أسدل الستار أمس على الانتخابات البرلمانية العراقية التي ستحدد مسار العراق السياسي خلال السنوات الأربعة القادمة، وبعيدًا عن نتائج الكتل المختلفة بالأسماء المتشابهة بالمضامين واقترابًا من الحقائق التي نعيشها على الأرض منذ 15 عامًا، فإن أخطر ما رسخته هذه الطبقة السياسية في ضمير ووجدان الشعب العراقي هي حالة “الإحباط” التي تلازم نخب وعموم العراقيين.
وصلت حالة الإحباط درجة جعلتنا نقبل بحالة يمكن أن يقال عنها “مسخ” ديمقراطي، فنحن ندرك أنه لا تغيير شامل ونذهب للانتخابات لإحداث تغيير ولو كان جزئيًا وبسيطًا وهامشيًا ونحاول إقناع ذواتنا بأنه السبيل الوحيد.
بينما اختار القسم الآخر المقاطعة السلبية للانتخابات دون تقديم أي بديل عملي لإحداث التغيير المطلوب في عملية سياسية مشوهة الأساسات، وينتظرون أن تنزل صاعقة من السماء على المنطقة الخضراء أو يتم إزاحة الحكم في العراق عن طريق ثورة (لكننا لن نثور وننتظر شعبًا آخر لا نعلمه يقوم بالثورة بدلاً عنا) بالنتيجة شعار المقاطعين أنهم لن يشاركوا بالانتخابات حتى يتغير وضع العراق الذي لن يشاركوا بتغييره!
لا يحتاج لفهم المعادلة العراقية استحضار روح الخوارزمي، فإذا كانت المدخلات نفسها، فلن تتغير النتائج، ومدخلاتنا في العراق منذ 15 عامًا تتكرر ولا جديد يبعث الأمل فينا
وفق هذا الكم الهائل من الإحباط بين التغير الهامشي والمقاطعة السلبية والبراغماتية العالية والفساد المخيف للطبقة السياسية لم يخرج لنا تيار ثالث للأسف في واقعنا العراقي يمكن أن يكون حصان طروادة لدخول الشعب إلى المنطقة الخضراء واستعادة العراق من سرّاقه.
خلال الاطلاع على كم من البرامج الانتخابية للأحزاب والأفراد بداية من وعود الخدمات ونهاية بالحرب على الفساد، سيتبادر إلى ذهنك أليس هذه الوعود سمعنا بها على مدار دورتين انتخابيتين على أقل تقدير؟ فلماذا تكرارها إذا لم تستطع الطبقة السياسية الإيفاء بها مسبقًا؟
لا يحتاج لفهم المعادلة العراقية استحضار روح الخوارزمي، فإذا كانت المدخلات نفسها، فلن تتغير النتائج، ومدخلاتنا في العراق منذ 15 عامًا تتكرر ولا جديد يبعث الأمل فينا.
مشروع التغير الحقيقي رغم صعوبته لكنه ممكن وليس مستحيلاً، خاصة إذا تبلورت قيادة للمشروع وكونت لها قاعدة جماهيرية جيدة تدخل بها البرلمان القادم (بعد 4 سنوات) وتحقق ما ستعجز عن تحقيقه الكتل الفائزة بانتخابات يوم أمس، ولأجل تغيير حقيقي وواقعي على من يتبنى مشروع التغيير وضع أهداف حقيقية لضمان تعديل أساسات العملية السياسية في العراق.
الدستور العراقي أكبر العوائق أمام التغيير للواقع السياسي العراقي
تعديل الدستور بداية التغيير
كرس المشرع العراقي في دستور 2005 حالة التسلط السياسي الحاليّة وصعوبة محاسبة الفساد في الطبقة السياسية من خلال قيامه بوضع صلاحيات شبه مطلقة وغير محاسبة للبرلمان العراقي دون جهة رقابية لسلطته أو صلاحيات مشتركة مع مؤسسات ثانية، يمتلك البرلمان العراقي اليوم صلاحيات كاملة في تحديد رواتب أعضائه وامتيازاتهم ناهيك عن مقدرات الدولة عبر المصادقة على الميزانيات، غاب عن المشروع العراقي أو تعمد تغيبه أن يضع شروطًا ترفع الشرعية عن البرلمان في حال الإخلال بها مثل تشريع القوانين السيادية ومن أبرزها قانون “مجلس الاتحاد”.
