لم يكن يدور بمخيلة الشاب العشريني أنور إبراهيم، حين تزعم منظمة الشباب الإسلامي الطلابية التي أسست فيما بعد حركة الشباب الإسلامي في ماليزيا أنه سيصبح يومًا ما الرجل الأول في شرق آسيا، بل سيتحول إلى قدوة تداعب أحلام أجيال عدة رأوا فيه الداعم الأول لهموم الفلاحين والمحرومين.
سياسي بارز، مهندس نهضة من الطراز الأول، استطاع في وقت لا يساوي في حساب الزمن لحظات أن يتسلل إلى عقول وأفئدة القائمين على أمور الحكم في بلاده، نجح في فترة وجيزة أن يصعد سلم المجد والشهرة ليتحول خلال سنوات قصيرة إلى أحد أشهر الزعماء والساسة في ماليزيا.
بعد 20 عامًا تنقل فيها إبراهيم بين المحاكم والسجون، على خلفية قضايا قيل إنها سياسية من الدرجة الأولى، ها هو يخرج للنور مرة أخرى، لكن هذه المرة الوضع يختلف شكلاً ومضمونًا، فالرجل الذي قضى أكثر من ربع عمره في السجن قد يذهب إلى منصات التتويج السياسي مرة أخرى بعد غياب دام طويلاً، وربما يصبح رئيسًا لوزراء بلاده في غضون عامين أو أكثر قليلاً.
بالأمس أصدر ملك ماليزيا سلطان محمد الخامس عفوًا شاملاً عن إبراهيم وأمر بإخلاء سبيله، بعد أيام قليلة من إعلان رئيس الوزراء الجديد مهاتير محمد بموافقة الملك على العفو عن المعارض المسجون، وأنه سيستطيع المشاركة بشكل كامل في الحياة السياسية.
نجومية مبكرة
ولد أنور إبراهيم في 10 من أغسطس/آب 1947 بمقاطعة بنين الماليزية، ثم التحق بالجامعة المالاوية ليدرس علم الاجتماع خلال الفترة من (1969-1973) ليقود عددًا من التظاهرات الحاشدة التي خرجت في ماليزيا ذلك الوقت ضد الفساد والمفسدين ليلفت أنظار رئيس وزراء بلاده وقتها معجبًا بنشاطه وشجاعته.
وفي 1973 تم اختياره عضوًا بمجموعة المستشارين الشباب للأمين العام للأمم المتحدة، ممثلاً للشباب الماليزي، ليؤسس بعد تخرجه مباشرة حركة الشباب المسلم التي كانت بمثابة نقطة الشرارة الأولى نحو الزعامة السياسية إذ فتحت الطريق أمامه للاتصال بالكثير من المنظمات الشبابية الدولية ليصبح اسمه مادة دائمة الحضور على موائد الكيانات الدولية.
نجاح الرجل قد أثار حفيظة النظام في ماليزيا مرة أخرى، وفي ديسمبر/كانون الأول 2009، عادت تهمة الشذوذ الجنسي تلاحقه من جديد، ورفضت المحكمة العليا الماليزية الاستئناف الذي تقدم به
ولأن للزعامة ضريبة، فقد تعرض أنور للاعتقال أكثر من مرة أولها عام 1974 واستمرت قرابة 22 شهرًا دون محاكمة، في تهم أرجعت لنشاطه السياسي ودفاعه المتواصل عن المحرومين والفقراء والفلاحين في ماليزيا، وعقب الإفراج عنه توقع البعض تجميد نشاط الشاب المتحمس، لكن سرعان ما عاود مسيرته مرة أخرى وهو ما أثار إعجاب رئيس الوزراء حينها محاضر محمد ومن ثم دعاه للالتحاق بحزب الاتحاد القومي الماليزي عام 1982.. ومن هنا كانت البداية.
ساعد انضمام إبراهيم إلى ثلة الحكم في ماليزيا في صعود نجمه سريعًا وبصورة لم تتح لأي من سابقيه، فأصبح في خلال سنوات معدودات نائبًا لرئيس الحزب وتولى تباعًا وزارات الشباب والرياضة والزراعة والتعليم، ثم عين نائبًا لرئيس الوزراء مهاتير محمد ووزيرًا للمالية وأصبح الرجل الثاني في ماليزيا، ليتوج عام 1998 بتصنيفه الرجل الأول في شرق آسيا بحسب استطلاع أجرته مجلة “نيوزويك” وقتها.
وصف أنور إبراهيم محاكماته بـ”المؤامرة”
سنوات العجاف
كانت العلاقة بين إبراهيم ومهاتير في أوجها منذ تنصيبه نائبًا له في 1993 غير أن الأزمة المالية التي عصفت بدول شرق أسيا 1997 كانت المسمار الأول في نعش تلك العلاقة، حيث نشب خلاف حاد بين الرجلين بسبب ملفات الفساد وطريقة إدارة الدولة، نجم عنها إقالة إبراهيم من منصبه.
وفي نفس العام وجهت له تهم الفساد والشذوذ الجنسي، صدر بسببها حكمًا بحبسه 6 سنوات انفراديًا، إلى أن برأته المحكمة فيما بعد في سبتمبر/أيلول 2004، وهو ما اعتبره مكايدة سياسية ومحاولة من رئيس الوزراء التخلص منه بسبب آرائه المعارضة له.
يذكر أنه كذلك في عام 2000 أدين بتهمة المثلية مع سائق زوجته وسجن لتسع سنوات أخرى، ورغم أن المثلية غير قانونية في ماليزيا إلا أنه من النادر محاكمة أحد بسببها، وظل إبراهيم مصممًا على أن هذا الاتهام له دوافع سياسية للحيلولة دون أن يصبح مصدر تهديد سياسي لمهاتير محمد.
