وصلت العلاقات المغربية الجزائرية، هذه الأيام إلى درجات متقدمة من التوتر، بلغت حد تبادل الاتهامات بين البلدين الشقيقين، على خلفية اتهامات الرباط لإيران وحليفها حزب الله اللبناني بدعم جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية عن طريق سفارة طهران بالجزائر؛ الأمر الذي رفضته السلطات الجزائرية.
الأجهزة الجزائرية على علم بالتحركات
أول أمس الأحد، عادت الاتهامات بين الطرفين إلى الواجهة، حيث كشف وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، لأول مرة منذ إعلان قطع العلاقات مع طهران، تفاصيل تتعلق بما أسماه “الدعم الجزائري الفعلي والمباشر للاجتماعات التي عقدتها كوادر حزب الله اللبناني وقيادات من جبهة البوليساريو”.
بوريطة قال في مقابلة مع مجلة “جون أفريك” الأسبوعية الدولية، إن بعض الاجتماعات بين البوليساريو و”حزب الله” تم عقدها في “مكان سري” بالجزائر العاصمة، معروف لدى الأجهزة الجزائرية، ومستأجر من طرف جزائرية متزوجة من أحد كوادر حزب الله، تم تجنيدها كعميلة اتصال تابعة للحزب خاصة مع البوليساريو.
قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران بداية شهر مايو/أيار الحاليّ
وأفاد بوريطة بأن السفارة الإيرانية بالجزائر العاصمة كانت صلة الوصل التي تربط بين حزب الله والجزائر والبوليساريو من خلال “مستشارها الثقافي” أمير الموسوي الذي كان دائمًا الشخص الرئيسي والمحوري في محاولات نشر “التشيع” في العديد من البلدان العربية والإفريقية، وهو اليوم مستشار في القضايا الإستراتيجية لـ”المرشد الأعلى” علي خامنئي، على حد قوله.
وكان المغرب قد قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران بداية شهر مايو/أيار الحاليّ، متهمًا إياها وحليفها حزب الله اللبناني بدعم جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية عن طريق سفارة طهران بالجزائر، وقال ناصر بوريطة حينها إن بلاده قدّمت ملفًا كاملاً لطهران فيه أدلة ومعطيات تدعم قرارهم.
وأوضح بوريطة في حواره مع “جون أفريك” أن الملف المغربي “تم إعداده بدقة بالغة على مدى عدة أسابيع استنادًا إلى المعلومات التي تم تجميعها والتحقق منها طيلة عدة أشهر، كما تضمن حقائق ثابتة ودقيقة، منها مواعيد زيارات مسؤولين كبار في حزب الله إلى الجزائر، وتواريخ وأمكنة الاجتماعات التي عقدوها مع مسؤولي البوليساريو، بالإضافة إلى قائمة بأسماء العملاء المشاركين في هذه الاتصالات”، مضيفًا أن المغرب لم يتخذ قراره إلا بعد دراسة كل العناصر والتحقق والتأكد منها.
أسماء بارزة
الوزير المغربي قال إنه كشف لنظيره الإيراني جواد ظريف أسماء مسؤولين كبار في حزب الله، تنقلوا في عدة مناسبات إلى تندوف منذ مارس 2017 من أجل لقاء المسؤولين في البوليساريو والإشراف على دورات تدريبية وإقامة منشآت ومرافق.
وأضاف أن الأمر يتعلق على الخصوص بحيدر صبحي حديد المسؤول عن العمليات الخارجية في حزب الله وعلي موسى دكدوك المستشار العسكري في التنظيم نفسه، بالإضافة إلى الحاج أبو وائل زلزالي المسؤول عن التكوين العسكري واللوجستي.
المغرب يتهم حزب الله بدعم البوليساريو
وقال برويطة إن وزير الخارجية الإيراني لم يطعن أو يشكك في أي من الأسماء أو الحقائق التي تم اطلاعه عليها، مضيفًا أن المبررات ذات الطابع “السياسي” التي تم تقديمها ركزت على هامش استقلالية الحركة التي يتوفر عليها حزب الله، وكذا على الوضع الخاص لعضو السفارة الإيرانية المعني.
