في كل ذكرى نكبة، يطل لمخيلتنا صور من أربعينيات القرن الماضي التي حملت واحدة من أكبر كوارث القرن العشرين، ألا وهي احتلال ونكبة فلسطين. الصور تنحصر في عدة خانات مأساوية كصور اللاجئين والخيام وصفوف السائرين بلا هدى بعد التهجير وقتلى القرى الفلسطينية ضحايا مذابح الأرجون وشتيرن، وغيرها من الصور.
لكن وجهًا آخر من تلك الحقبة غيب عنا إما بجهل منا أو بتجهيل متعمد من احتلال أراد لنا ألا نعرف عن تلك الفترة سوى الضعف وخيبة الأمل، هذا العام وفي ذكرى النكبة نمر عبر هذا المقال على أبرز وجوه وأحداث المقاومة التي سبقت النكبة بعقود وبعض التي عاصرت أحداث النكبة.
فرحان السعدي (1860-1937)
الشيخ فرحان السعدي أحد قادة ثورة 1936-1939 التي تخللها واحد من أطول الإضرابات الشعبية في التاريخ، وكان سيساعد في انتهاء الانتداب البريطاني وربما فشل المشروع الصهيوني بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، قاد السعدي أيضًا قبل ذلك ثورة البراق عام 1929 وحكم عليه بالسجن آنذاك 3 سنوات.
ولد السعدي في قرية المزار قضاء جنين وتلقى دراسته الابتدائية في قريته ثم في مدينة جنين، وقد نشأ نشأة دينية فحفظ القرآن والأحاديث النبوية الشريفة ولذا عرف بالشيخ، وكان موضع احترام معارفه وأهالي قريته والقرى المجاورة لما تحلى به من تقى واستقامة وشجاعة وإيمان.
خاض السعدي الكثير من المعارك وجرح في معركة عين جالود، ولكنه استمر يقاتل بعد ذلك
بعد استشهاد القسام في أبريل 1935 قام السعدي بعملية نوعية في أبريل 1936 رفقة عطية أحمد عوض أبو أحمد، حيث اعترض حافلة نقل للركاب فيها صهاينة وغيرهم، فأنزلوا من الباص اثنين من الصهاينة وقتلوهم وقالوا لركاب الباص: “قولوا للإنجليز إن الذي قام بذلك هم رجال القسام واتباع القسام”.
خاض السعدي الكثير من المعارك وجرح في معركة عين جالود، ولكنه استمر يقاتل بعد ذلك. وفي 22 من نوفمبر1937 هاجمت القوات البريطانية بيته في قرية المزار وألقت القبض عليه، وقدم لمحاكمة صورية حكم فيها عليه بعد ثلاثة أيام بالإعدام شنقًا، في رمضان يوم 27 من نوفمبر 1937م أعدم السعدي شنقًا في سجن عكا وهو صائم بعد أن رفضت سلطات الانتداب البريطاني تخفيف الحكم عليه أو تأجيل تنفيذه غير عابئة بالحملة العربية التي كانت من أجل إنقاذه.
عبد الرحيم الحاج محمد (1892-1939)
من الأسماء اللامعة في تاريخ المقاومة الفلسطينية الذين آمنوا فعليًا بضرورة الكفاح المسلح ضد الاحتلال. هو واحد من قادة ثورة 1936-1939، وقائدها العام لمدة تزيد على السنة، كنيته أبو كمال، ولد في قرية ذنابة في قضاء الخليل، ثم جند في الجيش العثماني، وأرسل إلى لبنان حيث تلقى تدريبه العسكري في المدرسة الحربية في بيروت، وأمضى خدمته العسكرية خلال سنوات الحرب العالمية الأولى في مدينتي طرابلس وبيروت.
كان من أسرة ثرية وله تجارة كبيرة كما كان متعلمًا أيضًا، في ذلك الوقت كانت فلسطين تمر بمرحلة قاسية في أثناء الاحتلال البريطاني والخطر الصهيوني، فأخذ يدعو إلى الجهاد ضد أعداء الأمة العربية من مستعمرين بريطانيين ومستوطنين صهاينة، موضحًا خططهم ومشروعاتهم وأهدافهم.
في مطلع سنة 1939 سافر عبد الرحيم الحاج محمد إلى دمشق والتقى المفتي محمد أمين الحسيني وبحث معه أوضاع الثورة وما تحتاج إليه من سلاح ومساعدات
كما جمع سرًا التبرعات ونظم المجاهدين ودربهم مستفيدًا من خبرته العسكرية السابقة، وبعد إعلان الإضراب العام الكبير في شهر أبريل/نيسان 1936 قاد مجموعة من الثوار قامت بعدة هجمات على البريطانيين والمستوطنين، فلاحقته سلطات الانتداب، فاضطر بعدها لترك بيته وأهله والانتقال إلى العمل الثوري السري، وأخذ يصعد عمليات الثورة، ثم ظهر علنًا في معركة نور شمس، وهي أول وأكبر معركة منظمة خاضها الثوار الفلسطينيون مع قوات الاحتلال البريطاني والمستوطنين في 22 من يونيو 1936.
