ساد الهدوء الحذر مدينة سبها الليبية عشية أمس الإثنين في أعقاب الاشتباكات التي شهدتها نهاية الأسبوع بين مجموعات قبلية للسيطرة على المدينة، نزاعات قبلية استمرت لأيام كانت سببًا في مضاعفة المعاناة الإنسانية لسكان المدينة التي تقع جنوب البلاد.
الاستعانة بميليشيات أجنبية
هذه الاشتباكات المسلحة نشبت بعد يوم واحد من إعلان اللواء المبروك محمد الغزوي آمر منطقة سبها العسكرية، مساء الجمعة 11 من مايو/أيار، تبعية “اللواء السادس مشاة” لمنطقة سبها العسكرية، لقوات الكرامة التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، وذلك في خطاب كتابي إلى “مجلس قبائل التبو” مما شجعهم على دخول المدينة ومحاولة السيطرة على مؤسسات الدولة الليبية هناك.
الهدوء الحذر، لم يبدد مخاوف سكان المدينة من إمكانية تجدد الاشتباكات
وشهدت مدينة سبها خلال الأيام الماضية مواجهات مسلحة بين كتائب قبائل التبو المستعينة بمرتزقة أفارقة خاصة من القوات التشادية والسودانية المتمرّدة، وقبيلة أولاد سليمان الموالية لحكومة الوفاق، وصفت بأنها الأكثر عنفًا خلال الفترة الأخيرة، وأدت هذه المواجهات إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، كما دفعت العشرات من العائلات إلى النزوح من المدينة التي أعلن مركزها الطبي حالة الطوارئ القصوى، مناشدًا جميع العناصر الطبية والطبية المساعدة بضرورة الحضور والالتزام والالتحاق بأعمالهم.
وخلال هذه المعارك سيطرت عناصر تابعة لفصيل “مجلس القيادة العسكرية من أجل الجمهورية” الذي يتبع المعارضة التشادية المسلحة الموجودة في جنوب ليبيا منذ سنوات، على قلعة سبها التاريخية ومعسكر كتيبة فارس (مقر اللواء السادس) الذي كانت تتمركز فيه قوات حفتر.
خشية من تجدد المواجهات
هذا الهدوء الحذر لم يبدد مخاوف سكان المدينة من إمكانية تجدد الاشتباكات، خاصة أن الأطراف المقاتلة معروف عنها خرقها لاتفاقيات الهدنة الموقعة، وقبل أيام وقع الطرفان اتفاقية هدنة لكنها لم تصمد أكثر من 48 ساعة ليعود القتال بعدها قبل أن يتوقّف أمس الإثنين مجددًا.
وكان ممثلون عن قبيلة أولاد سليمان والتبو وقعوا في الـ29 من مارس/آذار العام الماضي، اتفاق مصالحة في العاصمة الإيطالية بحضور عبد السلام كاجمان نائب رئيس المجلس الرئاسي ووزير الداخلية الإيطالي ماركو ميننيتي إضافة إلى ممثلين عن قبيلة الطوارق.
المليشيات الإفريقية زادت من حدة الوضع
ونص الاتفاق على الصلح الشامل والدائم بين الطرفين، على أن تتولى الدولة الإيطالية “دفع القيمة المالية لجبر الأضرار بين الطرفين وعلاج الحالات المستعصية”، وتعهدا بـ”إخلاء الأماكن العامة والبوابات من كل التشكيلات المسلحة وتسليمها إلى الشرطة من جميع أطياف الجنوب”.
وتتميز منطقة الجنوب الليبي بعدم الاستقرار، حيث تشهد فراغًا أمنيًا واضطرابات متكررة منذ سقوط نظام معمر القذافي في فبراير 2011، وتسيطر عليها عصابات تهريب النفط والبشر، وتعتبر هذه المنطقة البوابة الرئيسية للمهاجرين الأفارقة الذين يتخذون من ليبيا محطة للهروب لأوروبا.
تدهور الأوضاع الإنسانية
أعمال العنف المتقطعة التي تشهدها المدينة منذ ما يزيد على شهر أسفرت عن سقوط عديد من القتلى والجرحى، وفي أحدث تقرير لها كشفت البعثة الأممية للدعم سقوط ما يزيد على 45 ضحية بين قتيل وجريح بينهم بعض المدنيين، وتشهد سبها منذ فبراير اشتباكات قبيلة تسببت في نزوح أكثر من 200 عائلة.
من جهتها، لفتت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا إلى أن سبها تعاني من تردي الأوضاع الطبية، حيث يشهد المركز الطبي في المدينة نقصًا في المعدات والتجهيزات الطبية الطارئة، بالإضافة إلى تعرض المركز والسكن الطبي إلى الاستهداف بالقذائف العشوائية وسقوط القذائف العشوائية والرصاص العشوائي على المركز بشكل متكرر مما عرض حياة وسلامة الأطقم والعناصر الطبية العاملة والمرضى والمصابين الموجودين فيه للخطر.
تسعى قبيلة التبو الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر إلى فرض سيطرتها على الجنوب الليبي
وأبدت اللجنة قلقها البالغ إزاء تفاقم مؤشرات تردي الأوضاع الإنسانية والصحية، حيث يعاني السكان المحليون بالمدينة من تردي الأوضاع الإنسانية والمعيشية جراء استمرار وتصاعد الاشتباكات المسلحة الذي أدى إلى توقف كامل مرافق الحياة مع سقوط القذائف العشوائية والرصاص العشوائي على الأحياء والمناطق السكنية.
وحملت لجنة حقوق الإنسان، كلا طرفي النزاع المسلح في المدينة المسؤولية القانونية والوطنية والإنسانية والاجتماعية تجاه ما وقع من ضحايا ومصابين في صفوف المدنيين، محملة مسؤولية ضمان أمن وسلامة وحياة المدنيين الواقعين في مناطق النزاع المسلح في وسط المدينة لأطراف النزاع.
نقص في الأودية والمعدات في المركز الطبي بالمدينة
فضلاً عن ذلك، شهدت أسعار المواد الأساسية في المدينة ارتفاعًا كبيرًا، ما من شأنه أن يثقل كاهل المواطنين ويزيد معاناتهم، خاصة أن الأمر تزامن مع شح في السيولة المالية بالمصارف، ولجوء بعض التجار الذين يتحكمون في السوق إلى سياسة الاحتكار للتحكم في الأسعار.
وتسعى قبيلة التبو الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر إلى فرض سيطرتها على الجنوب الليبي، من أجل السيطرة على طريق الهجرة غير الشرعية وباقي النشاطات غير القانونية، فضلاً عن تغيير الواقع الديموغرافي في المنطقة والزج بقبائله في صراعات قد تؤدي إلى المساس بوحدة البلاد.