تمكن تيار المقاطعة داخل حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي في البلاد وممثل لتيار الإخوان المسلمين، من الفوز في المؤتمر الاستثنائي على جناح المشاركة في الحكومة الذي يبدو أن شوكته تضعف عامًا بعد عام، بعدما استطاع الرئيس المنتهية عهدته عبد الرزاق مقري افتكاك عهدة جديدة وبفارق واضح عن منافسه الوحيد.
بعد 3 أيام وأكثر من النقاش والكواليس التي ميزت المؤتمر الاستثنائي السابع لحركة مجتمع السلم (حمس)، انتخب المندوبون الولائيون وأعضاء مجلس الشورى عبد الرزاق مقري رئيسًا للمرة الثانية لأكبر حزب إخواني في الجزائر.
فوز ساحق
تمكن مقري من الفوز لخمس سنوات جديدة بأعلى منصب في حمس بعد أن حصد 241 صوتًا من أصوات أعضاء مجلس الشورى الجديد، مقابل 84 صوتًا لمنافسه الوحيد نعمان لعور. وعرفت الانتخابات تزكية كل من عبد الرزاق عاشوري وعبد الرحمان فرحات في منصب نائبي رئيس الحركة والطيب عزيز في منصب رئيس مجلس الشورى وينوب عنه دواجي علي ونابي هبري. وتعهد مقري بعد فوزه الكبير “ببذل مزيد من العمل والجهد من أجل تحقيق إنجازات أخرى لصالح الحركة ولصالح الوطن”.
لا يعد فوز مقري مفاجئًا بالنظر إلى الشعبية التي يحظى بها داخل مجلس الشورى
وقال مقري: “حمس حركة مؤسسات وقوانين وشورى وستعمل على تحقيق مصلحة الوطن، لأن الجزائر مقبلة على انتخابات رئاسية، أين ستبحث الحركة إمكانية تحقيق التوافق لكل الجزائريين من أجل تحقيق الانتقال السياسي والاقتصادي”، وأضاف قائلاً: “لحركتي رجال لا أحد أفضل من الآخر بل إن أخي نعمان لعور أحسن مني”.
ولا يعد فوز مقري مفاجئًا بالنظر إلى الشعبية التي يحظى بها داخل مجلس الشورى، وما حققه خلال عهدته الماضية، فقد تمكن من رفع مقاعد الحركة داخل البرلمان لتصبح القوة الثالثة في البلاد بعد كل من الحزبين الحاكمين جبهة التحرير الوطني الذي يرأسه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والتجمع الوطني الديمقراطي الذي يتولى أمانته العامة الوزير الأول أحمد أويحيى.
واستطاع عبد الرزاق مقري وهو طبيب وحاصل على شهادات في العلوم الإسلامية وباحث في عديد من المراكز المختصة بالجزائر وخارجها خلال العهدة الماضية من إعادة المنشقين عن حركة الرئيس المؤسس محفوظ نحناح إلى حضنها بالوحدة مع جبهة التغيير، ويسعى لوحدة أخرى مع حركة البناء الوطني التي حضر قياديوها أشغال المؤتمر الاستثنائي.
انسحاب
اضطر منافسو مقري للانسحاب من سباق التنافس على رئاسة حركة مجتمع السلم، فقد سحب الرئيسان السابقان للحركة أبو جرة سلطاني وعبد المجيد مناصرة وهما من دعاة المشاركة في الحكومة، ترشحهما بعد أن بدا واضحًا في أشغال المؤتمر الاستثنائي أن كل الأصوات تميل لتزكية عبد الرزاق مقري.
سلطاني: “تم الاتفاق على ترك خيار المشاركة في الحكومة أو معارضتها بشكل متساوٍ، على أن يرجع القرار إلى مجلس الشورى”
ويرى مراقبون أن مقري استطاع أن يضع حدًا لتيار المشاركة، خاصة أبو جرة سلطاني الذي عبر في أكثر من مرة عن رغبته في العودة إلى الحكومة، تحت حجة أن الظرف الحاليّ للبلاد يتطلب تضافر الجميع، مستدلاً بموقف الشيخ المؤسس الراحل محفوظ نحناح الذي كان من المؤيدين للمشاركة في الحكومة.
ويقر منافسو مقري أنه لم يكن لهم خيار سوى الانسحاب بعد أن خمد الحماس الذي كان يختلجهم قبل بدء أشغال المؤتمر الاستثنائي يومًا بعد يوم وساعة بعد ساعة، بعد أن ظهر أن معظم الأصوات داخل مجلس الشورى تميل لتجديد الثقة في عراب جناح القطيعة مع السلطة داخل أكبر حزب إسلامي في البلاد.
