ترجمة وتحرير: نون بوست
في الوقت الذي يتعرض فيه المغرب لضغوط من الأمم المتحدة لاستئناف المفاوضات مع جبهة البوليساريو، اختارت الرباط النأي بنفسها عن إيران للاستفادة من دعم دول الخليج وواشنطن. وبغض النظر عن المبررات التي قدمها المغرب، سمح انهيار العلاقات مع إيران له بالتحرك بشكل مكثف على مستوى العلاقات الخارجية وتسجيل نقاط على عدة جبهات، خاصة مع دول الخليج. ويمكن تفسير دعم هذه الدول للمغرب بالمصالح التي تمكنت كل دولة خليجية من تحقيقها على خلفية هذه العلاقة، سواء على الصعيد الدبلوماسي أو لخدمة أجندتها الداخلية.
تجارة المقايضة
على الرغم من اتخاذ المغرب لموقف محايد إزاء الأزمة الدبلوماسية القطرية والتزامه بالحفاظ على علاقات إيجابية مع الإمارة الصغيرة، تعمل الرباط باستمرار على توجيه رسائل عبر قنوات متنوعة للجزائر ودول مجلس التعاون الخليجي. وحيال هذا الشأن، شككت بعض الوسائل الإعلامية المغربية في “العلاقات الغامضة” القائمة بين قطر وحركة الاستقلال الصحراوية، خاصة وأن زعيمها إبراهيم غالي قد سافر على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية القطرية خلال زيارته إلى زامبيا.
في الآونة الأخيرة، نشر موقع الأخبار المغربي “هسبريس”، الذي يعد من بين الوسائل الإعلامية الرئيسية في المغرب، مقالا يلمح فيه إلى أن المناطق الواقعة في شرق وجنوب المغرب، التي أذنت الدولة المغربية لبعض الشخصيات القطرية بالتحرك فيها بكل حرية، تعد في الواقع بمثابة قواعد خلفية “لنشاط قطر لصالح جبهة البوليساريو”.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، يندرج اهتمامها بتصدير النزاع القائم بشأن الصحراء المغربية إلى الخليج تحت ستار القتال ضد النفوذ الإيراني
من خلال إدانة التورط المزعوم لحزب الله وإيران في دعم جبهة البوليساريو، واتهام الجزائر بالعمل على اعتبارها منبرا لإيران، انخرط كل من المغرب ودول الخليج في تجارة مقايضة دبلوماسية، تستفيد منها جميع الأطراف المشاركة. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية وحلفائها، تتعلق هذه المسألة بشكل رئيسي بتصدير صراعها مع إيران إلى المغرب العربي لدفع المنطقة لاتخاذ موقف تجاهها، وعرقلة الوجود الفارسي في الشمال الأفريقي، حتى إن تطلب ذلك إضعاف الجزائر. عموما، يندرج سعي المملكة في إطار رغبتها في عزل الجمهورية الإسلامية.
الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز يجتمع مع الملك المغربي محمد السادس لدى وصوله للرياض في 3 من أيار/ مايو سنة 2015
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، يندرج اهتمامها بتصدير النزاع القائم بشأن الصحراء المغربية إلى الخليج تحت ستار القتال ضد النفوذ الإيراني، حيث تعرض هذا النزاع على أنه امتداد للملف الإيراني. ويتزامن كل ذلك مع المرحلة المعقدة التي تمر بها هذه القضية في المغرب، الذي منحته الأمم المتحدة مهلة ستة أشهر لاستئناف المفاوضات مع جبهة البوليساريو.
الدور الجزائري
يبدو أن دعم دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يعتبر أكثر من ضروري بالنسبة للرباط، قد تراجع خلال الأشهر الأخيرة. وذهبت بعض هذه الدول إلى حد التعبير عن مواقف في صالح جبهة البوليساريو. بناء على ذلك، يسعى المغرب من خلال سلسلة الاتهامات الموجهة لإيران إلى دفع دول الخليج إلى العودة إلى صفه، فضلا عن تحفيزها، من الآن فصاعدا، على اتخاذ موقف مناهض لحركة الاستقلال الصحراوية، التي يعتبرها المغرب أداة للنظام الإيراني.