وفقًا للتوافق بين الأحزاب الأربع، سيعود إبراهيم من خلال “انتخابات خاصة”، تجرى في البرلمان، بحيث ينسحب أحد نواب حزب “عدالة الشعب”، تمهيدًا للدخول إلى الحكومة نائبًا لرئيس الوزراء
ومن باب المعارضة عاد للحياة السياسية مرة أخرى، حيث قاد تحالفا مناوئًا للائتلاف الحاكم (الجبهة الوطنية) إلى انتصار كبير في الانتخابات البرلمانية في 2008، محققًا ثلث المقاعد البرلمانية وقتها وهو ما شكل تهديدًا هو الأقوى للحكومة وتيارها الموالي منذ 50 عامًا.
لكن يبدو أن نجاح الرجل قد أثار حفيظة النظام في ماليزيا مرة أخرى، وفي ديسمبر/كانون الأول 2009، عادت تهمة الشذوذ الجنسي تلاحقه من جديد، ورفضت المحكمة العليا الماليزية الاستئناف الذي تقدم به، ليصدر ضده حكمًا جديدًا في فبراير/شباط 2010 إلا أنه استأنف هذه المرة ليتم تبرئته بعدما اتهم المحاكمة بأنها مجرد “مؤامرة”.
وفي 10 من فبراير/شباط 2015 عادت تهمة الشذوذ مرة أخرى، لكن هذه المرة المحكمة العليا أيدت الحكم بسجنه خمس سنوات، رافضة الطعن الذي تقدم به، وبعد أقل من شهر تقريبًا على الحكم وبالتحديد في 7 من مارس/آذار 2015 خرج الآلاف في شوارع كوالالمبور مطالبين بإطلاق سراحه، كما تقدمت عائلته بالتماس للعفو من الأسرة الحاكمة.
فاز تحالف مهاتير وأنور في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بنسبة الأغلبية
العودة من بعيد
دفع تفشي الفساد في ماليزيا على أيدي رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق كل من مهاتير محمد وأنور إبراهيم إلى تنحية الخلافات جانبًا، وطي صفحة المكايدة السياسية، وتدشين صفحة أخرى من أجل التصدي للمؤامرات التي تستهدف مستقبل الماليزيين، ومن ثم كان التحالف في انتخابات البرلمان 2018.
البداية حين اعترف مهاتير بخطئه التاريخي في سجن خصمه السياسي، وهو الخطأ الذي تعهد بمعالجته حال فوزه في الانتخابات فورًا، ومن ثم كان حزب “عدالة الشعب” بزعامة أنور هو الظهير السياسي الذي استند إليه مهاتير في معركته الانتخابية الأخيرة بجانب ثلاثة أحزاب أخرى هي العمل الديمقراطي – الذي يهيمن عليه الصينيون – في المعارضة والأمانة الوطنية الذي انشق عن الحزب الإسلامي ووحدة أبناء الأرض الذي شكله مهاتير بعد انشقاقه عن حزب أمنو الذي يقود تحالف الحكم، مكونًا بذلك تحالف المعارضة المنضوى تحت مسمى “جبهة الأمل”.
العضوان السابقان في الحزب الحاكم الماليزي واللذان تحولا تباعًا إلى جبهة المعارضة نجحا في الإطاحة بإمبراطورية عبد الرزاق بعد نجاح تحالفهما “جبهة الأمل” في تحقيق مفاجأة مدوية بحصوله على 113 مقعدًا من مجموع 222 بما يشكل الأغلبية ومن ثم الحكومة.
وصباح اليوم تم الإفراج عن إبراهيم متوجهًا إلى القصر الملكي مباشرة بعد إطلاق سراحه من المستشفى الذي كان يعالج فيه، من دون أن يدلي بأي تصريح صحفي، فيما قال سيفاراسا راسياه محاميه الخاص بأن العفو الذي أصدره الملك عفوًا شاملاً: “وهو ما يعني أن كل الإدانات السابقة ضده قد ألغيت”، بينما أكد رئيس الفريق الطبي الذي أشرف على علاجه أن صحته جيدة وقادر على مواصلة أعماله ومسيرته السياسية بكفاءة.
قبيل الانتخابات كان مهاتير قد صرح بأن بقاءه في السلطة كرئيس للحكومة حال فوزه في الانتخابات لن يستمر أكثر من عامين، يحاول فيهما إصلاح ما أفسده رئيس الحكومة السابق، كما أن عمر الرجل الذي تجاوز الـ93 عامًا ربما يكون عائقًا حال استمراره، وهو ما فسر حينها بأن الباب سيكون مفتوحًا أمام إبراهيم (71 عامًا) للعودة للمشهد السياسي مجددًا، لكن هذه العودة لا يمكن أن تكون هكذا بصورة مفاجئة.
برلماني ماليزي في تصريحات له لموقع “عربي 21” كشف تفاصيل عودة إبراهيم للحياة السياسية مرة أخرى، لافتًا إلى أنه سيكون له الدور ذاته الذي يلعبه زعماء الأحزاب الثلاث الأخرى في التحالف (جبهة الأمل)، باستثناء مهاتير بصفته رئيسًا للوزراء.
حسان الدين يونس، البرلماني عن تحالف المعارضة الفائز في الانتخابات، أشار إلى أنه وفقًا للتوافق بين الأحزاب الأربعة، سيعود إبراهيم من خلال “انتخابات خاصة”، تجرى في البرلمان، بحيث ينسحب أحد نواب حزب “عدالة الشعب”، تمهيدًا للدخول إلى الحكومة نائبًا لرئيس الوزراء كخطوة أولية تمهيدًا لرئاسة الحكومة حال التزام مهاتير بوعوده بعد عامين.