لكن رغم هذا، يعزي دعاة المشاركة في حمس خسارتهم بتعديل القانون الأساسي للحركة الذي جعل مناقشة قراري المشاركة والمقاطعة مع الحكومة على حد سواء في قادم الاجتماعات المقبلة للحزب.
وقال رئيس حركة مجتمع السلم الأسبق أبو جرة سلطاني: “تم الاتفاق على ترك خيار المشاركة في الحكومة أو معارضتها بشكل متساوٍ، على أن يرجع القرار إلى مجلس الشورى الذي خوله المؤتمر اتخاذ القرار بحسب الوضع السياسي الذي تعيشه البلاد”.
وأضاف “حمس تتجه أساسًا إلى المشاركة، لكن المشاركة التي ينبغي أن يتفاوض حولها ويترك التقدير لمجلس الشورى الوطني، فلا تكون المعارضة خطًا واضحًا تمامًا ولا المشاركة قدرًا مقدورًا، لكن بحسب التطورات التي تحدث في وطننا”.
غير أن التشبث بهذا الأمل يبقى ضعيفًا بالنظر إلى أن عبد الرزاق مقري يحوز قاعدة داعمة داخل مجلس الشورى وخطه الرديكالي المعارض ما جعله يحوز ثقة مناضليه، إضافة إلى أن دعاة المشاركة توجه لهم غالبًا اتهامات بأن حنينهم للعودة إلى حضن السلطة مرتبط باستعادة امتيازات ضاعت منهم عند الخروج من فلك الحكومة، وليس خوفًا على مستقبل الحركة أو حبًا فيها، ما يجعل تأثيرهم لحد الآن محدودًا لكنه مزعج في الوقت نفسه.
سعيدي: “اقترح على رئيس الحركة فتح نقاش واسع أمام إطارات الحزب ومناضليه من أجل الخروج بفكرة واحدة وموحدة تحافظ على تماسك الحزب وقوته”
امتحان الرئاسيات
لن يهنأ عبد الرزاق مقري كثيرًا بفوزه الجديد، فالرجل أمام امتحان صعب سيحدد مصير حركته ومصير مستقبله السياسي يتمثل في تقديم موقف من الرئاسيات المقبلة، وقال مقري بعد فوزه بالعهدة الجديدة: “مؤسسات الحركة هي التي تقرّر الترشح للرئاسيات من عدمه”، وأضاف “سنثمن ما هو جيد ونضيف إليه، وما هو سيئ نطرحه ونتعاون مع كل الجزائريين لحلّه”.
وبرأي عبد الرحمن سعيدي الذي خسر انتخابات الرئاسة أمام مقري في مؤتمر 2012 وأحد أقطاب جناح المشاركة، فإن رئيس حمس ملزم بفتح نقاشات مهمة وورشات أمام التحديات المقبلة وأهمها الرئاسيات المقبلة.
وقال سعيد في تصريحات إعلامية: “اقترح على رئيس الحركة فتح نقاش واسع أمام إطارات الحزب ومناضليه، من أجل الخروج بفكرة واحدة وموحدة تحافظ على تماسك الحزب وقوته، باعتبار أن الرئاسيات المقبلة مهمة جدًا، وهي إحدى التحديات المقبلة لمقري”.
ويبدو أن مقري سيكون في ورطة حقيقية بشأن موضوع الرئاسيات، ففي حال ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة وهو المرجح لحد الآن ستكون حظوظه في منافسته ضئيلة جدًا بالنظر إلى توقع مقاطعة من الناخبين وفوز بوتفليقة من جديد، ما يعني نهاية المستقبل السياسي لمقري والإحالة إلى التقاعد المبكر.
أما في حال قررت حمس دعم ترشيح بوتفليقة لعهدة خامسة، فسيكون ذلك تناقضًا مع الأفكار التي دافع عنها مقري والتيار الداعم له، والمتمثلة في ترديده يومًا بعد آخر أن ذلك معاكسًا للتداول على السلطة ولأسس الانتقال الديمقراطي.
ويبقى خيار المقاطعة الحل الأقل ضررًا بالنسبة لمقري لضمان مستقبله السياسي والحفاظ على داعميه، غير أن ذلك قد يقوي شوكة مناوئيه الذين يتساءلون في كل مرة عما ينقص حمس لتقدم مرشحًا رئاسيًا من جديد، فآخر مرشحيها هو الشيخ المؤسس في انتخابات 1995.