سريعًا أنهى المبعوث الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات اجتماعه في 11 من مايو 2018 مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل مركزًا على الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها من مقتحمي الحدود الشرقية مع غزة من الفلسطينيين وإعلان مصر فتح معبر رفح لمدة أربعة أيام ابتداءً من الجمعة السابقة 11 من مايو 2018 حتى 15 من مايو 2018 لمحاولة امتصاص غضب الجماهير بغزة.
وبعد زيارة غرينبلات بيومين استدعت المخابرات المصرية على عجل قيادة المكتب السياسي لحماس من غزة ونقلتهم بطائرة هليكوبتر خاصة من العريش للقاهرة لإخبارهم بالخطوط الحمراء، ومخاطر رد الاحتلال الإسرائيلي بقوة على الحراك السلمي للحدود الشرقية.
مصدر مطلع كشف لـ”نون بوست” أن قيادة حماس السياسية أخبرت القاهرة بعدم سيطرتها على الجماهير، وهذا ما أكدته الصحافة الإسرائيلية معنونة تقاريرها وتحليلاتها تحت مصطلح “غزة تصنع قرارها بنفسها”.
اليوم موعد الزحف نحو الحدود مباشرة، فمن المتوقع أن يتجمهر قرابة مليون فلسطيني على الحدود الشرقية نحو المستوطنات المحاذية للقطاع عبر 17 نقطة حدودية، ففي شمال قطاع غزة صدرت التعميمات من الهيئة المنسقة لمسيرات العودة أن صلاة العصر ستكون اليوم في مستوطنات غلاف عزة وهي “نتيف هعسرا وإيرز وسديروت ونيرعام ومفلسيم”.
يمكننا من خلال الصورة القادمة التي اُتخذت من “غوغل ماب” تتبع مسار الحراك وقرب المستوطنات من الحدود الشرقية في منطقة شمال قطاع غزة، ولم تتوقف المساجد والمفترقات المركزية في قطاع غزة من النداء على الجماهير للتوجه غدًا نحو الحدود.
وعلى الجهة المقابلة ألقت كتائب القسام من طائراتها دون طيار منشورات ورقية على التجمعات الاستيطانية القريبة لقطاع غزة، موجهة نداء للمستوطنين تطالبهم بالمغادرة فورًا من البلاد التي استوطنوا فيها.
كما واصلت الهيئة التنسيقية لمسيرات العودة حتى ساعات متأخرة من يوم الأحد 13 من مايو 2018 توزيع الدعوات على بيوت سكان القطاع لاستنفارهم في الخروج لمسيرات العودة، وكشف مصدر مطلع داخل حركة حماس لـ”نون بوست” أن القيادات الجماهيرية للحركة واصلت تعميماتها لمنتمييها وأنصارها كافة بضرورة المشاركة الكاملة بالعائلات للتوجه نحو الحدود وورد في نص التعميم الداخلي “لا مجال للفشل أو التراجع”.
السيناريوهات المتوقعة
يستعد جيش الاحتلال الإسرائيلي للواقعة الحتمية وهي نجاح المتظاهرين باختراق الجدار الحدودي مع فلسطين المحتلة شرق غزة، ووفق يديعوت أحرنوت فإن الجيش سيعمل على احتواء المتظاهرين في مسافة كيلو أو كيلومترين داخل الحدود الغربية لفلسطين المحتلة ومنعهم من الوصول إلى المستوطنات المحاذية مثل كيبوتس وناحل عوز وكيسوفيم، وقد نشر جيش الاحتلال مئات الجنود الصهاينة بعد مسافة كيلومترين، ولكن ماذا لو تقدم مئة ألف فلسطيني في سويعات قليلة بعد مسافة كيلومترين نحو المستوطنات؟
تقديرات جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن الفلسطينيين سيتوقفون عند الجدار الفاصل تعارضت مع ما دعت إليه الهيئة التنسيقية لمسيرات العودة بالصلاة عصرًا في المستوطنات المحاذية، وفي حقيقة الأمر فإن كلا الطرفين (المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي) يتجنبان تصعيدًا أمنيًا يتحول مساره لمواجهة عسكرية قد تدفع حماس لاستخدام نظرية كثافة الصواريخ للوصول إلى أماكن جغرافية محددة أو ارتكاب مجزرة كبيرة بحق غزة.
ومع ذلك توقعت صحيفة هآرتس تنفيذ عمليات خطف لجنود الاحتلال الإسرائيلي داخل حدود فلسطين المحتلة، أو تنفيذ عمليات عسكرية كبيرة من حماس، لكن دعوات منظمي مسيرات العودة حثت على سلمية المسيرات وعدم التعرض لحرق الأشجار والبيوت.