في مطلع سنة 1939 سافر عبد الرحيم الحاج محمد إلى دمشق والتقى المفتي محمد أمين الحسيني وبحث معه أوضاع الثورة وما تحتاج إليه من سلاح ومساعدات، وفي 26 من مارس 1939 عاد إلى فلسطين، مع بعض من رفاقه، وتوقفوا في قرية صانور قضاء جنين، ليمضوا ليلتهم.
علمت سلطات الانتداب بوجودهم هناك، فوجهت قوة عسكرية كبيرة هاجمتهم في صباح 27 من مارس 1939، وخاض القائد عبد الرحيم مع هذه القوة معركة غير متكافئة استشهد فيها، كما استشهد بعض مرافقيه، ودفنت سلطات الانتداب البريطاني جثمانه سرًا في صانور، ولكن الثوار استرجعوا الجثمان، ونقلوه إلى ذنابه، مسقط رأسه، ودفنوه فيها.
كانت وفاته حزنًا على فلسطين كلها، كل البيوت تحولت لدور عزاء ورفع الناس الأعلام السوداء على بيوتها، وتوقف أيضًا ميناء يافا عن العمل بالإضافة لتوقف حركة السيارات والمارة وامتنع العمال عن أشغالهم حتى ظن الجميع أن إضرابًا جديدًا وقع في فلسطين.
عبد القادر الحسيني (1908-1948)
أحد أبرز رموز الجهاد المسلح ضد الصهاينة في الفلسطين، ولد في إسطنبول وتربى طفولته وشبابه في فلسطين، وهو سليل عائلة الحسيني العريقة التي ينتمي لها كل من الشيخ أمين الحسيني والقائد خالد الحسيني، التي كان لها دور بارز في العمل الشعبي والسياسي.
ضعف الإمكانات العسكرية جعله يناشد العرب على أكثر من مستوى، وأبرزهم مطالبة الجامعة العربية بتوفير سلاح للمجاهدين
رغم تلقيه التعليم في الجامعة الأمريكية في بيروت وإحدى الجامعات المصرية ومحاولة الإنجليز استمالته عن طريق المناصب، كان مدركًا حقيقة الخطر الذي يواجه فلسطين، فاشتهر بعملياته العسكرية ضد الإنجليز والصهاينة في أكثر من بلد، منهم العراق ومصر وتحديدًا فلسطين، بعد صدور قرار التقسيم.
ترأس قيادة كتائب الجهاد المقدس في فلسطين التي كانت مهمتها الأساسية صد الصهاينة عن احتلال المزيد من الأراضي من خلال المواجهة العسكرية، وحقق انصارات كبيرة في أكثر من معركة، كبيت سويرك ورام الله واللطرون والنبي صموئيل والنبي يعقوب ومعركة بيت لحم الكبرى.
ضعف الإمكانات العسكرية جعله يناشد العرب على أكثر من مستوى، وأبرزهم مطالبة الجامعة العربية بتوفير سلاح للمجاهدين، وبالفعل ذهب لهم على أمل الحصول على شيء لكنه عاد بنصف كيس من الرصاص فقط، وتوجه للقسطل التي وقعت بها معركة مفصلية بين فرقته والصهاينة، أصيب فيها وختم بها حياته واستشهد في 8 من أبريل 1948.
ومن أبرز الوثائق التي تركها عبد القادر الحسيني، المذكرة التي تركها لأمين الجامعة العربية التي حمّل فيها العرب مسؤولية تخاذلهم في حق فلسطين وتقصيرهم في حق المجاهدين ورفض تمويلهم وتسليحهم.
إبراهيم أبو دية (1919-1952)
يعتبر الرجل الثاني في جيش الجهاد المقدس بعد عبد القادر الحسيني مباشرة. قائد ميداني ولد في فلسطين بإحدى قرى الخليل، اشترك في العديد من الأعمال الجهادية ضد الإنجليز وضد الوجود الصهيوني في فلسطين بداية من الثورة الفلسطينية عام 1936 ووصولاً للعام 1947 وتشكيل جيش الجهاد المقدس الذي أصبح جيش المقاومة الرسمي آنذاك.
كانت عملياته تستهدف بشكل رئيسي التجمعات الصهيونية والمستوطنات
كان الذراع اليمنى لعبد القادر الحسيني وخليفته بعد استشهاده، وكان يقود العمليات بنفسه، ففي إحدى المرات كان مصابًا ومحجوزًا بالمشفى، هرب من أجل إتمام عملية فدائية ثم عاد للمشفى مرة أخرى ليستكمل العلاج.
