كيف تحولت تركيا إلى قطب يفضله الأوروبيون المسلمون؟

ntly

ترجمة وتحرير: نون بوست

يزدان الفندق الفخم بسلالم حلزونية ومصاعد زجاجية وثريات ضخمة. أما مكتب الاستقبال الفخم، فهو عبارة عن فناء مركزي يضم مقاعد، ومحلات تجارية، ونافورات، كما يمكن الوصول من خلاله إلى حدائق الفندق. وفي هذا المكان، تتجول العديد من النساء اللاتي ترتدين جلابيب طويلة وتغطين رأسهن بحجاب، في حين ترتدي مجموعة أخرى من النساء النقاب. أما بعض الرجال، ذوي اللحى الطويلة، فيرتدون أزياء إسلامية تقليدية أو الطاقية.

تعد مثل هذه الفنادق نموذجا عن النسخة الجديدة للعطل الشاطئية التي لاقت رواجا داخل الوجهات “المسلمة الصديقة”، التي تزدهر فيها السياحة الحلال. وقد باتت السياحة الحلال بمثابة التزام بالنسبة لقطاع السياحة في بلدان على غرار تركيا، التي يتدفق إليها عدد كبير من السياح المسلمين، تعمل جاهدة على تأمينه. وفي مطعم هذا الفندق، يوجد أفضل أنواع الطعام الحلال، وموائد تضم أنواعا وأصنافا مختلفة من الجبن، فضلا عن الحلويات والسلطات.

يعد أكثر من نصف النزلاء الراقين في فندق ومي ديلوكس من المسلمين الأوروبيين، القادمين من فرنسا، وبلجيكا، والبلدان الأنجلوفونية، وألمانيا، وهولندا

ويتضمن فندق ومي ديلوكس مسابح منفصلة، كما وقع تجهيزه بمصلى وشواطئ مغطاة للنساء. وفي هذا المكان، تستثنى الكحول من الأنشطة الترفيهية، التي تكون موجهة في معظمها إلى الأطفال المقيمين في الفندق.

في الأثناء، يعد أكثر من نصف النزلاء الراقين في فندق ومي ديلوكس من المسلمين الأوروبيين، القادمين من فرنسا، وبلجيكا، والبلدان الأنجلوفونية، وألمانيا، وهولندا، مع العلم أن من بينهم مهاجرين مسلمين من الجيل الأول. ويمتد هذا الفندق على مساحة 120 ألف كيلومتر مربع على شواطئ أنطاليا التركية. وفي هذا السياق، قال مدير الفندق الفخم، يوسف جيرتشيكر، إنه “من بين حوالي 800 زبون مقيم حاليا في الفندق، قدم حوالي 550 سائحا من البلدان الأوروبية. وخلال السنة الماضية، كانت نسبة حجوزات هذه الفئة في الفندق في حدود 30 بالمائة. أما خلال هذه السنة، فتبلغ هذه النسبة حوالي 60 بالمائة”. وبشكل عام، تنبئ هذه الزيادة الكبيرة في عدد الحجوزات في مثل هذه الفنادق لقضاء العطل بإحداث ثورة.


ا
سياح في فندق ومي ديلوكس، الذي يمتد على مساحة 120 ألف كيلومتر مربع على شواطئ أنطاليا التركية.

“لقد سئمنا من العيون التي تتبع حركاتنا”

أوردت إحدى النازلات في الفندق قائلة: “نرغب في السفر إلى بلد مسلم، لأن الأمر مهم للغاية بالنسبة لنا. نعلم أن هذا النوع من الفنادق سيحترم ثقافتنا، كما سنتمكن من السباحة والاستماع رفقة أبنائنا دون تعصب أو تحيّز… ودون نظرات الآخرين”. قدمت فريدة إحدى المواطنات لهذا المكان للمرة الأولى لقضاء عطلة في “بيئة حلال”. وتعتبر هذه المرأة أن تجربتها “مرضية للغاية”، خاصة من ناحية التكاليف، حيث قدرت إقامتها لمدة تسعة أيام رفقة زوجها وابنيها بحوالي 750 يورو، وهو أمر استثنائي، نظرا لوجود تخفيضات.

بعد أن سئم هؤلاء المواطنون الأوروبيون من تصنيفهم على اعتبارهم أقلية، لجؤوا إلى اختيار بيئة إسلامية لقضاء عطلتهم. وذكرت فريدة، أنه “في السنة الماضية منعونا من ارتداء البوركيني. لذلك لا يمكننا الذهاب إلى الشاطئ بهذا الزي، بعد أن فرضت علينا أزياء سباحة معينة لقضاء وقت ممتع على الشاطئ”. وأضافت فريدة، أنه “في فرنسا، ينزعج الكثيرون من ديانتنا”.

تتمتع النساء في هذه الوجهات السياحية بالسباحة، إما في حمام السباحة أو في البحر أو في الحمامات النسائية

من جهتها، أشارت طيبة، وهي سيدة إنجليزية، في حين كانت تستلقي على الشاطئ وهي مرتدية للنقاب، إلى أنها لا تشعر بالارتياح في المملكة المتحدة، لأن كل العالم ينظر لها لمجرد أنها ترتدي زيا يغطي كامل جسمها. وأضافت طيبة، أنه “في المقابل، أشعر في هنا في تركيا (ذات الأغلبية المسلمة) أن جميع الأشخاص أكثر تفهما”.

بالنسبة لطيبة، يعد مفهوم الشاطئ الخاص من علامات الرقي، كما يضفي على المكان طابعا مميزا تتسم به فنادق خمسة نجوم فقط. فضلا عن ذلك، وقع تحديد مقومات لهذا الفندق تستجيب إلى شروط الحياء، حيث ترتدي النساء ملابس سباحة محتشمة، كما يمنع التدخين واستهلاك الكحول، مما يجعل المكان هادئ ويبعث على الشعور بالاسترخاء. أما زوجها سعد، الوفي للتيار الإسلامي المحافظ، فيرى أن تصنيف حلال “لا يحتمل بعض الاستثناءات”، في إشارة إلى الموسيقى المنبعثة من مكبرات الصوت في حديقة الفندق.


الشواطئ المخصصة للنساء مغطاة بألواح وقطع من القماش لحجبها عن شرفات الفندق

أورد محمد حياة رايسكان، القادم من كروسبي في المملكة المتحدة، رفقة 15 فردا من عائلته أنه راهن على هذه الوجهة السياحية، لأن نشاط زوجته وبناته المسلمات في الفنادق التقليدية محدودة للغاية، إلى درجة أنهن لا يتمكن من السباحة. وفي هذا المكان، لا داعي للقلق من أي شيء. ودون مشاركة أي رجل، تتمكن النساء من الاستمتاع سويا.

تجدر الإشارة إلى أنه لا يجب على النساء المسلمات اللاتي التزمن بشعائر دينهن كشف أجسامهن أو شعرهن للرجال. ولهذا السبب، تعد المناطق المنفصلة التي توفرها الفنادق الحلال منفذا بالنسبة لهن. وقد أوردت العديد من النساء المسلمات القادمات إلى هذه الوجهة، فيما يتعلق بهذا المكان، أنه “وأخيرا، سنتمكن من الاستلقاء تحت الشمس والاسترخاء فعلا”.

خلال النهار، تتمتع النساء في هذه الوجهات السياحية بالسباحة، إما في حمام السباحة أو في البحر أو في الحمامات النسائية. وتتوفر في مثل هذه الفنادق أماكن للصلاة، حتى يتمكن النزلاء من القيام بمختلف فرائضهم. أما الرجال، فيقضون الوقت في أماكن الترفيه المخصصة للرجال. وفي حين تستجيب مثل هذه الفنادق إلى طلبات نزلائهم بشكل دقيق، يقضي الكثيرون منهم وقتا طويلا في الأماكن المنفصلة. فضلا عن ذلك، توجد في هذه الفنادق أماكن مختلطة، عادة ما يكون وجود النساء فيها محدودا. وعادة ما تخصص هذه الأماكن إما لتناول العشاء أو لتدخين الأرجيلة. وخلال إقامتهم في الفنادق لا يغادر النزلاء المكان، خاصة وأنهم اختاروا إقامة تغطي جميع الخدمات.  

