نمت أسطورة شجرة “دم التنين” أو كما تعرف بـ”دم الأخوين”، على أرض جزيرة سقطرى اليمنية، حيث تحارب الشقيقان “درسة وسمحة” حتى الموت، لينمو معها الآن صراع جديد على السلطة بين الحكومة اليمنية والطموحات الجيوسياسية لحليفتها الإمارت، لكن طرفًا جديدًا يرفض ألا يكون له الكلمة العليا في النزاع الدائر.
المحاولة السعودية الثانية.. قوات سعودية بدلاً من الإماراتية
تقف أحداث الصراع حتى الآن عند نتائج محاولة سعودية ثانية تمثلت في إرسال لجنة أخرى إلى جزيرة سقطرى اليمنية، ومهمتها – كما هو معلن – رأب الصدع والنظر في التوترات بين الحكومة والقوات الإمارتية التي سيطرت على ميناء ومطار الجزيرة وطردت العناصر الأمنية اليمنية الموجودة فيها، وأبلغت الموظفين هناك بانتهاء مهامهم.
اللجنة السعودية التي وصلت محافظة أرخبيل سقطرى، أمس الأحد، على متن طائرة عسكرية سعودية كانت تقل 12 شخصًا بينهم عسكريون سعوديون ويمنيون، تأتي بعد أيام من مغادرة لجنة سابقة بناءً على طلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الموجود في الرياض، لكنها مُنيت بفشل ذريع نتيجة لتعنت أبو ظبي.
إصرار السعودية على الوساطة بين الحكومة الشرعية والإمارات بشأن جزيرة سقطرى، وهي أرض يمنية في الأساس، يثير الكثير من التساؤلات عما تخفيه الدبلوماسيةالسعودية الناعمة
غادرت اللجنة الأولى سقطرى وبقيت فيها القوات الإماراتية، وهو ما وحد اليمنيين في مواجهة الوجود العسكري الإماراتي، لكن إصرار السعودية كقائدة لقوات التحالف العربي، على الوساطة بين الحكومة الشرعية والإمارات بشأن جزيرة سقطرى، وهي أرض يمنية في الأساس، يثير الكثير من التساؤلات عما تخفيه الدبلوماسية الناعمة.
لعل الإجابة تكمن في طبيعة الحل الذي ستقدمه اللجنة التي يرأسها اللواء أحمد عبد الرحمن الشهري، وقائد القوات البحرية اليمنية اللواء عبد الله سالم النخعي، ومدير مكتب القائد الأعلى اللواء أحمد العقيلي، أو ما أعلنه ناطق التحالف العربي في تصريحات سابقة قال فيها إن هناك اتفاقًا على آلية تنسيق مشتركة بين الحكومة اليمنية والتحالف.
لم يمر وقت حتى تبين أن الاتفاق يتضمن سحب القوات الإماراتية التي قدمت إلى سقطرى بعد وصول الحكومة وعودة قوات مطار وميناء سقطرى للعمل وتطبيع الحياة في أنحاء وجزر الأرخبيل كافة، مقابل استبدالها بقوات سعودية لمساندة القوات الحكومية، كما أعلن التحالف العربي.
وبرر التحالف وجود القوات السعودية في سقطرى بغرض تدريب القوات اليمنية ضمن التنسيق المشترك مع الحكومة اليمنية، وأن الاتفاق يشمل “البدء بتنمية وإغاثة شاملة لسقطرى تشمل كل المرافق الخدمية والحيوية وفي كل المديريات والجزر، بدعم من السعودية”، حسب ما نقلته قناة “الإخبارية” السعودية عن التحالف.
اللجنة السعودية العسكرية خلال وصولها سقطرى
تواطؤ مشترك.. من احتلال إماراتي إلى احتلال سعودي
عقب إعلان وصول قوات سعودية إلى سقطرى لتحل محل القوات الإماراتية الموجودة في الجزيرة، توالت ردود فعل اليمنيين بشأن استمرار انتهاك السيادة اليمنية، إذ لا يحق لأي طرف أو جهة استلام إدارة سقطرى سوى الدولة نفسها، طالما أن الجزيرة منطقة خارج نطاق الصراع.
وتشير المعطيات الأولية إلى أن الإنزال العسكري الإماراتي خطة مدروسة ومتفق عليها مسبقًا، لتبرير إنزال قوات سعودية في سقطرى، كما حدث في المهرة من قبل، فالخلاف بين أبو ظبي والحكومة الشرعية عمل على تهيئة الظروف لوجود القوات السعودية، بحجة فك الاشتباك بين الطرفين.
