كشفت المؤشرات الأولية للانتخابات التشريعية العامة التي جرت في العراق أمس السبت حزمة من المفاجآت غير المتوقعة، عكس السيناريوهات التي ذهب إليها محللون سياسيون قبيل انطلاق الماراثون الانتخابي، سواء فيما يتعلق بنسب المشاركة الفعلية أم النتائج شبه النهائية التي أُعلنت.
النتائج الأولية لمعدلات التصويت أشارت إلى بلوغ نسبة المشاركة قرابة 44% من حصيلة فرز 92% من مراكز الاقتراع العام والخاص، حسبما أعلنت الدائرة الانتخابية لمفوضية الانتخابات العراقية، متراجعة 16% عن نسبة الإقبال في انتخابات 2014 التي بلغت 60% من إجمالي من لهم حق التصويت.
ضعف المشاركة انعكس بصورة واضحة على حصص الكتل السياسية المشاركة، ومن ثم فشل أي منها في بلوغ النسبة التي يحق لها معها تشكيل الحكومة، خاصة بعد تحقيق الكتل كافة لنتائج متقاربة؛ الأمر الذي يمثل معضلة حقيقية خلال الفترة المقبلة، يتطلّب عقد تحالفات بين أكثر من ست كتل أو حتى سبع كتل لاكتساب صفة الكتلة الأكبر في البرلمان المقبل.
انتخابات استثنائية
تمثل الانتخابات العراقية الراهنة حالة استثنائية في المشهد السياسي العراقي فهي أول انتخابات تجرى بعد إسقاط تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وثاني انتخابات منذ الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011، ورابع انتخابات منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، هذا بخلاف أنها تأتي بعد ستة أشهر من استفتاء انفصال كردستان العراق الذي أعاد رسم الخريطة السياسية للمشهد الكردي على وجه الخصوص وهو ما انعكس بصورة أو بأخرى على انتخابات الأمس.
يتنافس على مقاعد البرلمان الجديد، 204 أحزاب بواقع 71 تحالفًا، وأكثر من 7 آلاف مرشح، فيما بلغ عدد العراقيين الذين يحق لهم التصويت 24 مليونًا و33 ألف مواطن، من بينهم أربعة ملايين ونصف يصوتون للمرة الأولى بعد اجتيازهم سن الثامنة عشرة، بمشاركة 2500 مراقب دولي، ونحو 7 آلاف مراقب محلي.
تظاهر آلاف التركمان العراقيين في محافظة كركوك تنديدًا بما قالوا إنها عمليات “تحايل وتزوير” في الانتخابات البرلمانية، متهمين أحزابًا كردية بتحويل أصوات الناخبين التركمان لصالحها
عدد المراكز الانتخابية في عموم مدن العراق بلغ 52 ألف مركز، فيما تجاوز عدد الدوائر الانتخابية 18 دائرة، توزعت على 18 محافظة، وينتخب أبناء كل محافظة نوابًا ممثلين عنهم في البرلمان يتفاوت عددهم من محافظة إلى أخرى، بحسب التعداد السكاني بواقع نائب لكل 100 ألف نسمة، فيما تم تخصيص 8 مقاعد للأقليات، المسيحيين والصابئة والأيزيديين والشبك، علمًا بأن التصويت إلكترونيًا عبر أجهزة العد والفرز الإلكتروني.
كان مجلس الوزراء العراقي قد قرر أن يكون موعد الانتخابات في 15 مايو الحاليّ إلا أنه تم تقديم الموعد إلى 12 مايو نسبةً لاحتمالية مصادفة 15 مايو لأول أيام شهر رمضان؛ ما تسبب في خلافات بين نواب البرلمان بشأن التأجيل غير أن المحكمة الاتحادية العليا أقرت بأن تجرى في موعدها الجديد.
مشاركة ضعيفة وغير متوقعة في الانتخابات
خروقات وعراقيل
شابت الانتخابات العراقية عددًا من الخروقات والعراقيل التي حالت دون شفافية وعدالة عملية التصويت، أبرزها متعلق بأعطال فنية كبيرة في أجهزة الاقتراع الإلكترونية وهو ما تسبب في حرمان الآلاف من العراقيين من المشاركة في عملية التصويت.
