يستقبل السوريون شهر رمضانهم السابع في مخيمات التشرد ومواطن اللجوء، حيث تمزق التآلف الذي كان بالسابق من قرب الأرحام ومودة الجيران، تمزقت تلك القيم مع فرارهم وتشردهم في شتى بقاع العالم الذي خذلهم وخذل حريتهم التي نادوا بها، وفي ظل استمرار الألة الإجرامية في قتلهم ما زالوا يبحثون عن أمن فقدوه منذ سنوات.
يرى السوريون أن رمضان هو الفرج لديهم، فلطالما انتظروه لأنه شهر الرحمات والغفران، فقد يزال الهم وتنفرج عقد الحياة التي لطالما ارتبطت بالأسد ومليشياته، في كل عام ينتظرون شهر رمضان باستهلال جديد بقولهم: “صباح العيد سيسقط الأسد”، على منبر هذه الجمل نقف متعجبين من الأمل الذي ما زال يرسمه السوريون على جباههم، لكن هذا كان في السابق عندما كان 50% من الأراضي السورية خضراء، لكن الآن يأملون نهاية حرب على أرض رويت بدماء أبنائها.
انحسرت مناطق المعارضة السورية المسلحة في هذا العام كثيرًا وفقدت حصونًا كانت ترعب النظام، كان السوريون يترقبون سقوط الأسد، لكن داعميه فعلوا المستحيل لينهوا حرية السورية التي نادوا بها على أرضهم.
استقبال شهر رمضان بمعاناة مأساوية
يعيش ما يقارب 300 ألف مدني في المخيمات الرسمية والعشوائية قبل سلسلة التهجير الأخيرة، وسيعاينون الرمضان السابع وهم نازحون قرب الحدود السورية التركية، هجروا منذ سنوات عدة وذاقوا بؤس الأيام، وهم اليوم يستهلون رمضان دون منزل يأوي جمعتهم أو مكان يحيي لهم ما فات خلال السنوات الماضية، وتفتقر هذه المخيمات التي تعتبر رسمية للتنظيم والتخديم فهي تعاني من قبل ولا تزال تواجه متاعب تشل الحياة.
وعلى الرغم من المعاناة التي يعايشها هذا العدد الهائل من الناس، هناك أعداد هائلة من المهجرين الذين وصلوا منذ شهر تقريبًا وإلى الآن ما زالوا يتوافدون من البلدات والمدن التي كانت تخضع للمعارضة في مناطق مختلفة وخضعت لمفاوضات سابقة تقضي بالتهجير القسري.
يعيش الوافدون من المهجرين في خيام كبيرة، حيث خصصت واحدة لتحوي النساء وأخرى الرجال، فيعيشون بكثافتها منفردة عن بعضها البعض، تحولت حياتهم من منازل جمعتهم سابقًا حيث إنهم كانوا قد أفنوا عمرهم ببنائها تركوها خلفهم هائمين على وجوههم، في مخيمات المهجرين، في الشمال السوري، تبرز المعاناة من جديد وتتفتق قصص من المآسي في ظل غياب شبه كلي للمنظمات الإنسانية التي فقد عملها بالآونة الأخيرة.
والحديث عن المعاناة ليس بجديد ولكن التحولات والواقع يفرض معاناة من نوع آخر على المهجرين، فالخيام التي لا ترد حر الصيف أبدًا رغم أنهم في شهر صيام تزيد من الألم أكثر، وربما ستفتقد هذه المخيمات بهجة الشهر الفضيل رمضان، لأن الحياة بشكلها الكلي مرعبة للغاية.
توزع عدد كبير من النازحين والمهجرين على المدن والبلدات في المناطق المحررة، إلا أن مرارة البحث عن منزل وغلاء سعر الإيجار إن وجد يعيد الباحث إلى خيمته في كامل الخيبة، لا أمل للحياة من جديد، أما السكان المحليون في المدن والبلدات المحررة فيعانون أساسًا من الفقر السيئ وفقدان مقومات الحياة الخدمية، إلا أن حالهم يعد أفضل بكثير من سكان الخيام.