يقع الدستور العراقي في عدد كبير من المطبات والتناقضات التي فتحت الباب على مصراعيه للتلاعب السياسي والمصلحي للفاسدين تحت غطاء شرعي ودستوري يسمح لهم بممارسة فسادهم في ظلال قوانين مطاطة غير واضحة أو محددة بسقف زمني
حيث نص الدستور العراقي في المادة 65 “يتم إنشاء مجلس تشريعي يدعى بـ”مجلس الاتحاد” يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته، وكل ما يتعلق به بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب”.
هذا البند غير منطقي فكيف لمجلس سيعمل مرادفًا لمجلس النواب ومشاركًا له بالصلاحيات يتم تشريع قانونه من مجلس النواب! وهذا ما حصل بالفعل، فقد غيب قانون مجلس الاتحاد في أروقة مجلس النواب منذ أكثر من عقد من الزمن ولم يبصر النور إلى هذه اللحظة.
على هذه الشاكلة يقع الدستور العراقي في عدد كبير من المطبات والتناقضات التي فتحت الباب على مصراعيه للتلاعب السياسي والمصلحي للفاسدين تحت غطاء شرعي ودستوري يسمح لهم بممارسة فسادهم في ظلال قوانين مطاطة غير واضحة أو محددة بسقف زمني.
مجلس النواب العراقي من أكبر المؤسسات فسادًا وفق تقارير دولية
ما الذي نريد تغييره في الدستور؟
نصت المادة 126 في الدستور العراقي وآليات تعديله بداية بتقديم طلب التعديل من رئاسة الوزراء والجمهورية مجتمعة أو بطلب 20% من أعضاء مجلس النواب العراقي مرورًا بالاستفتاء ثم النشر بالجريدة الرسمية، وهناك بعض التفاصيل الأخرى رغم المعرقلات، لكن الأمر ليس صعبًا لدرجة الاستحالة إذا كانت هناك كتلة لها برنامج واضح مدعوم بتيار شعبي حقيقي يمكنها تنفيذ الأمر.
ما يتطلب تعديله في دستور العراق لعام 2005 هي البنود الخاصة بصلاحيات البرلمان ومجالس الرئاسة والوزراء وآليات المحاسبة في حال الإخلال بواجباتهم الأساسية وكيفية سحب الشرعية عنهم، وأيضًا وضع مدد زمنية محددة لإنجاز القوانين الاتحادية وتفعيل المؤسسات، فيما يتم تحديد آليات لتقليص عدد الأعضاء والمخصصات والامتيازات للطبقة السياسية وأيضًا بنود حاكمة لوضع قانون الانتخابات لضمان تمثيل حقيقي.
الانتخابات العراقية لن تغير الواقع المأساوي للعراق دون وجود مشروع حقيقي للتغيير يدخل الانتخابات
وجوه 2003 وما بعدها لا تصلح لقيادة الإصلاح والتغيير
خلال السنوات الماضية ظهر عدد من الحراك السياسي والاجتماعي تحت لافتات “الإصلاح والتغيير”، لكن كل المحاولات كانت استعراضات دون نتائج ملموسة على الأرض، لعل من غير المنطقي طلب التغيير والإصلاح من وجوه أدمنت الفساد والمحسوبية لدول خارج حدود العراق.
دون تبلور وعي اجتماعي كافٍ ينزع عنه رداء التبعية والفساد والجهل ويقدم مشروع تغيير بديل وحقيقي لن يكون لأي انتخابات عراقية قادمة أي تأثير حقيقي على تغيير الواقع ودفع العراق نحو مستقبل أفضل
للأسف فإن رهن القرار العراقي بيد ساسة بتبعيات خارجية يجعلنا نصل لنتيجة أن الإصلاح والتغيير مرهون بالقرار الخارجي لذلك لا يمكن لإصلاح أن يتم من خلال هذه الأسماء، كما أن مشاركة الغالبية السياسية في منظومة الفساد يجعل محاسبتهم لها مستحيلة لأنها بالنتيجة ستعود المحاسبة على أنفسهم.
ذلك دون تبلور وعي اجتماعي كافٍ ينزع عنه رداء التبعية والفساد والجهل ويقدم مشروع تغيير بديل وحقيقي، لن يكون لأي انتخابات عراقية قادمة أي تأثير حقيقي على تغيير الواقع ودفع العراق نحو مستقبل أفضل.