كانت عملياته تستهدف بشكل رئيسي التجمعات الصهيونية والمستوطنات كمستوطنة كفار عصيون ومستوطنة رامات راحيل. أصيب بالشلل في إحدى المعارك جراء عيارات نارية أطلقت عليه انتقل بعدها للبنان وتوفي فيها عام 1952.
ثورة البراق
قامت في العام 1929 وهي أول ثورة فلسطينية تقوم ضد الوجود الصهيوني في فلسطين وضدد ممارسات السلطات البريطانية في حق الفلسطينيين. سببها تحديدًا كان الوضع الاقتصادي المزري في فلسطين في أثناء الانتداب البريطاني الذي عانى منه أهل فلسطين اقتصاديًا وماليًا، وبسبب أيضًا الهجرات اليهودية التي وصلت فلسطين سواء بشكل شرعي أو غير شرعي.
هبة الفلسطينيين وردهم على اليهود كان ثمنها إعدام ثلاثة شبان فلسطينيين في سجن عكا
انفجرت الثورة حين احتفل مجموعة من الصهاينة بأحد أعيادهم عند حائط البراق واستفزوا المسلمين بالأغاني والسباب، وعلى مدار 3 أيام وقعت اشتباكات بينهم انحازت فيها الشرطة البريطانية لليهود، وتعاملت مع الفلسطينيين بعنف شديد رغم أن الخسائر المادية والبشرية كانت من الطرفين، إلا أن هبة الفلسطينيين وردهم على اليهود كان ثمنه إعدام ثلاثة شبان فلسطينيين في سجن عكا وهم (محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي).
ثورة وإضراب 1936
بعد استشهاد الشيخ عز الدين القسام قامت في فلسطين ثورة كبيرة جدًا هي ثورة 1936 التي امتدت لعام 1939. في بدايتها بدأ “الإضراب الكبير” الذي بدأ في تنفيذه الفلسطينيون لمدة 6 أشهر متتالية، أغلقوا دكاكينهم وتوقفوا عن العمل، وعُد ذلك أطول إضراب يقوم به شعب بالكامل في التاريخ الحديث، تضررت بريطانيا بشدة اقتصاديًا جراء هذا الإضراب الذي لو استمر لكان من الممكن أن ينتهي وربما يتأخر وربما يفشل المشروع الصهيوني في فلسطين.
طلبت بريطانيا من الحكام العرب التوسط في أمر الإضراب وبالفعل ضغطوا على القيادات الفلسطينية لإنهاء هذا الإضراب وقدمت لندن وعودًا بتحسين معاملتها للفلسطينيين وإيقاف الهجرات اليهودية ووعود أخرى في كتاب أسموه الكتاب الأبيض.
معركة نور شمس الأولى من المعارك التي خاضها المجاهدون الفلسطينيون ضد البريطانيين في أثناء الانتداب
نتيجة للضغط خضع الفلسطينيون لطلبات العرب وأوقفوا الإضراب لكن شيئًا من تلك الوعود لم يتحقق حتى الآن. هناك العشرات وربنا المئات من العمليات والمعارك التي قام بها المجاهدون في تلك الفترة كنسف شارع هاسوليل وبالستاين بوست، خطط لهذه العملية المجاهدون الفلسطينيون بقيادة عبد القادر الحسيني عام 1948، استهدفت العملية شارع هاسوليل أحد أكبر شوارع القطاع اليهودي في القدس عن طريق سيارة مفخخة، أدى الانفجار لهدم ثمانية مبانٍ في الحي بالإضافة لصحيفة بالستاين بوست.
أيضًا معركة نور شمس الأولى من المعارك التي خاضها المجاهدون الفلسطينيون ضد البريطانيين في أثناء الانتداب، بدأت باعتراض الفلسطينيين طريق إحدى القوات البريطانية بالأحجار، ووقت نزول الجنود لفتح الطريق هجم المجاهدون الفلسطينيون عليهم، ودارت معركة طويلة استمرت من الظهر وحتى العشاء، طلب فيها البريطانيون مددًا من القيادة وبالفعل وصلتهم قوة من نابلس وقوة ثانية عبارة عن 300 جندي و7 طائرات و8 دبابات. انتهت المعركة باستشهاد فلسطينيين اثنين وإصابة 3 طائرات برصاص الثوار وإعطابهم بشكل كامل.
معركة جنين
وقعت في العام 1948 بين كتائب المجاهدين الفلسطينيين بمساعدة كتائب من الجيش العراقي والعصابات الصهيونية، انتهت بانتصار العرب ومنع اليهود من تهجير القرى الواقعة بتلك المنطقة.
معركة صور باهر: دارت في قرية صور باهر عام 1948 التي خرج مجاهدوها وفرضوا حصارًا على بعض المستوطنات الصهيونية جعلت القيادة تطلب من العرب رفع الحصار لكنهم رفضوا، فشن اليهود هجومًا على القرية وتصدى لهم العرب وطردوهم.