تختلف الهيئات الدينية بالعالم الإسلامي في كل سنة بتحديد أول أيام رمضان، حيث تعتمد بعض البلدان على الرؤية بالعين المجردة اتباعًا لحديث الرسول “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته”، ودول أخرى تعتمد على الحساب لفلكي، وثالثة تجمع بين الرؤية والحساب، ونتيجة لعدم اتفاق البلدان يفضل عامة الناس اتباع ما يحدده البيت الحرام دون الاعتماد على رؤية الهلال في بلدانهم.
في عام 2011، حدث تشكيك وجدل واسع بعد اعتراف الجمعية الفلكية بجدة بأن المواطنين السعوديين أفطروا على رؤية كوكب زحل بدلًا من هلال شوال، فلقد أكد جميع الفلكيين في العالم العربي أن رؤية هلال شوال في سماء المملكة في هذا التوقيت مستحيلًا، ولهذا السبب، قررت المملكة دفع مليار و6 ملايين ريال كفارة للشعب، ولكن تم نفي هذه الحادثة من جهات أخرى، مؤكدةً على صحة رؤية الهلال.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تقع فيها السعودية بهذا الخطأ – إن صحت الاتهامات – ففي عام 1984 صام ملايين المسلمين في السعودية 28 يومًا فقط، لأن أحد الشهود رأى كوكبي عطارد والزهرة فاعتقادهما الهلال، إذ تفتقر المملكة إلى الجهات المختصة بهذا المجال وتعتمد على رؤى الشهود بصرف النظر عن خبرتهم ومعرفتهم، بحسب ما تقوله مواقع الأخبار.
لماذا تختلف الدول في تحديد بداية شهر رمضان؟
ما يجعل رؤية الهلال صعبة نوعًا ما، هي ولادة الهلال بالقرب من الشمس، إذ تصبح رؤيته وإمكانية تحديده صعبة، وخاصةً عندما يولد الهلال بعد غروب الشمس بوقتٍ قليل، أو وجود الغيوم الكثيفة التي تمنع الرؤية، وبهذا يبرر العلماء أخطاءهم وحيرتهم واختلاف حساباتهم بهذه الأسباب.
كما يعتبر اختلاف الموقع الجغرافي للبلدان الإسلامية عاملًا قويًا في تباين مواقفهم، فمنها من ترى الهلال في نصف الكرة الشرقي، وبالمقابل لا يُرى في النصف الغربي من العالم، لكنها غالبًا ما تتشابه في طرق تقصي رؤية الهلال، حيث تنشر لجنة رؤية شهر رمضان في عمان مراصدها في أماكن مختلفة من السلطنة، وأهمها جبل الشمس – أعلى قمة جبلية في البلاد، يصل ارتفاعه إلى 3 آلاف متر فوق سطح البحر – وتوزع لجان مختصة في التحري في جميع ولاياتها.
أما في مصر، تشرف دار الإفتاء المصرية على هذه المهمة، فتنشر لجان في يوم 29 من الشهر الهجري لمراقبة رؤية الهلال في عدة أماكن مختلفة من مدن الجمهورية مثل حلوان وأسوان وأكتوبر وقنا، وتكون كل لجنة مكونة من فلكي وعالم دين وبعض أساتذة قسم الفلك بجامعة القاهرة والأزهر.
يُعتقد بأن المغرب أدق الدول الإسلامية في رؤية الهلال في رمضان، فهو يرصد الهلال من خلال لجان رسمية مختصة تُنشر على نحو 200 موقع داخل المملكة؛ ما يجعل أخطاءه في هذا المجال صفر تقريبًا
وفيما يخص المملكة السعودية التي تتبع تقويم أم القرى الذي يعلن أول أيام الشهر الهجري الجديد في حال غياب القمر بعد الشمس ولو بدقيقة واحدة.
وفي واقعة أخرى، تشهد دول الخليج جدلًا دائمًا عن اختلاف رؤية الهلال بينهم وبين العمانيين، فعادةً ما تتمسك عمان بمبدأ رؤية الهلال لإعلان دخول الشهر بصرف النظر عن حركة القمر ومنظومة التقويم الهجري، وبعيدًا عن إجماع الدول الأخرى أيضًا، ومع موجات الانتقاد التي تتلاقها اللجنة الحكومية المكلفة بمتابعة الهلال، تصر بدورها على التمسك بالرؤية الشرعية للهلال وفقًا لحديث الرسول “لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه”.
