إلى الشرق من المسمية الكبيرة وعلى كيلومتر واحد أكثر قليلًا، كانت تقع المسمية الصغيرة الشقيقة الصغرى للكبيرة، لأنها انبثقت عنها كما يقول الحاج عمر الحوراني في مقابلة معه عن قريته على موقع “فلسطين في الذاكرة”.
إذ انبثقت المسمية الصغيرة عن الكبيرة سكانًا ومكانًا، فأهالي المسمية الصغيرة كانوا واحدًا من أرباع المسمية الكبيرة الأربعة، خرجوا منها وأقاموا قريتهم على قطعة أرض من أراضي المسمية الكبيرة التي كانوا يملكونها قبل خروجهم، ويعود ذلك إلى الثمانينيات من القرن التاسع عشر. وقبل ذلك، كانت المسمية فقط، لا كبيرة ولا صغيرة، قرية واحدة يعيش فيها كل أبنائها المسميون.
المسمى
غير أن التسمية التي اشتهرت بها المسمية الصغيرة كانت “مسمية الحوراني”، نسبة إلى آل الحوراني الذين أقاموها، وذلك بعد خروجهم من المسمية الكبيرة. بحسب روايتي كل من الحاج عمر وعبد الرحمن الحوراني، فإن عائلتهم خرجت من المسمية الكبرى إثر خلاف مع عائلة مهنا التي كانت أكبر أربع أرباع المسمية الكبيرة.
أدى ذلك الخلاف إلى شجار راح ضحيته شاب من عائلة مهنا، ما أدى بآل الحوراني جميعهم الجلاء عن المسمية إلى قرى ومدن مختلفة. ولما عُقدت راية الصلح بين الحمولتين برعاية الوالي العثماني، كان شرطه بقاء الحوارني خارج القرية، فأقاموا على أرضهم شرقي المسمية الكبيرة مسميتهم الجديدة-الصغيرة، وظلت تُعرف بمسمية الحوراني ولم يتجاوز عدد سكانها حتى عام النكبة الـ 5 آلاف و500 نفر، معظمهم من عائلة الحوراني وبضعة عائلات صغيرة العدد خرجت مع آل الحوراني من المسمية الكبيرة.
كان أول ما فعله آل الحوراني قبل انتقالهم إلى المسمية الصغيرة حفرهم البئر فيها، “حفرنا البير وانتقلنا” يقول الحاج عمر الحوراني على لسان أجداده الذين أقاموا المسمية الصغيرة. كان البئر هو الشرط الأساسي لوجود أي قرية في كل ريف غزة، وقبل جامع الصلاة فيها، لذا نجد أن آبار القرى في قرى ريف غزة كانت دائمًا المعلم الأهم والأبرز فيها، وعادة ما يطلق عليها تسمية “بير البلد”.
الموقع
تبعد المسمية الصغيرة مسافة 39 كيلومترًا عن يافا جنوبًا، بينما عن غزة المدينة مسافة 44 كيلومترًا، أحاطت بها من غربها المسمية الكبيرة، بينما من الشرق كانت قرية الخيمة وكذلك قرية التينة من قضاء الرملة، فيما قطرة القرية العربية وكذلك المستعمرة “جديرا” تقعان إلى الشمال من المسمية الصغيرة، أما تل الصافي الذي كان يتبع لقضاء الخليل فقد أحاط المسمية الصغيرة من جنوبها.
وفي الجهة الشرقية من قرية المسمية الصغيرة، وتحديدًا ما بين قريتي التينة وتل الصافي، كانت مستعمرة “كفار مناحيم”، وبحسب رواية الحاج عبد الرحمن الحوراني تعود الأرض التي أقيمت عليها المستعمرة إلى 3 أخوة من مدينة القدس تحفّظ على أسمائهم، سرّبوها للصهاينة ثم قُتلوا الثلاثة لاحقًا فيها.
يعتبر وادي زريقة الوادي الأشهر المتصل في ذاكرة القرية وسكانها، فقد حطت المسمية الصغيرة على حافته من شمالها، كان الوادي يأتي من شرقي القرية مارًّا من شمالها، ليصبّ في طريقه بوادي الصرار الشهير الذي يتجه غربًا نحو نهر روبين جنوبي يافا ثم إلى البحر.
وبحسب صاحب كتاب “كي لا ننسى” رشيد الخالدي، كان هناك طريق قصير يربط القرية بملتقى الطرق العامة المؤدية إلى المجدل في الجنوب الغربي من المسمية الصغيرة، وإلى الرملة في الشمال الشرقي، وكذلك إلى طريق القدس-يافا العام في الشمال الجنوبي من المسمية.
بين جُرنَين
يعني “الجُرن” في قرى ريف غزة “البيدر”، والجرن تسمية مصرية في أصلها لبيادر الغلال والمحاصيل. وممّا يذكره الحاج عبد الرحمن الحوراني أن المسمية الصغيرة كانت بيوتها تمتد ما بين جرنين، الجرن الشامي أي الشمالي، والجرن القبلي أي الجنوبي.