علاوة على ذلك، يطمح المغرب للاستفادة من عدم انحياز الجزائر في خضم التنافس بين إيران والمملكة العربية السعودية، وذلك لجعلها تبدو كما لو أنها تدعم الجمهورية الإسلامية وحزب الله. والجدير بالذكر أن المغرب سيسعى بالفعل إلى طرح هذه القضية ضمن أجندات المحافل الدولية مثل الاتحاد البرلماني العربي.
من جهته، قدم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو حزب مغربي يساري، طلبا إلى منظمة الأممية الاشتراكية لدراسة حيثيات هذه القضية. ومن المثير للسخرية أن هذه المنظمة تضم جبهة البوليساريو بين أعضائها. عموما، يمكن لمحاولة المغرب إقحام الجزائر في خضم هذه المشكلة وجعلها في صورة المساند لطهران، أن تفيد المملكة العربية السعودية بشكل كامل، حيث سترغب دون شك في أن تضطر الجزائر إلى الحد من علاقاتها مع إيران.
في سنة 2009، وفي أعقاب تصريح علني لمسؤول إيراني ذكر فيه أن البحرين تعد “المقاطعة الإيرانية الرابعة عشرة”، قرر المغرب قطع علاقاته مع إيران تضامناً مع الدولة الخليجية
علاقات صعبة
تأسّست العلاقات بين المغرب وإيران في سنة 1958، وشهدت تحسنا في الستينيات والسبعينيات في عهد الشاه محمد رضا بهلوي. وقد زار الشاه المغرب في سنة 1966، ليزور الحسن الثاني إيران بعد ذلك بسنتين. لكن الثورة الإيرانية أنهت العلاقات بين البلدين. ففي سنة 1979، بعد وصول الخميني إلى السلطة، قطعت إيران العلاقات الدبلوماسية مع المغرب. وبعد سنة من ذلك، اعترفت طهران بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وذلك في خطوة انتقامية من الملك الحسن الثاني الذي استقبل محمد رضا بهلوي الذي أرسل للمنفى.
في سنة 1991، وعلى هامش القمة السادسة لمنظمة التعاون الإسلامي التي عقدت في داكار، قرر البلدان إعادة العلاقات بعد اجتماع بين رئيس الوزراء المغربي عز الدين العراقي والرئيس الإيراني أكبر هاشمي رفسنجاني. وفي سنة 1998، جمدت إيران اعترافها بالجمهورية الصحراوية، وهو قرار تم تأكيده خلال زيارة رئيس الوزراء المغربي السابق عبد الرحمن اليوسفي إلى إيران في سنة 2001.
بدا هذا القرار مرتبطا في جزء كبير منه برغبة إيران في إحياء العلاقات من جديد مع المغرب. كما كان ذلك أشبه برد فعل على انهيار العلاقات الجزائرية الإيرانية في سنة 1993. ففي ذلك الوقت، اتهمت الجزائر طهران بدعم الإسلاميين خلال الحرب الأهلية بين سنتي 1991 و2002. وقد استأنفت العلاقات الإيرانية الجزائرية بعد ارتقاء عبد العزيز بوتفليقة سدة الحكم في عام 2001.
تكثفت الزيارات التي قام بها مسؤولون وسياسيون من كلا البلدين، بما في ذلك زيارة الوزير المغربي، سعد الدين العثماني، الذي أصبح فيما بعد عضوا في البرلمان والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في سنة 2006 لإيران. واستمر ذلك لحدود سنة 2009، عندما قطعت العلاقات بين البلدين مرة أخرى.
