من بين ناطحات السحاب في دولة من الدول الأكثر مادية في تاريخ الإنسانية، أُعلن يوم الخميس الماضي 10 من مايو/أيار تأسيس المجلس العالمي الأول للمجتمعات المسلمة في العاصمة الإماراتية أبو ظبي بحضور المئات من نحو 140 دولة، على مسافة 110 كيلومترات من سجن “الرزين”، أسوأ السجون سمعة، حيث يختلف المشهد، ويُذل الإماراتيون تحت الأرض.
ومع افتتاح المؤتمر تكرس الدولة محاربتها للتيارات الإسلامية المعادية لها من خلال واجهة عدوانية جديدة تلبي طموح السلطات عبر التوسع للسيطرة على صوت الملايين من الأقليات المسلمة في الغرب، منذ تأسيس مجلس حكماء المسلمين، لمحاربة “اتحاد علماء المسلمين” الذي صنفته الدولة ضمن قائمة المنظَّمات الإرهابية.
ولم يكن نحو 600 شخصية من الشيوخ والقداس الكاثوليك والبروتستانت والكهنة اليهود وأتباع الديانة البوذية والباحثين الدينيين والسياسيين يناقشون تبعات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة أو يسعون لحل الأزمة الخليجية مع قطر أو مناقشة أفكار، بل كانوا يناقشون الوجود الإسلامي في الغرب وكيفية التحكم بمستقبل مسلميه عبر تشكيل سياسات وأفكار وتكتلات متنوعة، فلا مجال هنا للحديث عن أمسيات شعرية أو ثقافية أو أدبية.
الدبلوماسية الدينية في خدمة أهداف أبو ظبي
في العاصمة الإماراتية، البوابة الرسمية للحكومة، حيث متحف اللوفر وجامع الشيخ زايد الكبير، كان المجتمعون يناقشون “الوجود الإسلامي في السياق العالمي والفرص والتحديات” بما يتوافق مع الدبلوماسية الدينية الناعمة لحكام الإمارات، وتصدر تفعيل تلك الدبلوماسية أجندة المؤتمر، لدورها الكبير في فض النزاعات والحروب والفتن ومواجهة تيارات العنف والكراهية التي لا تخرج في تصنيف أبو ظبي عن جماعات الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين.
وبحسب منظمي المؤتمر فإنه يهدف إلى التنسيق مع المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية والمحلية، والسعي إلى إعلان عدم شرعية منظمات بعينها، والمطالبة بحلّ كل المؤسسات والجمعيات التي يرى أنها “تدعو إلى الكراهية أو تروج مضامين إرهابية أو تسوق الإفتاء إلى أغراض حزبية مجافية للدين الاسلامي ومصالح عموم أبناء الأقليات المسلمة”.
كان المجلس الذي استمرت أعماله ليومين، معرضًا لجلسات متنوعة ناقشت موضوعات كثيرة لا تخرج عن أجندة أبو ظبي في المنطقة
ويمكن قراءة الطموح الإماراتي الواسع للمجلس الجديد، من خلال الأهداف التي تعكس أجندة أبو ظبي في المنطقة، وتشمل تجدید الخطاب الدیني وتدبیر الشأن الدیني كالإمامة والإفتاء والتعلیم والتنظير للاندماج في المجتمعات المحلية وتأهيل الأسر والنساء والشباب والأطفال في مجال التربية على المواطنة وإعداد وتهيئة القيادات الإسلامية في الغرب وخلق هيئات إقليمية إسلامية تمثيلية للمسلمين لدى الأجهزة الإقليمية للدولة أسوة بالهيئة التمثيلية للكاثوليك والبروتستانت واليهود.
ووفقًا للأهداف التي حُددت مسبقًا، كان المجلس الذي استمرت أعماله ليومين، معرضًا لجلسات متنوعة ناقشت مواضيع كثيرة مثل الإسلام في بريطانيا والتحديات التي يواجهها المسلمون في الصين وحالة الأقليات المسلمة في إفريقيا والفرص المتاحة في الغرب وحالة المسلمين في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وتنامي ظاهرتي التطرف الديني والإسلاموفوبيا وتفعيل دور المؤسسات الإسلامية الغربية لمواجهة التطرف الديني، إلى جانب الحرية الدينية لمسلمي أمريكا.
مجلس للمسلمين والشخصيات الحاضرة على هوى السلطة
قبل الشروع في الأهداف الخفية لأبو ظبي وراء هذا المجلس، يبدو من المفيد رسم خريطة للشخصيات التي تسير في فلك هذا المجلس الجديد وجغرافيتها؛ حيث استقبلت اللجنة العلمية للمؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة في أبوظبي نحو 600 شخصية، وذلك برعاية نهيان بن مبارك آل نهيان وزير ما يسمى التسامح الإماراتي، ورئاسة علي راشد النعيمي ونيابة محمد البشاري.
