أمس الأحد، كان التونسيون على موعد مع نهائي مسابقة كأس تونس لكرة القدم، نهائي شذ عن المألوف والعادة، فقد تحول ملعب المباراة التي جمعت النادي الإفريقي بنظيره النجم الرياضي الساحلي إلى ما يشبه الثكنة العسكرية.
إجراءات صارمة
نهائي تأكدت خلاله خشية النظام الحاكم في تونس من الجماهير الرياضية، حيث عمدت الرئاسة ووزارة شؤون الشباب والرياضة، إلى تركيز مكبرات الصوت بملعب رادس، بهدف حجب صوت الجماهير الرياضية الغاضبة ومنعها من إيصال عدم رضاها إلى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ولأعضاء الحكومة الحاضرين.
فضلاً عن ذلك ارتأت الرئاسة حجب تذاكر المدرجات الرئيسية السفلية والعلوية القريبة من المنصة الرئاسية، كما ركزت وزارة الداخلية آلات لكشف المعادن في الطريق إلى حجرات الملابس، وفتشت قوات الأمن لاعبي الفريقين قبل الوصول إلى هذه الحجرات التي تم تفتيشها بدورها.
إجراءات صارمة، أرادت رئاسة الجمهورية ومن خلفها الحكومة، تجنب غضب جماهير النادي الإفريقي
إلى جانب ذلك، عمدت الرئاسة إلى وضع حاجز بلوري يفصل المنصة الرئاسية التي يجلس فيها الرئيس الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس البرلمان محمد الناصر ووزيرة الرياضة ماجدولين الشارني، عن بقية الموجودين بالملعب.
وفي نهاية المباراة التي فاز فيها النادي الإفريقي بنتيجة أربعة أهداف مقابل هدف يتيم لمنافسه النجم الساحلي، حرم منتسبو الفريقين من لاعبين ومسؤولين وإطارات فنية وطبية وغيرها من مصافحة رئيس الجمهورية، باستثناء قائد فريق النادي الإفريقي الحائز على الكأس ورئيسه وطاقم التحكيم.
تجنب غضب الجماهير
إجراءات صارمة، أرادت رئاسة الجمهورية ومن خلفها الحكومة، تجنب غضب جماهير النادي الإفريقي التي ما فتئت تندد بالممارسات الأمنية ضدهم، خاصة أن هذه المباراة تأتي بعد أيام قليلة من موت محب النادي عمر العبيدي البالغ من العمر 20 عامًا، بعد أن لقي حتفه غرقًا في أحد الأودية القريبة من الملعب رغم توسله لهم بأنه لا يجيد السباحة، إثر ملاحقة أمنية له مع مجموعة من المشجعين بعد مباراة جمعت فريقه وفريق أولمبيك مدنين في ملعب رادس الأولمبي جنوب العاصمة تونس.
حادثة سرعان ما تحولت إلى قضية رأي عام شغلت بال كل الأوساط الرياضية والسياسية والحقوقية في تونس وخارجها، وفجرت حالة من السخط في صفوف التونسيين، وأعادت للأذهان ممارسات البوليس التونسي إبان حكم نظام المخلوع بن علي.
حاجز بلوري أمام المنصة الشرفية
ارتأت الرئاسة التونسية، القيام بكل هذه الإجراءات الأمنية الاستباقية خوفًا من ردة فعل الجماهير الرياضية التي غالبًا ما تنتقد السلطات الحاكمة، وتدخل معها في مناوشات لفظية وبدنية انتصارًا للعديد من القضايا التي تؤمن بها.
ويعتبر الأولتراس التونسي مهد حركية المدرجات في العالم العربي والإفريقي، وذلك بعد ظهور مجموعة “أفريكان وينرز” المساندة للنادي الإفريقي سنة 1995، لتأتي بعدها مجموعة “أولتراس مكشخين” التابع لجمهور نادي الترجي الرياضي التونسي، ثم “زاباتيستا” المساند لنفس الفريق، لكنه فصيل أكثر ميلاً إلى استخدام العنف والاشتباك مع أفراد الشرطة التونسية.
ونشأت هذه المجموعات في الأحياء الشعبية من مشجعين معروفين بحضورهم الدائم لمباريات فرقهم، قبل أن تتأسس مجموعات خاصة تحمل أسماء ذات دلالات ثورية ومناهضة للسلطات بحسب مراد البجاوي عضو أولتراس “سوبراس” المنتمي للترجي التونسي.
هوة عميقة
ما فعلته السلطات خلال هذه اللقاء، يؤشر، وفقًا لعديد من المتابعين، إلى الهوة السحيقة التي تفصل منظومة الحكم في تونس عن بقية الشعب عمومًا والجماهير الرياضية خصوصًا، ويؤشر إلى مناخ عدم الثقة الذي يشعر به حكام تونس، وسبق أن وصف وزير الرياضة ماجدولين الشارني تصرفات الجماهير بـ”الإرهاب الرياضي”.
وتقول الجماهير الرياضية إنها اختارت أن تكون لسان المضطهدين والمدافع الأول عن حقوق وكرامة التونسيين، لذلك كانت شعاراتهم المرفوعة في أغانيهم لا تخرج عن موضوعين رئيسين “لا للظلم، نعم للحرية والكرامة”.
تعتبر هذه المجموعات الرياضية أن مدرجات الملاعب السبيل الوحيد للتعبير عن أفكارهم
ويرى عديد من التونسيين، أن للجماهير الرياضية في البلاد، دورًا كبيرًا في كسر حاجز الخوف قبل الثورة وبعدها، سواء بأهازيجها المتمردة أو بمقاومتها السلمية المباشرة لقوات الأمن، كما ساهمت في خروج المسيرات بشكل فعال حتى إن كثيرًا من المسيرات انطلقت من الملاعب.
تاريخيًا، تميزت العلاقة بين الجماهير الرياضية والنظام بالتوتر والعداء، فتقول كلمات إحدى أغنيات جمهور الترجي الرياضي التونسي الناقدة لنظام بن علي والمطالبة بالحرية: “الحرية يا العالي كيف نكسبها، حتى الكورة حكموا فيها أصحاب السلطة، ومنها حرمونا العاصمة صارت غمة، بالله فوتونا الشباب يصنع أقوى أمة”، وجاءت هذه الأغنية ردًا على حملة الاعتقالات والتضييقات التي شنها نظام بن علي ووصلت إلى حد منع كل الملابس الرياضية التي تحمل شعار أي مجموعة.
وشهدت الملاعب التونسية منذ نشأة مجموعات الأولتراس، اضطرابات ناجمة عن اشتباكات بين أعضائها وقوات الأمن؛ مما دفع هذه المجموعات إلى نقد السلطة الحاكمة ورفع شعارات ذات أبعاد سياسية، متجاوزة الأهداف الرياضية التي نشأت من أجلها.
تميزت العلاقات بين النظام والمجموعات الرياضية بالعداء
وفي سنة 2008، منعت السلطات قمصان المحبين المكتوب عليها “ACAB“، وتعني هذه الكلمة المختصرة من الإنجليزية أن هذه الجماهير ضد الشرطة ومعارضة لها لأنها تفسد ما يحاولون إصلاحه، وفق اعتقاد مجموعات الأولتراس، كما منعت أعضاء هذه المجموعات من دخول الملاعب بالأسماء وصادرت جميع موادهم ومنعت ظاهرة “الدخلة” أو “التيفو” في البلاد.
وتعتبر هذه المجموعات الرياضية أن مدرجات الملاعب السبيل الوحيد للتعبير عن أفكارهم، نتيجة ذلك عمد نظام بن علي سنة 2010 إلى حل الأولتراس، وذلك بعد أحداث الشغب التي شهدتها مباراة الترجي وحمام الأنف، بملعب المنزه في فبراير/شباط 2010، حيث تم قطع التيار الكهربائي قبل نهاية اللقاء ليلاً، وتعنيف جماهير الترجي من طرف رجال الشرطة.