اغتيل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في هجوم -يرجح أنه إسرائيلي- استهدف مقر إقامته بطهران فجر يوم الأربعاء 31 يوليو/تموز.
تواجد هنية في طهران لحضور حفل تنصيب مسعود بزشكيان كرئيس جديد لإيران، وخُصّص لإسماعيل هنية مقر في أحد مساكن المحاربين القدامى في العاصمة طهران، وعلى الرغم من أن الشخصيات التي قدمت لحضور حفل التنصيب هي شخصيات مهمة وأن إيران كانت على اطلاع مسبق بأن قادة حماس مهددين بالاغتيال في الخارج بحسب تهديدات صريحة من الموساد الإسرائيلي إلا أن الإهمال الأمني والاستخباراتي أدى إلى الفشل في حماية الضيف رفيع المستوى.
خاصرة رخوة وبلدٌ مخترقة
يأتي هذا الاغتيال بعد أيام قليلة من إعلان إيران تفكيكها شبكات الاستخبارات الإسرائيلية التي تغتال شخصيات بارزة في البلاد، إذ قال إسماعيل خطيب، وزير الاستخبارات الإيراني، الأسبوع الماضي إن “تفكيك شبكة نفوذ الموساد في إيران يمثل نقطة تحول في أداء وزارة الاستخبارات” في حكومة إبراهيم رئيسي، مضيفًا: “تم تدمير الشبكة وقدراتها وإمكانياتها التي كانت تقتل شخصياتنا العلمية أو تخرب في المراكز الحيوية”.
وفي رد فعل على مقتله، قال مسعود پزشکیان إن إيران ستجعل “إسرائيل” تندم على “عملها الجبان” من خلال الدفاع عن سيادتها، مضيفًا: “أمس رفعت يده كفائز، واليوم يجب أن أشيعه على كتفي”، وأكد پزشکیان أن مقتل هنية سيعزز العلاقة بين الجمهورية الإسلامية وفلسطين أكثر من ذي قبل.
وقبل ذلك، أعلنت العلاقات العامة للحرس الثوري الإسلامي أن سبب وأبعاد الهجوم على هنية ومقتله قيد التحقيق وسيتم الإعلان عن النتائج لاحقًا.
وقال موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحماس، إن “اغتيال هنية كان عملًا جبانًا” ولن يمر دون رد.
وفي أول رد إسرائيلي على الاغتيال، كتب أميحاي إلياهو، وزير التراث الثقافي الإسرائيلي، على منصة التواصل الاجتماعي “إكس”: “مقتل هنية يجعل العالم مكانًا أفضل قليلًا”، لتأتي تعليمات من نتنياهو بعد ذلك بوجوب امتناع الوزراء والمسؤولين الإسرائيليين عن التعليق على عملية اغتيال هنية.
وتزامنت حادثة اغتيال هنية مع تصاعد التوتر بين “إسرائيل” وحزب الله اللبناني، حيث قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس الثلاثاء، فؤاد شكر، القائد العسكري الأعلى لحزب الله ورئيس الوحدة الاستراتيجية لهذه الجماعة، خلال هجوم استهداف الضاحية الجنوبية معقل أنصار حزب الله.
اغتيالات بالجملة
تورطت “إسرائيل” في سلسلة من الاغتيالات المستهدفة على الأراضي الإيرانية، مع التركيز على الأفراد المرتبطين بالبرامج النووية والعسكرية الإيرانية. وكانت هذه العمليات جزءًا مهمًا من استراتيجية “إسرائيل” للحد من نفوذ إيران وقدراتها النووية المحتملة. وأظهرت عمليات الاغتيال المتكررة ضعف إيران أمنيًا واستخباراتيًا. في عمليات الاغتيال أدناه نناقش العمليات التي جرت على الأراضي الإيرانية فقط دون تلك التي تم تنفيذها ضد القيادات الإيرانية في الخارج والتي أدت إلى مقتل الرجل العسكري الأول قاسم سليماني.
