تخط سيرتهن الذاتية بفخرٍ وحب لتكون القدوة والمثل الأعلى لغيرهن، دائمًا نسمع عن نساء تجاوزن العقبات الاجتماعية والعائلية والأسرية وأصبحن من كبار الشخصيات المرموقة في المجتمع، خاصةً إن كن سليلات المجتمع الشرقي المتشبع بالعقد والعادات المكبلة لأبنائه.
منذ عدة شهور تصدرت الصحف صورة لمندوبة في البرلمان الأوروبي وهي تمارس عملها وتصوت وترضع ابنها في نفس الوقت داخل البرلمان وكانت مثالاً يحتذى به للمرأة الأم والعاملة وصاحبة القرار، تذكرت هذه الصورة فورًا عندما اجتمعت مع سلمى في المؤتمر.
سلمى ناشطة من حلب وأتت للمشاركة في المؤتمر ولكنها ليست ناشطة فقط بل أيضًا أم لرضيع ولدته منذ شهرين فقط، ولكنني لم أر رضيعها، كانت قد أودعته عند سلفتها لأن أهلها وأهل زوجها في مناطق يسيطر عليها النظام ولا تستطيع أن تراهم وتضع رضيعها عندهم، علامات الاستغراب كثيرة كيف لأم أن تترك رضيعها لتشارك في مؤتمر، هنا نبدأ بسرد درب الآلام السوري.
سلمى لا تمتلك جواز سفر لابنها ولا حتى أيضًا شهادة ميلاد لأنه مولد في مناطق “ساخنة ومعارضة ” ولا تخضع لسيطرة الحكومة السورية وعقابًا من الأخيرة على أهل هذه المناطق تمنعهم من أدنى الحقوق وتصبح فكرة زيارة أحد مؤسسات الحكومة كابوس اعتقال وتشبيح؛ لذلك أصبحت الحياة المعيشية لنصف سكان سورية على هذا النحو وفقًا لمزاجية النظام السوري وعقابه!
كل مولود في المناطق المحررة وفي دول اللجوء لا يملك أوراقًا ثبوتية وجواز سفر، كل ساعة يولد طفل سوري في المخيمات وقُدر العدد على الأقل 37.498 ألف! ما مصير هؤلاء الأطفال بعد أن أصبح نصف الشعب السوري مهجر، 10 مليون خارج بيوتهم فقدوا كل ما يملكون أو يدخرون، وهذا ما تحدث عنه تقرير اليونسيف من أن مستقبل الأطفال “معلق في الهواء” لحوالي خمسة ملايين ونصف المليون من أطفال سورية من دون مأوى أو طعام أو تعليم أو الدرجات الدنيا للحياة الكريمة، بل ومن دون جنسية وهوية.
طلبنا من المجتمع الدولي هو الإمكان والجواز والاستطاعة وعن إيجاب أو إيجاد ما ليس موجودًا.
تحية وحب لسلمى ولكل السوريات اللواتي كن السند الأكبر وحاملات الهموم،عابرات على الجرح، لكل من نسيت ألمها وألم عائلتها وتحركت صوب محيطها ومجتمعها، مغيرةً الصورة النمطية للأم والزوجة والحبيبة والأخت قبل أن تخرج من بين فكي الموت والحرب.