المعارك التي يخوضها الجيش السوري الحر متوقفة بشكل فعلي وليس لها أي وجود، على غير ما عهدناه من السنوات السابقة، حيث كانت تزداد حدة المعارك خلال شهر رمضان
انتشار للبطالة وغلاء الأسعار
انتشرت البطالة بشكل فعلي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة منذ زمن بعيد، وذلك مع توقف المؤسسات العامة التي كانت مصدر رزق للآلاف من السكان المحليين، فالعودة في البحث عن عمل في غاية الصعوبة وقلة قليلة من يجد العمل، هذا بالنسبة للقطاع الخاص في كافة المناطق المحررة.
إلا أن هناك بعضًا من المناطق كدرع الفرات التي عادت في بلداتها الحياة مجددًا حصل عدد لا بأس به على عمل ربما يغطي جزءًا من نفقاته وذلك عن طريق تفعيل المؤسسات التعليمية والخدمية والطبية، لكن في باقي المناطق بريف حلب الغربي إدلب وريف حماة تكبر المعاناة أكثر طالما يواجه معيل الأسرة تحديات عدة في رحلة البحث عن إيجاد عمل لإعالة أسرته.
ومع انتشار البطالة ترتفع أسعار المواد الغذائية والخضراوات ويصعب تأمينها، فأغلبها يقطع الحدود التركية إلى الأراضي السورية وبأسعار باهظة نتيجة تعرضها للجمركة وغيرها، ولكن مهما كان السعر خفيفًا يعد مرتفعًا جدًا بالنسبة لذوي الدخل الشهري المحدود أو غيرهم من أقرانهم الذين لا يملكون عمل على الإطلاق.
هل تتوقف المعارك خلال رمضان؟
المعارك التي يخوضها الجيش السوري الحر متوقفة بشكل فعلي وليس لها أي وجود، على غير ما عهدناه من السنوات السابقة، حيث تزداد حدة المعارك خلال شهر رمضان، وتشهد جميع خطوط التماس مع النظام ومليشيا الوحدات من جهة والمعارضة من جهة أخرى ركودًا منذ نشر نقاط المراقبة التركية التي أقرتها مباحثات أستانة، واقتتال الفصائل توقف منذ الاقتتال الذي حصل في مدينة الباب، ولكن ربما نشهد اقتتالاً لإنهاء وجود فصيل عسكري على الأرض وخاصة في محافظة إدلب التي لا تزال تشهد فلتان أمني إلى الآن.
وفي الخروج عن نطاق المناطق المحررة فلا تزال مدينة دير الزور تشهد اشتباكات عنيفة بين تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ومليشيا الوحدات الكردية، ومن جانب آخر لا تزال هناك اشتباكات بين قوات النظام وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في المحافظة ذاتها، وتشهد جبهات النظام التي تقع مع خط تماس الوحدات الكردية اشتباكات متقطعة بما أنها حليفة للنظام.
لم يكن السوريون يستقبلون شهر رمضان على هذه الشاكلة إنما كانت أرضهم أغلبها خضراء لها من الحرية نيل لكن العالم يتغنى بقتل السوريين وتشتيتهم وتهجيرهم
في جنوب دمشق تشهد الأحياء التي تخضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” اشتباكات مع قوات النظام، فما زال التنظيم متمسكًا بمناطق سيطرته ويكبد النظام خسائر كبيرة في العتاد والأرواح، كما يواجه المدنيون في مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مصيرًا مجهولًا في ظل قصف هستيري للنظام على المنطقة وقلة للأدوية لوقوعها في جيب محاصر.
لم يكن السوريون يستقبلون شهر رمضان على هذه الشاكلة، إنما كانت أرضهم أغلبها خضراء لها من الحرية نيل، لكن العالم يتغنى بقتل السوريين وتشتيتهم وتهجيرهم، فآلاف العائلات مشتتة ومهجرة وفي كل مكان قسم لعائلة، بلغوا من الألم والمعاناة ما فاق قدرتهم، حيث كانت وجوههم تزهر نورًا بقدوم شهر رمضان الذي طالما كانوا ينتظرونه على مدى العام عندما كان الأمن والاستقرار موجودين، حيث كانت الزينة تملأ شوارع الحارات وتقام المآدب والموالد التي تحمد الله وتصلي على نبيه، فيختلف تمامًا هذا العام عن سابقه حيث رسمت المعاناة على وجوههم بدل البهجة والسرور، كما كان لهم عند الكرم حصة عندما يطعمون محتاجًا ويأوون مشردًا، هذه الأخلاق التي ما زالوا يتحلون بها.