ويؤكد محللون أن تصعيد الإمارات لممارساتها العسكرية، جاء بناءً على توجيهات أعطيت في الخفاء من ولي العهد محمد بن سلمان، حتى تم تسليم سقطرى لقوات سعودية؛ ما يعني أن الرياض من دعمت الحكومة اليمنية والرئاسة ودفعت لتصعيد الموقف في وجه الإمارات لتصبح الجزيرة في قبضتها وحدها.
يؤكد محللون أن تصعيد الإمارات لممارساتها العسكرية، جاء بناءً على توجيهات أعطيت في الخفاء من ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان
وفي حين أرسلت السلطات السعودية وفدًا إلى سقطرى في محاولة لاعتراضها على قيام أبو ظبي بالتصعيد، تبدو الحقيقة التي يعلمها الجميع أن أبو ظبي والرياض لهما هدف واحد تتحمل نتائجه الحكومة الشرعية التي وثقت بالموقف السعودي في مواجهة الوجود الإماراتي.
في سياق ذلك، رفضت الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، حسب قولها “استبدال الاحتلال الإماراتي لجزيرة سقطرى باحتلال سعودي”، مضيفة: “لطالما قلنا إنهما وجهان لعملة واحدة، ويتبادلان الأدوار لتمدير اليمن وفرض الوصاية والهيمنة عليه”.
وعلق الناشط السياسي عبد الرقيب الأبارة على استبدال القوات الإماراتية بقوات سعودية بقوله: “ما الفرق؟ السيادة منتهكة، تكون إماراتية أو سعودية”، وتساءل: هل يشكل هذا مدخلاً لخلاف بين السعودية والإمارات أم أن الأمر لا يتعدى تبادل الأدوار بين الجانبين؟
تلك الخطوة تكشف نوايا الإمارات والسعودية بالتمدد في اليمن
سقطرى في مرمى الأطماع الإماراتية السعودية
بعد هذه الخطوة، لم يعد خافيًا على أحد محاولات دول التحالف استباحة مناطق حيوية من اليمن، لكن تلك الخطوة تكشف أن نوايا الإمارات والسعودية بالتمدد بلغت مراحل متقدمة في سقطرى، تلك الجزيرة التي بقيت لفترات بمنأى عن آثار العدوان، فلم تتركها الأطماع الإماراتية السعودية تنعم بالأمان.
بدأت عمليات السيطرة وبسط النفوذ والتقسيم بين الدولتين تتدحرج إلى العلن، خاصة بعد إرسال الإمارات قوة عسكرية إلى الجزيرة لبسط نفوذها هناك، ووسط غضب شعبي وسياسي يمني، عمدت الرياض الحليف الأول لأبو ظبي، إلى إرسال لجنة للجزيرة لتهدئة الموقف بين حكومة هادي والإمارات.
موقع “أنتي وور” المتخصص في الأخبار العسكرية والحروب كشف أن استيلاء الإمارات على جزيرة سقطرى اليمنية يعد جزءًا من جهود أبو ظبي للسيطرة على المنطقة
ويعد التدخل الإماراتي السافر في سقطرى واحدًا من الاستحواذات الإماراتية في إطار بناء إمبراطوريتها خارج أراضيها، التي لا تختلف عن أطماع ولي العهد السعودي محمد ابن سلمان في اليمن، وليست أقل عدوانية من الأطماع الإماراتية، فالسعودية تزعمت التحالف العربي بهدف تدمير البنى التحتية في اليمن، واستغلال ثرواته.
لعل المشاريع الإماراتية المثيرة للجدل والسعي للسيطرة على موانئ البحر الأحمر وإنشاء القواعد العسكرية في القرن الإفريقي، ما يفسر إشراف الطرفين على معارك الساحل لاستكمال مشروع الهيمنة على طرق الملاحة الدولية واحتلال الجزر والموانئ اليمنية المهمة.
ستعمل الإمارات مع أشقائنا وضمن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة في استعادة الدولة وكما استلمنا اليمن جريحًا سيسلمه التحالف لشعبه متعافيًا قويًا يقرر مواطنوه شكل دولته ومستقبله.
