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو 2012.
يقود أبو جرة السلطاني خيار المشاركة في الحكومة
ويطرح أبو جرة سلطاني المعروف بقربه من السلطة ويقود تيار المشاركة في الحكومة، فكرة “المشاركة الناصحة” في الحكومة والمساهمة في بناء الدولة والتدرج الديمقراطي ويدافع عن “العودة من المعارضة إلى المشاركة الناصحة بخطاب المشاركة الناقدة”.
وبحسب أبو جرة سلطاني، تحتاج هذه المهمة إلى وجوه جديدة من الصف القيادي الثاني الذي لم يسمع الرأي العام صوته، سواء كان مدافعًا عن خط المشاركة أم مدافعًا عن خط المعارضة، مشيرًا إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه الحركة حاليًّا هو تجديد الخطاب السياسي الذي كان تشاركيًا وصار معارضاتيًا.
وارتكز القيادي السابق في رؤيته على ما أسماه في الرسالة التي نشرها في حسابه الخاص على شبكة فيسبوك، الانسداد الذي انتهت إليه حركة حمس منذ تبنيها لخيار المعارضة بداية من مؤتمر 2012، وانسحابها مما كان يعرف آنذاك بـ”التحالف الرئاسي” رفقة حزبي السلطة (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي).
ويراهن السلطاني على الاستثمار في السنوات الخمسة الأخيرة التي سيطر فيها تيار عبد الرزاق مقري على مقاليد صناعة القرار في الحركة الإسلامية، التي تعتبر واحدة من أبرز المراحل الحساسة التي مر بها الحزب منذ تبنيه خيار المشاركة، بسبب افتقاد الكثير من الامتيازات والمنافع التي كان يوفرها خيار المشاركة.
أبرز المرشحين
خلال هذا المؤتمر الاستثنائي، تبرز أربع أسماء قيادية مرشحة للتنافس على رئاسة أكبر حزب إسلامي في الجزائر؛ هم الرئيسان السابقان للحركة أبو جرة سلطاني وعبد المجيد مناصرة والنائب السابق لرئيس الحركة نعمان لعوور، لكن الرئيس الحاليّ للحركة عبد الرزاق مقري يعد أكثر المرشحين حظًا في الاستمرار بمنصبه.
ويراهن مقري على نجاحه في استعادة وهج الحركة السياسي وإعادة تنظيم صفوفها وإنجاز الوحدة ولم الشمل مع كتلة جبهة التغيير التي كانت قد انشقت عن الحركة عام 2008، وكذلك استعادة عدد من القيادات المؤسسة كالشيخ سعيد مرسي، إلى صفوف الحركة مجددًا، وذلك لفوزه برئاسة حركة مجتمع السلم مجددًا.
تعرضت حركة حمس منذ رحيل مؤسسها محفوظ نحناح في العام 2006، إلى عدة انشقاقات متتالية
ويشارك في المؤتمر الذي يعقد لمدة ثلاثة أيام بالقاعة البيضاوية بالعاصمة الجزائر، تحت شعار “التوافق الوطني، الانتقال الديمقراطي، تطوير السياسات” أكثر من ألفي مندوب من محافظات البلاد، يمثلون مناضلي وهياكل الحزب في الولايات الـ48.
الخوف من الانقسام مجددًا
حدة التنافس بين هذين التيارين، يخشى أن تؤدي حسب عديد من “الحمسيين” إلى انقسام الحركة مثلما حصل في السابق؛ الأمر الذي من شأنه أن يضعف دورها السياسي في المشهد العام في الجزائر، بعدما كانت ثالث أكبر قوة سياسية مؤثرة في البلاد.
وفي عام 2008، انشقت كتلة من القيادات وأسست حزبًا بديلاً باسم “جبهة التغيير”، بقيادة وزير الصناعة السابق عبد المجيد مناصرة، وانشقت منها مجددًا كتلة ثانية من القيادات التي أسست حركة البناء بقيادة وزير السياحة السابق عبد القادر بن قرينة.
وفي عام 2012 شهدت حركة “مجتمع السلم” انشقاقًا ثانيًا، بعد إعلان الحركة الانسحاب وعدم المشاركة في الحكومة، حيث انشقت كتلة بقيادة وزير الأشغال العمومية حينها عمار غول، لتؤسس حزبًا سياسيًا باسم “تجمع أمل الجزائر” موالٍ للرئيس بوتفليقة.
يخشى أنصار الحركة انقسام حركتهم مجددًا
وتعرضت حركة حمس منذ رحيل مؤسسها محفوظ نحناح في العام 2006، إلى عدة انشقاقات متتالية بسبب الخلافات الداخلية بشأن الخط السياسي للحركة، أفرزت أحزاب جبهة التغيير والبناء الوطني وتجمع أمل الجزائر، وفشلت بعدها كل محاولات الاندماج وإعادة المنشقين إلى حضن الحركة الأم، إلى غاية يوليو الماضي عندما اندمجت حركة التغيير مع الحركة الأم “حركة مجتمع السلم”.
وكان الوزير السابق عبد المجيد مناصرة أول المغادرين لحمس حيث اتجه إلى تأسيس حركة التغيير، أما عمار غول فأسس حزب تجمع أمل الجزائر (تاج)، كما أسس مصطفى بلمهدي مع قياديين آخرين حركة البناء الوطني التي تحالفت في الانتخابات التشريعية الأخيرة مع الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء.