ترجمة حفصة جودة
كانت نعيمة الشيخ علي 9 سنوات فقط عندما أخبرها والدها أنهم مضطرون لمغادرة قريتهم بيت ثول من أجل إنقاذ حياتهم، وخلال عدة ساعات في منتصف ليلة 1 من أبريل عام 1948 كانت الميليشيات اليهودية تحاصر التلال المحيطة ببيت ثول التي تبعد عدة كيلومترات فقط عن غرب القدس.
يقول الشيخ علي وهو يتذكر أحداث مضت منذ 70 عامًا وشكلت حياته: “عندما جاؤوا بدأوا بإطلاق النيران فورًا فاضطررنا للهروب”، في تلك الليلة أصبح الشيخ علي واحدًا من 700 ألف لاجئ فلسطيني نزحوا من ديارهم بسبب الميليشيات اليهودية في حرب عام 1948 التي أعلنت فيها “إسرائيل” استقلالها يوم 14 من مايو.
انتهى الحال بالعديد من اللاجئين في مخيمات بالأردن وسوريا ولبنان وغزة والضفة الغربية وحتى في القدس الشرقية حيث ما زالوا يعيشون مع أحفادهم، مما يرفع عدد اللاجئين لأكثر من 5 ملايين لاجئ اليوم حسب تقديرات الأونروا (وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين).
حتى الآن لا توجد أي سفارة لأي دولة في القدس لأن هذه الخطوة تعد انتهاكًا للقانون الدولي
يعد محمد أبو كايا من الجيل الثالث من اللاجئين وكان جده قد نزح من بيته في أعقاب مذبحة دير ياسين، في ذلك اليوم – 9 من أبريل 1948 – قتلت عصابات شتيرن وإرجون الصهيونية 110 مواطن من بينهم نساء وأطفال وشيوخ، وتعتبر دير ياسين قرية رئيسية تقع على الطريق بين تل أبيب والقدس.
“سوف يحدث لكم مثل هذا”
يحكي أبو كايا قصة جده قائلاً: “عندما بدأت المذبحة خطفت العصابات أحد الأطفال وربطته في سيارة عسكرية وقادت به في جميع أحياء القدس وكانوا يقولون سوف يحدث لكم مثل هذا إن لم تغادروا، ففر حينها جدي وأسرته إلى مصر”.
وفي القدس الغربية استولت عصابات الهجانة التي كانت موجودة منذ أيام الانتداب البريطاني في فلسطين؛ على حي أرنونا وغيره من الأحياء، ويعد حي أرنونا من أرقى الأحياء الإسرائيلية الآن وتقع فيه مبنى القنصلية الأمريكية، وتعتزم الحكومة الأمريكية نقل السفارة إليه من تل أبيب يوم 14 من مايو تزامنًا مع اليوم الذي يحيي فيه الفلسطينيون ذكرى النكبة.
تزعم “إسرائيل” أن القدس عاصمتها الموحدة، بينما يقول الفلسطينيون إن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية، وحتى الآن لا توجد أي سفارة لأي دولة في القدس لأن هذه الخطوة تعد انتهاكًا للقانون الدولي، فبموجب قرار الأمم المتحدة رقم 181 الذي حدد عام 1947 شروط تقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية؛ كان من المفترض أن تتولى الأمم المتحدة إدارة القدس تحت “نظام دولي خاص”.
أدت اتفاقية الهدنة عام 1949 التي أنهت الحرب بين العرب و”إسرائيل” رسميًا إلى تقسيم المدينة على طول الخط الأخضر إلى جزء غربي تسيطر عليه “إسرائيل” بينما تدير الأردن القدس الشرقية بما في ذلك المدينة القديمة.
أمريكا ليست وسيطًا نزيهًا ولن تكون كذلك أبدًا
ويعد احتلال “إسرائيل” للقدس الشرقية والضفة الغربية في حرب عام 1967 انتهاكًا لقرارات الأمم المتحدة، أما الفلسطينيون فيعتبرون أن السيادة على المدينة ليس أمرًا يحدده قادة الدول الأخرى مثلما أعلن ترامب في ديسمبر عن نقل السفارة إلى القدس.
يقول أبو كايا أن إعلان ترامب للقدس عاصمة لـ”إسرائيل” يرفع ورقة التين الأخيرة عن السياسة للأمريكية التي تسمح لواشنطن بأن تعتبر نفسها وسيطًا بين الفلسطينيين و”إسرائيل” ويضيف: “أمريكا ليست وسيطًا نزيهًا ولن تكون كذلك أبدًا”.
يقول الكثيرون إن نقل السفارة يقضي على “حل إقامة دولتين” الذي يمنح الفلسطينيين دولة على حدود الخط الأخضر والقدس الشرقية كعاصمة، هذا الحل الذي يدفع إليه غالبية المجتمع الدولي والأمم المتحدة وحتى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، لكن هذا الحل لا يفضله اللاجئون الفلسطينون الذين فروا من ديارهم في حرب 1948 وحرب 1967.
ينص قرار الأمم المتحدة 194 الصادر في ديسمبر 1948 على حق العودة للاجئين، لكن اللاجئين الفلسطينيين يدركون جيدًا أن عودتهم ستكون مستحيلة إذا تم تقسيم فلسطين إلى دولتين، والمهم الآن في خطوة نقل السفارة الأمريكية للقدس ليس موت “حل الدولين”، بل حقيقة أن السفارة سوف تُقام على أرض مسروقة من أصحابها الشرعيين عام 1948.
“القدس بأكملها محتلة”
ترى أماني خليفي – منسقة شبكة التعبئة الشعبية في القدس – أن هناك نفاقًا في موقف الكثير من الدول التي تعترف بحدود “إسرائيل” عام 1948 بينما تدين احتلال “إسرائيل” للقدس الشرقية والضفة الغربية عام 1967، وتضيف: “ما احتلته “إسرائيل” عام 48 يعد شرعيًا بموجب القانون الدولي، أما ما احتلته عام 1967 فليس شرعيًا ولا قانونيًا، بالنسبة لي كفلسطينية فالأمر واحد ولا فرق بينهما، لقد تعرضت القدس بأكملها للاحتلال مرتين”.
ملصقات على مبنى القنصلية الذي سيضم السفارة الأمريكية يوم 14 مايو
تقول خليفي: “في كلتا الحالتين فالأرض فلسطينية وليس هناك فرق بين ما يقع داخل الخط الأخضر أو خارجه، فالمشروع الاستعماري لم يبدأ عام 1967، وحتى بموجب القانون الدولي يحق للاجئين العودة إلى ديارهم، لكن ذلك لم يحدث أبدًا والقانون الدولي لن يجلب العدالة للفلسطينيين”.
يتفق الشيخ على مع ذلك حيث يقول: “هذه أرضنا ولا يحق لأي أحد أن يفعل فيها ما يشاء، سواء كانوا أمريكيين أم إسرائيليين، لا حق لترامب أن يقول بأن فلسطين من حق اليهود”، وفي الوقت الذي يحيي فيه الفلسطينيون ذكرى النكبة، تحتفل “إسرائيل” بالذكرى الـ70 لإقامة دولتها.
وفي بيان أصدرته السفارة الأمريكية في “إسرائيل” شهر فبراير الماضي قالت إنها ستفتتح مكاتب السفارة يوم 14 من مايو في مبنى القنصلية في حي أرنونا بشكل مؤقت، وفي الوقت نفسه ستبدأ مهمة البحث عن موقع دائم للسفارة وستكون خطة البناء طويلة المدى، وهذا يجعلنا نتساءل لماذا تستعجل الحكومة الأمريكية في خطوة نقل السفارة رغم أن الموقع سيكون مؤقتًا.
يقع المكان المحدد لبناء السفارة في حي باقة الغربية بالقدس الغربية على أرض فلسطينية استولت عليها “إسرائيل”
تقول خليفي: “هذا ما تقوله الولايات المتحدة للحكومة الصهيونية: إنه عام مهم بالنسبة لكم حيث تمر الذكرى الـ70 على تأسيس “إسرائيل”، وتقول أيضًا بأننا ندعم مشروعكم وأن لكم الحق في احتلال فلسطين بأكملها”.
سفارة على أرض فلسطينية
يقع المكان المحدد لبناء السفارة في حي باقة الغربية بالقدس الغربية على أرض فلسطينية استولت عليها “إسرائيل”، حيث تعود ملكية الأرض إلى المقدسيتين تهام الخليلي وشقيقتها حسينية الفتياني اللتين اشترتا الأرض في العشرينيات من القرن الماضي، ووفقًا لتقرير أصدرته الجزيرة فهناك عقد وقعته “إسرائيل” والولايات المتحدة عام 1989 لتأجير الأرض لمدة 99 عامًا بمبلغ دولار في العام، وينص العقد على أن هذه الأرض سيتم بناء السفارة عليها.
بعد وفاة الخليلي انتقلت ملكية الأرض لابنها علي الفتياني وقبل وفاته سلم الأرض لابنه داوود الفتياني الذي ما زال يحتفظ بالوثائق التي تثبت ملكيته للأرض، لكن “إسرائيل” ما زالت محتفظة بقانون “الوصاية على ملكية الغائبين” الذي ينص على استيلاء الإسرائيليين على أراضي اللاجئين الفلسطينيين الذين اضطروا للفرار من منازلهم.
يقول أبو كايا إن هذا القانون يمنح “إسرائيل” الحق في الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين الخاصة ومنحها للمستوطنين اليهود وكذلك للولايات المتحدة، هذا القانون ينطبق على ملكية عائلة الفتياني لأن العائلة تعيش خارج البلاد، ويضيف أبو كايا: “تستطيع “إسرائيل” أن تفعل ما تشاء بالأرض، وكذلك بجميع الأراضي والممتلكات التي فرّ أصحابها”.
المصدر: ميدل إيست آي