— د. أنور قرقاش (@AnwarGargash) May 10, 2018
وتحاول الدولتان إخفاء أطماعهما، فعقب الأزمة بين الحكومة اليمنية والإمارات بشأن وجود قوات إماراتية في سقطرى، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، إن الإمارات ستعمل ضمن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لاستعادة الدولة اليمنية، وهزيمة ما وصفه بـ”الانقلاب الحوثي”، وكتب قرقاش على تويتر: “كما استلمنا اليمن جريحًا سيسلمه التحالف لشعبه متعافيًا قويًا يقرر مواطنوه شكل دولته ومستقبله”.
لكن موقع “أنتي وور” المتخصص في الأخبار العسكرية والحروب كشف أن استيلاء الإمارات على جزيرة سقطرى اليمنية يعد جزءًا من جهود أبو ظبي للسيطرة على المنطقة، فسنوات من الاستثمار الضخم في القوة العسكرية أعطت الإمارات الكثير من القوة لدولة صغيرة للغاية، مؤكدًا أن الإمارات وبشكل متزايد ترسل هذه القوة العسكرية إلى الخارج وتتطلع إلى أن تصبح قوة إقليمية.
١) الإشاعات البغيضة والـ٩٩ كذبة، ومعها كذبة الـ٩٩ سنة لتأجير أرخبيل سقطرى!!
من يبيع ضميره للشيطان لن يتوانى عن بيع الدجل وإثارة الفتنة، لكن التأريخ سيحفظ من حفظ كرامة هذه البلاد وأخلص لها، وأما الزبد فيذهب جفاء.#بحاح pic.twitter.com/q2pKm5vwTd— Khaled Bahah خالد بحاح (@KhaledBahah) May 9, 2018
ما وراء الكواليس
بالعودة إلى الوراء، نجد أن سقطرى تمثل عنوان أزمة قديمة بين الحكومة اليمنية والإمارات، ما يصعِّب مهمة القوات السعودية في الجزيرة التي زعمت الإمارات استئجارها لمدة 99 عامًا، وهو ما نفاه رئيس الوزراء اليمني السابق خالد بحاح.
لكن محاولات أبو ظبي لم تتوقف، حتى قبل أيام، شهدت وصول القوات الإماراتية فجأة إلى جزيرة سقطرى، ودخولها دون إذن من الحكومة اليمنية، وباشرت باحتلال مطار وميناء جزيرة سقطرى في الوقت الذي كان يزورها رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر وبعض أعضاء حكومته، الذي تعرض للتضييق على حرية حركته ومنعه من زيارة الميناء والمطار.
واعتبرت الحكومة اليمنية أن ما أقدمت عليه الإمارات “أمر مفاجئ وغير مبرر”، مؤكدة أنه لم يطرأ جديد في وضع الجزيرة بحيث يستوجب سيطرة الإمارات على المطار والميناء هناك، وعزت الحكومة التطورات الأخيرة إلى حالة الخلاف بين الشرعية والأشقاء.
لم يسبق أن سعت دولة لتنمية جزء من أرض دولة أخرى رغمًا عن حكومتها الشرعية
ويعود هذا الخلاف إلى الصيف الماضي، حين انفصلت الإمارات عن كل من هادي والسعودية من خلال دعم تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يريد تجديد الاستقلال لجنوب اليمن، وأدت هذه الخطوة إلى قيام الرئيس اليمني بتسمية الإمارات “بالمحتل” بدلاً من “المحرر”.
ووصولاً إلى المحاولة السعودية الأولى، سادت المخاوف من أن تمارس الرياض ضغوطًا على الحكومة اليمنية للرضوخ لرغبات الإمارات، فحينها اعتبرت الحكومة الشرعية نشر قوات إماراتية مساسًا بالسيادة اليمنية، وبعثت برسالة شكوى لمجلس الأمن قالت فيها إن هذا الوجود العسكري الإماراتي لا مبرر له، وحافظت على نبرة دبلوماسية هادئة وكان واضحًا أنها لا تريد أن تغضب السعوديين.
وفي الحالتين السعودية والإماراتية، لا يُعرف ما الحاجة للدبابات أو القوات العسكرية لتحقيق التنمية، فلم يسبق أن سعت دولة لتنمية جزء من أرض دولة أخرى رغمًا عن حكومتها الشرعية، ويبدو التصرف المنطقي هنا هو أن تسحب الإمارات قواتها دون حاجة لوساطة سعودية، لكن أبو ظبي كانت ترفض ذلك وتقول إنها أكبر من يسهم في تنمية سقطرى، فأي تنمية تحدثها القوة العسكرية؟