ففي يناير/كانون الثاني من عام 2010 تم اغتيال عالم فيزياء الكم في جامعة طهران، مسعود علي محمدي، بقنبلة تم التحكم فيها عن بعد مثبتة على دراجة نارية. ورغم أنه لم يكن مرتبطًا بشكل مباشر بالبرنامج النووي الإيراني، فإن مقتله كان بمثابة بداية لسلسلة من الهجمات المماثلة التي ألقي باللوم فيها على “إسرائيل”.
وقُتل العالم النووي المتخصص في المفاعلات النووية وهندسة العلاج الإشعاعي، ماجد شهرياري، في نوفمبر/تشرين الثاني 2010 بقنبلة مثبتة على سيارته، وفي نفس اليوم، نجا فريدون عباسي دواني، وهو عالم فيزياء نووية آخر، من هجوم مماثل.
كما جرى اغتيال، داريوش رضائي نجاد، وهو مهندس كهربائي، برصاص مسلحين يستقلون دراجات نارية في يوليو/تموز 2011. وكان مشاركًا في منشأة أبحاث الأمن القومي الإيرانية، ونُسبت العملية لـ “إسرائيل”.
مصطفى أحمدي روشن وهو مهندس كيميائي ومشرف في منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز، قُتل في يناير/كانون الثاني 2012 بقنبلة مغناطيسية مثبتة بسيارته بواسطة راكبي دراجات نارية. اتبع هذا الهجوم نفس أسلوب العمل الذي اتبعته الاغتيالات السابقة، مما عزز الشكوك حول تورط “إسرائيل”.
كما اغتالت “إسرائيل” محسن فخري زاده، رئيس برنامج الأسلحة النووية الإيراني، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بالقرب من طهران. وكان فخري زاده شخصية محورية في الجهود النووية الإيرانية، وغالبًا ما يُقارن بروبرت أوبنهايمر، عرّاب القنبلة الذرية الأمريكية. تم اغتياله باستخدام مدفع رشاش تم التحكم فيه عن بعد مثبت على شاحنة صغيرة، والتي دمرت نفسها لاحقًا لتجنب السيطرة عليها وتحليلها. أشارت هذه العملية المتطورة إلى مستوى عالٍ من التخطيط والخبرة التكنولوجية، والتي نُسبت إلى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والتي تم فيها توظيف الذكاء الاصطناعي.
عمليات إسرائيلية نوعية داخل إيران
انفجارات منشأة نطنز
كانت منشأة نطنز النووية هدفًا متكررًا للتخريب والنفوذ الإسرائيلي. في يوليو/تموز 2020، تسبب انفجار غامض في إلحاق أضرار جسيمة بوحدة تجميع أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في المنشأة. ونسبت إيران لاحقًا هذا الحادث إلى “إسرائيل”. كان هذا الهجوم مهمًا لأنه استهدف قلب قدرات تخصيب اليورانيوم الإيرانية. كما تسبب انفجار آخر في أبريل/نيسان 2021 في إلحاق المزيد من الضرر بقاعة تخصيب تحت الأرض، والتي تم تصميمها لحماية أجهزة الطرد المركزي من الهجمات الجوية. أدت هذه الهجمات المتكررة إلى إعاقة البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير، ما سلط الضوء على نقاط الضعف في تدابيره الأمنية.
هجوم ستوكسنت السيبراني
واكتشف فيروس ستوكسنت، وهو سلاح سيبراني طورته الولايات المتحدة و”إسرائيل” بشكل مشترك، في عام 2010 واستهدف على وجه التحديد منشأة نطنز النووية الإيرانية. تسبب الفيروس في خروج أجهزة الطرد المركزي عن السيطرة، ما أدى إلى تدميرها المادي. أدى هذا الهجوم الإلكتروني إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني وكان أول حالة معروفة لاستخدام سلاح إلكتروني لإحداث أضرار مادية للبنية التحتية الحيوية لدولة ما.
