خلال الأسبوعين الماضيين كانت العاصمة القطرية الدوحة محط اهتمام العديد من قادة إفريقيا، فقد زارها مطلع الشهر الحاليّ كل من رئيس زيمبابوي إيمرسون منانجاجوا والرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، وعلى مستوى الوزراء استقبل القادة القطريون في الفترة ذاتها كل من شيرلي أيوركور بوتشوي وزيرة الشؤون الخارجية والتكامل الإقليمي بجمهورية غانا، ومكاوي محمد عوض وزير النقل والطرق والجسور السوداني إلى جانب ورقينيه قبيو وزير الخارجية الإثيوبي.
العنوان العريض الذي يُفهم من تلك الزيارات واللقاءات المستمرة – خاصة إذا استصحبنا معنا جولتي أمير قطر في القارة السمراء العام الماضي – هو فشل المحاولات التي قادتها السعودية والإمارات لشيطنة الدوحة وتصويرها على أنها دولة معزولة.
في هذه المقالة سنتطرق بالتحديد إلى التقارب القطري مع الصومال والسودان وإثيوبيا وكيف يُقرأ ذلك التقارب في ظل استمرار الأزمة الخليجية وتضاؤل فرص حلها بحسب تصريحات وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثان.
يمكن لميناء هوبيو توفير خدمة بحرية لمناطق واسعة في وسط الصومال وتعزيز العلاقة التجارية مع إثيوبيا الدولة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الصومال وقطر على حد سواء
الصومال ترسخ علاقاتها مع قطر وتطرد الإمارات
على الرغم من الحملة الإعلامية الشرسة التي تشنها عليه وسائل الإعلام الإماراتية منذ اندلاع الأزمة بين مقديشو وأبو ظبي، لم يتردد الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو في القيام بزيارة عمل رسمية إلى قطر بدأت يوم الأحد 13 من مايو/أيار الحاليّ، بل ربما أراد الرجل القوي الذي يحظى بشعبية جارفة في بلاده توجيه رسالة إلى الأذرع الإعلامية التي تهاجمه مفادها أنني لا آبه لحملتكم المسعورة ولن تثنيني عن مواصلة توطيد العلاقات مع قطر وتركيا.
وتعليقًا على الزيارة أكد مختار علي يوسف القائم بأعمال السفارة الصومالية لدى الدوحة تعرُّض بلاده لضغوط من دول الحصار لقطع العلاقات مع دولة قطر، مشيرًا إلى أن مقديشو رفضت الإغراءات وتبنَّت الموقف الحيادي ووقفت إلى جانب الحكومة القطرية الداعية إلى الحوار، واصفًا مطالبة دولة بقطع علاقاتها مع دولة أخرى أمر غير معقول.
وبالنظر إلى الوفد المرافق للرئيس فرماجو، نعتقد أن الزيارة ستكون منصبةً بشكلٍ خاص على موضوع الموانئ، بعد اعتراض الصومال على الاتفاقية التي وقعتها حكومة “أرض الصومال” الانفصالية مع شركة موانئ دبي من أجل استحواذ الأخيرة على جزء مقدر من ميناء بربرة.
لذلك ربما تسعى قطر لتوقيع اتفاقية تطور بموجبها أحد الموانئ الصومالية الأخرى، لا سيما ميناء “هوبيو” الواقع على الساحل الشمالي الشرقي للصومال بالقرب من خليج عدن، وهو واحد من أقدم الموانئ الصومالية وقريب كذلك من مضيق باب المندب رابع أهم نقطة عبور بحرية فيما يتعلق بنقل البترول.
ويمكن لميناء هوبيو توفير خدمة بحرية لمناطق واسعة في وسط الصومال وتعزيز العلاقة التجارية مع إثيوبيا الدولة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الصومال وقطر على حد سواء، بحيث يشكل الميناء بعد تطويره منفذًا بحريًا لإثيوبيا عبر منطقة “عبود واق” لتخفيف اعتمادها على ميناء جيبوتي، هذا بخلاف الموانئ الأخرى مثل كيسمايو وميركا.
وصل الدوحة وزير النقل السوداني مكاوي عوض وهو من قدامى كوادر الحركة الإسلامية، ولعله قد لعب دورًا في إرساء صفقة ميناء سواكن لصالح قطر بعد منافسة مع شركة موانئ دبي
وينتظر أيضًا أن يبحث الرئيس الصومالي فرماجو مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد كل القضايا التي تهم الطرفين بالإضافة إلى توقيع اتفاقية بين وزارتي الصحة في قطر والصومال لتطوير التعاون في هذا القطاع الصحي، فضلًا عن التحديات الاقتصادية والأمنية التي لا تزال قائمة في جمهورية الصومال، بجانب المخاطر التي يتعرض لها الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
جدير بالذكر أن قطر دعمت الاقتصاد الصومالي من خلال صندوق التنمية بحزمة من المشاريع المتنوعة تكلفتها 200 مليون دولار، تركزت في مجالات البنية التحتية والتعليم والتمكين الاقتصادي بحسب ما ذكره في وقت سابق السفير طارق بن علي الأنصاري مدير إدارة التعاون الدولي بوزارة الخارجية القطرية، كما قدمت قطر العديد من المساعدات للحكومة والشعب الصومالي، بينها مساعدات عسكرية لدعم الشرطة الوطنية الصومالية تتكون من 30 سيارة للدفع الرباعي.
