ترجمة وتحرير: نون بوست
قبل أيام قليلة من بلوغ “مسيرة العودة” ذروتها، وجه زعيم حركة حماس في غزة لأول مرة دعوة للصحافة الدولية لاستقبالهم في مكتبه في القطاع. وقد رفض السنوار الاعتراف بقيادة حركة حماس لهذا الحراك، حيث انه ينطلق من الجماهير الفلسطينية نفسها، كما أنه لا يعارض فكرة اجتياز الحدود يوم الاثنين والثلاثاء، الأمر الذي يثير مخاوف الإسرائيليين.
لكن، فُرض على الصحفيين تسليم الهواتف وأجهزة مضخمات الصوت إلى وحدة الأمن الخاصة قبل دخولهم إلى المكتب، احتراما لما نص عليه “البروتوكول” الذي وضعه يحيى السنوار. بعد ذلك، اقترب المراسلون من صفوف المقاعد الممتدة على طول مكتب حركة حماس العريض الواقع في قلب مدينة غزة، حيث تم توزيع المرطبات، والمقاهي ومشارب الصودا. وفجأة، توقف صوت المولد، وانقطع التيار الكهربائي وغرق المكتب في العتمة. وقد علق السنوار على ذلك مازحا “هذا ليس له علاقة بالبروتوكول، هذا له علاقة فقط بغزة”.
في هذا المكتب، تعرفنا على يحيى السنوار الذي يشغل منصب زعيم حركة حماس في قطاع غزة، كما أنه يعتبر الرجل الثاني في الحركة حسب الهيكل التنظيمي الداخلي الرسمي، الذي أقر منذ سنة 2017. ويتميز يحيى السنوار بشخصية قوية داخل الحركة الإسلامية. علاوة على أنه يحب سرد بعض النكات.
كان السنوار أشبه بعجوز مراوغ يمثل السياسة الفلسطينية. لقد قضى السنوار قرابة 22 سنة بين القضبان قبل أن يتم إخلاء سبيله في صفقة تبادل للأسرى بجلعاد شاليط. ويعرف عن السنوار، البالغ من العمر 55 سنة، أنه بمثابة رجل الظل داخل الذراع العسكري للحركة، حيث أدلى لأول مرة بتصريح صحفي أمام قرابة ثلاثين مراسلا أجنبيا تلقوا دعوة من أجهزة السنوار للحضور إلى قطاع غزة بعد ظهر يوم الخميس.
أدلى قادة الحركة بخطابات أمام الحشود التي تجمهرت تحت راية عريضة تحمل صورا لنيلسون مانديلا، ومارتن لوثر كينغ وغاندي. ويبدو أن هذه الشخصيات الرمزية تحظى باحترام غير معلن لدى حركة حماس
في هذا الإطار، قال السنوار “شخصيا، لا أحب الظهور أمام عدسات الكاميرا، لكن هذا الوضع صعب يقتضي غير ذلك”. لم تتخلل حديثه لهجته ساخرة، بل أشاد بالدور الذي تلعبه وسائل الإعلام ومدى استقلاليتها، ولم يدع ضيوفه إلى “اتخاذ موقف من حماس” بل دعاهم إلى “نقل الواقع الذي تعيشه غزة كما هو. وأضاف قائلا “في الشرق الأوسط، نطلق عليكم لقب السلطة الرابعة”.
شخصيات رمزية غير معلنة
يبدو أن الجديد في الأمر يتلخص في أن حركة حماس أضحت تلعب دور المدافع المتحمس عن حرية الصحافة، مع العلم أنه خلال الأسابيع الأخيرة شددت الحركة من إجراءاتها قبل إصدار “تصاريح” للصحفيين. ويبدو هذا الموقف شبيها إلى حد ما بتصريحه الأخير حيث اعتبر أن “المقاومة الفلسطينية شعبية ولا تعتمد على العنف”.
خلال الشهر الماضي، أدلى قادة الحركة بخطابات أمام الحشود التي تجمهرت تحت راية عريضة تحمل صورا لنيلسون مانديلا، ومارتن لوثر كينغ وغاندي. ويبدو أن هذه الشخصيات الرمزية تحظى باحترام غير معلن لدى حركة حماس، التي خاضت ثلاث حروب ضد “إسرائيل” منذ أن استلمت زمام السلطة في قطاع غزة سنة 2007.