ومع افتتاح المؤتمر ألقى الشيخ نهيان بن مبارك الكلمة الافتتاحية، وعوَّل على هذا المؤتمر أن يخلق نوعًا من التعاون والتعايش بين المجتمعات المسلمة وغيرها خاصة في البلدان التي تعاني من عدم تنسيق للجهود، مؤكدًا أنه من الضروري التركيز على القضايا التي تهم الشباب لأنه أصبح عنصرًا فعالاً لا يمكن تجاهله في المجتمعات الحاليّة.
بدا من خلال الشخصيات الحاضرة أن تشكيلة المجلس لم تختلف عن منتدى “تعزيز السلم” و”مجلس حكماء المسلمين” الذي تعتمد فيه سلطات الدولة على التيار الأزهري -الصوفي الذي لم يأتِ من فراغ
لكن في الوقت الذي يرعى فيه وزير التسامح الإماراتي مؤتمر “الأقليات المسلمة”، فإن الوزير نفسه يحرض على المساجد في أوروبا، مدعيًا أنها مصدر للإرهاب والتطرف، ففي العام الماضي هاجم آل نهيان دور الحكومات الغربية والسماح للأقليات المسلمة بفتح المساجد وقال: “لا يجوز فتح المساجد ببساطة هكذا والسماح لأي فرد بالذهاب إلى هناك وإلقاء خطب، يتعين أن يكون هناك ترخيص بذلك”، معتبرًا أن إهمال الرقابة على المساجد في أوروبا أدى لوقوع هجمات إرهابية.
وأكد أن تطرف بعض المسلمين في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا يعود “إلى عدم وجود رقابة كافية من السلطات على المساجد والمراكز الإسلامية”؛ ما يعني بناء نظام مراقبة صارم على الأقليات المسلمة وتحويلهم إلى متهمين، وبذلك قد يتبين أنّ هذا المؤتمر استكمال للعرض الذي قدمه الوزير الإماراتي، إذ عرض خلال كلمته أن الإمارات “تعرض دائمًا تقديم المساعدة في تدريب الأئمة على سبيل المثال”، وفي المقابل ذكر الوزير أن بلاده لم تتلق حتى الآن طلبًا بالمساعدة من أوروبا.
وليس من قَبيل الصدفة أنّ نجد المدعو علي النعيمي رئيسًا للجنة المؤتمر، وهوأحد أبرز التابعين لجهاز أمن الدولة ورئيس تحرير صحيفة إلكترونية تابعة للجهاز نفسه ومدير عام مجلس أبو ظبي للتعليم، ورئيس دائرة التعليم والمعرفة عضو في المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي، ومدير جامعة الإمارات، وعدد آخر من الوظائف والمسؤوليات، لكن مشاركته جاءت دون أي إشارة لمنصبه كآمين عام لمجلس حكماء المسلمين.
ويظهر في الصورة أيضًا أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي الدكتور محمد بشاري، حيث أوكلت الإمارات له مهمة إدارة المؤتمر، بصفته نائب رئيس اللجنة، وكان بمثابة البوابة التي ستعبر من خلالها الإمارات لكسب مواقف داعمه لهم بين مسلمي أوروبا وأمريكا، حيث قررت الإغداق على الرجل بالعطايا والمال مقابل تطويع “منظمة المؤتمر الإسلامي الأوروبي” لصالح المواقف الإماراتية.
في الوقت الذي اهتم فيه منظمو المؤتمر بدعوة الرموز الدينية في الوطن العربي ودول أجنبية يعيش بها مسلمون، كان الملاحظ، غياب الأزهر الشريف وممثليه وأيضًا مجلس حكماء المسلمين عن المؤتمر
وسعى بشاري وهو النشط في تقديم الطريقة الصوفية، لأن يخرج المؤتمر في صورة مثالية عن طريق حشد شخصيات مسلمة من دول أوروبية وأمريكية مختلفة سواء ذات اعتبار أم شخصيات عادية لا تأثير فعلي لها على الأرض، ويوصف بكونه من أنشط تلاميذ العلامة الموريتاني الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس مجلس حكماء المسلمين ورئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات.