والمسمية الصغيرة طوبوغرافيتها كانت سهلية زراعية لا حجر في ترابها، إلى حد كان فيه أهالي القرية بحسب ما يرويه الحاج عمر الحوراني عند دفنهم أحد موتاهم، يضطرون إلى إرسال أحد الجمّالين إلى المناطق الجبلية، لجلب حجر كبير من أجل وضعه شاهدًا على قبر فقيدهم.
كانت القرية قليلة المعالم الأثرية، وذلك لأنها قرية حديثة في نشأتها وبنائها، غير أن أبرز معالم القرية كانت “سدرة البلد”، وهي شجرة سدر كبيرة زرعها المسميون أول ما أقاموا قريتهم الجديدة إلى جانب بئر القرية التي حفروها بأيديهم، وذلك بغرض أن يستظل في ظلها قاصدو البئر وشاربوها، وهذا ما ظلَّ يتذكره الحاج عبد الرحمن حوراني عن تجمهر كبار وصغار قريته وحتى نسائها تحت سدرة البلد.
في المسمية الصغيرة جامع وحيد صلى فيه جميع أهالي القرية، بلا مئذنة ولا قبّة، غير أن الذي ظلَّ يسترخي في مسامع أهالي القرية إلى ما بعد تهجيرهم منها على مدار عقود هو الشيخ عبد الرحمن الحوراني، مؤذن جامع القرية الذي كان يعتلي سطح بيته لا سطح الجامع ليؤذن في الناس الأوقات الخمسة، ليتجه أهالي المسمية الصغيرة بدورهم إلى الجامع، كما كان الشيخ عبد الرحمن بحسب ما يروي الحاج عمر الحوراني بنّاء معظم بيوت القرية.
والأهم أنه أول شهيد في المسمية الصغيرة، اُستشهد في معركة “قرية عين داراس” في أحداث النكبة عام 1948، وقبل استشهاده كان الشيخ عبد الرحمن الحوراني واحدًا من بين ثلاثة من أبناء المسمية الصغرى، الذين قادوا الثورة الكبرى في القرية على الاستعمار البريطاني فترة 1936-1939.
لم تكن في المسمية الصغيرة مدرسة خاصة فيها، إنما تشارك أهلها مع أهالي المسمية الكبيرة في مدرسة مشتركة للقريتَين، كانت تقع شرقي المسمية الكبيرة غربي الصغيرة. وكذلك تشارك أهالي المسمية الصغيرة مع الكبيرة في مستوصف هذه الأخيرة فيها، غير أن أهالي المسمية بحسب رواية الحاج عبد الرحمن الحوراني كانوا يُطلقون على المستوصف اسم “دار الحكمة”، والحكمة من الحكيم أي الطبيب بالمعنى العامي الدارج في حينه.
تعتبر الزراعة بمثابة عماد الاقتصاد والمعاش بالنسبة إلى سكان القرية، إسوة بباقي أهالي ريف غزة وفلسطين عمومًا، وكانت الحبوب المحاصيل الأساسية التي ظلَّ المسميون يزرعونها في سهولهم وحقولهم.
غير أن تحولًا طرأ على النمط الزراعي في القرية منذ مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، إذ اتجه كثيرٌ من أهالي القرية إلى إقامة البيارات وزراعة الحمضيات وكذلك الموز، وبحسب الخالدي في كتابه “كي لا ننسى” عن القرية، يذكر أنه في عامَي 1944-1945 كان ما مجموعه 147 دونمًا من أراضي القرية مخصصة لزراعة الحمضيات والموز، و 6 آلاف و126 دونمًا للحبوب والقطان على اختلاف أصنافها، وبالأخص القمح من الحبوب، بينما خصّص أهالي المسمية 7 دونمات للزراعة المروية والبستنة.
شارك سكان المسمية الصغيرة في السوق الأسبوعية، التي كانت تقام في بلدة الفالوجة إلى الجنوب من المسمية الصغيرة، كما كان يصدّر أهالي القرية منتوجاتهم الزراعية وتلك المشتقة من ثروتهم الحيواني إلى أسواق مدن يافا واللد والرملة والمجدل كذلك.
احتلال القرية
بحسب ما تفيد به المراجع، منها الخالدي الذي أشرنا إليه سابقًا، فإن المسمية الصغيرة قد اُحتلت وسقطت بأيدي العصابات الصهيونية في يوليو/ تموز 1948، وتحديدًا في يومي 8-9 تموز/ يوليو، وذلك في نفس أيام احتلال قرية التينة التي تقع شرقيها.
ولم يبقَ من القرية بعد تهجيرها من معالمها شيء يُذكر سوى بئرها وشجرة السدر “سدرة البلدة”، التي جرى اقتلاعها لاحقًا في ستينيات القرن الماضي، في الوقت الذي تم فيه ردم بئر المسمية الصغيرة بكل ما كانت تختزنه من ذكريات وأمنيات أهلها التي شربوا من ماءها.
لم يستوطن الصهاينة المسمية الصغيرة بعد احتلالها، مع العلم أنهم استوطنوا المسمية الكبيرة فور احتلالها في العام نفسه. وبحسب المؤرخ الإسرائيلي بني موريس، فإن المستعمرة التي أُقيمت على أراضي المسمية الصغيرة لاحقًا كانت “مسمية بيت”، ثم تغير اسمها إلى “مسمية شالوم” وذلك في خمسينيات القرن الماضي.