في خضم ذلك، يبدو جليا أن “الحوار المفتوح” الذي دعا له السنوار يوم الخميس بمشاركة وسائل إعلام عالمية يندرج ضمن الأسلوب الجديد الذي اتخذته حركة حماس لتوضيح صورتها بالاستفادة من “مسيرة العودة”. ومنذ يوم 30 آذار/ مارس، يحتشد آلاف الفلسطينيين كل يوم جمعة على الحدود مع “إسرائيل” للمطالبة بحق العودة إلى أراضيهم التي فقدوها خلال النكبة، التي ترمز لقيام دولة “إسرائيل” سنة 1948.
اتهمت المنظمات غير الحكومية وجزء هام من المجتمع الدولي “إسرائيل” “بالاستخدام غير المتجانس للقوة”
على مدار أسابيع، أسفرت المواجهات في سقوط 53 شهيدًا فلسطينيًا ومئات الجرحى برصاص القناصة الإسرائيليين المنتشرين على الجانب الآخر من الأسلاك الشائكة. كما أدت هذه الاشتباكات أيضا إلى سقوط عدد كبير من المتظاهرين الشباب الذين أصيبوا بجروح خطيرة في الركبتين بسبب الذخائر المتفجرة، الأمر الذي أثار مخاوف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، من بروز “جيل من المعاقين” على حد تعبيره.
“لم يتم إطلاق أية قذيفة”
اتهمت المنظمات غير الحكومية وجزء هام من المجتمع الدولي “إسرائيل” “بالاستخدام غير المتجانس للقوة”، وقد برر الجيش الإسرائيلي ذلك معتبرا أن المظاهرات عبارة عن “مسرحيات” من إخراج حركة حماس بهدف التغطية على “نشاطاتها الإرهابية”. ورغم إطلاق مجموعة متناثرة من المتظاهرين لزجاجات مولوتوف وطائرات ورقية حارقة تجاه الجنود الإسرائيليين، إلا أنها لم تصب أية إسرائيلي. ومن جهته، علق السنوار على ذلك قائلا “لم يتم إطلاق ولو قذيفة واحدة على “إسرائيل” منذ بداية التظاهرات”.
في المقابل، حافظ السنوار على صمته عندما تعلق الأمر بحقيقة أن هذه التظاهرات تعد بمثابة مناورة من حركة حماس التي قدمت مساعدة لوجستية لهذا التحرك. لكن السنوار أكد أن هذه المظاهرات ليست سوى تعبير عفوي عن اليأس الذي ينتاب شباب غزة. وقد فسر السنوار ذلك مشيرا إلى أن “الخطير في الأمر، أن الشباب فقدوا الأمل في عيش كريم”. وقد استظهر بإحصائيات مؤسفة نشرت عن الأمم المتحدة تتحدث عن الوضع الدرامي في قطاع غزة، جاء فيها أنه “لن يطيب العيش في القطاع إلى في حدود سنة 2020”.
في إجابته عن سؤال أحد الصحفيين حول حقيقة أن قرابة عشرة عناصر من كتائب القسام كانوا من بين “قادة” الحراك الذين سقطوا برصاص قوات النخبة الإسرائيلية، أقر السنوار أنه “بالفعل، شارك بعض عناصر القسام في المظاهرات، ولكن باعتبارهم مدنيين وليسوا من المقاتلين، حيث تركوا أسلحتهم في منازلهم”.
ملادينوف: “حماس تعد بمثابة النمر الجائع المسجون في قفص منذ 11 سنة، وهي مدة الحصار المصري الإسرائيلي على القطاع منذ قدوم الحركة إلى السلطة، والآن يتجول النمر خارج القفص ولا أحد يعرف إلى أين سيذهب”
في سياق متصل، تساءل السنوار “ما الذي تفضلونه بالضبط؟ هل تريدون من كتائب القسام أن تطلق القذائف أو تتظاهر سلميا؟” وقد تحدث السنوار عن تمتعه بتنازلات (تحديدا تم مده بورقة وأقلام) من قبل سجانيه الإسرائيليين خلال إضراب جوع امتد لقرابة 20 يوما.
حيال هذا الشأن، أشار المحلل السياسي في مجموعة الأزمات الدولية، ناثان ثرال، إلى أن حماس تعمل على “أن تكون رقما ضمن حسابات التوازن منذ انطلاق المسيرة. وبالطبع، تعمل حماس على أن تلعب دور الترس في أعين الفلسطينيين، الذي لا غنى عنه في تحريك المظاهرات. وتستغل حماس في ذلك الموقف المتضارب وشبه المعادي الذي تبديه السلطة الفلسطينية تجاه المسيرة”.