الاستيلاء على الأرشيف النووي
وفي عملية جريئة في يناير/كانون الثاني 2018، تسلل عملاء الموساد إلى مستودع سري في طهران واستولوا على أرشيف ضخم من الوثائق التي توضح برنامج الأسلحة النووية الإيراني. تضمنت العملية تهريب الوثائق خارج إيران، وهو إنجاز أظهر عمق القدرات العملياتية للموساد داخل إيران. قدمت الوثائق، التي تضمنت 55000 صفحة و55000 ملف رقمي، دليلًا على جهود إيران المستمرة لتطوير الأسلحة النووية رغم ادعاءاتها بخلاف ذلك وأظهرت فشلًا أمنيًا ذريعًا للمنظومة الأمنية والاستخباراتية الإيرانية.
الرد الإيراني
استنكرت القيادات العسكرية والسياسية الإيرانية حادثة اغتيال هنية وتوعدوا بالرد القاسي. ونشر المرشد الإيراني علي خامنئي بيان تعزية باستشهاد إسماعيل هنية. وبحسب البيان فقد اعتبر خامنئي بأن الحادثة تعد انتهاكًا للأراضي الإيرانية واعتبر الانتقام له واجب إيران.
وقال خامنئي في بيان النعي إنّ “ضيفنا العزيز قد استشهد على يد الكيان الصهيوني المجرم على ترابنا”، مؤكداً أن هذا العمل قد مهد “لعقوبة صعبة”، ومضيفاً أنّ “من واجبنا الثأر له لأن الحادث المؤلم الصعب قد وقع على تراب الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
بدوره، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في منشور له عبر “إكس”، إن “إيران اليوم في عزاء شريكها في الأحزان والأفراح والرفيق الدائم في درب المقاومة قائد المقاومة الفلسطينية الشجاع وشهيد القدس إسماعيل هنية”، مضيفاً أن “الجمهورية الإٍسلامية الإيرانية ستدافع عن سلامة أراضيها وعزتها واعتبارها وفخرها وشرفها”، متوعداً بأن “المحتلين الإرهابيين سيدفعون ثمن هذا العمل الجبان”.
كما قال في بيان رسمي لاحق، إن اغتيال هنية “يعكس المأزق الذي تعيشه سياسات الكيان الصهيوني”، مؤكداً أن بلاده “ستدافع عن سلامة أراضيها وسيادتها الوطنية ولن تتنازل عنها”، ومتوعداً الاحتلال الإسرائيلي بأنه “سيشهد نتائج عمله الجبان والإرهابي قريباً”.
التوعد الإيراني بالرد جاء على لسان الحرس الثوري كذلك، إذ قال الحرس الثوري الإيراني في بيان إن هذه الجريمة “ستقابل بردّ صعب ومؤلم من جبهة المقاومة وخصوصاً إيران”.
مع ذلك، من المتوقع أن يكون رد فعل إيران على عملية الاغتيال في الأراضي الإيرانية مدروسًا ومحدودًا لتجنب المواجهة المباشرة مع “إسرائيل” أو الولايات المتحدة. ولإيران تاريخ طويل في الرد على تهديدات مباشرة لمصالحها أو حلفائها بإجراءات منضبطة. على سبيل المثال، بعد اغتيال قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني 2020 من الولايات المتحدة، نفذت إيران هجمات صاروخية على قواعد أمريكية في العراق، لكنها تجنبت التصعيد إلى حرب واسعة النطاق عبر إبلاغ القوات الأمريكية عن طريق الحكومة العراقية بإخلاء قاعدة عين الأسد المستهدفة تفاديًا لوقوع ضحايا في القوات الأمريكية.
من المرجح أن تستغل إيران شبكتها من الوكلاء الإقليميين، بما في ذلك “حزب الله” في لبنان، والميليشيات في العراق، والحوثيين في اليمن، للرد على المصالح الإسرائيلية. يمكن لهذه الجماعات شن هجمات صاروخية أو هجمات إلكترونية دون نسبها مباشرة إلى إيران، والحفاظ على إنكار معقول وتجنب الصراع المباشر.