وتفيد شهادات البعض أن ما لا يقل عن 600 ألف عراقي حُرموا من المشاركة بسبب خلل من مفوضية الانتخابات، إذ إن هناك من ذهب إلى مركز الاقتراع ولم يُسمح له بالتصويت بسبب عدم وجود بيانات له في مفوضية الانتخابات أو أن البطاقة التي يحملها فيها اختلاف عن المعلومات الموجودة في سجلات المفوضية أو لعدم تعرف جهاز التحقق الإلكتروني على بصمة المواطن، بحسب تصريحات مسؤول عراقي في بغداد لـ”العربي الجديد“.
وصلت الخروقات إلى أن زوجة نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي وأبناءه لم يُسمح لهم بالتصويت في بغداد بحجة عدم وجود بياناتهم في نظام الاقتراع الإلكتروني، كذلك لم يستطع الآلاف من النازحين الإدلاء بأصواتهم في عدد من مناطق العراق، حسبما أشار المسؤول العراقي الذي حمّل الأجهزة الأمنية مسؤولية ذلك.
مسؤولون آخرون اتهموا الإجراءات الأمنية التي اتخذتها السلطات في المناطق المحيطة بجرف الصخر، بعرقلة وصول المهجرين إلى مراكز الاقتراع، مما حرم الآلاف منهم من الإدلاء بأصواتهم، كذلك حرمان الآلاف من نازحي محافظة ديالي للسبب نفسه، هذا خلاف حالة التوتر الأمني إذ تم استهداف مراكز اقتراع بالمحافظة وأصيب 6 مواطنين إثر سقوط قذائف هاون على إحدى المناطق الواقعة في الشمال.
تقدم “ائتلاف النصر” الذي يقوده رئيس الوزراء حيدر العبادي، لكن بنسب طفيفة لا تؤهله للحصول على الكتلة الأكبر
اتهامات بالتزوير
في السياق ذاته، وبعيدًا عن الخروقات الفنية التي حالت دون مشاركة البعض في عملية التصويت، فقد وجهت بعض الاتهامات بـ”التزوير” للجهات المشرفة على العملية الانتخابية، وفي ذلك دعا محافظ كركوك راكان سعيد الجبوري الرئاسات العراقية الثلاثة للتدخل العاجل، ونقل صناديق الاقتراع إلى بغداد في أسرع وقت، مطالبًا باعتماد نظام “العد والفرز اليدوي بعدما تأكد وجود خلل في عملية الاقتراع الإلكتروني سيؤثر على نتيجة الاقتراع”، حسب تعبيره.
الجبوري وفي مؤتمر صحفي له عقب انتهاء التصويت أمس، أضاف أن هناك مؤشرات أولية لنتائج الانتخابات توضح أنها غير منطقية، كما تظاهر آلاف التركمان العراقيين في محافظة كركوك تنديدًا بما قالوا إنها عمليات “تحايل وتزوير” في الانتخابات البرلمانية، متهمين أحزابًا كردية بتحويل أصوات الناخبين التركمان لصالحها، وخشية تصعيد الموقف، فرض الجيش العراقي حظرًا للتجوال في مدينة كركوك.
رئيس الجبهة التركمانية (الممثل الرئيسي للتركمان في العراق) أرشد صالحي، قال إن عدم اعتماد الفرز اليدوي في نتائج انتخابات كركوك سيشعل الوضع الأمني، فيما أعلنت أحزاب المعارضة (حركة التغییر والتحالف من أجل الدیمقراطية والعدالة والجماعة الإسلامية والاتحاد الإسلامي الكردستاني) في إقليم كردستان رفضها لمجمل عملية الانتخابات ونتائجها، مطالبة بإعادتها مرة أخرى في مدن كردستان العراق وكركوك والمناطق المتنازع عليها.