هذا ويُعتقد بأن المغرب – منذ عام 1984 وحتى 2007 – أدق الدول الإسلامية في رؤية الهلال في رمضان، فهو يرصد الهلال من خلال لجان رسمية مختصة تُنشر على نحو 200 موقع داخل المملكة، ولا تُقبل الشهادة إلا من هذه اللجان المدربة والتابعة للدولة؛ ما يجعل أخطاء المغرب في هذا المجال صفر تقريبًا، بحسب رواية رئيس المشروع الإسلامي لرصد الأهلة، محمد عودة.
العمل بالرؤية المجردة أم بالحساب الفلكي؟
يدور القمر حول الأرض مرة واحد كل 29.5 يومًا تقريبًا، وفي أثناء دورانه يمر بأطوارٍ مختلفة، بدايةً بالمحاق ومرورًا بالهلال ثم التربيع الأول والأحدب المتزايد، ثم البدر والأحدب المتناقص، ثم التربيع الثاني، ثم الهلال المتناقص، وعودة مرة أخرى إلى المحاق.
وتختلف مواقيت غروب القمر باختلاف طوره، فعندما يكون القمر محاقًا فإنه يشرق مع الشمس ويغيب معها تقريبًا، وعندما يكون هلالًا فإنه يشرق بعد شروق الشمس بقليل ويغرب بعد غروبها بدقائق، ولرؤية هلال الشهر الجديد تقام عملية التحري في 29 من الشهر الهجري.
عندما يأتي هذا اليوم من الشهر يخرج المعنيون برصد الهلال إلى أماكن مرتفعة وخالية من التلوث، وينظرون جهة الأفق الغربي لحظة غروب الشمس، فإذا رأوا الهلال أصبح اليوم التالي هو أول الشهر الجديد، وإن لم يروه يصبح اليوم التالي هو المتمم للشهر الحاليّ، واليوم التالي له هو أول أيام الشهر الجديد، ولكن لا تسير العملية بهذه السهولة، فقد تحجب السحب أو الأمطار والعواصف وضوء الشمس لحظة الغروب ولادة الهلال، فيكمل الشهر الحاليّ ثلاثين يومًا ويخالف الهلال وبعض الدول التي تمكنت من رصده بوضوح.
وبسبب هذا الإرباك، اعتمد بعض الفقهاء على الحساب الفلكي الذي قدمته المراصد الفلكية وقدرتهم على حساب موقع القمر وميقات ميلاده بالثواني، ما جعل إمكانية التنبؤ ببداية الشهر الهجري أمرًا ممكنًا وشرعيًا أيضًا، وذلك بحسب الآية القرآنية التي تقول {هوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يونس 5.
إضافة إلى آيات أخرى، مثل سورة الرحم {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ”، وسورة الأنعام “فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.
ولهذه الحسابات أسس لا بد من الالتزام بها تجنبًا للوقوع بالخطأ، وأهمها: تأخر القمر في شروقه وغروبه كل يوم 13 درجة سماوية، أي 50 دقيقة، وهذا ما يجعل الهلال سابقًا أو متأخرًا عن الشمس وقت الغروب، فإذا ثبت غروب القمر قبل الشمس أو ميلاد القمر بعد الغروب أو حدث كسوف في أثناء غروب الشمس في يوم 29 من كل شهر هجري، فإن الشهر يتم الثلاثين يومًا.
أما إذا أثبت الحساب أن الشمس غربت وكان الهلال فوق خط الأفق، يعتمد الفلكيون على مدة المكث القمري، وهي المدة التي يمكثها القمر فوق خط الأفق بعد غروب الشمس وتصل من بضع ثوان إلى 40 دقيقة، وغالبًا ما تكون مدة المكث محدودة، فيصعب رؤية الهلال بسبب انغماسه في ضوء الشمس لحظة الغروب، وفي نفس الوقت، يكون الهلال في هذه اللحظة لا تقل نسبة إضاءة سطحه عن 1%، وعلى هذا الأساس وضعت بعض الشروط لتأكيد رؤية الهلال: أولها، ألا يقل عمر القمر من لحظة الميلاد أو الاقتران (المحاق) عن 12 إلى 18 ساعة عن غروب الشمس، فلقد صرحت الآية الدينية بأن مواقيت المسلمين مرتبطة بالهلال وليس المحاق، إذ قالت {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَج”} وثانيًا أن يبتعد القمر عن الشمس لحظة غروبها مسافة لا تقل عن 8 درجات سماوية، وثالثًا أن يغرب القمر بعد غروب الشمس بـ30 دقيقة أو أكثر.