لقاء بين الملك المغربي الحسن الثاني وشاه إيران سنة 1966
في سنة 2009، وفي أعقاب تصريح علني لمسؤول إيراني ذكر فيه أن البحرين تعد “المقاطعة الإيرانية الرابعة عشرة”، قرر المغرب قطع علاقاته مع إيران تضامناً مع الدولة الخليجية. وفقا لما ورد في البرقيات الدبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية المسربة، من الأسباب الأخرى لهذا القرار أنشطة إيران المزعومة الداعية إلى نشر التشيع في المملكة. فضلا عن ذلك، عمدت المملكة العربية السعودية إلى التحريض على اتخاذ مثل هذا القرار في إطار “إستراتيجيتها الشاملة للتصدي للنفوذ الإيراني”.
على الرغم من ذلك، التزمت إيران بقرارها القاضي بتجميد الاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وبدا أنها ملتزمة باستئناف العلاقات الدبلوماسية. وفي أيلول/ سبتمبر سنة 2012، اتخذ البرلمان الإيراني قرارا أحادي الجانب لإنشاء مجموعة صداقة مع المغرب، وهو ما أثار دهشة الرباط.
بين سنة 2012 و2014، أعرب المغرب، عندما كان عضوا غير دائم في مجلس الأمن، عن تبنيه موقفا تصالحيا نسبيا إزاء البرنامج النووي الإيراني. وبحسب ما جاء في مذكرة دبلوماسية مغربية مسربة، أصرت المملكة على “ضرورة تجنب توظيف الأزمة الإيرانية كعنصر للتفرقة بين الغرب والعالم الإسلامي”. كما أكدت المملكة على “ضرورة الأخذ بعين الاعتبار للسياق الإقليمي المعقد، عند النظر في القضية الإيرانية”. من جهة أخرى، اقترحت المملكة “عدم فرض العقوبات إلا في حال كانت الحل الأخير، وذلك دون أن تضر بالمواطنين”.
يتمثل أحد الأسباب التي دفعت بإيران للتقرب من المغرب خلال هذه الفترة، في سعي الجمهورية الإسلامية، في كثير من الأحيان، إلى كسب دعم الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن.
الضرورة المطلقة للتقرب من واشنطن
خلال سنة 2014، وبعد تلقيه تأكيدا “باحترام إيران لثوابت المملكة المغربية”، فضلا عن “تقديرها للدور الذي يلعبه الملك محمد السادس”، قرر المغرب استئناف علاقاته مع الجمهورية الإسلامية. وفي سنة 2016، عين الملك محمد السادس سفيرا رسميا للمغرب لدى إيران.
على صعيد آخر، وبالتطرق لمسألة قطع علاقاته مع إيران مرة أخرى، أشارت الباحثة والصحفية، سامية الرزوقي، إلى أن “المغرب لم يقدم مصالحه الخاصة على مصالح الصحراء الغربية فحسب، بل رسخ نفسه كحليف لدول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة على حد السواء، دون أن يكلفه ذلك الكثير”.
نتيجة لذلك، تمكّن المغرب من كسب ودّ السعودية، التي كانت علاقاتها متوترة مع المملكة الهاشمية بسبب التزامها الحياد في الأزمة القطرية، وهو ما يمثل معضلة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. تجدر الإشارة إلى أن الموقف العدواني للمغرب إزاء إيران تم تبنّيه بعد وقت قصير من تعيين جون بولتون مستشارا للأمن القومي، الذي يعتبر معاديا لإيران، لكنه يؤيد جبهة البوليساريو أيضا.