الأحزاب ألمحت إلى حدوث تلاعب بنتائج الانتخابات لصالح حزبي السلطة في كردستان الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني، وكان إياد علاوي نائب رئيس الجمهورية زعيم ائتلاف الوطنية قال إن هناك مخالفات كثيرة وقعت قد تؤثر على النتائج.
السنة يخشون التزوير واتهامات بالتلاعب في النتائج
لم ينجح أحد
المؤشرات الأولية للانتخابات العراقية التي من المقرر أن تعلن نتائجها النهائية في غضون الـ36 ساعة القادمة تشير إلى تقدم “ائتلاف النصر” الذي يقوده رئيس الوزراء حيدر العبادي، لكن بنسب طفيفة لا تؤهله للحصول على الكتلة الأكبر، ويرجع البعض هذا التقدم إلى الانتصار الذي حققه على تنظيم “داعش” غير أن الفشل في تحقيق نجاحات ملموسة في الاقتصاد ومكافحة الفساد كان وراء النسبة الضعيفة التي تقدم بها العبادي.
بينما حل في المرتبة الثانية – وفق المؤشرات الأولية – قائمة “سائرون” التي يتشارك فيها الصدريون مع قوى مدنية مختلفة، ثم في المركز الثالث تأتي ميليشيات “الحشد الشعبي” الممثلة في الانتخابات بقائمة “الفتح”، ثم ائتلاف “القرار” التي يتزعمها أسامة النجيفي، تليها قائمة “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، ثم “الحزب الديمقراطي” بزعامة مسعود البارزاني.
ضعف المشاركة انعكس بصورة واضحة على حصص الكتل السياسية المشاركة، ومن ثم فشل أي منها في بلوغ النسبة التي يحق لها معها تشكيل الحكومة
النتائج المعلنة تمثل صدمة لـ”دولة القانون” بزعامة المالكي، و”الفتح” بزعامة هادي العامري، إذ كانا يراهنان على حصد أعلى نسبة أصوات في الشارع الشيعي، فيما كشفت تقزيم لبعض الكتل السياسية التي كانت مهمة في السابق، مثل “الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، والمجلس الأعلى بزعامة همام حمودي، و”الوطنية” بزعامة إياد علاوي.
يذكر أن المالكي وقبيل إعلان النتائج النهائية للانتخابات حذر من التلاعب لصالح قوى وكيانات بعينها، متحدثًا عن “وجود نوايا حقيقية للتلاعب بنتائج الانتخابات”، داعيًا المفوضية إلى “متابعة هذا الأمر، كونه خطيرًا وقد يغيّر مسار العملية السياسية”.
معضلة تشكيل الحكومة
في حال كانت النتائج النهائية وفق ما كشفته المؤشرات الأولية، فإن هناك معضلة ستواجه تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، إذ إن التقارب في النتائج بين الكتل المتنافسة حال دون فوز أي منهما بالأغلبية التي تسمح لها بتشكيل الحكومة منفردة، وهو ما قد يمثل أزمة حقيقية.
المادة (76) من البند الأول من الدستور العراقي تشير إلى أن “الكتلة الأكبر” التي تتشكل داخل قبة البرلمان في أول جلسة للبرلمان بعد الانتخابات هي من يحق لها تشكيل الحكومة، وبينما تشير المؤشرات الأولية إلى أن أكثر الكتل حصولاً على مقاعد لم تتجاوز حاجز الـ60 مقعدًا، ما يعني الدخول في جولات مستقبلية من الحوار والتفاهم فيما بين الكتل بغية تشكيل تحالف قادر على الفوز بالنسبة المطلوبة لتشكيل الحكومة.
ضلوع كل من السعودية وإيران وتركيا في الانتخابات العراقية ومساعي كل دولة منها حسم المعركة للتحالف الذي يمثلها، ربما يزيد من صعوبة التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل الحكومة وهو ما قد يمثل عقبة حقيقية أمام المسار السياسي العراقي في ظل تباين أجندات كل قوى على حدة.