وفي الوقت الذي اهتم فيه منظمو المؤتمر بدعوة الرموز الدينية في الوطن العربي ودول أجنبية يعيش بها مسلمون، حيث كيشو نيفانو رئيسة الحركة البوذية العالمية، والمطران إلياس عودة كممثل لكنيسة الروم الأرثوذكس في لبنان، والدكتور شوقي علام مفتي جمهورية مصر، ومستشاره الدكتور إبراهيم نجم، والدكتور عمرو ورداني أمين عام الفتوى، وحضر الدكتور محمد الخلايلة مفتي المملكة الأردنية والشيخ قيس بن محمد آل شيخ مبارك عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية وآخرين، وكان الملاحظ، غياب الأزهر الشريف وممثليه وأيضًا مجلس حكماء المسلمين عن المؤتمر.
وبدا من خلال الشخصيات الحاضرة أن تشكيلة المجلس لم تختلف عن منتدى “تعزيز السلم” و”مجلس حكماء المسلمين” الذي تعتمد فيه سلطات الدولة على التيار الأزهري – الصوفي الذي لم يأتِ من فراغ، فقد كانت أبو ظبي تعمل على تلميع هذه المؤسسة وإعادة الاعتبار لها من منطلقات سياسية تتعلق بمشكلة الاستقطاب السياسي الحاد في المنطقة؛ كما أنه أصبح مطلبًا لأكثر من نظام سياسي سلطوي، يستمد منه شرعيته الدينية، ويواجه به خطر التطرف، ويهاجم منافسي الأنظمة من المدنيين المنضوين في أحزاب إسلامية.
يظهر اللوبي الديني للإمارات، وبشكل واضح في الدول العربية، من خلال “مجلس حكماء المسلمين” الذي أنشأته الإمارات عام 2014، ليكون في مواجهة اتحاد علماء المسلمين، الذي يترأسه الشيخ يوسف القرضاوي
ويقدم هذا التيَّار – الذي تقدمه الدولة للأقليات المسلمة – صورة إسلام منفتح وراقٍ للحكومات الغربية، لا يتدخل في السّياسة ولا الانتقاد، وهي رؤية سابقة لتوني بلير المسؤول عن مقتل مليون عراقي إبان رئاسته وزراء بريطانيا ويعمل مكتبه حاليًّا مستشارًا لدولة الإمارات وحلفائها “النظام المصري والليبي”.
إبراهيم أديا عضو وفد المملكة المتحدة في المؤتمر، وأندرياس كيفر أمين عام المؤتمر
مصالح سياسية عبر بوابة الدين
منذ اللحظة الأولى لتمهيد إعلان إطلاق لجنة عالمية، أفادت وسائل إعلام إماراتية ناطقة بالإنجليزية، أنها سوف تكون بمثابة “حاضنة” وكصوت لملايين الأقليات المسلمة في جميع أنحاء العالم الذين يواجهون التمييز، لكن يبدو أن الإمارات تسير وفق خطة شاملة لتشكيل سياسات وأفكار وتكتلات متنوعة للتحكم والسيطرة.
ويبدو أيضًا أن هدف المجلس الإماراتي الجديد التحكم في مستقبل الوجود الإسلامي في الغرب، وهو المجال الذي هيمن عليه الإخوان لعقود وأنشأوا كيانات ومؤسسات ومجتمعات مسلمة استلزمت التأصيل لخطاب ديني يواكب ذلك كله من خلال اتحاد المنظمات الإسلامية والمجلس الأوروبي للإفتاء وغيرها.
ويجمع مراقبون على أن الإمارات لا تستهدف كما تعلن دعم الأقليات الإسلامية في الدول غير المسلمة، بل إن المؤتمر يمثل خدعة إماراتية جديدة تستهدف من خلالها محاربة التيارات الإسلامية المعادية لها وسط تلك الأقليات، وتحقيق نفوذ إماراتي تعمل من خلاله على تنفيذ مآربها الخفية.
ويشكك متابعون في نوايا الإمارات من وراء هذا المؤتمر، خصوصًا أنها تحارب وبشدة الكثير من المنظمات والجمعيات والمؤسسات الإسلامية الكبرى في دول أوروبا وغيرها من الدول غير الأعضاء في رابطة العالم الإسلامي، فهي كما تحرص على خلق لوبي سياسي واقتصادي وحقوقي وإعلامي في خارج أراضيها فإنها أيضًا تعمل ومنذ فترة طويلة على خلق “لوبي ديني” يتحرك بأوامر منها لتصفية النشاط الإخواني عربيًّا وأوروبيًّا.