قد يضطر الاحتلال الإسرائيلي وفق يوآف ليمور المحلل العسكري لصحيفة “إسرائيل اليوم” أن يستخدم القوة بشكل مفرط، مما يؤدي إلى مجزرة كبيرة بحق المدنيين الفلسطينيين السلميين، لكن ذلك لن يمنع الفلسطينيين من التقدم، فعلى مدار 12 عامًا من الحصار فقد الفلسطيني في غزة أي مقومات تدفعه للاستمرار بحياته على هذه الشاكلة، فما سيجنيه من العودة للوراء مزيدًا من الألم والحصار.
بدأ آلاف من المستوطنين إخلاء المستوطنات المحاذية للحدود مع غزة، خوفًا من تدفق الآلاف من الجماهير الفلسطينية
ويعرف الفلسطينيون في غزة أن أي تكلفة قد يدفعونها خلال المسيرات السلمية على الحدود أقل بكثير من تكلفة بقائهم بهذه الحالة من الحصار المطبق، وكذلك من الدخول في مواجهة عسكرية وسط واقع عربي غير مساند لما حصل في حرب 2012.
وبدأ آلاف من المستوطنين إخلاء المستوطنات المحاذية للحدود مع غزة، خوفًا من تدفق الآلاف من الجماهير الفلسطينية، حيث أظهر استمرار مسيرات العودة في كل جمعة إصرارًا كبيرًا من الفلسطينيين على إكمال ما تخطط له اللجان التنسيقية لمسيرات العودة، كذلك يتخوف الاحتلال الإسرائيلي من سقوط السطوة الأمنية على الضفة الغربية؛ ما يسمح بانفجار الوضع وتحرك مسيرات شبابية جديدة في الضفة لا تستطيع السلطة السيطرة عليها هناك.
وحقيقة الأمر لو انتهى هذا الأسبوع دون تحقيق نقلة نوعية في الحصار على غزة، فلا أحد يعلم ما الخيارات الجديدة أمام ساكني قطاع غزة، لكن ذلك يعتمد جذريًا على الحراك العربي المساند لمسيرات العودة وفعاليات نقل السفارة الأمريكية للقدس.
وفي سياق متصل بدأت اللجان التنسيقية في الدول العربية المناصرة لمسيرات العودة بالحراك السلمي وتفعيل المظاهرات مناصرة للفلسطينيين في دول مختلفة مثل الأردن والمغرب ولبنان، وينتظر تحرك مشابه في عدد من الدول العربية لمناصرة الحراك السلمي الفلسطيني الجديد.
مسيرة نصرة القدس ودعم الحراك السلمي في غزة من العاصمة المغربية الرباط
بين سنغافورة والموصل
في العامين الآخرين ركزت التحليلات العسكرية على دراسة مقارنة بين حالة الموصل وحالة غزة لو اندلعت مواجهة عسكرية بين جنود الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، لكن منشورات جيش الاحتلال الإسرائيلي التي ألقيت في 13 من مايو 2018 عبر طائرات بدون طيار وجهت نداءً للمتظاهرين تضمن التالي: “اسمعوا وعوا! إن كنتم تريدون العيش برفاه، وأن تحظوا بمستقبل باهر، فيمكنكم ذلك عن طريق السّعي لأجل أنفسكم وليس لأجل إرهاب حماس بقيادة إيران لا تقتربوا من السياج الأمني لئلّا تندموا بعدها”.
غزة التي وعد الاحتلال الراحل أبو عمار بتحويلها إلى سنغافورة بعد اتفاق أوسلو 1994 مباشرة تحولت إلى غابة أسمنتية محاطة بالفقر والحواجز من كل مكان، ولو أراد الاحتلال تحسين الوضع المعيشي للناس فيها لفعل، لكنه مارس أكثر أشكال الحصار قذارة في العالم، متحكمًا بكل ما يدخل إليها ويخرج منها بما يضمن بقاء أهلها جوعى دون موت، وفق ما صرح به دوف ويسغلاس مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت في تصريح له بداية الحصار على غزة 2006 قائلاً: “الفكرة هي فرض حمية على الفلسطينيين، لا جعلهم يموتون جوعًا”.
التخوف القادم من أن هذه الخطوة قد تكون الخطوة قبل الأخيرة من اندلاع المواجهة العسكرية بين الاحتلال الإسرائيلي وغزة، لكن فرضية استمرار الحراك الجماهيري القوي يثبت أن جميع الأطراف لا يملكون سيناريوهات دقيقة لما سيحدث خلال هذه المسيرات.