أدى التزام المغرب الحياد تجاه الأزمة القطرية، إلى تدهور العلاقات المغربية السعودية بشكل ملحوظ
في الوقت الذي يبدو فيه من غير المرجح إعطاء الحكومة الأمريكية مصداقية للاتهامات التي توجهها الرباط لطهران، إذا لم تكن مدعومة بأدلة موثوقة، ساعدت المواقف التي اتخذتها دول الخليج والجامعة العربية في إضفاء الشرعية على مزاعم المغرب. وعلى نطاق أوسع، يعزى الهجوم الذي تشنه الرباط إلى “الضرورة المطلقة للتقرب من واشنطن خلال الأشهر الستة المقبلة. في الآن ذاته، يتم توجيه إنذار إلى المغرب من خلال مباحثات سرية داخل الأمم المتحدة من أجل دخول الرباط في مفاوضات مباشرة مع جبهة البوليساريو”، وذلك وفقا لما أفاد به الصحفي، علي عمار.
عزل البلدين
هل يُفضي قطع العلاقات بين إيران والمغرب إلى توافق المواقف المغربية السعودية؟ في الحقيقة، أدى التزام المغرب الحياد تجاه الأزمة القطرية، إلى تدهور العلاقات المغربية السعودية بشكل ملحوظ. أما اليوم، فيبدو من الصعب تخيل أن المملكة المغربية لن تتفق مع دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بإيران.
في المقابل، أصبحت سياسة المملكة العربية السعودية تجاه حلفائها تتسم بالاستبداد، وهو ما لا يمنعها من فرض عقوبات على الدول العربية التي لا تلتزم بالخطط التي تقضي بعزل إيران. وستتمثل النتيجة الطبيعية المنطقية لهذا الانحياز أيضا في تقارب أكبر بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي. ويظل السؤال المطروح هو؛ هل سيدعم المغرب أي قرارات محفوفة بالمخاطر قد يتم اتخاذها؟ أم أنه سيظهر بعض الاستقلالية في موقفه؟ وتبقى الإجابة على ذلك رهينة المستقبل.
المبعوث الأممي الخاص بملف الصحراء الغربية (على يسار الصورة)، أثناء لقائه زعيم جبهة البوليسارو، إبراهيم غالي
تتماشى سياسة العداء، التي ينتهجها المغرب، مع النهج الدبلوماسي العدواني الذي تم اتباعه خلال الأشهر الأخيرة تجاه الجزائر. وبالنسبة للرباط، تعد قضية الصحراء الغربية نزاعا مغربيا جزائريا، وبالتالي، لن تكون الحرب الدبلوماسية موجهة بشكل رئيسي ضد جبهة البوليساريو، ولكن ضد الجزائر أيضا. وبغض النظر عن الهدف الذي يسعى المغرب لتحقيقه، والذي يتمثل في عزل الجزائر، لا تحدد هذه الإستراتيجية أي مسار مستقبلي. كما أن ذلك لن يغير من التحذيرات التي تطلقها الأمم المتحدة، وسيدفع بالطرفين إلى الغوص أكثر في مستنقع التوتر، وسيُعرّض أي مفاوضات مستقبلية للخطر.
على المستوى الإقليمي، من شأن هذه الخطوة أن تجعل التوترات تبلغ مستوى أعلى، مما يجعل المنطقة المغاربية أكثر اضطرابا من أي وقت مضى، تماما مثلما هو الحال بالنسبة للمغرب الذي وجد نفسه مضطرا لتحمل جزء من عبء حلفائه. ومع وجود جارتين لا يمكن التوفيق بينهما، مما أدى إلى دخولهما في تحالفات متضاربة، يبتعد الحلم بتوحيد المغرب العربي عن التحقق أكثر فأكثر، وقد يؤدي ذلك إلى وضع كلا البلدين في مواجهة مباشرة.
أخيرا، سيظل النزاع في الصحراء الغربية قائما دون أن يتم إيجاد أي حل له، حيث من المؤكد أن تسوية القضية لن تنجر عن إقامة علاقات ودية مع الولايات المتحدة أو دول الخليج، ولكن عبر حل عقدة العلاقات المغربية الجزائرية.
المصدر: ميدل إيست آي