نظرًا لأن هذا المجلس لا يتعدى أثره العالم العربي، فقد قررت الإمارات التوسع في النفوذ الديني لها في أوروبا وأمريكا
ويظهر اللوبي الديني للإمارات، وبشكل واضح في الدول العربية، من خلال “مجلس حكماء المسلمين” الذي أنشأته الإمارات عام 2014، ليكون في مواجهة اتحاد علماء المسلمين الذي يترأسه الشيخ يوسف القرضاوي، وصنفته الإمارات بعد ذلك كمنظمة إرهابية، ثم سعت الإمارات من خلاله أن يكون المظلة الدينية لها والهيئة التي تدعم مواقفها الخارجية وتؤيدها بالفتاوى أو بالبيانات المختلفة، وحرصت على أن يضم هذا المجلس مجموعة من علماء الدين بالعالم العربي وعلى رأسه شيخ الأزهر أحمد الطيب.
وبرر السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة تشكيل المجلس الذي تم تأسيسه ودعمه من القادة الإماراتيين بهدف تحديث طريقة تدريس الإسلام في المدارس، وتطوير برامج تدريب جديدة للأئمة، وتحديث التفاسير القرآنية” وفقا لما قاله في جلسةٍ عُقدت في جامعة الدفاع الوطني التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية بتاريخ 28 من ديسمبر 2015.
فيما يرى مراقبون أن الإمارات سعت من خلال تأسيس هذا المجلس إلى تقويض اتحاد علماء المسلمين الذي دعم الربيع العربي الذي يخالف مصالحها، الأمر الذي جعل أبو ظبي تستعين بالشيخ عبد الله بن بيه النائب السابق للشيخ يوسف للقرضاوي والطيب مؤسس الاتحاد، في محاولة لخلق كيان بديل للاتحاد ومنافس له تتحكم به الإمارات.
توقع مراقبون أن يكون لهذا المؤتمر أهداف “تحريضية” على التيارات الإسلامية التي تعاديها الإمارات في العالم، كجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من تيارات الإسلام السياسي التي تناصبها الإمارات العداء
ونظرًا لأن هذا المجلس لا يتعدى أثره العالم العربي، فقد قررت الإمارات التوسع في النفوذ الديني لها في أوروبا وأمريكا والدول الغربية، فقررت البحث عن أشخاص ومنظمات دينية بدول الغرب لتدعمها وتغدق عليها بالمال في مقابل أن تكسب تأييدها، وهو ما فعلته خلال مؤتمر الأقليات المسلمة في أبو ظبي الشهر القادم.
ويتوافق ذلك مع النظرية الروسية الشهيرة التي تقول: “ما لا تستطيع إنجازه بالعنف؛ تستطيع إنجازه بعنف أكبر”، وهو مبدأ يتبعه أبناء زايد في السياسة المحلية والعالمية على صعيد آخر، وهو أن ما لا تستطيع إنجازه بالمال، تستطيع إنجازه بمال أكثر، وبهذه الإستراتيجية بدأ محمد بن زايد الذي يحمل عداوة شخصية مؤكدة مع كل ما يمثله مصطلح “الإسلام السياسي” بأكبر حملة ضد “الإخوان المسلمين”، ووقتها وصفه السفير البريطاني السابق في الإمارات السير جون جينكز، بأنه قد يكون أكثر من يكره الإخوان المسلمين في العالم.
ممثلون في المجلس من منطقة البحر الكاريبي
حقيقة نوايا الإمارات وراء ارتداء عباءة الدين
بناءً على ما سيق من أمثلة، توقع مراقبون أن يكون لهذا المؤتمر أهداف “تحريضية” على التيارات الإسلامية التي تعاديها الإمارات في العالم، كجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من تيارات الإسلام السياسي التي تناصبها الإمارات العداء، وبالتالي فإن الإمارات تسعى لاستقطاب قيادات دينية من مسلمي الأقليات الإسلامية في العالم لتنفيذ الأجندة الإماراتية، على غرار ما تفعل مع رجال السياسية والاقتصاد.
ويؤكد ذلك، أن مشاركين في مؤتمر أبو ظبي نبهوا إلى تسلل المصالح السياسية عبر القنوات الدينية كما جاء في مداخلة عبد الرحيم السليمي الأكاديمي من مركز الدراسات الإستراتيجية بالمغرب، حيث قال: “حملة التبشير الإيرانية واختراق الإخوان المسلمين للأقليات المسلمة، يمثلان أكبر خطر على المجتمعات المسلمة، خاصة مع صعود اليمين المتطرف في المجتمعات الغربية، وتصاعد موجات الإسلاموفوبيا، وهو ما ينذر بتزايد الخطر على الأقليات المسلمة في العالم”.