أوضح أوفوق سيتشكن، مدير التسويق للمنصة رقم واحد في هذا القطاع،أن “خيار السياحة الحلال تزامن مع ظهور طبقة اجتماعية جديدة من المسلمين، وهي عبارة عن جيل جديد ذو وعي تام بخيار الخدمات الحلال

طفرة السياحة الحلال

في الوقت الراهن، يقدر عدد المسلمين في العالم بحوالي 1.800 مليون شخص، كما أن عددهم يسجل نموا بشكل سريع. وتشير بعض التقديرات إلى أنه بحلول سنة 2060، سيزداد عدد المسلمين في العالم بنسبة 70 بالمائة، ليصبحوا ربع سكان العالم. في ظل هذا الوضع، ارتأت وكالات الأسفار الأوروبية فرصة من خلال تقديم خدمات خاصة لهذه الفئة من السياح. تبعا لذلك، دخلت هذه الوكالات في سباق تخفيضات في مجال السياحة الحلال.

من جانبه، أشار محمد، وهو صاحب وكالة أسفار في باريس، إلى أن سبب هذه التخفيضات والاهتمام بالسياحة الحلال، هو تواتر الطلب على مثل هذا النوع من السياحة. وأضاف محمد أنه “في سنة 2017، اتجه حوالي 10 بالمائة من زبائن وكالة الأسفار إلى وجهات حلال. وخلال هذه السنة، من المتوقع أن تكون هذه النسبة بين 30 و40 بالمائة”.


مجموعة من المسلمين في فندق ومي ديلوكس على الساحل التركي في ألانيا

أوضح أوفوق سيتشكن، مدير التسويق للمنصة رقم واحد في هذا القطاع، وهي حلال بوكينغ (HalalBooking.com)، أن “خيار السياحة الحلال تزامن مع ظهور طبقة اجتماعية جديدة من المسلمين، وهي عبارة عن جيل جديد ذو وعي تام بخيار الخدمات الحلال. ويواكب هذا الجيل الحداثة، حيث يقوم بالحجوزات على الإنترنت، كما يبحث في مختلف المنصات عن وجهات يقضي فيها عطلته”.

من جهتها، أشارت آسيا جباري، مديرة وكالة الأسفار أطلس مينارا في مدريد، إلى أنه “إلى غاية الآم، تقتصر رحلات المسلمين على أداء الحج في مكة والسفر إلى بلدانهم الأم للقاء عائلاتهم”. وأضافت جباري، قائلة: “لقد سافرت إلى تركيا لأنني أرغب في رؤية هذا النموذج الجديد الذي يلاقي رواجا كبيرا، والذي سجل تنامي الطلبات عليه… ألا وهو السياحة الحلال. كما أقدمت على هذه الخطوة لأن الأشخاص يحتاجون إلى العديد من الفرص للسفر، والعديد من الخيارات لاكتشاف العالم، والاستجمام، لكن بشرط احترام مبادئ دينهم”.

أكد سيتشكن أنه “خلال السنة الماضية، استخدم منصة حلال بوكينغ حوالي 35 ألف حريف”

خلال فصل الربيع، الذي يسبق موسم الذروة في قطاع السياحة، باشرت مجموعة من الأوروبيين الذين ينظمون رحلات سياحية بزيارة مرافق حوالي 20 فندقا حلالا على سواحل أنطاليا. وتضم هذه المجموعة رجال أعمال صغار من ألمانيا، وبلجيكا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وإسبانيا، تنقلوا بهدف التعرف على جودة هذه المرافق ونوعية الخدمات التي يقدمونها.

في هذا الصدد، أكد سيتشكن أنه “خلال السنة الماضية، استخدم منصة حلال بوكينغ حوالي 35 ألف حريف. ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم خلال هذه السنة. ومن الوارد أن يتضاعف هذا الرقم سنويا وعلى مدار السنوات الخمس القادمة”. بشكل عام، يسجل عدد المسلمين حول العالم تناميا مطردا، كما أن هذه الفئة على استعداد لزيادة الميزانية المخصصة للعطلة، شريطة أن لا تشعر بأن جميع الأنظار مسلطة عليها، ومع ضمان احترام عاداتهم الدينية. ووفقا لدراسة أشرفت عليها مؤسسة تومسون رويترز، أنفق المسافرون المسلمون خلال سنة 2015 حوالي 151 مليار دولار، كان 24 مليار منها من نصيب وجهات السياحة الحلال. وفي الإجمال، تعد هذه الأعمال التجارية ذات أرباح مثيرة، نجحت تركيا في استغلالها بشكل جيد.

المصدر: الكونفدنسيال الإسبانية