والدعم القطري السخي جاء في وقت أغلقت فيه السلطات الإماراتية مستشفى الشيخ زايد في العاصمة الصومالية مقديشو، في خطوة غريبة فُسرت بأنها عقابية لأنها تمت فور مصادرة السلطات الصومالية مبالغ مالية من على متن طائرة إماراتية في مطار مقديشو، واعتبر ناشطون صوماليون على مواقع التواصل الاجتماعي أن تلك الأموال التي صودرت خُصصت لتخريب الصومال للانتقام من حكومة فرماجو وإشعال الفتنة بين مكونات الشعب الصومالي الذي توحد خلف قيادة الرئيس محمد فرماجو.
السودان يحسم أمره ويخصص ميناء سواكن لقطر
رغم تذبذب مواقف الحكومة السودانية بين قطر ومعسكر دول الحصار فإنها حافظت على مستوى جيد من العلاقات مع الجانب القطري، ويلاحظ في الآونة الأخيرة أن الاتصالات تكثفت بين الجانبين بعد فتور العلاقات بين الخرطوم والرياض.
إذ تسلم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد الأسبوع الماضي رسالة خطية من الرئيس السوداني عمر البشير نقلها له وزير الخارجية الأسبق علي كرتي، لم تذكر وسائل الإعلام القطرية فحوى الرسالة مكتفية بأنها تتصل بالعلاقات بين البلدين، ولكن يبدو أنها تتعلق بتطورات الأزمة في المنطقة وأوضاع السودان الاقتصادية فقد ردّ أمير قطر برسالة مماثلة نقلها سفيره لدى الخرطوم راشد النعيمي.
في تلك الأثناء وصل الدوحة وزير النقل السوداني مكاوي عوض وهو من قدامى كوادر الحركة الإسلامية، ولعله قد لعب دورًا في إرساء صفقة ميناء سواكن لصالح قطر بعد منافسة مع شركة موانئ دبي، وناقش مكاوي مع وزير المواصلات القطري جاسم السليطي مذكرة التفاهم التي وقعتها الشركة القطرية لإدارة الموانئ “موانئ قطر” مع الحكومة السودانية لتطوير ميناء “سواكن”.
العلاقات القطرية ـ الإثيوبية شهدت طفرة واضحة العام الماضي بعد التقارب الذي تجلّى في زيارة أمير قطر الشيخ تميم إلى أديس أبابا في أبريل/نيسان 2017
بالإضافة إلى مناقشة مرحلة إنشاء البنية التحتية الخاصة بالميناء بما يعزز العمليات التشغيلية الخاصة به ليصبح البوابة التجارية الرئيسية في المنطقة، وبحث اللقاء سبل تطوير تجارة العبور لدول الجوار وتنمية التجارة بالمنطقة الحرة بميناء سواكن، فضلًا عن مناقشة الفرص الاستثمارية في مجالات النقل والمواصلات والموانئ بين البلدين.
كثيرة هي الأسباب التي جعلت السودان يراجع حساباته ويعود ليقترب من قطر، أهمها شعور الحزب الحاكم بخيبة أمل جراء تقاعس السعودية والإمارات عن نجدته في الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تمر بها البلاد، رغم أن الخرطوم تشارك بقوة في التحالف الذي تقوده السعودية للقتال ضد الحوثيين في اليمن وضحّت بمئات الجنود في الحرب المستمرة التي دخلت عامها الرابع دون نتيجة واضحة.
إثيوبيا تبعث بوزير خارجيتها إلى الدوحة
العلاقات القطرية ـ الإثيوبية شهدت طفرة واضحة العام الماضي بعد التقارب الذي تجلّى في زيارة أمير قطر الشيخ تميم إلى أديس أبابا في أبريل/نيسان 2017، والزيارة المماثلة التي قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي مريام ديسالين إلى الدوحة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.
التطور الأبرز في تقديرنا، تمثّل في توقيع وزارتي الدفاع القطرية والإثيوبية اتفاقية بشأن التعاون الدفاعي أعقبها زيارة قام بها رئيس أركان الجيش القطري غانم بن شاهين الغانم إلى أديس أبابا
وكانت إثيوبيا ـ التي تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي ومعظم مؤسسات الأمم المتحدة ولجانها التابعة للقارة السمراء ـ قد أعلنت الحياد في الأزمة الخليجية الأخيرة ودعت إلى حل النزاع بالطرق الدبلوماسية، لكنها هي الأخرى كثّفت تواصلها مع قطر حيث تقاربت مواقف الدولتين مع سعي الدوحة لتنويع اقتصادها من خلال الاستثمار في القارة الإفريقية، بينما تفخر أديس أبابا بأنها أصبحت قبلة للمستثمرين من شتى أنحاء العالم سواء كانوا أفرادًا أم دولًا أم مؤسسات.