كانت تقارير دولية قد أكدت أن مراكز إسلامية ومساجد كبيرة في أوروبا وأمريكا تعرضت لضغوطات مهولة خلال الفترة الماضية، كي توجه تلك المراكز والمساجد خطابًا تحريضيًا ضد قطر
ورأى فيصل بن معمر الأمين العام لـ”مركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الأديان” بالنمسا، أن كل المصائب التي حلّت على العالم الإسلامي، جاءت نتيجة محاولة إيران تصدير الثورة وشق الصف الإسلامي، وانتشار الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة وجماعة الإخوان المسلمين التي أدت تصرفاتها المشبوهة إلى انتشار بؤر الإرهاب التي أدت بدورها إلى انهيار المجتمعات التي تغلغلت فيها وتشويه صورة المجتمعات المسلمة في الغرب.
أيضًا من المحتمل أن تسخر الإمارات هذا المؤتمر، للهجوم على دول بعينها، تقع بينها خصومة سياسية، كقطر وتركيا، حيث لا تدع الإمارات مناسبة إلا وقامت فيها بالتحريض لتأمين غطاء قانوني وضعت به مسبقًا قائمة من 83 حركة إسلامية وعربية وعالمية، مدنية وعسكرية، في قائمة “الإرهاب” الخاصة بها بلا معايير واضحة، وإنما بمعايير خاصة لا يعرفها إلا النظام نفسه.
وكانت تقارير دولية قد أكدت أن مراكز إسلامية ومساجد كبيرة في أوروبا وأمريكا تعرضت لضغوطات مهولة خلال الفترة الماضية، كي توجه تلك المراكز والمساجد خطابًا تحريضيًا ضد قطر كنوع من أنواع زيادة الحصار عليها بين مسلمي أوروبا وأمريكا، إلا أن أغلب تلك المراكز والمساجد رفضت الانصياغ لتلك التوجهات، وهو ما أدى إلى غضب إماراتي عارم، وقررت اختراق تلك المراكز والمؤسسات كافة.
تناقضات أبو ظبي.. دعم المسلمين ومحاربتهم في نفس الوقت!
بعيدًا عن حقيقة نوايا الإمارات من هذا المؤتمر، فإن تناقضات واسعة تظهر بشكل عام في الموقف الإماراتي من مسلمي دول الغرب وأوروبا، حيث إنه في الوقت الذي سعت فيه الإمارات لتنظيم مؤتمر عالمي لهم، وتحاول تجميع أكبر عدد من ممثليهم في هذا المؤتمر، تسعى الدولة من جهة أخرى لمحاربتهم والتضييق عليهم، وتحريض حكومات أوروبا ودول الغرب عليهم.
ففي 2015 صنفت الإمارات مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير” كمنظمة إرهابية، رغم الدور الذي يقوم به في تحسين صورة الإسلام في أمريكا ومشاركة المسلمين في الحياة السياسية.
يبدو أن المرحلة القادمة ستكون عسيرة، ومسألة خنق الحريات والتمكين للاستبداد بصورة أصبح مُعَولمًا بسلطات المال والسياسة والنفوذ
القائمة الإماراتية للإرهاب شملت أيضًا مؤسسات حقوقية ودعوية وعلمية وهيئات إغاثية تمارس أنشطتها بشكل قانوني في الدول الغربية، من بينها: الرابطة الإسلامية في إيطاليا وفنلندا والسويد والنرويج وبلجيكا والدانمارك وبريطانيا والتجمع الإسلامي في ألمانيا واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا ومنظمة الكرامة بجنيف ومؤسسة قرطبة في بريطانيا ومنظمة كانفاس في بلغراد – صربيا ومنظمة الإغاثة الإسلامية في لندن.
ووفقًا للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا فإن دولة الإمارات، ما فتئت تلاحق المسلمين في أوروبا أفرادًا ومؤسسات، بحجة محاربة الإسلام السياسي، وأدى ذلك إلى إلحاق الأذى ببعض الأفراد لفترة قصيرة حتى عادت الأمور إلى نصابها، ونذكر هنا – على سبيل المثال لا الحصر – إغلاق البنوك لحسابات مؤسسات وأفراد بضغط من الإمارات.
كيف إذًا للإمارات التي تدَّعي دعمها للأقليات المسلمة في العالم، في حين أنها لا تتوقف عن التحريض ضد هؤلاء المسلمين، وكذلك تضع أغلب روابطهم الإسلامية على قوائمها الإرهابية؟ يبدو أن المرحلة القادمة ستكون عسيرة، ومسألة خنق الحريات والتمكين للاستبداد بصورة أصبح مُعَولمًا بسلطتي المال والسياسة والنفوذ، وهناك دومًا شخصيات ومجموعات مهيأة للقيام بدور “الأداة المنفذة”.