إلى جانب ذلك، أضاف ثرال أنه “إلى حد ما، لا يجب التشكيك في الحراك عبر تحويله إلى مظاهرة حزبية “تدفعها” بنسبة مائة بالمائة حركة حماس، وإلا سيتسبب ذلك في تصديق رواية الإسرائيليين الذين يرون الحراك مجرد “حيلة إرهابية”. ومن هنا يبدو جليا إصرارهم على الحديث عن المجتمع المدني، بما في ذلك قادة الفصائل المتنافسة وحركة فتح”.
قبل أيام من انطلاق عملية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، تحديدا يوم 14 أيار/ مايو ومع مرور 70 سنة على النكبة، بدأت المخاوف تشتد مما يمكن أن يحدث يوم 15 أيار/ مايو. وقد لوح الفلسطينيون إلى أنهم سيقومن “باختراق” السياج الأمني، الذي سيشكل نقطة التوتر العالي في الحراك خلال هذين اليومين. كما تنتشر المخاوف أيضا من إمكانية وقوع مجزرة أخرى بالرصاص الإسرائيلي. ويوم الجمعة، وعلى شاشة قناة “القدس” الموالية لحماس، أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، عن نيته “تحويل ذكرى النكبة الفلسطينية إلى نكبة للمشروع الصهيوني”، متوعدا بأنه لن يعترف إطلاقا بدولة “إسرائيل”.
منذ نهاية شهر آذار/ مارس، قُتل صحفيان فلسطينيان برصاص قناصة إسرائيليين، وقد نُشرت صورهما فوق لوحة معلقة في مدخل قطاع غزة، وقد كتب تحتها “شهداء الحقيقة”
“النمر خارج القفص حاليا، لا أحد يعلم إلى أين سيذهب”
أفاد يحيى السنوار “نتمنى أن يكون التحرك أقل دموية إلى أكبر قدر ممكن يومي الاثنين والثلاثاء. كما لا أستطيع أنا ولا أي زعيم فصيل آخر أن يتكهن بما ما سيحدث خلال الأيام القادمة، لكننا نضمن أن المظاهرات ستكون سلمية وأن الحشود التي ستخرج إلى التظاهر لن تشكل أي تهديد. وهذا يعني أن كل شيء يعتمد على رد فعل المحتل الإسرائيلي”.
حيال هذا الشأن، قال السنوار “أخبروني ما المشكلة إذا عبر مئات الآلاف من الفلسطينيين هذه الأسلاك الشائكة التي لا تشكل في حد ذاتها حدودًا معترفا بها؟ فهذا السياج ليس بقرة مقدسة أو من المحرمات التي لا يسمح لنا بلمسها”. كما لم يخف السنوار تمنيه تواجد الصحفيين “صحبة كاميراتهم المصورة وكلماتهم” للحد من فظاعة الرد الإسرائيلي على المتظاهرين. منذ نهاية شهر آذار/ مارس، قُتل صحفيان فلسطينيان برصاص قناصة إسرائيليين، وقد نُشرت صورهما فوق لوحة معلقة في مدخل قطاع غزة، وقد كتب تحتها “شهداء الحقيقة”.
والجدير بالذكر أن القيادي في حركة حماس، وهي منظمة تعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حركة إرهابية (وهو تصنيف “غير منصف” بالنسبة للسنوار) قد حذر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى المنطقة، نيكولاي ملادينوف، من أن “حماس تعد بمثابة النمر الجائع المسجون في قفص منذ 11 سنة، وهي مدة الحصار المصري الإسرائيلي على القطاع منذ قدوم الحركة إلى السلطة، والآن يتجول النمر خارج القفص ولا أحد يعرف إلى أين سيذهب”.
في عدة مناسبات، قارن هذا الأسير السابق جدران السجن الذي أسر فيه بقطاع غزة التي يعتبرها أشبه “بسجن في الهواء الطلق”، حيث يتناول طعاما “أسوء من السجون الإسرائيلية”. ويعقب السنوار مؤكدا “سنسقط هذه الجدران لأننا لن نقبل الموت البطيء”.
من خلال هذا الخطاب، يدعو السنوار، الذي يعرف بواقعيته، إلى رفع الحصار بينما يتغاضى تقريبا عن المطالبة بعودة اللاجئين التي تعتبر رمزية أكثر من كونها قضية مركزية. كما أوضح هذا القيادي أنهم “يفضلون نيل حقوقهم بطريقة سلسة وهادئة، ولكن إذا اضطروا فسوف يعودون إلى المقاومة المسلحة التي يضمنها لهم القانون”.
المصدر: ليبيراسيون