وتُوجت العلاقات بين البلدين بدخول رجال أعمال قطريين إلى السوق الإثيوبية الواعدة، أبرزهم عبد الله بن سالم رئيس مجلس إدارة مجموعة السليطين التي أقامت مجمعًا ضخمًا للاستثمار الزراعي والصناعي في إثيوبيا في فترة زمنية وجيزة، كما دخلت مجموعة بروة العقارية لتنفيذ مجمعات سكنية ومشروعات فندقة وسياحة في العاصمة أديس أبابا وما حولها.
ولكن التطور الأبرز في تقديرنا، تمثّل في توقيع وزارتي الدفاع القطرية والإثيوبية اتفاقية بشأن التعاون الدفاعي أعقبها زيارة قام بها رئيس أركان الجيش القطري غانم بن شاهين الغانم إلى أديس أبابا، التقى خلالها رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين ونظيره الإثيوبي سامورا يونس، صحيح لم يكشف مضمون الاتفاقية لكنها مؤشر واضح يؤكد المستوى المتقدم الذي وصلته علاقات الصداقة بين البلدين.
وتأتي زيارة وزير الخارجية الإثيوبي ورقينيه قيبيو لقطر في وقت دخلت فيه بلاده عهدًا جديدًا بانتخاب آبي أحمد علي رئيسًا للوزراء خلفًا لهايلي مريام ديسالين الذي تطورت في عهده علاقات الدوحة وأديس أبابا.
محاولات شيطنة قطر وربطها بالإرهاب والتطرف لم تلق آذانًا صاغية لدى قادة إفريقيا وشعوبها، وما يميز قطر عن السعودية والإمارات أن الأولى تمتلك رؤية واضحة وتتعامل بمصداقية وندية مع الدول الأخرى
وتؤكد زيارة قيبيو والرسالة التي حملها من رئيس الوزراء الجديد آبي أحمد لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد عدم تأثر السياسة الخارجية الإثيوبية بتغير منصب رئيس الحكومة وانتقال السلطة إلى جيل الشباب وهذه واحدة من مميزات إثيوبيا الحديثة، فعندما رحل رئيس الوزراء الأسبق ميليس زيناوي اعتقد كثيرون أن البلاد ستطوي عهد التطور والنهضة وستعود إلى دوامة الصراع والحروب، لكن ديسالين واصل من حيث توقف زيناوي وها هو آبي أحمد يستكمل ما بدأه سلفه في توطيد العلاقات مع الدوحة وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين.
بكل تأكيد ستُجابه زيارة وزير الخارجية الإثيوبي بتأويلات وتفسيرات مختلفة من الإعلام المصري الذي لا يعرف عن إثيوبيا شيئًا خلاف سد النهضة، وسيربط كالعادة بين رسالة رئيس الوزراء وقضية تمويل السد رغم أنه لم يكن مطروحًا من الأساس على طاولة المباحثات بين قادة الدولتين، ولن يتفهم الإعلام الموجه أن أديس أبابا تهتم عبر دبلوماسيتها النشطة بجذب رؤوس الأموال للاستثمار وإنعاش الاقتصاد الإثيوبي من أجل مواطنيها الذين يزيد عددهم على 100 مليون نسمة.
أهداف التقارب القطري ـ الإفريقي
تشهد منطقة القرن الإفريقي تنافسًا كبيرًا بين دول عربية وعالمية، فقد عيّن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز سفيره السابق لدى مصر ليكون وزيرًا للشؤون الإفريقية. وخلال الفترة الماضية شهدت المنطقة زيارات لعدد من القادة من بينهم الرئيس الإسرائيلي ريفيلين وقبله وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون والروسي سيرغي لافروف.
كما تسعى السعودية بكل السبل إلى استقطاب الدول الإفريقية، بعدما فشلت في تنظيم قمة تجمعها مع قادة الدول الإفريقية دعا إليها العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز في يوليو/تموز في العام الماضي، ولذلك ستستمر حالة التنافس بين أطراف الأزمة الخليجية في منطقة القرن الإفريقي الإستراتيجية طالما أن الأزمة موجودة ولم تُحل، فمن الواضح أن هناك محورًا قطريًا ـ تركيًا يتشكل في القرن الإفريقي يضم السودان والصومال وإثيوبيا في مواجهة محور السعودية ـ الإمارات ـ القاهرة الذي يضم إريتريا وأرض الصومال الانفصالية.
الخلاصة أن محاولات شيطنة قطر وربطها بالإرهاب والتطرف لم تلق آذانًا صاغية لدى قادة إفريقيا وشعوبها، وما يميز قطر عن السعودية والإمارات أن الأولى تمتلك رؤية واضحة وتتعامل بمصداقية وندية مع الدول الأخرى، عكس محور السعودية الإمارات الذي يريد الهيمنة على قرار الدول الصديقة ويتعامل معها على أنها مجرد تابع.