استنكار جزائري
تصريحات وزير الخارجية المغربي، سرعان ما رفضتها الجزائر، حيث عبرت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية عبد العزيز بن علي الشريف عن إدانتها لما وصفه بـ”التصريحات غير المسؤولة” لوزير الخارجية المغربي، واعتبرت أن اتهامات بوريطة التي لا أساس لها من الصحة ولا مبرر لها، هي في الواقع تمثل سياسة الهروب إلى الأمام التي انتهجها المغرب في أعقاب النكسات الرئيسية التي عانى منها في إفريقيا وأوروبا ومؤخرا في نيويورك”.
وقال بن علي شريف: “عوض تقديم الأدلة الدامغة التي يزعم أنها بحوزته والتي لا وجود لها في الحقيقة وعوض الأسف أمام الذهول الذي تلقى به المجتمع الدولي ادعاءاته في الفاتح مايو الأخير، آثر الوزير المغربي المضي في التضليل والافتراء”.
يعتبر مشكل الصحراء الغربية أحد أهم المشاكل بين الجزائر والمغرب
ورأى المسؤول الجزائري أن هذه الاتهامات “تفضح عجز المغرب في اقحام الجزائر مباشرة في نزاع جزم بخصوصه مجلس الأمن الدولي مجددًا أنه مسالة تقرير مصير ينبغي أن تشكل موضوع مفاوضات مباشرة بنية حسنة ودون شروط مسبقة تحت إشراف الأمم المتحدة بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ومقبول من الجانبين يضمن تقرير مصير شعب الصحراء الغربية”.
وقبل أيام، استدعت الجزائر السفير المغربي للاحتجاج على اتهامها بأنها أدت دورًا في دعم إيران لجبهة البوليساريو عن طريق سفارة طهران لديها، وقالت وزارة الخارجية الجزائرية إن الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية استقبل سفير المملكة المغربية وأعرب له عن رفض السلطات الجزائرية تصريحات وصفتها بأنها أقحمت الجزائر في الموضوع ولا أساس لها.
بالتوازي مع ذلك، كشفت وكالة الأنباء التركية “الأناضول“، إمكانية تخفيض الجزائر تمثيلها الدبلوماسي مع المغرب ردًا على ما تعتبره “حملة” مغربية تستهدفها منذ عدة أسابيع، وفق مصدر دبلوماسي مطلع، وقال المصدر للأناضول، طالبًا عدم كشف هويته، إن وزارة الخارجية الجزائرية رفعت عدة توصيات لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة تتعلق بالأزمة مع الجارة المغرب، ومن بين التوصيات تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع المغرب عبر طرد عدد من الدبلوماسيين المغاربة العاملين في الجزائر وغلق فروع قنصلية.
الصحراء الغربية.. أصل النزاع
هذه الأزمة بين البلدين الجارين لم تكن وليدة اليوم، بل امتداد لأزمات سابقة بينهما، فمنذ حصول الجزائر على استقلالها سنة 1962، اتسمت العلاقات الجزائرية المغربية بالتوتر، وصلت حد المواجهة العسكرية المفتوحة، بعد أن خاضا في بداية الستينيات ما عرف بحرب الرمال بسبب مشكلة الحدود بينهما.
تمثل قضية الصحراء الغربية أبرز عائق أمام تطور العلاقات بين المغرب والجزائر
ويعتبر مشكل الصحراء الغربية أحد أهم المشاكل بين الجزائر والمغرب، وكان لتخلي إسبانيا عن الإقليم بموجب اتفاقية مدريد عام 1957 وإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 بحق شعب الصحراء في تقرير المصير والاستقلال وظهور جبهة البوليساريو كقوة عسكرية تتلقى الدعم من الجزائر، أثرًا في جعل إقليم الصحراء المغربية محور مهم من محاور عدم الاستقرار في العلاقات المغربية – الجزائرية.
ويتواصل غلق الحدود البرية بين الجزائر والمغرب للسنة الـ22 بعد إغلاقها منتصف سنة 1994، على خلفية حادث مراكش الإرهابي الذي قرّر عقبه الملك الراحل الحسن الثاني فرض التأشيرة على الجزائريين، ليأتي قرار الرئيس اليامين زروال بغلق الحدود البرية بين البلدين.