وعلى غرار ردها بعد مقتل سليماني، قد تختار إيران إجراءات عسكرية منضبطة ترسل رسالة قوية دون إثارة حرب شاملة. وقد يشمل هذا ضربات صاروخية محدودة على المنشآت العسكرية الإسرائيلية أو الأصول البحرية لـ”إسرائيل” مع الدعوة في الوقت نفسه إلى ضبط النفس والحوار الدبلوماسي من خلال الوسطاء المقربين من طهران.
على أن مشاركة إيران في الرد من داخل أراضيها، يبقى خيارًا واردًا بقوة بالنظر لحجم الإهانة التي تلقتها بمقتل أحد أبرز رموز المقاومة الفلسطينية الوطنية على أراضيها، وهو ما توعدت بالردّ عليه والثأر له.
وتتضمن الحسابات الاستراتيجية الإيرانية تجنب المواجهة المباشرة مع “إسرائيل” وخاصة مع الولايات المتحدة بسبب احتمال حدوث عواقب اقتصادية وعسكرية مدمرة. وكثيرًا ما أكدت القيادة الإيرانية، بما في ذلك المرشد الأعلى آية الله خامنئي، على المقاومة غير المتكافئة والمطولة بدلًا من الاشتباكات العسكرية المباشرة واسعة النطاق.
الاستعدادات الأمريكية-الإسرائيلية للمواجهة
بعد تصاعد حدة الاشتباكات بين حزب الله و”إسرائيل” وتكرر عمليات الاغتيال في صفوف الحزب، أعلنت القيادة المركزية للجيش الأمريكي “CENTCOM” وصول حاملة الطائرات يو إس إس ثيودور روزفلت (CVN-71) إلى منطقة عمليات الأسطول الأمريكي الخامس وذلك بعد مغادرتها لقيادة الهندو-باسيفيك الأمريكية والأسطول السابع الأمريكي.
وقبل أسابيع، جاء في بيان صادر عن القيادة المركزية للجيش الأمريكي بأنّ: “مجموعة الضربة التابعة لحاملة الطائرات ثيودور روزفلت، وصلت إلى منطقة عمليات الأسطول الخامس الأمريكي في 12 يوليو/تموز لردع العدوان، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وحماية التدفق الحر للتجارة في المنطقة”، وتم إعادة تمركز مجموعة الضربة هذه في الخليج العربي بدلًا من البحر الأحمر لضمان وجود حاملة طائرات أمريكية في الشرق الأوسط بعد مغادرة حاملة الطائرات يو إس إس دوايت دي أيزنهاور (CVN-69) بعد سبعة أشهر من بقائها في المنطقة ولردع إيران عن أي تحرك عسكري ضد “إسرائيل”.
من جهة أخرى، وفي إعلانه عن نشر مجموعة “واسب البرمائية” الجاهزة في البحر المتوسط لردع “حزب الله”، قال المتحدث باسم البنتاغون، اللواء بات رايدر، إن ذلك سيكون بمثابة رادع وسيمكن الجيش من الاستجابة للعديد من حالات الطوارئ. احتفظت وزارة الدفاع الأمريكية في الغالب بمجموعة هجومية حاملة طائرات أو مجموعة برمائية جاهزة في شرق البحر الأبيض المتوسط منذ أن هاجمت حماس “إسرائيل” في 7 أكتوبر/تشرين الأول. مجموعة واسب الأمريكية، تضم سفينة النقل البرمائية يو إس إس نيويورك وسفينة الإنزال يو إس إس أوك هيل إلى جانب عناصر من الوحدة الاستطلاعية الرابعة والعشرين لمشاة البحرية.
والخلاصة، أن اغتيال إسماعيل هنية تطور خطير مفاجئ، يغلب أن تبعاته ستأثر على المشهد في المنطقة برمته، وسيكون له ما بعده، والأيام القليلة القادمة لن تكون أقل سخونة.